قراءة في كتاب: «مدخل إلى فن القيادة»الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2017-11-06 23:05:38

د. أشرف صالح محمد

عضو هيئة التدريس - كلية الآداب والعلوم الإنسانية - جامعة ابن رشد – هولندا

الكتاب: "مدخل إلى فن القيادة"

المؤلف: مارك أندرسن Mark Anderson

المترجم: عايدة الباجوري

تاريخ النشر: 2016

الناشر: المركز القومي للترجمة – القاهرة

ردمك: 3-875-718-977-978

عدد الصفحات: 340   صفحة

 

مقدمة:

يمر العالم ومنذ فجر الألفية الثالثة بمرحلة تحول من عصر المعلومات إلى عصر المعرفة، والذي أحدث أثرًا عميقًا على البيئة التكنولوجية والمعلوماتية للمنظمات. وقد أوجدت العولمة تحديات كبرى لمنظمات الأعمال ممثلة في إنشاء "منظمة التجارة العالمية" (WTO) كإحدى أهم المنظمات العالمية في تاريخ العالم الحديث، والتي تسعى إلى تحرير كل أوجه التبادل السلعي والخدمي في العالم من كافة القيود الجمركية وغيرها، وسطوة الشركات العملاقة متعددة الجنسيات – والتي تتجاوز ميزانيات بعضها الدخل القومي للكثير من الدول – في عالم مفتوح الفضاءات مفتوح الحدود تتدفق فيه المعلومات والثقافات والسلع والخِدْمَات والاستثمارات والأموال والخبرات والتكنولوجيا بدون حواجز بين الدول بفعل اتفاقيات تحرير التجارة.

هذا الواقع شديد التعقيد، كثير المشكلات، سريع التغير، يتطلب من منظمات الأعمال أن تسعى إلى المواكبة لتستطيع البقاء في ساحة المنافسة العالمية الشرسة، وأهم أدواتها في تحقيق ذلك: القيادة الإدارية الواعية التي تتجه نحو تصميم بيئة تنظيمية إبداعية تتضمن أساليب وطرقًا مختلفة تستهدف تنمية قدرات الأفراد الإبداعية وزرع عناصر الإبداع الإداري في المنظمات. وللقيادة نظريات مختلفة تعددت باختلاف المدخل الذي يُنظر به إلى القائد، فبينما تناول بعضُ علماء الإدارة القيادةَ من خلال مدخل السمات الشخصية للقائد، نظر آخرون إلى سلوكيات القائد، وركز فريق ثالث على المواقف التي يعايشها القادة، وأيضًا اختلفت الأنماط القيادية باختلاف السلوك الذي يمارسه القائد مع المرؤوسين في سبيل تحقيق أهداف المنظمة. وقد أدى هذا الاختلاف الكبير في نظريات وأنماط القيادة إلى أن يقول أحد علماء الإدارة: «إن القيادة مثل الجَمَال شيء يصعب تعريفه ولكنك تتعرف عليه عندما تراه».

وعلى الرغم من كل هذا الاختلاف إلا أن الأدبيات الحديثة للإدارة اتفقت على أن منظمات القرن الحادي والعشرين تحتاج إلى القائد المبدع ذي السلوك التحويلي والذي يستطيع أن يواجه تحديات العولمة بأساليب مبدعة ويُحدث تغييرًا في الأفراد والمنظمات ككل، فالإبداع يدعم قوة أي منظمة في تميزها عن المنظمات الأخرى، كما أن الإدارة التقليدية أصبحت غير ممكنة في الوقت الحالي لما لها من عواقب وخيمة، فهي تُحوِّل الأفراد العاملين إلى بيروقراطيين وتسلبهم قدرتهم على الإبداع والتفكير.

