إضاءات على مظاهر التأثير العربيّ في كُتّاب أمريكا اللاتينيةالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2020-01-31 21:03:11

د. محمّد محمّد خطّابي

مدريد - (إسبانيا)

ذهب مُحقًّا الشّاعر، والباحث، والناقد التشيلي الصّديق "سِيرْخيُو مَاثياسْ" (المقيم في مدريد حاليًا) عندما قال: "إنّ الحضور العربي في آداب أمريكا اللاّتينية على العموم هو واقعٌ قائم لا يُمكن نكرانه، وهو يتفاوت بين كاتب وآخر حسب العصر الذي عاش فيه، والأصل الذي ينتمي إليه، وحسب المعرفة المُكتسبَة عنده حول واقع تاريخ العرب وثقافتهم، وماضيهم، وتراثهم، وحاضرهم ،إذ ينبغي التفريق بين كتابات مُستوحاة من الواقع، وبين كتابات أخرى تقوم على الخيال".

الواقع والخيال

ويضرب الشاعر "سِيرخيُو ماثياس" مثالاً في هذا الشأن، فيقول: الأمر يختلف بين مبدع حداثيّ مُجدّد مثل شاعر نيكاراغوا الكبير "رُوبينْ داريُّو"، وبين روائيّ فذّ  ينتمي إلى فضاء الواقعية السحرية، ويحلّق بنا في كتاباته عبر خيال مجنّح طليق مثل الروائي الكولومبي الراحل الذائع الصّيت "غابرييل غارسيا مركيز".

يتّضح لنا من خلال ما سبق أنّ تكوين الكاتب، وبضاعته الفكرية، وأصله، والتأثيرات الخارجية أو المُجترّة ثقافيًا وتراثيًا إليه التي خلّفت بصماتها في إبداعاته، كلّ ذلك من الأهميّة بمكان لوجود كتّاب في القارة الأمريكية في شقّيْها الشمالي والجنوبي ينحدرون من أصول عربية، والذين كتبوا  في إبداعاتهم عن مظاهر شتّى للحياة العربية، وعالجوا في أعمالهم الأدبية قضايا لها صلة بتاريخهم، وأجدادهم، وماضيهم، وبالمقابل هناك كتّاب ومبدعون لا يمتّون إلى العرب بصلة الأصل، أو العِرق، أو الجِذر، أو الجِنس، إلاّ أنهم مع ذلك وقعوا تحت تأثير الفكر العربي، والثقافة العربية، وشدّتهم الحياة العربية، أو شُغفوا بالتاريخ العربي فتعرّضوا إلى ذلك في إبداعاتهم، وكتاباتهم على اختلاف أغراضها، ومضامينها، يُضاف إلى ذلك معارف الفئتين حول العرب، فالبعض كتب من وحي خياله معتمدًا على الخيال الذي تكوّن لديه من جرّاء قراءاته المتعدّة، وإطّلاعاته المختلفة عن العرب، أو معايشته لهم، وهناك كتّاب ومبدعون آخرون أعْجِبُوا بماضي العرب وحضارتهم، وتراثهم، وإسهاماتهم في مختلف حقول العلم والمعارف الإنسانية، فانعكس هذا الإعجاب، وهذا الانبهار في أعمالهم الإبداعية الشعرية أو النثرية، وبين هؤلاء وأولئك نجد من ينحدر فعلاً من أصل عربي، كما نجد منهم مَنْ لا يمتّ إلى العرب بصلة.

يقول أحد المؤرّخين النقّاد الثقات في هذا المجال، وهو الكاتب، والباحث، والمؤرّخ الإسباني المعروف "أمريكو كاسترو": "لا يكفي القول أنّ النصارى الإسبان كانوا واقعين تحت تأثير هذه الكلمات أو تلك، ذلك أنّ التأثير الكبير الذي أحدثه العرب والأمازيغ في شبه الجزيرة الإيبيرية بشقّيْها الإسباني والبرتغالي إنّما يكشف لنا الحيّز المهمّ، والفضاء الفسيح الذي كان المسلمون يحتلّونه في الحياة اليومية للنصارى في إسبانيا على مختلف الأصعدة والمستويات".

