ممارسة الاستماع الفعَّالالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2023-01-30 08:26:11

د. أسماء كريم

باحثة في الترجمة ونظرية النص وتحليل الخطاب - المغرب

آن ماري باريرو Anne-Marie Barreiro

ترجمة: د. أسماء كريم

كثيرًا ما نسمع أنَّ مفتاح النَّجاح هو التَّواصل، ولكن يجب الَّا ننسى أنَّ سرَّ التَّواصل النَّاجح هو، قبل كلّ شيء، الاستماع الفعَّال. لذا، هذه سبع نصائح لممارسة ذلك، لجعل الآخرين يفهمونك على نَحْوٍ أفضل.

بين ما نقوله، وما نعتقد أنَّنا قُلناه، وما يسمعه الآخر وما يفهمه، ستكون هناك خسارة % 80 من معنى الرّسالة، وهو ما من شأنه أنْ يُغرقنا في سُوء فهم لا نهائي. في الواقع، كم منَّا لم يتمكَّن من جعل نفسه مفهومًا عند مُحاوِرِه، بالرّغم من أنَّ الرّسالة كانت تبدو واضحة في البداية؟ كم منّا حضر الاجتماع نفسه دون أنْ نسمع الشَّيء ذاته مثل زملائنا؟ كم منَّا، عندما يخبرنا مديرنا عن ملَّف "يجب أنْ يكتمل قبل هذه اللَّيلة"، يسمع صوت "راديو" يدخل إلى رأسنا ويخبرنا: "ليس لديَّ وقت، إنني مشغول"؟ في أي لحظة نستمع حقًّا إلى مُحاوِرنا، وهل نحن مُتَّصلون بـ "قناته"؟ هل نحن نركّز حقًّا أكثر على ما فعله (أو لم يفعله) أو ما يخبرنا به؟ ومتى يستمع إلينا حقًّا؟

مع ذلك، يمكن حلُّ لغز سوء التَّفاهم هذا، الذي نشهده كلَّ يوم، جزئيًّا من خلال الاستماع الفعَّال؛ وهو فِعلُ التَّركيز على ما نستمع إليه من أجل فهم ما يُقال بشكل جيّد. يمكن القول إنَّ الاستماع يصبح "فعَّالًا" عندما يشارك الشَّخص، الذي يمارسه، بنشاطٍ في فهم الرِّسالة. فيما يأتي سبع وضعيَّات للاستماع الفعَّال لفهم بعضنا البعض بشكلٍ أفضل، وفهم الآخر.

امتلاك فِكْر مُتفتّح

تمرُّ المعلومات الواردة في الحوار عبر الكلمات، لكن أيضًا، خاصة، من خلال الايماءات والتَّأثيرات والصَّمت. فالكلمات تُعبِّر عن الشَّكل والصَّمت، والايماءات تُعبِّر عن الجوهر.

على سبيل المثال، أنتَ لاحظت أنَّ مساعدك يقاوم تعليماتك. ومع ذلك، فقد شرحتَ له بوضوح الذي يتعيَّن عليه القيام به، وأجابك بأنَّه فهم. غير أنَّ التَّعليمات لم تُنفَّذ، من النَّاحيَّة العمليَّة. عندما تتحدَّث إليه، يبقى صامتًا، ثم يخبرك أنَّه لا توجد مشكلة. لذلك، فأنتَ تواجه هنا علامةً على عدم الاتساق الذي ينبغي أن يثير قلقك. انتبه إلى الصُّورة التي يُقدّمها بالنَّظر إلى الطَّريقة التي تُخاطبه بها.

التَّركيز على كلام الآخرين

يُعدُّ التَّركيز على كلمات الآخر، دون فعل أيّ شيء أو التَّفكير في أيّ شيء، أفضل طريقة للاستماع. على سبيل المثال، أنت طبيب وتجد أنَّ مريضك لا يتَّبع العلاج الذي وصفته له. إذا جاز التَّعبير، فهو يقوم بما يريد. ولكن بينما كان مريضك يتحدَّث عن أعراض مرضه، كانتْ عيناك مثبتتين على شاشة حاسوبك. لذلك، ربما يكون مريضك قد ترجم هذا الموقف بعدم الاهتمام وقلَّة الفضول. سيكون أحد الحلول هو استعادة الثِّقة في العلاقة.