الغرض من الكتاب:

رغم أنه كثيرًا ما كتب عن موضوع "القيادة"، إلا أنه موضوع محير، وقد أدهش المؤلف عدد الكتب التي تداولت موضوع تحليل القيادة، سواء من الناحية النظرية، التي تسعى إلى التعرف على موضوع مجرد يحدد القيادة، أو من وجهة نظر شخصية الرئيس التنفيذي لشركة؛ حيث شخصيته – التي عادةً ما يقال أنها "كاريزمية"- حيث تعد نجاحات هذا الرئيس نموذجًا للقيادة الفعالة. وفى حين أن هذه التوجهات المختلفة صحيحه جدًّا، فإنها تمثل إلى تجنب أقصى حد من الحقائق - أن تكون قائدًا- يومًا بعد يوم في ظروف صعبه ومتقلبة فلن تجد وقتًا للنظريات، كما أن التجربة لا تعطيك إحساس كونها نظرية، فإنها تبدو جميعها حقيقية جدًّا، فإن معظم القادة ليسوا من كبار المديرين التنفيذيين للشركات الكبيرة متعددة الجنسيات، فعليهم بطبيعة الحال أن ينجحوا، أو أن يكونوا من المشاهير.

في بيئة أعمال تجارية متقلبة على نحو متزايد، لم يكن هناك حاجة أكبر لقادة قادرين على تنظيم الأداء المتميز، حيث لا تمثل القيادة غاية في حد ذاتها، ولكنها تركز على الاستثمار الأمثل للتميز في مؤسسة كبرى ألا وهو رأس المال البشري، كما أن المتطلبات على القيادة هي أيضًا معقدة، وهي لا تتبع نمطًا محددًا؛ حيث إن التحديات ذاتها التي تمثل التقلبات العالمية والتي تتطلب استجابات القيادة الفعالة تتسم بالمرونة، وتعددية الرؤى التي تُعدّ ضرورية، وتكون ذات منظور دولي.

ربما يكون واحدًا من أكبر التحديات التي يواجهها قائد أي فريق هو ضرورة مواجهة مفارقة – خططت على أساس عدم اليقين؛ لتوفير قيادة مستمرة في مجال من عدم اليقين المخطط الذي لا يتطلب فقط مثابرة في الغرض ولكن أيضًا على الاهتمام بالتفاصيل- وفهم أن القيادة الفعالة لا تكمن في التصورات الكبرى ولكن في المشاركة الفعالة مع الناس في كل جانب من جوانب وجود المؤسسة اليومية المعتادة، لذلك فالقيادة الفعالة تكون الاهتمام بالاستراتيجية والتفاصيل، وهذا ما يحاول شرحه هذا الكتاب.

إن هذا الكتاب لا يُعنى فقط ببيان قواعد الإدارة، ولكنه يطرح أيضًا سبل تحسين أداء المرؤوسين من خلال احترام قيمتهم الفردية التي تكمن في داخلهم، وهو معني بمعرفة أن القائد الفعال يجب عليه أن يبث مثل هذا النهج عبر مجموعة متنوعة من الأنشطة.

محتويات الكتاب:

يتضمن كتاب "مدخل إلى فن القيادة" عشرة أجزاء (فصول)، تمثل المجالات الرئيسة التي سوف يواجها قائد فريق من أي حجم كقاعدة يومية، كما أن كل جزء فرعي مقسم إلى موضوعات عمل فرعية محددة، وقد كتبت جميع موضوعات العمل الفردي بشكل مستقل تمامًا، بهدف أن ينغمس القارئ في تلك التي يشعر أنها ذات أهمية بالنسبة إليه في أي لحظة في حياته العملية.

1 - شخصيتك القيادية:

مع أن قدرًا كبيرًا من القيادة يدور حول تناغم تميز الآخرين، فإنك بوصفك فردًا تمثل نقطة البداية، وعليك أن تدرك أن كلماتك وأفعالك تحدد وتيرة عملك. كما أن لسلوكك – منذ يومك الأول في مؤسستك أو مع فريقك – دورًا فاعلاً في تحديد أسلوب العمل على كل المستويات بالنسبة إلى التحديات والفرص التي يواجها فريقك؛ وكذا طبيعة العلاقات التي يتم تحديدها مع الموردين والشركاء؛ لتفهم ردود الفعل بالنسبة إلى السوق، وإلى موقف الإدارة من الناس. ولكن سلوكك على الوجه الآخر يتم فحصه بدوره – حيث يقوم المرؤوسون بمراقبتك لمعرفة الحدود التي قمت بوضعها، وما توقعاتك، وما السلوكيات التي تطلبها في المقابل، وعلى وجه الخصوص، فإن تلك العملية من التدقيق الشرعي تبحث هي الأخرى عن إثبات- والتمسك برسالتك وتطابق كلماتك مع أفعالك.