أوّلُ المُغتربين إلى القارّة البِكر

ويشير الكاتب التشيلي "ماتياس رافيدي" وهو من أصل عربي  من جهته: "أنّ التأثير الثقافي العربي في أمريكا اللاتينية وصل مع المكتشفين الإسبان الأوائل، وإنّ الذي انتقل مع هؤلاء ليس ثقافة الإسلام وحسب، بل عنصر الدم العربي والأمازيغي كذلك، حيث أن نسبة كبيرة منهم (33 في المئة في تشيلي وحدها على سبيل المثال) من الإسبان الذين إستقرّوا بها هم من أصل أندلسي، وهكذا الشأن بالنسبة لباقي بلدان أمريكا اللاتينية". ويضيف نفس الباحث قائلاً: "إنّ الهجرة العربية المباشرة إلى بعض بلدان أمريكا اللاتينية بدأت في النّصف الثاني من القرن التاسع عشر، وقبل ذلك، إذ في عام 1854 وصل إليها أوّل المهاجرين العرب الذين قدِمُوا بالخصوص من فلسطين، وسورية، ولبنان. وبين 1860 و1900 ركب البحر إلى أمريكا 600 ألف عربي من مرافئ فلسطين، ولبنان، ومصر إلاّ أنّ أشهر الهجرات العربية إلى أمريكا بشكل عام حدثت بين عاميْ 1900 و1914، خاصّة وقد تمركزت الهجرة في أمريكا الشّمالية بعد الأزمة الاقتصادية العالمية الأولى، إلاّ إنها في نهاية القرن التاسع عشر طفقت هذه الهجرة تتّجه نحو بلدان أمريكا اللاتينية.

ويقول الباحث "ماتياس رافيدي": "إنّ معظم المهاجرين جاؤوا إلى هذه الأصقاع وفي نيّتهم العودة من حيث قدِموا، إلاّ أنّ الظروف أقعدتهم، وسرعان ما أصبحوا يحتلّون مواقعَهم في المجتمع الجديد كلٌّ حسب تخصّصه وميوله، وتكوينه، وظروفه، واهتمامه، ومستواه الثقافي".

و يقول في نفس هذا السّياق الكاتب المكسيكي "نيكولاس أبو سمرا" (من أصل عربي):" أنه في العام 1820 خلال بسط النفوذ العثماني على لبنان، وعلى إثر قلاقل، ومواجهات عنيفة حدثت في البلاد ممّا استدعى التدخّل الفرنسي ودبلوماسيات أوروبية أخرى فُتحت أبواب الهجرة على مصراعيْها، وتمّ السّماح لمن أراد القيام بها، وهكذا في عام  1854 وصل إلى بُوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية "طانوس بشعلاني" المعروف بأنطونيوس، ويذهب الدكتور "فيليب حتّي" إلى الجزم، بأنّ البشعلاني هو "المغترب اللبناني الأوّل إلى العالم الجديد، ولابدّ أنه بعث بأخباره إلى مواطنيه في لبنان حول هذا الوطن الجديد الشاسع، والمترامي الأطراف، وعن فرص العيش والعمل التي يوفّرها المجتمع الأمريكي للقادمين إليه، ولابدّ أنهم استقبلوا أخبارَه بالحماس نفسه الذي استقبل به الإسبان أخبارَ "كريسوفر كولومبوس"عندما إكتشف أمريكا عام 1492، ثمّ توالت الهجرات العربية بعد ذلك إلى مختلف بلدان أمريكا اللاتينية كذلك من كلّ صوب وحدب.