كُنْ هنا للاستماع وليس للرَّد

إنَّ إظهار الاستماع الفعَّال يعني أيضًا تعلُّم إسكات خطابك من أجل تركيز انتباهك على كلام المتكلِّم، مع الحرص على عدم إعطاء نصيحة أو حلٍّ عندما تتحدَّث.

لنتخيَّل مُدرِّسًا عليه أنْ يُعيد تحفيز تلميذ غادر دروسه. يصل مجلس القسم، ويحاول التلميذ المعني بالأمر شرح ما يجري له بصعوبة. لكنَّ المُدرِّسين يقطعون حديثه بإعطائه نصائح، بالتَّناوب، حول ما يجب أنْ يفعله. وقد يرغب التّلميذ، الـمُثبط، ببساطة في أن يشعر بأنَّه مفهوم فيما يحاول أنْ يقوله. وهكذا، يَطْمئنُّ، ويمكنه كذلك أن يجد الحلَّ الخاص به!

التَّعرّف على الـمُرَشِّحات الإدراكيَّة الخاصَّة بك

تُستخدم هذه المرشِّحات في الحوار، وغالبًا ما يتمُّ التَّقليل من شأنها، وهي قنوات متعدّدة حسّيَّة (مرئيَّة وسمعيَّة...) توفر لنا معلومات قيِّمة حول العلاقة. وامتلاكها يساعد على التَّقليل من أخطاء الإدراك.

لنتخيَّل مقابلة عملٍ حيث تقودنا نظرة المترشِّح إلى التَّفكير التَّأويلي: "إنَّه لا ينظر إليَّ مباشرة، وهذا يعني أنَّه لا يجب أنْ يكون صريحًا جدًّا بشأن العِقد". هل تصوّرنا صحيح؟ قد يكون، في التَّقاليد الثقافيّة لهذا المترشِّح، أنَّ النَّظر إلى العينيْن سيُفهَمُ منه أنَّه دلالة على عدم الاحترام.

إعادة صياغة الجُمل الرَّئيسيَّة للـمُحاوِر

بصفتنا مستمعين، يجب أنْ نكون قادرين على تكرار ما قيل بكلماتنا الخاصَّة، وبطريقة مُرْضِيَّة لـمُحاوِرنا، من أجل التَّحقّق من صحَّة الفهم الصَّحيح للخطاب. وهذا لا يعني أنَّنا نتَّفق مع ما قيل، ولكنَّنا نفهم ما يُقال. والفرقُ هنا جوهريٌّ.

على سبيل المثال، أنتَ في مقابلة وجهًا لوجه مع موظَّفك لإعادة صياغة تأخيراته. فيُخبركَ حول مشكلة استيقاظه الصَّباحيّ لأنَّه يأخذ الحبوب الـمُنوِّمَة. إذا قُلتَ له: "أنا لا أقبل هذا العذر". فأنتَ تُغلقُ باب الحوار. في المقابل، أعدتَ صياغة كلماته بطلب توضيحات بشأن حالته الصِّحيَّة (مانِعًا نفسكَ من الحكم والتَّأويل)، فأنتَ في طريقك إلى الـحلِّ.

اسْألْ مُـحَاوِرَك عمَّا فهمه

هذا يسمح بالتَّأكد من أنَّنا نتحدَّث عن الشّيء نفسه. ولكن هذا الإجراء ليس دائمًا لطيفًا لأنَّ المحاوِر غالبًا ما يشعر كأنَّه أحمق، غير أنَّ هذه الخطوة ضروريَّة لمنع أحدنا من الذَّهاب إلى اليمين والآخر إلى اليسار.