إن عددًا كبيرًا من أعضاء الفريق لهم وجهات نظر، فهم يرغبون في أن يكونوا من القادة وفي الوقت نفسه أن تتم قيادتهم –وهم يتلهفون للتأثير الفعال لكونهم أعضاء فريق يسعى وراء تحقيق أهداف ذات مصداقية تحت راية قائد ملهم، ولكن من المحتمل أن يكونوا مرتابين – ومن المحتمل أيضًا أن يكونوا متشككين- ومن المرجح أن يكونوا قد مروا عبر عملية تغير قبل ذلك، ومن الممكن أنهم كانوا يومًا من القادة، والأهداف تأتي وتذهب، لذلك يجب أن تدرك أنك توجه جمهورًا متشككًا، ومهمة كبيرة ألا وهي الاقتناع، وأنك سوف تلتقي مع أتباع مرنين وكذا مع مَنْ هم أشد في التشكك، وقبل كل شيء فإن كل أقوالك وأفعالك يجب أن تدعم رؤيتك.

ولكي تكون قائدًا فعالاً، عليك أن تبدأ بنفسك، عليك التأكد من الاستراتيجية "المناسبة" لسلوكك، وأن تكون مثالاً يُحتذى به، وأن يتم تحديد تلك الأمثلة، ومن الضروري أن تدرك أنك لا تقوم فقط بنقل رسالة، ولكن أنك أنت تلك الرسالة.

2 - الرؤية والاستراتيجية: (أيقونة القيادة)

سواء كنت ترأس فريقًا، أو عملاً صغيرًا، أو مؤسسة عمل بأكملها؛ فأنت في حاجة إلى التأكد من أن فريقك يملك إجابة شافية وواضحة عن أسباب وجودهم في هذا المكان، وخاصةً فيما يتعلق بالتالي: سبب وجود مؤسستك (رؤيتك)، خططك لتحقيق رؤيتك (استراتيجيتك)، أنشطتك الأكثر أهمية (أولوياتك). هذه الأمور لها أهميتها لأن الأداء النهائي في كل المؤسسات ما هو إلا مجموع كل الأعمال النوعية التي يؤديها كل أفراد فريق العمل، كما أن الأداء يتحسن دائمًا عندما يعمل كل فرد في الاتجاه نفسه وسعيًا وراء الأهداف نفسها. وقد يبدو ذلك واضحًا، ولكن عليك أن تدرك أن الرؤية، والاستراتيجية ليستا ببساطة مجرد سلسلة من كلمات تشملها خطط العمل، أو تلك التي قد تشتمل عليها اللافتات التي يتم تعليقها في المكاتب، بل التعبير عنها يتمثل في ترجمتها إلى أنشطة جميع الفرق في المؤسسة في مختلف الوظائف، ولتحقيق ذلك يجب أن تكونا واضحتين تمامًا؛ فالرؤية والاستراتيجية اللتان لا يمكن توصيفيهما بسهولة لا يمكنهما أن تستميلا القلوب والعقول.

ويعد دورك "مساعدًا"، إنك فرد تخضع في كل مبادراتك وكلامك لرقابة دقيقة من فريقك، فلكي تغرس الرؤيا والاستراتيجية في أذهانهم يجب عليك أن تراعي ذلك، ويجب عليك أن تُنمي لديك تدريجيًّا "أيقونة القيادة"، أي سلسلة من البيانات التي تحدد موضع مؤسستك، والتي تكررها دائمًا بوجه خاص، والتي تقوم بتضمينها بصورة واضحة في أعمال القيادة، كما يجب أن تكون مقتنعًا تمامًا أن رؤيتك، واستراتيجيتك قد تم فهمها على الوجه الصحيح، وأنه يتم تقبلها بصفتهما شريان الحياة للمؤسسة.