المغتربون وأدبُ المَهجر

 ومعروف أنّ هؤلاء الوافدين قد استقدموا معهم عاداتهم، وتقاليدهم، وثقافتهم، وآدابهم، وحسّهم الشعري الرّقيق، وبالتالي كان تأثيرهم في المجتمع الجديد بليغًا في مختلف هذه المجالات ،أخصّ منها بالذكر المجال الأدبي .وهكذا عاش ويعيش في هذا الصّقع النائي من العالم عدد غفير من الكتّاب والشعراء العرب المهاجرين الذين اشتهروا بعطاءاتهم المميّزة، وإبداعاتهم الثرّة، وإسهاماتهم الغنية، والمتنوّعة، وأعني بذلك الأدب المهجري الذي نما وترعرع وتألّق في عدة مدن أمريكية في الشمال والجنوب. وقد قدّم لنا هذا الأدب أسماء معروفة ولامعة في عالم الإبداع، أسوق منها على سبيل المثال وليس الحصر: الشاعر القروي، إلياس فرحات، شفيق معلوف، حسني رشيد غراب، يوسف فاخوري، فيليب لطف الله، موسى حداد، وهيب إسكندر عودة، الأخَوَين إلياس وزكي قنصل، نسيب عريضة، عبدالمسيح حداد، وغيرها من الأسماء الكثيرة التي لا حصر لها ، فضلاً عن أسماء أخرى طبّقت شهرتها الآفاق مثل: جبران خليل جبران، وإليا أبي ماضي، وسواهما.

المغتربون العرب والصحافة

ولا ننسى دور الصّحافة في هذا القبيل، حيث صدرت أوّل صحيفة في أمريكا اللاتينية عام 1892 وهي" كوكب أمريكا"، لنجيب إبراهيم عربيلي، وتوالت بعد ذلك الجرائد والمجلاّت في الصدور حتى كاد يصل عددها إلى 400 دورية، منها: "الهدى"، لنعوم مكرزل، و"البيان" لسليمان بدور، و"السّائح" لعبدالمسيح حداد، و" الفنون" لنسيب عريضة، و"السّمير" لإليا أبي ماضي، و"الغربال" ليوسف مسالم، (صدرت عام 1922 وما زالت تصدر إلى يومنا هذا في المكسيك)، فضلاً عن دور "العصبة الأندلسية"  في الجنوب، و"الرابطة القلمية" في الشمال. وهناك كتّاب وصحافيون عرب آخرون اشتغلوا بالصحافة وأصدروا مجلات عربية إسبانية مزدوجة اللغة مثل  "يوسف مسالم" و" جان بشارة" و" يوسف عابد زواني" و"يوسف شدراوي" و"ميشيل دوميت جميل" و"ميجيل نادر" و"أنور حبور"، و"ريحان عزار" و"فيكتور ساكيس". ومن المشتغلين بالصحافة كذلك نجد أسماء مثل "طرابلسي قائم" و"ومراد روبلس" و"لطائف البيطار" و" أنطونيو نكاد"و"ونيكولاس أبو سمرا" و"أنخيل عبود" ونعيم لحود" و" سليم فرح" وهؤلاء الكتاب لم يكونوا يتمركزون في العاصمة المكسيكية وحسب، بل إنهم  كانوا موزّعين على مختلف المدن المكسيكية الأخرى، وعليه فإن الوجود العربي وتأثيره في أدب امريكا اللاّتينية - كما سبقت الإشارة إلى ذلك في مستهلّ هذه العجالة- أمر لا يمكن نكرانه أو تجاهله، بل إنّ هناك في الوقت الراهن كتّابًا مرموقين في أمريكا اللّاتينية ينحدرون من أصول عربية، والتأثير العربي بالتالي واضح، وجليٌّ في إبداعاتهم، وأدبهم، وإنتاجهم حيث خاضوا بمهارة فائقة، وألمعية كبرى في مختلف الأغراض الإبداعية، في الرّواية، والشّعر، والأدب، والمسرح، والقصة القصيرة، والخاطرة، والبحوث، والدراسات، والتاريخ، والتشكيل، وفي مختلف أنواع الفنون الإبداعية الأخرى حتى وإن أصبح أدبهم يُكتب اليوم بلغة غير اللغة العربية.

