طبائع المؤسسة (حياة في الإدارة) 2 - 2الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2018-02-11 18:17:00

أ.د. إبراهيم بن محمد الشتوي

أستاذ الأدب والنقد

المسألة الثانية التي ترددت في حديث الكاتب، هي مسألة حصوله على المناصب التي شغلها، فقد تكرر في مواضع متعددة حديثه عنها، وبدا من هذا الهم الذي يحمله أنه قد سمع أكثر من مرة عن أحقيته بهذه المكانة. ومع أن الكاتب قد أشار في أكثر من مرة بأن سبب ذلك مرده الحظ، وأنه لا يفضل سواه في شيء، كما ذكر مرة أخرى أنه بدأ السلم من أوله، وأنه عمل في مواقع صغيرة لا تمثل شيئًا.

ومع أن في هذا قدرًا من التواضع، حيث ينفي عن نفسه كل ميزة، كما ينفي أيضًا تدخل المحسوبية في ترشيحه، واختياره، أو في تمكينه أيضًا، فإننا سنعود مرة أخرى إلى موضوع النخبة التي ينتمي إليها، والتي لها طرائقها في التعبير عن ذاتها، والتوصل إلى ما تريد. وهذا يبدو في الحكاية التي أوردها عن مشاركته في «ندوة هارفارد الدولية» حين قبل مشاركًا بالرغم أن الشروط لا تنطبق عليه، إضافة إلى أن الرسالة التي كتبها على وجه الحقيقة لا تشجع على قبوله، ولكن الموقف جاء مختلفًا تمام الاختلاف لما يمكن أن يتوقعه المتوقعون، فالشروط غير منطبقة، والرسالة لا تشجع على قبوله، وكان من الممكن ألا تعرض على اللجنة من البدء، وترمى بسلة المهملات من قبل السكرتارية، ولكن «النخبة» لها حسّها الخاص الذي رأت أن كاتب هذه الرسالة منها، وإن لم يكن قد اكتمل نموه، وأنه من الممكن في يوم قريب سيكون كواحد من الحاضرين أو أكبر منهم. هذا الحس يأتي عن طريق مكونات عدة: منها الثقافة، والسلوك، والخلفية أو ما يسمونه بالإنجليزية BACKGROUND. إنها قضايا تتجاوز ما يسمى بالحس الشعبي «الواسطة»، فالواسطة جزء منه، لكن يبقى بعد ذلك مكونات ذاتية يملكها الشخص بحيث تجعله هو نفسه جزءًا من المنظومة التي يريد أن ينتمي إليها، ومن هنا تصبح مخالفته للشروط والضوابط مخالفة شكلية، لا تلبث أن تزول حينما يندرج مع الجماعة، وينضوي إليها.

ولو أخذنا هذه الحكاية بوصفها عينة على ما صار إليه فيما بعد، لوجدنا أن اشتراكه في الندوة لم يكن سليمًا بناء على الشروط التي أعلنتها الندوة، ومع ذلك فقد تجاوز المسؤولون عنها الشروط، والمواصفات المطلوبة في الملتحق بها، وأصبح النظر يتجه لهذا الشخص الذي يريد أن يتعرض لهذه التجربة العلمية والسياسية، بوصفه مستحقًا على المستوى الشخصي أن يكون فيها.

هنا تعمل المؤسسة ولكن بصورة خفية، إذ تعلن عن قواعد، ومعايير، وتهملها حين تشاء، بناء على أن هذه القواعد والمعايير لأناس محددين من خارجها، وليسوا من داخلها، يرغب في تقريبهم، وتهيئتهم لمواصفاتها، وأحيانًا تمثل نوعًا من العوائق، والصعوبات على من هو خارجها تمنعه من الدخول إليها. أما الذين من داخل المؤسسة بأي اعتبار كان، فإن هذه الشروط والمعايير ليست مطلوبة منهم، ويمكن أن تكمل فيما بعد.

