تغير العقل.. كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتناالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2022-10-02 08:40:15

حسان العوض

طبيب وكاتب سوري مقيم في السعودية

الكتاب: "تغير العقل.. كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا"

المؤلف: سوزان غرينفيلد

المترجم: إيهاب عبد الرحيم علي

الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت

سنة النشر: 2017

عدد الصفحات: 392 صفحة

أطلقت المؤلفة سوزان غرينفيلد، وهي عالمة أعصاب بريطانية، على كتابها اسم "تغير العقل" لأنها تفترض وجود أوجه شبه مماثلة لتغير المناخ؛ فكلاهما عالمي ومثير للجدل وغير مسبوق ومتعدد الأوجه. فعالم الإنترنت الافتراضي الذي يميز القرن الحادي والعشرين، ليس له مثيل في تاريخ البشرية، ولم يكن بالإمكان تصوره حتى قبل بضعة عقود، كما يبدو أكثر مباشرة وأهمية من نظيره الواقعي.

صدر كتاب "تغير العقل/ كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا" بترجمة عربية لإيهاب عبدالرحيم علي، عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، العام 2017.

يمكن النظر إلى الأجهزة الرقمية على أنها أحدث حلقة في سلسلة الابتكارات التي كانت مثيرة ومزعجة في البداية، قبل أن تدخل في النهاية في الحياة، ولكن يوجد بين التقنيات السابقة ونظيرتها الرقمية فرق كمي، وهو مقدار الوقت الذي تحتكر فيه الشاشة اهتمامنا النشط والحصري، كما أن ثمة فرقًا آخر هو التحول من التكنولوجيا بصفتها وسيلة إلى كونها غاية في حد ذاتها.

إن مفهوم "تغير العقل" نموذج "بارادايم" وليس فرضية منفردة ومحددة يمكن اختبارها تدريجيًا في ظل تجارب مقيدة، ولكنه يعمل على تجميع الخيوط من الاتجاهات المجتمعية الظاهرة وآراء الخبراء المهنيين، فضلاً عن مجموعة واسعة من النتائج العلمية المباشرة وغير المباشرة في مختلف التخصصات.

الدماغ والعقل

العصبونات هي الوحدات الأساسية للدماغ. وخلال السنوات الأولى من الحياة، يمتلك الدماغ فرصًا سانحة، تتميز بنمو متدفق في الاتصالات بين العصبونات، لكنه يستمر طوال الحياة وحتى سن الشيخوخة.

إن وجود بيئة ثرية ومحفزة ومعززة يؤدي إلى مجموعة كاملة من التغيرات الجسدية في الدماغ، وجميعها إيجابية: زيادة حجم أجسام العصبونات، زيادة الوزن الكلي للدماغ، وزيادة سمك القشرة المخية... حتى عندما يبدو المصير بخلاف ذلك محددًا بصرامة من قبل الجينات.

يتمثل تعريف العلوم العصبية للعقل في شخصنة الدماغ البشري من خلال ارتباطيته العصبونية الدينامية، المدفوعة بدورها من قبل خبرات الفرد الفريدة من نوعها. مع نمو الطفل، سيتميز تطور عقله بهذا الحوار المتزايد القوة والمتبادل بين الدماغ والعالم الخارجي.

تمثل القشرة أمام الجبهية 33% من الدماغ البشري البالغ، تكون منخفضة النشاط عند الأطفال والمراهقين، وكذلك في ثلاث أنشطة مختلفة هي الإفراط في تناول الطعام والقمار والفصام، حيث يكون التركيز متوافقًا مع صورة العيش من أجل اللحظة.

الشبكات الاجتماعية

يبدو أنها تعزز حلقة بيوكيميائية مفرغة، حيث تضمن القوى البيولوجية التطورية أن يشعر البشر بالرضا عندما يكافحون الشعور بالوحدة عن طريق تبادل المعلومات الشخصية مع الآخرين، ويحدث ذلك بوساطة إفراز الدوبامين في الدماغ، والدوبامين يساهم في مشاعر السرور ويرتبط بيقظة متزايدة. فشبكات التواصل الاجتماعي توفر إشباعًا فوريًا، وإثارة استباقية، وتقدم قطعاً صغيرة من المعلومات متواضعة بما يكفي لئلا تكون مرضية تمامًا.

