ثقافة الإتقان في البحث العلميالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2022-09-30 06:41:05

أ.د. يعرب قحطان الدُّوري

جامعة الشارقة، الإمارات العربية المتحدة

تعني الإتقان إحكام الشيء بشكل دقيق ومضبوط، وهو أعلى درجات الحفظ والضبط [1]، لكن بوصولك إلى الإتقان فإنك تحتاج أن تكون ملتزمًا بأمور عديدة وهي الانضباط الذي يساعدك في الوصول إلى الإتقان، وأخذ الملاحظات الموجهة في العمل أو في مجال بحثك، والعمل على تطبيقها وتحسين أداءها ما يجعل التقدم يكون بشكل مستمر وصولاً إلى الإتقان، وتحديد الأولويات والمطاليب البحثية. مع ضرورة التركيز على عملٍ واحدٍ وليس أكثر لأن هناك بعض الدراسات المختلفة [2] قد أشارت إلى الذين يقومون بمهام عديدة في وقتٍ واحدٍ يفقدون قدرتهم على التركيز مما يقلل نسبة الإتقان في العمل والبحث. كما يحتاج الإتقان في البحث العلمي إلى الكثير من الجهد والمثابرة والعمل الدؤوب. لقد حددنا العوامل المساعدة على الإتقان في البحث العلمي وهي: التنظيم الناجح في الوقت المحدد للبحث، والتركيز على أهداف البحث لتحقيق المهام المطلوبة من خلال كتابتها بدقة وتفصيل متناهيان، ولا بأس من التعاون بهيئة فريق بحث علمي خيرٌ من العمل المنفرد كنوع من تقوية العلاقات البحثية وتنمية الأبحاث كماً ونوعًا.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه، أخرجه أبو يعلى والطبراني، وتساءلت لماذا تشيع ثقافة الإتقان في الغرب تأصيلاً ولا تشيع عند العرب والمسلمين إلا دعايةً فقط؟ تعني الإتقان باللغة الإنكليزية perfection وهي تحقيق أعلى مستويات الجودة، والتي لا تقبل بأقل من معاييرها. ولا بد من الإطلاع على معايير الجودة لتحقيق الإتقان، خاليًا من الأخطاء المتعمدة أو التكاسل أو الإهمال. والمتقن تهمه النتيجة على وجه الخصوص، وليس الأجر الذي سيتقاضاه، لأنه صاحب مبدأ ورسالة علمية. كما نلاحظ غياب ثقافة الإتقان في بيئتنا العربية والإسلامية، ربما لأن الإتقان مرهق ويحتاج إلى سياسة النفس الطويل ونحن لم نتعود على الإرهاق أو المداومة أو ربما ركزنا على العمل المهني أكثر مما ركزنا على الإتقان وأهميته [2].

إن الإتقان البحثي العلمي ثقافة تكتسب وتغرس في نفوس الباحثين والأكاديميين من أول سنوات الجامعة لتعبّر عن قوة الشخصية الدقيقة والمحبة للعمل ساعية لإنجازه بأفضل صورة، ويتحقق كل ذلك عبر الاهتمام بالعموم والجزئيات على حدٍ سواء، مع الكياسة والدقة في الإنجاز، وصولاً إلى النتائج المرجوة. مع تجنب التساهل أو التفريط، ولا بأس من المشورة واستشارة الخبراء إن لزم الأمر، وصولاً إلى الإتقان المرجو. لقد جربنا الحياة وأكدت لنا ضرورة اللمسات الإبداعية في البحث العلمي وهي سر بقاء العمل البحثي ونموه واستمراريته [3].