هذا التحرك من داخل المؤسسة تؤكده المهمة التي اختير لها من قبل الأستاذ عمران العمران، حين رشح للمشاركة في لجنة السلام التي شكلت بعد الاتفاقية في حرب اليمن، وهي مهمة ذات مسؤوليات كبيرة، ومستوى عالٍ، فهي مشكلة من الملك شخصيًا، ويشارك فيها شخصيات ذات شأن في المؤسسة الإدارية، وقد كان الكاتب يضطلع فيها بمسؤولية مهمة، بالرغم أنه لم يتول أعمالاً ذات بال في الجامعة، وحين عاد بعد اللجنة لم يتول أعمالاً أخرى، مما يعني أن عمله في الجامعة لم يكن السبب في موقعه في اللجنة، وهذا ما أشار إليه من قبل حين أكد على العروض التي انهالت قبل التحاقه في الجامعة عليه، ورفضها جميعًا.

هذا القول أورده للتأكيد على أن توليه هذه المناصب، وقيامه بهذه الأعمال يعد تحصيل حاصل، ومن هنا فإن السؤال عن السبب في حصوله على هذه الأعمال وتوليه هذه المهام، يعد سؤالاً لا معنى له بوصفه من داخل النخبة، والمؤسسة أصلاً، والسؤال الذي ينبغي أن يطرح هو هل أحسن فيما تولى من أعمال أم لا؟ وهو سؤال لا يطرح على القصيبي وحده، وإنما يطرح على كل من هم على شاكلته، وفي موقعه. بيد أنه يتصل بالقصيبي بشكل كبير، لما أحدث من ضجة اجتماعية كبيرة، انقسم الناس في موقفهم منه، ومن تجربته إلى قسمين ما بين مغالٍ في محبته، ومغالٍ في ذمه وعداوته، وإن كنا لا نزال نعيش آثار تلك المرحلة.

 اختار مؤلف الكتاب أن يكتب كتابه بضمير «الأنا»، وهي عادة ليست لازمة في كتب السير الذاتية، فالسيرة الذاتية الأشهر في الأدب العربي الحديث، وأعني أيام طه حسين، لم تكتب بضمير الأنا، وإنما كتبت بضمير الغائب، وقد جاء على شاكلتها كثير من كتب السير الذاتية.

وليس هناك علاقة بين نوع الجنس الأدبي واختيار الضمير، خاصة أننا نرى أن هذا الضمير يعد أثيرًا في الرواية الحديثة، بل يكاد يكون أكثر الضمائر انتشارًا حتى غلب على ضمير الماضي الأصلي في القص، وهو يرتبط بما يسمى بـ«التبئير الداخلي»، حيث تتمحور الرؤية على الشخصية، إذ إن المتلقي لا يرى إلا ما تراه الشخصية، وتقدم من خلالها. ولأن السيرة الذاتية تقص حياة شخصية واحدة، وتقدم الأحداث كلها من زاوية رؤيتها، هي كاتب السيرة، فإن هذا النوع من التبئير يقترب من التبئير الصفري أو الراوي العليم الذي يصبح فيه الراوي عالمًا بكل شيء. ولأن هذا النوع من التبئير لا صلة له بالضمير، فليس مرتبطًا بضمير المتكلم، أو الغائب، فإن اختيار الكاتب لضمير «الأنا» أعطى الشخصية/ الكاتب/ غازي القصيبي حضورًا في النص، وقوة في إدارة الحدث باتحاد ثلاثة مكونات نصية، كان من الممكن أن تنفصل. هذه المكونات هي: الراوي، والشخصية، والضمير.

هذا الحضور لا يظهر فقط في اختيار الأحداث، والزاوية التي تقدم من خلالها، وإنما أيضًا يظهر في موقعه في هذه الأحداث، فهو الشخصية الذي يمكن أن يوصف بأنه «البطل»، بناء على أنه بؤرة الحدث، ومرتكزه. وقد يقال: إن هذا أمر طبيعي، فهذه سيرة ذاتية، ولذا لا بد أن تكون الشخصية هي الفاعل، وهي المسيطرة على الحدث، ولكننا نقول بأن هذا غير صحيح، وليس لزامًا أن يكون الحال كذلك، فالسيرة الذاتية قد تكون تقص حادثة اضطهاد، وظلم تعرضت له الشخصية، يكون فيها واقعًا تحت طائلة فعل شخصية أخرى، وهذا لا يخرجها من «السيرة الذاتية»، كما أنه لا يغير في مفاهيم السرد آنفة الذكر.