إن ثقافة التواصل الاجتماعي قد تؤهل المستخدمين لامتلاك عقلية نرجسية، وهذا بدوره يفرض تدني احترام الذات. كما إنها توفر منصة غير مسبوقة للمقارنة الاجتماعية والحسد، وهذا يؤدي إلى تقليل معدلات الرضا عن الحياة. ومن المحتم أن تتشكل هوية الجيل القادم في سياق ثقافة افتراضية متغلغلة ومتغيرة باستمرار. والهوية كما تقترح المؤلفة تنطوي على تفاعل العقل المرتب بعناية والفريد من نوعه مع عدد كبير من السياقات الخارجية اللحظية على مر الزمن.

إن قضاء كثير من الوقت على الشبكات الاجتماعية يؤدي إلى انخفاض القدرة على التواصل الحقيقي وجهًا لوجه مما يقلل من القدرة على التعاطف مع الآخرين، وبناء علاقات عميقة ذات مغزى، كما قد يزيد من احتمال ظهور سلوكيات شبيهة بالتوحد، علمًا أن الأشخاص الذين لديهم ميل نحو إظهار سمات التوحد، ولا سيما النساء، أكثر عرضة للإدمان على الإنترنت، وقد جرى استغلال ألفة الأفراد المصابين بالتوحد للشاشة لأغراض علاجية.

يحدث التنمر عندما يستخدم للتهديد أو التحرش أو المضايقة أو الإحراج، والمتنمرون عبر الإنترنت يشعرون بقدر أقل من الندم لعدم وجود اتصال مباشر بين المتنمر والضحية، وغالبًا ما يحدث ضمن حشد افتراضي مما يسمح بتخفيف المسؤولية وتشتيتها.

ألعاب الفيديو

توفر ما يروق للأفراد من جميع الأعمار والخلفيات، وهو أمر نادر الحدوث في الألعاب التقليدية على أرض الواقع. توجد ألعاب الفيديو منذ أكثر من نصف قرن، لكنها في العقدين الماضيين أصبحت تجارب تشاركية عبر الإنترنت، مع آلاف من اللاعبين الآخرين المتفاعلين في الوقت نفسه. إن ممارسة ألعاب الفيديو تؤدي بصورة مباشرة إلى إفراز الدوبامين، الناقل العــــصبي المـــرتبط بالاســــتــثـارة والمكافــــأة والإدمــــان. تمثل الألعاب العنيفة 50% أو أكثر من إجمالي مبيعات ألعاب الفيديو.

يبدو أن هناك صلة واضـحـة بين ممــارسة الألـعـاب والانتبـاه عمومًا، وعلى الرغم من أنه يمكن تحسين الانتباه البصري الانتقائي المركز، فمن الممكن أن يتم ذلك على حساب النوع المستدام والبالغ الأهمية من الانتباه الطويل المدى، وهو النوع اللازم للتفكير ولفهم شيء ما بصورة متعمقة.. ومن الممكن أن تعزى أي علاقة بين الاستخدام المفرط للإنترنت واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة ADHD إلى حالة إدمانية وليس إلى النشاط ذاته، وقد تمثل ممارسة ألعاب الفيديو على الإنترنت وسيلة للتطبيب الذاتي في الأطفال المصابين بهذا الاضطراب.

قد لا تسبب ألعاب الفيديو العنيفة سلوكاً عنيفاً متطرفًا يرقى إلى المستوى الجنائي، إلا أنها تعزز العدوان المنخفض المستوى خاصة عند اللاعبين الذين يتقمصون شخصيات هذه الألعاب؛ حيث لا تكون للأفعال عواقب يتعذر عكسها مما يقلل من ضبط النفس السوي ويزيد من التهور.

تصفح الإنترنت

يمكن لأي محرك بحث أن يعمل كمصدر خارجي لتذكر الحقائق الموضوعية، ولكن المشكلة المحتملة تكمن في تآكل الخط الفاصل بين هذه الحقائق وتلك التي لا تكون من قبيل المعرفة العامة، وإنما تحتاج دائمًا إلى البحث عنها. وهكذا انتقلنا من صياغة الأسئلة العميقة والمثيرة للاهتمام إلى التعرج والتمايل عبر الأجوبة. وإن سهولة البحث على أحد محركات البحث لا تعمل فقط على إستراتيجيات الذاكرة، بل عمليات تفكيرنا ذاتها.


عدد القراء: 1767

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-