مُبدعون  من أصُول عربيّة  في أمريكا اللاّتينيّة

جاء على لسان إحدى الشخصيّات الرئيسيّة  في رواية الكاتب البرازيلي المعروف خورخي آمادو "غابرييّلاً قرنفل وقرفة"، كتجسيد لحالة الغضب الشديد التي كانت تعتري المغتربين العرب، ويستشيطون غضبًا عندما كانوا يُنعتون  بـ "التركي" ما يلي: "كان الكثيرون وخاصّة الأصدقاء منهم ينادونه بعربي أو تركي، وهذه حقيقة، وكان هذا تعبيرًا وديًّا وحميميًّا، أما نسيب فلم يكن يحبّ هذه التسمية فيرفضها منزعجًا، وأحيانًا يغضب منها فيجيب:

– تركية هي أمك،

– لكن يا نسيب ..

– نادني بما تريد، إلاّ تركي، أنا برازيلي، ويضرب بيده على صدره الكثيف الشّعر، ويضيف ابن سوري والحمدلله.

– عربي، تركي، سوري، كله الشيء نفسه.

– الشيء نفسه يا صاحب القرون! أنت جاهل، لا تعرف لا التاريخ ولا الجغرافيا.

– مهلاً يا نسيب، لا تغضب لم أقصد إهانتك".!

هكذا كان هؤلاء المغتربون العرب الأوائل ينزعجون من لقب "التركي" الذي كان يلحق بهم جزافًا. كان هؤلاء يتنقلون امتدادًا من الأمازون على متن مراكب تجارية إلى كل أنحاء أمريكا اللاتينية، بالفعل كان يطلق عليهم لقب «تُوركُو» ــ أي التركي ــ وكانوا دومًا يعترضون على هذه التسمية، إذ حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، كانوا يصلون إلى المهجر حاملين جوازات سفر صادرة عن الإمبراطورية العثمانية، وهي في حالة انحلال آنذاك، فلم يرغبوا في أن يُطلق عليهم اسم الذين كانوا يتسلطون على بلادهم. وفي روايتي "يوميات موت مُعلن" و"مئة عام من العزلة"  للكولومبي  العالمي غابرييل غارسيا مركيز، وفي روايات أخرى لكتّاب من القارة الأمريكية آخرين خير مثال على ما نقول.

العرب وأدب أمريكا اللاّتينية

إنّ الوافدين العرب الذين تقاطروا على القارة الجديدة في تواريخ متفاوتة قد استقدموا معهم عاداتهم وتقاليدَهم وثقافتَهم، آدابَهم وحسّهم الشعري الرقيق، وبالتالي كان تأثيرهم في المجتمع الجديد بليغًا في مختلف هذه المجالات. وهكذا عاش وما زال يعيش في هذا الصّقع النائي من العالم عدد غفير من الكتاب والرّوائيين والشعراء العرب المهاجرين، الذين اشتهروا بعطاءاتهم المميّزة، وإبداعاتهم وإسهاماتهم الغنيّة والمتنوّعة، كما أوضحنا دور الصحافة في هذا القبيل، حيث صدرت أول صحيفة في أمريكا اللاتينية عام 1892 وهي «كوكب أمريكا»، لنجيب إبراهيم عربيلي، وتوالت بعد ذلك الجرائد والمجلات في الصدور حتى كاد يصل عددها إلى 400 دورية، منها: «الهدى»، لنعوم مكرزل، و«البيان» لسليمان بدور، و«السائح» لعبد المسيح حداد، و«الفنون» لنسيب عريضة، و«السمير» لإيليا أبي ماضي، و«الغربال» لليوسف مسالم (صدرت عام 1922 وما زالت تصدر إلى يومنا هذا في المكسيك)، فضلاً عن دور «العصبة الأندلسية» في الجنوب، و»الرابطة القلمية» في الشمال.