يجب أن تكو دقيقًا جدًّا عند التعامل مع مختلف الدوافع الاقتصادية، والقانونية، والثقافية التي تحرك عولمة البيئية التجارية؛ ولذلك يجب أن تفكر في التداعيات الرائدة على الصعيد الدولي، وكيف أن رؤيتك واستراتيجيتك تعكس التنوع والتعقيد الذي تتسم به عولمة البيئة التجارية، ولكن أينما تقود مؤسستك فتوجهك إلى التواصل يُعد شيئًا أساسيًّا، يجب أن تعمل على تكرار عناصر رؤيتك واستراتيجيتك أكثر بكثير مما تعتقد أنه ضروري، حتى لو شعرت أنك تقول الأشياء أكثر من اللازم، فهذا غير صحيح، فأنت لا تستطيع أن تكف عن تكرار أهدافك كثيرًا جدًّا.

اعمل على أن تثبت رسالتك عن الرؤية والاستراتيجية في شكل مجموعة من الأولويات المفهومة على نطاق واسع، كما أنك تؤكد على أن أفعالك وأفعال فريقك تركز على النجاح.

 3 - فريقك القيادي:

يتمثل الفريق الذي تقوده في المجموعة التي تتبعك مباشرةً، والتي سوف تقضي معها ساعات عمل سواء بشكل فردي، أو جماعي خلال أيام العمل، وذلك أكثر من أي مجموعة أخرى في حياتك، بما في ذلك عائلتك، وبوصفها مجموعة فهي سوف تؤثر عليك، ويكون لها مغزى في حياتك بأكملها، تجربتك في العمل، وفاعليتك، ونجاح مؤسستك، أو فريقك، بالطبع يجعلك تشعر بالراحة.

معظم القادة يرثون فريقًا عند توليهم المسؤولية، وهذا لا يعني فقط أعضاء الفريق، ولكن سلوكياتهم الجماعية، والفردية؛ لذلك يجب عليك تطبيق أسلوبك في العمل الذي سوف تتبعه مع فريق أصبح تابعًا لك. في هذه الحالة، تحتاج إلى أن تضع الأسس التالية: (مجموعة واضحة لتوقعات الأداء – معايير للسلوك الفردي والجماعي – العلاقات الشخصية مع كل عضو من أعضاء الفريق – الهيكل التنظيمي للمؤسسة، والفريق كما تريده – ما إذا كان الأفراد التابعون لك يتناسبون مع الدور الذي تتوقعه منهم أم لا – ما إذا كنت بحاجة إلى تعيين فريق جديد أم لا).

إن علاقتك مع أعضاء فريقك يغلب عليها التناقض؛ بما أنك تتعامل مع أفراد تكرس لهم الكثير من الوقت، ولكن لا تستطيع توثيق علاقتك الشخصية بهم؛ لديك بدلاً "من ذلك عمل يتطلب منك وضعه في الحسبان؛ بجانب علاقة عمل مدفوعة تتطلب منك إقامة حواجز واضحة المعالم ومتميزة، لدية صداقة، ولكنها صداقة عمل، ولديها كثير من الأحاسيس وكثير من التحديات، التي تعلو وتنخفض، إلا أنه في نهاية الأمر، عليك أن تترك العمل وراءك وترجع إلى منزلك، والمنزل ليس دائمًا ببعيد أبدًا" فهو الملاذ الذي تلجأ إليه، لأنك بوصفك قائدًا يجب أن تحتفظ دائمًا بهذه الحواجز، وتعد تلك الحواجز ضرورية للمحافظة على التركيز؛ فإذا ما تعديتها وأدخلت هذا العامل الشخصي، فسوف يقوض قدرتك على التحكم في أداء فريقك، وبالتالي؛ فعليك أن تعي جيدًا أن هذه العوامل الشخصية في دورك بوصفك قائدًا قد تؤدي بك إلى العزلة، والشعور بالوحدة.   

