الدولة السعودية ثبات وأمانالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2016-05-18 23:25:10

أ. د. علي بن محمد العطيف

أستاذ الحديث والدراسات العليا المشارك بجامعة جازان

يُعد الأمن من أهم مطالب الحياة، بل لا تتحقق أهم مطالبها إلا بتوفره، حيث يعد ضرورة لكل جهد بشري، فردي أو جماعي، لتحقيق مصالح الأفراد والشعوب.

والتاريخ الإنساني، يدل على أن تحقيق الأمن للأفراد والجماعات الإنسانية، كان غاية بعيدة المنال في أوقات  طويلة من التاريخ، وأن الأمن لم ينبسط على الناس في المعمورة إلا خلال أوقات قليلة.

ويعد الإسلام ومن خلال عقيدته الصحيحة مثالاً حيًّا وباقيًا على هذه القاعدة، فلم يكن الإسلام في بدايته، وحتى بعد تأسيس دولته الأولى، أقوى عدة وعتادًا وسلاحًا من قوى الإمبراطوريتين الرومانية أو الفارسية، اللتين عاصرتا بدء الإسلام.

 

وخلال مدة قليلة من الزمن، وفي القرن الأول الهجري، بدأ المنهج الإسلامي بصفاء عقيدته ووضوح أحكامه يَخْلُفُ - على المستوى العالمي - النظام الروماني القديم، واستطاعت قيم الإسلام ومفاهيمه، أن تسيطر على شعوب وأجزاء كبيرة من المعمورة، وأن تؤثر على بلاد وشعوب لم يصلها الإسلام، وهو أمر لا ينكره المنصفون من العلماء والمؤرخين.

يقول الكاتب الأمريكي برنارد لويس: "إنَّ الدول الإسلامية، قد تسقط أو تزول كدولة بالغزو العسكري، ولكن المجتمع يظل في حياته، محكومًا بقوانينه الإسلامية في معاملاته وعلاقاته ربما عشرات السنين، حتى تقوم الدولة من جديد، وهي تجربة مرت بها الدول الإسلامية التي خضعت للاستعمار عشرات السنين ".

إنَّ تحقيق الأمن والحياة السعيدة في ظل العقيدة الصحيحة لا يتم في مجتمع مضطرب أو بيئة قلقة، وإنَّ العمل لا يتم والحضارة لا تزدهر والرخاء لا يسود إلا بمطلب لا بد منه ألا وهو الأمن والإيمان.

وفي العصر الحديث، ونتيجة للنهضة الأوروبية التي صاحبها تقدم علمي وفكري كبير، أصبحت الحضارة الأوروبية، أو حضارة الغرب بوجه عام، هي الظاهرة والسائدة في القيم والمفاهيم على أجزاء كثيرة من المعمورة، لا سيما بعد أن واكبت النهضة الأوروبية، حركة كبرى للغزو والتوسع، شمل قارتي إفريقيا وآسيا، وشمل العديد من البلاد الإسلامية، مع ما تعيشه هذه النهضة من قلق وحيرة واضطراب وصراع نفسي أودى ببعضهم إلى الانتحار، وإلى النزوع وإلى الإجرام.

وسبق المد الحضاري غزوًا عسكريًّا مهد له، وتدل الشواهد على أن هذا التمهيد، كان مقصودًا ومدروسًا.

إنَّ السيطرة على الشعوب لا يمكن استدامتها عن طريق القهر لمدد طويلة، ولكن التأثير الحضاري والفكري، يمكن أن يمتد لمئات السنين، ويضمن بقاء النفوذ والسيطرة حضاريًّا وثقافيًّا وفكريًّا، وربما كان ذلك هو الأخطر والأشد ضررًا على أمن البلاد الإسلامية في العصر الحديث.

ولا بد لنا ونحن نتناول أهمية الأمن في الإسلام عامة، أن نشير إلى ما تعيشه المملكة العربية السعودية، من أمن وطمأنينة واستقرار وحياة كريمة وتعاون وتضامن بين أبنائها، وتكاتف والتفاف حول ولاة أمرها.