وعليه فإن الوجود العربي وتأثيره في أدب امريكا اللاتينية أمر لا يمكن نكرانه أو تجاهله، بل إن هناك في الوقت الراهن كتّاباً مرموقين في أمريكا اللاتينية ينحدرون من أصول عربية، والتأثير العربي بالتالي واضح وجليّ في إبداعهم، وأدبهم وإنتاجهم، حتى إن أصبح يُكتب اليوم بلغة غير اللغة العربية. وليس من السّهولة واليُسر القيام بتصنيف جرد شامل أو قائمة شاملة ومتكاملة لهؤلاء الكتّاب في مختلف بلدان أمريكا اللاتينية اليوم، نظرًا للعديد من الاعتبارات، وقد أورد الشاعر والباحث التشيلي سيرخيو ماثياس أسماء بعض هؤلاء الكتاب ضمن دراسة له ذات صلة بالموضوع، الذي نحن بصدده، وتتوزّع هذه الأسماء على مختلف بلدان أمريكا اللاتينية المعروفة في الوقت الراهن، ونقدم للقارئ في ما يلي نماذجَ من هؤلاء الكتاب والشعراء.

لويس فياّض.. وألف ليلة وليلة (كولومبيا):

هذا الكاتب من أصل عربي وُلد في بوغوتا عام 1945، وتحفل أعماله الروائية والقصصية بكل ما هو عربي، وحسب التقليد السائد عند أدباء وشعراء أمريكا اللاتينية فإنه عندما يريد التحدث عن «العربي» فإنه يستعمل مصطلح «التركي». ويعالج فياض في كتاباته مسألة الهجرة العربية بالذات إلى مختلف البلاد الأمريكية، وكثيرًا ما يتعرض إلى كِتابٍ كان له وقع بليغ على الكثير من كتاب أمريكا اللاتينية سواء الذين ينحدرون من أصل عربي أو لا، وهو كتاب «ألف ليلة وليلة»، ولم يفلت من هذا التأثير حتى عراب الرواية الأمريكية اللاتينية غابرييل غارسيا ماركيز، كما يتعرض لويس فياض كذلك في العديد من كتاباته إلى أزمة الشرق الأوسط، وإلى محنة الفلسطينيين على وجه الخصوص.

والتر غريب.. إعجاب بالأندلس ومآثرها (تشيلي):

كاتب من أصل فلسطيني، وينغمس هو الآخر في كتاب «ألف ليلة وليلة»، وفي أعمال جبران خليل جبران، كان مديرًا للمعهد التشيلي- العربي، وهو مؤسّس نادي القصة بسانتياغو دي تشيلي، بل أصبح في ما بعد مديرًا لجمعية الكتاب التشيليين. من أعماله الناجحة «حفل المعوقين». زار إسبانيا ولم يسترعِ انتباهَه شيء فيها، حسبما صرّح لمواطنه الشاعر التشيلي سيرخيو ماثياس سوى الأندلس، إذ كانت رحلته لها بالنسبة له إحياءً للعهد والمجد الزاهرين العربيين في هذه الديار، ولقد أعجب إعجابًا كبيرًا بقصر الحمراء في غرناطة، وببرج الذهب، وبصومعة الخيرالدا في إشبيلية (توأمة صومعتيْ حسان في الرباط، والكتبية في مراكش)، كما كان إعجابه بمسجد قرطبة الأعظم لا حدّ له، فضلاً عن آثار وقصور ومعالم عربية أخرى.