أن ثقافة الجامعات والمراكز البحثية هي مجموعة القيم والمبادئ والضوابط الإدارية التي يعمل بها أفراد هذه المؤسسات ويحرسها قياديوها، والتي تعكس على معيار ومؤشر لجودة البحث العلمي ورقيه. أما أجمل وأروع الثقافات فهي ثقافة الإتقان في العمل والبحث العلمي للأفراد والمجاميع البحثية. حيث تعتبر ثقافة الإتقان مطلوبة من جميع الباحثين والأكاديميين المهتمين برقي عملهم البحثي، فهي تشمل القيادي في ميدانه، والباحث في مختبره، والطالب في صفه، وكلٌ على شاكلته. فيعتبر الجميع شركاء في المسؤولية وهمهم الإتقان لتحقيق الغاية المرجوة. وتعتبر غرس ثقافة الإتقان في البحث العملي أمرٌ سامٍ وعالي المقام بسبب نتائجه المفيدة على كافة الصُعد [4]. فما نزرعه سيجنيه طلابنا والأجيال القادمة لتطوير المجتمع والمؤسسات ومرفقاتها، ما يعكس مستوى حضاري للأفراد والمجتمع. وعند رفع الاهتمام بثقافة الإتقان في البحث والتعليم سيترتب عليه رُقي في ثقافة الجودة في التخطيط والتنفيذ، وقياس الأداء، والتحسين المستمر في العمل العلمي حيث سيتحول المجتمع إلى مجتمعٍ منتجٍ ذو مكتسبات كبيرة، وخسائر قليلة. إن غرس هذه الثقافة الإيجابية سيؤدي إلى جودة مخرجاته، وذو تأثير نفسي كبير من الرضا والثقة العاليتين. وبناءً على مجمل كلام أهل العلم من ذوي الاختصاص، فإن ثقافة المجتمع يمكن تعديلها وتحسينها باتباع الوسائل السليمة والفعالة في زمن قياسي، ومهيئة الأرضية المناسبة لثقافة الإتقان من خلال ما يلي: زرع وترسيخ مفاهيم وثقافة الإتقان لدى المتعلمين من خلال التعليم ووسائله المناسبة، ومن المناسب جدًا أن وزارة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي في بعض البلدان العربية أناطت الأمر بضرورة تدريس مواد علمية عن الجودة ومفاهيمها، وبث مفاهيم الإتقان عبر وسائل الإعلام المختلفة المرئية والمسموعة والمقروءة، وفي مناسبات عديدة مثل أسبوع الجودة العالمي. والتحفيز على توعية مفاهيم الإتقان عقائدياً لتصبح مترسخة في النفوس كباقي العبادات والسلوكيات، وغرس القدوات العلمية المرموقة في المجتمع ليتبناها المربون والمعلمون والمدرسون والمثقفون في مؤسساتنا العلمية. كذلك الإلحاح على إصدار قوانين ضابطة لثقافة الإتقان. ويقينا أن أمتنا لها جذورها العميقة، فأن نشر هذه الثقافة تسلك طريقًا واضحًا وسهلاً تقود إلى بر أمان الباحثين والأكاديميين معًا للرقي بمجتمعنا وجامعاتنا ومراكز البحث العلمي [5].

لقد برز دور العلم في خدمة البشرية لتحقيق رفاهية الإنسان في مختلف المجالات الطبية والعلمية والاجتماعية وغيرها، ولذا تتطلب الأبحاث الكثير من الاهتمام والبحث والتفحص لتكون قادرة على إثبات وجودها، وهذا يتطلب باحث علمي ناجح يتمتع بصفات معينة تحت إشراف أكاديميين وباحثين خاضعين لقوانين الجامعة وأحكامها. ومن صفات الإتقان للباحث العلمي هي شخصيته والمتمثلة بالدافع والرغبة بإجراء البحث وهي من أهم الصفات الواجب توفرها في الباحث، والصبر والإصرار والاستمرار وعدم الاستسلام من أول مشكلة تعترض طريقه، والاطلاع والقراءة الدائمة لزيادة ذكاء الباحث ومعارفه ليكون قادرًا على إنجاز بحثه بوقت أقل و كفاءة أعلى، والأمانة العلمية  بالرجوع إلى الكثير من المراجع و المصادر، والقوة  بأن لا يتردد بعرض وتقديم النتائج التي توصل إليها حتى لو كانت مخالفة لقناعاته، والصدق والإخلاص لتقديم معارف ونتائج جديدة بعيدة عن المصلحة الشخصية، والفطنة وحس الإبداع والتفكير، والتواضع، والمسؤولية، وإدارة الوقت والتنظيم بلا هدر للطاقات، والحدس والخيال بما يثير فكره وخياله. إضافة إلى الصفات العلمية الهامة مثل الثقافة وانعكاسها على زيادة قدرة الباحث العلمي على تقديم بحث أدق، وتحديد أهم المصادر، وإتقان لغة إضافة إلى لغته الأم ليتمكن من الاطلاع على مزيد من الدراسات والمراجع، والتطرق إلى قضايا تخص البحث العلمي، والتخصيص عند الكتابة، واللغة السليمة للبحث العلمي خالية من الأخطاء اللغوية، والشك والتأني في الحكم من خلال الآراء والأفكار والدراسات. لذا تقود ثقافة الإتقان إلى تهيئة باحث علمي أكاديمي ناجح في مجاله العلمي [6].

 

المصادر:

1- تعريف ومعنى الإتقان في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي

almaany.com

2 - DAWN ROSENBERG MCKAY, "8 Ways to Make a Good Impression at Work"، thebalancecareers.com

"47 - 3Habits of Highly Successful Employees", themuse.com

4- Susan Adams, "10 Ways To Become Better At Your Job Today"، forbes.com

5- Anita Bruzzese, "5 Tips on How to Succeed in Your Career"، livecareer.com

" -6Engineering Career Services", ecs.osu.edu


عدد القراء: 1811

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-