4 - قيادة مؤسستك:

بوصفك قائدًا من الجائز أن يتجاوز فريق عملك الزملاء الذين تحت قيادتك مباشرةً، فقد يصل مجال مسؤولياتك إلى فرق عملهم الفرعية، بل قد يمتد إلى كل فرد من الأفراد الذين ليسوا تحت قيادتك أيضًا، حتى إننا قد نصل في النهاية إلى فريق عمل يصل عدد أفراده إلى العشرات وربما المئات، لذا يجب أن تعي دائمًا أثناء تحديدك لأهداف عملك واستراتيجياته، بل وحتى في اختيارك لكلماتك وتوجيهاتك، أنك تخاطب وتوجه فريق عمل ضخم، عدده أكبر بكثير من عدد الزملاء الذين هم يتبعونك مباشرةً، كما يجب عليك العمل على تحديد حلول عملية وطرائق للتواصل بين هذا الفريق الضخم المتباعد الذي لا ترى معظم أفراده، هذه الحلول والطرائق يجب أن يكون القصد منها: (تدعيم الأهداف والغايات واستراتيجيات العمل – غرس منهجك في إدارة العمل والطريقة التي ترى أن العمل لا يستقيم دونها داخل المؤسسة – تغيير ثقافة المؤسسة إلى الطريقة الأنسب في رأيك – تحدي المعوقات العتيقة التي قد تعوق أداء المؤسسة وخططها المستقبلية – الارتقاء بأداء العمل – التماس معلومات مرتدة صحيحة وواضحة عن أداء العمل وثقافته).

مما سبق يتضح معنى أن القيادة تبدو مرادفًا لكلمة "الأداء"، فهذا صحيح، إن الأمر لا يتعلق بالتمثيل أو الزيف، ولكن الأمر يأتي بوضع نفسك في مكان يراك فيه الآخرون ويسمعونك، وهذا يتطلب كثيرًا من الجهد، والالتزام، والإصرار، والصبر والجلد، فالفوز بالقلوب والعقول أو حتى تغييرها لا يتأتى بسهولة، ويجب أن تقتنص نجاحك.

توجد دائمًا حاجة ملحة داخل بيئة العمل المتزايدة والمتقلبة باستمرار إلى قائد قادر على الأداء بمهارة، فالقيادة ليست غاية في حد ذاتها، ولكنها هي التركيز المستمر على التنشيط وتعظيم الاستفادة من تمايز المؤسسة في رأس مالها البشري، وفي السياق نفسه، نجد أن القائد لا يجلس على قمة التسلسل الهرمي كما كان قديمًا، ولكنه الآن وعلى العكس يجلس أسفل مصفوفة الموهوبين والمتميزين في مؤسسته، ويتمثل التحدي الأكبر بالنسبة إليك في ظهور تأثيرك الإيجابي على فريق العمل في سبيل إطلاق طاقاتهم، فقيادتك تظهر أحيانًا وبشكل متناقض في مرحلة السير على خطى أفكار كآرائك الخاصة.

5 - قيادة الأداء المتميز

إذا كان جوهر قيادة أي مؤسسة يدور حول ضمان توافق العمل فيها توافقًا تامًا مع الرؤية والاستراتيجية التي تسير المؤسسة وفقهما، فإن جوهر قيادة الأداء المتميز يدور حول الطريقة التي يتم من خلالها تنفيذ كل من الرؤية والاستراتيجية، فهذا النوع من القيادة ما هو سوى تعبير عن كيفية تحويل المفاهيم النظرية إلى أمور محققة، وملموسة على أرض الواقع؛ وتحويل الرؤية إلى حقائق، وتحويل الأهداف إلى إنجازات. وبشكل عام يمكن القول؛ إن جوهر القيادة يكمن فيما يطيب للناس أن يطلقوا عليه في بعض الأحيان "التناغم بين الكلمات والأفعال"، أي تحويل ما ترى المؤسسة القيام به إلى أفعال ملموسة على أرض الواقع.

هيا بنا ننطلق إلى رؤية المسألة بنظرة صريحة وواقعية، فمن البديهي أنه ما من أحد يحب الفشل في العمل، وإنما يرغب الجميع في أن تكون لديهم أهداف يمكن تحقيقها (أي بعبارة أخرى أن يكون لديهم فهم واضح لما هو متوقع منهم) وأن يعملوا في ظل مناخ يهيئ لهم فرصة عادلة لتحقيق النجاح، ونيل ما يستحقون من إشادة وثناء عندما يحققون ذلك. وفي حقيقة الأمر، فأننا جميعًا نتقبل النقد بصدر رحب عندما نعلم من صميم قلوبنا أن هذا النقد عادل، ويوجه إلينا بطريقة بناءة تسمح لنا بالتعلم، والارتقاء بمستوانا في العمل. وبلا شك ما من أحد يروق له العمل في ظل أهداف غير قابلة للتحقيق، أو في ظل عدم منحه ما يستحق من الثناء، والتقدير عندما يحقق نجاحًا ملموسًا.