هرنان تراك والحنين إلى صوت الأذان (فنزويلا):

الكاتب هرنان تراك من أصل لبناني، وُلد في كولومبيا عام 1926 إلا أنه عاش باستمرار في العاصمة الفنزويلية كاراكاس، وهو يتعاطى الشعر، وله دراسات أدبية مهمة في مختلف حقول المعرفة والإبداع والإنسانيات، من أعماله الشعرية «ساعة سريرية» (1964)، و«أقربائي» ( 1968)، وله كذلك «قصة وكاتب»، و«زمن الصمت» (1968)، توفي هرنان تراك في كراكاس عام 1977. يتحدث تراك في كتابه «أقربائي» عن أجداده وأصله العربي، وكيف أنه كان بين والده ووالدته جسر بناؤه غير متين، إنه يتذكر في كتاباته صوت الأذان، وبائعات الفل والياسمين، والعديد من الذكريات الجميلة التي حملها أجداده معهم إلى مهجرهم الجديد.

ماتياس رافيدي وأحلام قابيل (التشيلي):

ومن الكتاب التشيليين البارزين كذلك من أصل عربي الباحث ماتياس رافيدي، من أعماله في هذا المجال بالذات كتابه «كُتاب تشيليون من أصل عربي»، وقد قسم كتابَه إلى أجيال من الكتاب التشيليين الذين ينحدرون من أصل عربي، وعرف بكل جيل على حدة، انطلاقًا من الكتاب الذين وُلدوا في التاريخ المتراوح بين 1890 و1904 والذي يُعرف بجيل 1920 إلى جيل الكتاب المولودين بين 1950 و1964.

ومن الأسماء التي ساقها الباحث رافيدي في هذا الكتاب القيم: بندكتو شوقي، يوسف عويل حنا، موريس موسى، إدريس سبيلا، روبرتو سراح، محفوظ ماسيس، وفريد هيد ناصر، وقد ترجم المؤلف في هذا الكتاب لما يربو على الثلاثين كاتبًا تشيليًا من أصل عربي، وقد عالج هؤلاء الكتاب مختلف فنون القول من شعر ونثر، ومن بين هذه المجموعة برزت أسماء لامعة منها محفوظ ماسيس، المولود عام 1916 في تشيلي وهو من أصل فلسطيني، ونجد في أعماله إشارات كثيرة إلى أصله العربي، حيث تتكرر أسماء الأهرام، والجِمال، والفراعنة، والصحارى إلخ. ومن أهم كتبه «أحلام قابيل»، و«النجوم الباهتة»، حيث يدافع فيه عن حق شعبه في الحياة الكريمة في فلسطين خاصة في كتابه «بكاء اللاجئ».

جورج عيسى والتعلق بالماضي المجيد (الأرجنتين):

هذا الشاعر المولود عام 1946 هو من أصل عربي كذلك وفي كتابه «أعمال عبده» نجده يتعرض للتأثيرات العربية التي وصلت إلى هذا البلد، وهو شديد التعلق بماضيه العربي، وأجداده والتغنيّ والزهو والافتخار بهم وبأمجادهم، وتحفل أعماله الشعرية بالخصوص بالأساطير القديمة المتوارثة، وشعره مزيج من العاطفة والأسطورة والتاريخ.

ماركو جميل وهيامه بمراكش الحمراء (غواتيمالا):

كاتب له أعمال قصصية رائعة منها قصته «ساحر التاريخ» حيث يتحدث في هذه القصة عن مدينة مراكش الحمراء المغربية بالخصوص .. «حيث الزمن يوجد في استراحة، وطيور النورس لا تتوقف عن التحليق عاليًا كما تطير عصافير الدوري في مدريد، هذه النوارس تمر بتؤدة، وهدوء، وتأن وتبدو وكأنها مراكب شراعية ناصعة البياض تنساب في الفضاء ترى من أعماق المياه». وهكذا يسترسل الكاتب ماركو جميل في وصف هذه المدينة المغربية التاريخية الساحرة، التي أصبحت جل معالمها المعمارية بما فيها ساحتها الكبرى الشهيرة (جامع الفنا) تراثًا إنسانيًا للعالم أجمع، والتي تحتل حيزاً مهماً في رقعة الأدب العالمي .