وذلك كله، بفضل الله، ثم بسبب تطبيقها لشريعة الله، وتحاكمها إليها، والتزامها بتوجيهات الإسلام، بدءًا من عقيدة التوحيد، وصرف جميع أنواع العبادة إلى الله وحده، وانتهاءً بكل خلق فاضل دعانا إليه ربنا في كتابه الكريم، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

   إنَّ أثر تطبيق الشَّريعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، على أمن واستقرار المملكة العربية السعودية، يدركه كل ذي بصيرة، وينعم في ظله الجميع.

لقد قامت هذه الدولة المباركة على أساس الدين ونشر العقيدة الصحيحة في أرجاء المعمورة ويظهر ذلك جليًّا في الحوار التاريخي بين الإمام محمد بن سعود رحمه الله والشيخ محمد بن عبدالوهاب في أول لقاء بينهما حيث قال الإمام محمد بن سعود: «أبشر ببلاد خير من بلادك، وأبشر بالعز والمنعة، فقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب: وأنا أُبشرك بالعز والتمكين، وهذه كلمة ( لا إله إلا الله ) من تمسك بها وعمل بها ونصرها ملك بها البلاد والعباد، وهي كلمة التوحيد، وأول ما دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم»1 .            

قال ابن بشر رحمه الله: "ثم إنَّ محمدًا بسط يده وبايع الشيخ على دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والجهاد في سبيل الله، وإقامة شرائع الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"2.

وعلى هذه المفاهيم العظيمة، والأحكام الجليلة قامت هذه الدولة فنصرها الله، وكتب لها الحب والتمكين والقبول في الأرض، وما زالت ولن تزال بإذن الله على ما كانت عليه.

وقد تحدث عن هذا الأمر وجَلاَّهُ المؤسس الأول الملك عبدالعزيز آل سعود في خطبة له في الطائف، فقال: "أما نحن فلا عز لنا إلا بالإسلام، ولا سلاح لنا إلا بالتمسك به، وإذا حافظنا عليه حافظنا على عزنا وسلاحنا، وإذا أضعناه ضيعنا أنفسنا وبؤنا بغضب من الله، وإنَّ الذي أريده وأطلبه منكم هو ما ذكرته لكم من التمسك بدين الله، وهذه طريقتي التي أسير عليها والتي لا يمكن أن أحيد عنها مهما تكلفت ... "3.

وقال أَيضًا: " ... وإني أرى كثيرًا من الناس ينقِمون على ابنِ سُعود، والحقيقة ما نقموا علينا إلا لاتباعنا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من عاب علينا التمسك بالدين وعدم الأخذ بالأعمال العصرية، فأما الدين فو الله لا أغير شيئًا مما أنزل الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أتبع إلا ما جاء به، وليغضب علينا من شاء وأراد، وأما الأمور العصرية التي تعنينا وتفيدنا ويبيحها دين الإسلام، فنحن نأخذها ونعمل بها، ونسعى في تعميمها، أما المنافي منها للإسلام فإننا ننبذه، ونسعى جهدنا في مقاومته، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا مَدنِيَّةَ أفضل وأحسن من مَدنِيَّةِ الإسلام، ولا عِزَّ لنا إلا بالتمسك به "4.

وما أشبه اليوم بالبارحة فقد حاول ثلة قليلة من المارقين آنذاك العبث بأمن البلاد والتشكيك في أنظمته وقيادته، وحاولوا ربط قضايا الأمة جميعًا بهذه البلاد، وهم يريدون بذلك أن يجعلوا الأرض الإسلامية والعربية مسرحًا للدم والإرهاب والقتل والجريمة، هذه طائفة من الشباب.

وطائفة أخرى من الشباب أُرسلوا من قِبلِ الدَّولة للدراسة وغير ذلك، فجاءوا – وللأسف الشديد – نُذر شؤم على بلادهم، قد امتلأت عقولهم وقلوبهم بحضارة الغرب وأنظمته، وأرادوا أن يُطبقوا ذلك كله بحذافيره، فماذا كان من المؤسس الأول رحمه الله تعالى إلا أن اجتمع بهؤلاء وغيرهم من الشباب، وقال لهم كلامًا رائعًا حكيمًا يكتب بماء الذهب، قال: "إنَّ الذي دعاني لجمعكم في هذا المكان هو النصح لكم، حتى لا يغتر السفيه بالحلم، ولا يسترسل في غوايته، وأحذركم من أمرين:

الأول: الإلحاد في الدِّين، والخروج عن الإسلام في هذه البلاد المقدسة، فو الله لا أتساهل في هذا الأمر أبدًا، ومن رأيتُ منه زيغًا عن العقيدة الإسلامية فليس له من الجزاء إلا أشده، ومن العقوبة إلا أعظمها.