لنتخيَّل أنَّك قُلتَ لابنك المراهق ليلة السَّبت: "لا تَعُدْ إلى المنزل بعد منتصف اللَّيل!". لذا، عليه الرَّد على رسائله النَّصيَّة القصيرة، وتنظيم نفسه لمعرفة طريقة الذَّهاب إلى هذه الحفلة ومعرفة من سيكون حاضرًا (والذي سيُحدّد اختياره)، وما نوع اللّباس الذي سَيَرْتَدِيه، بالإضافة إلى أنَّه يرغب في إنهاء واجِبه المدرسي. يقول لك: "نعم، نعم"، إلَّا أنَّه في السَّاعة الثانية صباحًا لم يعد إلى المنزل...لكي يَفهمكَ، كان عليك أنْ تجعله يُعيد صياغة التَّعليمات.

تَجرَّأ على طَرح الأمثلة المناسبة

تفتحُ هذه الأسئلة مع الـمُحاوِر تبادل الحوار، وتقوده إليه، من خلال إثارة مشاعره أو من خلال توضيح نقطة مهمة لتجنُّب أي شكٍّ. إنَّ السؤال المطروح بشكلٍ جيِّدٍ يترك للفرد حريَّة التَّعبير عن نفسه، والتَّفكير، والشعور بالاستماع بنشاطٍ.

لنفترض أنَّ هذا الزَّميل الذي تقابله في حفل تقاعدٍ، والذي يقول لك، بِوَجْهٍ مُتورِّد وصوتٍ مكسور: "لقد وجَّه لي مديري تحذيرًا لأنَّني غالبًا ما أتأخَّر. لقد سئمتُ!"، "أي نوع من السَّأم؟" هو مثال على سؤال مناسب. وهكذا، بالاستماع إليه، يدرك المرء أنَّ لديه شخصًا مهتمًا بخصوصيَّات قضيَّته، دون محاولة الحكم عليه. فأمامه طرفٌ ثالث يحاول فهمه، وهذا يخلق مناخًا من الثقة والصَّفاء؛ وهو أمرٌ ضروري لحياة أفضل وللعمل معًا.

الاستماع الفعَّال يجعل من الممكن ضمان التَّفاهم المتبادل، ومعرفة تأثير طريقتنا في الوجود على الآخرين، وتجاوز حقيقة المرء لفهم حقيقة الآخر.

لنتخيَّل لحظة إضْراب واسعة النِّطاق. من ناحية، لدينا متظاهرون يحاولون التَّعبير بكلماتهم عن تجربة صعبة، وحياة يوميَّة مُحْبَطة لا تنتهي أبدًا. من ناحية أخرى، فإنَّ معارضي الحركة الذين يعتقدون، بناءً على مرشّحاتهم الإدراكيَّة، أنَّ هؤلاء المتظاهرون هم كُسالى وسكارى فقط. وأخيرًا تخيَّل أنَّ أعضاء الحكومة ليس لديهم نهج الاستماع الفعَّال. المتظاهرون لن يشعروا بالاستماع ولا بالاعتراف بشَرعيَّتهم، وبذلك، فإنَّ أعمال الشَّغب مضمونة.

يعتبر الاستماع الفعَّال أسلوب تواصل يصعب دمجه، لأنَّه يتعارض مع عاداتنا اليوميَّة، وطرائقنا في النَّظر إلى الواقع، ومع تأويلاتنا. ومع ذلك، فإنَّ الاستماع الفعَّال هو أحد الأساليب، إنْ لم يكن الأسلوب الأساسي للذَّكاء الجماعي والتَّنميَّة البنَّاءة للمجموعات وللتَّماسك.

ملاحظة: إنَّ تجاهل خطاب الآخرين أو سلوكهم، قد لا يكون مجرَّد نقص في الاستماع الفعَّال. فقد يكون عند المحاوِر نِيَّة خفِيَّة لا يقولها، وهذا موضوع آخر...

 

المصدر:

مجلة Psychologies الفرنسية، عدد خاص Hors-Série) 59)، سبتمبر-أكتوبر 2021، ص:94-95-97.


عدد القراء: 1164

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-