مبدعون في ميادين متنوّعة

بالإضافة إلى أسماء الكتاب الآنفة الذكر نجد العديد من الأسماء الأخرى التي تتوزع على الخريطة الأمريكية بعضها يتعاطى الكتابة الأدبية والتأليف، وبعضها الآخر يميل لقرض الشعر، كما أن هناك من اتجه إلى مجالات إبداعية أخرى تشكيلية، وفنية، وتمثيلية إلخ. من هذه الأسماء نذكر من المكسيك علي شوماسيرو، وهو من بلد نجاريت المكسيكية، وله إسهامات كبيرة في هذا المجال، وكان يحظى بتقدير من طرف الكتاب والنقاد، كما أن هناك ناقدًا سينمائيًا ممتازًا يُدعى نايف يحيى وهو من أصل فلسطيني، ويعد من أكبر نقاد الفن السابع في المكسيك، وهناك كذلك الرسامة التشكيلية، والكاتبة الراحلة إكرام أنطاكي، ومن أشهر كتبها «الثقافة الثالثة»، وهي سورية الأصل، وهناك الممثلة الشهيرة سلمى حايك وهي فنانة مكسيكية من أصل لبناني تألقت بشكل لافت في فن التمثيل المسرحي والسينمائي، وهناك المطربة الكولومبية العالمية شاكيرا مبارك من مدينة برّانكييّا الكولومبية وقد طبّقت شهرتها الآفاق في مجال الغناء، وهناك كاتب مسرحي من أصل لبناني هو طوني طرابلسي، وقد أحرزت مسرحية له قدمت على خشبة مكسيكو سيتي لعدة سنوات نجاحًا باهرًا وهي بعنوان: «الطيران»، وتعالج مسألة الهجرة العربية إلى المكسيك. وهناك الكاتب إسكندر حداد وهو من أصل لبناني أيضًا ويحتل مكانة مرموقة في التشكيل المكسيكي المعاصر.

المغتربون والصحافة

وهناك كتاب وصحافيون عرب آخرون اشتغلوا بالصحافة وأصدروا مجلات عربية إسبانية مزدوجة اللغة مثل يوسف مسالم، جان بشارة، يوسف عابد زواني، يوسف شدراوي، ميشيل دوميت جميل، ميجيل نادر، أنور حبور، ريحان عزار وفيكتور ساكيس. ومن المشتغلين بالصحافة كذلك نجد أسماء مثل طرابلسي قائم، ومراد روبلس، لطائف البيطار، أنطونيو نكاد، ونيكولاس أبو سمرا وأنخيل وسليم فرح، وهؤلاء الكتاب لم يكونوا يتمركزون في العاصمة المكسيكية وحسب، بل إنهم كانوا موزعين على مختلف المدن المكسيكية الأخرى، وفي الأرجنتين نجد كتابًا آخرين من أصل عربي مثل مسعود خورخي، لليانا محراقي وهي (شاعرة) مجيدة، وخورخي عزيز، وهو روائي من أصل لبناني، ومن أعماله «الأزهار المسروقة من حديقة كيلمس» وقد عيّن سفيرًا لبلاده لدى اليونسكو في باريس، ومن الرسّامات التشكيلية نجد نعيمة أجودي، ومن كتاب البرازيل المنحدرين من أصل عربي منصور شاتيلا، وهو كاتب معروف ومترجم أعمال جبران خليل جبران إلى اللغة البرتغالية، بالإضافة إلى جميل منصور حداد وسيد علي أدريانو، وآخرين.


عدد القراء: 4309

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-