الثاني: السفهاء الذين يسول لهم الشيطان بعض الأمور المخلة بأمن البلاد وراحتها، فهؤلاء شأني معهم شأن الدِّيناميت مع النار"5.

وهكذا سلك أبناؤه من بعده على هذا المنهج القويم، فكان أبناؤه من بعده سعود، وفيصل، وخالد، وفهد وعبدالله، ثم سلمان (الحزم والعزم): يعلنون ذلك في كل محفل، ويطبقون الشريعة، ويلتزمون بأحكام الدين، وينفذون الحدود بكل قوة وحزم، ولا يأبهون بنقد الحاقدين، ولا دعاة الحضارة الزائفة، ولا المنظمات المريبة، لأنهم يدركون أن هذه الأحكام ربانية لا مساومة في تطبيقها، ولا مجال لمناقشتها أو تفضيل المذاهب البشرية عليها.

ودرج على ذلك خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، الأمير محمد بن نايف، اللذين جندا أنفسهما، ورجالهما، وبذلا جهودًا كبيرة في سبيل استمرار مسيرة هذه الدولة المباركة على نهج الآباء والأجداد، في إقامة الدين، وتطبيق الشرع، والدعوة إلى الله، وتوقير العلماء، وإكرامهم، وعون المسلمين أينما كانوا. فكان استمرار الأمن والاطمئنان، وعاش الناس حياة سعيدة مستقرة، إخوانًا في الله متحابين متعاونين، في ظل حكم صادق وعادل منصف.

ولأنَّ العقيدة والشريعة والعدل هي الأصول الكلية التي نهضت عليها هذه الدَّولة، فإنَّ تطبيق هذه الأصول يتمثل في التزام المنهج الإسلامي الصحيح في العقيدة والفقه والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي القضاء، وفي العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبذلك كانت الدَّولة السعودية نَموذجًا متميزًا، في السياسة والحكم في التاريخ السياسي الحديث.

وقد استمر الأخذ بهذا المنهج في المراحل التالية جميعًا، حيث ثبت الحكام المتعاقبون على شريعة الإسلام، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء6.

قال جيرالد دي غوري : "لو أَنَّ قافلةً أَسْقَطَت كِيسًا في الصَّحراء فلا بد من العثور عليه بعد ستة أشهر في الموضع نفسه ... فالأمن في المملكة العربية السعودية مدهش، وهو أكثر شمولاً من أي بلد أوربي"7.

وقال جورج أنطونيوس: "ولا نبالغ إذا قلنا إنَّ المملكة العربية السعودية قد بلغت في ضبط الأمن العام درجة قد تفوق جميع دول العالم، ولا يستثنى من ذلك أعرقها في الحضارة"8.

وما كان ذلك ليتحقق للملك عبدالعزيز رحمه الله، لولا أنه حرص كل الحرص على تطبيق الشريعة وإقامة العدل. وكان إذا سئل عن دستور بلاده أجاب: دستورنا القرآن9 .

كذلك كان لتطبيق الحدود بأنواعها وفق الشريعة الإسلامية في مملكة الأمن والثبات أثره الحاسم في منع تكرار الجريمة، وإجبار المجرم على التفكير مئات المرات قبل أن يقدم على فعله، لأنه يعلم مقدَّمًا الحكم الذي سينزل به ومدى فاعليته 10.

 

المراجع:

1 - عنوان المجد في تاريخ نجد: ابن بشر 1/15.

2 -  المرجع السابق 1/16 .

3  - ينظر: كتاب المصحف والسيف، جمع وإعداد مُحيي الدين القابسي، ص 101.

4 - المرجع السابق، ص 102.

5 - كتاب  المصحف والسيف لمحيي الدين القابسي ، ص 104 .

6 - المرجع السابق ، ص 49 .

7 - الملك عبدالعزيز، رؤية عالمية، د: سعد الحارثي، ص 270 .

8 - المرجع السابق، ص 272

9 - شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز، خير الدين الزركلي، 1/353 .

10 - حالة الأمن في عهد الملك عبدالعزيز، ص 125- 126 ببعض التصرف.


عدد القراء: 15757

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-