وبوصفك قائدًا، ينبغي عليك أن تبدأ عملك باستثمار أحد أهم الأصول في مؤسستك؛ وهي فرق العمل التي ترغب في تحقيق النجاح حتى وإن كانت هذه الفرق لا تدرك أن بمقدورها تحقيق ذلك، حتى وإن لم يسبق استخدام هذه الفرق في دور المبشرين بالنجاح والحاملين لمشعله. وبوصفك قائدًا، فإن مهمتك هي العمل بحماس مع فريقك (أو فرقك)، وتوفير كل ما يحتاجون لتحقيق النجاح؛ وتقويتهم في الأمور التي يعانون فيها من ضعف؛ والقضاء على المشكلات التي تتسبب فيها سوء علاقات الأشخاص ببعضهم والتي لا طائل من ورائها، بل وربما تأتي بنتائج عكسية تؤثر سلبًا على العمل؛ ومهمتك أيضًا هي تحديد أهداف واضحة وعادلة يكون من الممكن تحقيقها؛ والسماح عند الضرورة للأفكار والفرص المبتكرة، والتي تمثل تحديًا كبيرًا بأن تسود وترسخ.

وفي الواقع؛ فإن ما تفعله هو ثقتك في تحقيق النجاح وغرسها في عقول أشخاص آخرين، وما من شك أن هذه ليست بالمهمة اليسيرة، وإنما على العكس تمامًا فهي مهمة شاقة، وعسيرة وخصوصًا إذا كان بعض هؤلاء الأشخاص قادرين بالفعل على تحقيق النجاح، ولكن ليس في عالمك أو وفق أسلوبك في العمل. ستجد نفسك أمام قرارات صعبة لا مفر من اتخاذها، كما ستجد نفسك مضطرًا إلى توجيه رسائل إلى زملائك في العمل الذين لم يحققوا النجاح... رسائل تكون في معظم الأحيان غير مرحب بها.

وأعلم، أيها القائد، أن النجاح سيكون حليفك دائمًا شريطة تحقيق التكامل بين ما تقوله وما تفعله، وهو أمر سيظهر جليًا من خلال التطبيق المستمر والعادل للمبادئ.  

خاتمة

تدور أغلب صفحات هذا الكتاب حول ما يحتاج إليه القادة لاتخاذ الإجراءات التي يتعين عليهم اتخاذها حتى يضعوا أنفسهم في المكانة التي تليق بهم بوصفهم قادة، وكذلك لتمهيد الطريق أمام أبرز الموظفين في مؤسساتهم ليصبحوا هم أنفسهم قادة، وحتى يتمكنوا كذلك من جعل رؤساء الإدارات والأقسام في المؤسسة قادة على مستواهم الرفيع نفسه من القيادة، والنجاح في الوصول إلى القيادة يعتمد إلى حدٍ كبير على أن ينظر كل قائد داخل نفسه ويستفيد من، أو يحسن، الصفات القيادية الطبيعية التي يمتلكها. أما القادة العظماء فهم ينظرون خارج أنفسهم، ولا يقتصرون في ذلك على النظر إلى زملائهم الحاليين الذي بإمكانهم تطويرهم، وأيضًا ينظرون إلى أي منهم أكثر مهارة من القائد على أساس أن ليس له أية قيمة!

وفي حقيقة الأمر فإن ما يفعله أفضل القادة هو الاستفادة من أية موارد متاحة بهدف تحسين فعاليتهم، وأن يفعلوا ذلك دون حياء وبصراحة. إن ذلك جانب من التواضع الذي ينبغي أن يتصف به أي قائد يعرف بأن هناك أمورًا لا يعرفها ويستعد لأن يتخذ ما يلزم حتى يعرف أكثر.


عدد القراء: 6473

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-