فإذا أضفنا إلى ذلك أن هذه الأحداث التي يرويها الكاتب ليست من الأحداث العادية التي تحدث للإنسان كل يوم، وإنما هي أحداث أبطالها الملوك، وأعضاء مجلس الوزراء، أدركنا قوة هذه الشخصية التي تسرد الأخبار، ونوع الأحداث التي تقص فيها.

وقد جاءت الشخصية هي التي تقود الأحداث، وتتولى زمام الأمور، ولعل الحادثتين اللتين كانت الشخصية فيهما مسيرة لا رأي له كبير، هما حادثة «تعيينه» -على الحقيقة - في لجنة توقيع الاتفاق في الحرب اليمنية، إذ لم يؤخذ رأيه فيها، ولم يقبل طلبه الاعتذار حين حدث الدكتور عبدالعزيز الخويطر بذلك، والثانية حادثة إعفائه من وزارة الصحة، حين صدر الأمر بذلك، فهو لم يعلم عن الأمر إلا بعد صدور القرار، ولم يؤخذ رأيه بذلك. ولعله من اللافت للانتباه أن نجد أن الكاتب يقص أطرافًا من هذه الحادثة بضمير الغائب، وربما تكون الحادثة الوحيدة التي حل فيها ضمير الغائب محل ضمير المتكلم، بإحصاء دقيق، وتتبع لتقلبات الضمير في القص، وعدد هذه التقلبات.

الأمر الذي يعني فرادة هذه الحادثة بالنسبة لشعورها تجاهها، فهو غير قادر على تصور ما حدث بوصفه قد حدث له شخصيًّا، وأن ما قامت به الشخصية هو قام به كذلك، وكأنه يتسول بضمير الغائب ليخفف على وعيه حقيقة ما حدث، وعلى ذاكرته قسوة تلك الذكريات، فيجعل بينه وبينها ضمير الغائب.

وإذا كان في الحادثة الأولى قد سعى للاعتذار والخروج من اللجنة، ولم يوفق، فإنه في الحادثة الثانية قد ألمح إلى أنه قد لوح بالاستقالة من الوزارة إن لم يجب إلى طلبه، وأن الملك قد نصحه «مرارًا» بالصبر، وإذا كانت فلسفة القصيبي الإدارية تتركز على أن التلويح بالاستقالة غير مقبول، وأن المدير ينبغي ألا يخضع للابتزاز، فإن هذا يعني أنه قد صنع حادثة الخروج من الوزارة بشكل غير مباشر. الأمر الذي يعني أنه حتى في هذه الحادثة كان حاضرًا قويًا ذا تأثير في صناعة الحدث، واتخاذ القرار فيه.

وهنا يأتي السؤال عن هذه القوة التي تقدمها السيرة الذاتية (حياة في الإدارة)، هل كانت الشخصية في الواقع بهذه القوة، والحضور كما تقدمها السيرة؟ حين نعود إلى المرحلة التاريخية، نجد أن شخصية «القصيبي» أخذت بعدًا أسطوريًّا - كما ذكر الكاتب - فعلى يديه دخلت الكهرباء البيوت دون تفريق، وأصبحت تأتي 24 ساعة بعد أن كانت تبدأ بالليل فقط، وتوقفت عن التقطع المتكرر، وعلى يديه - أيضًا -، أو إبان توليه حقيبة الوزارة، تغير وجه خدمات القطاع الصحي، وفتحت المستشفيات في أماكن كثيرة، واختلفت نوعية الطواقم الصحية في المستشفيات.

والسؤال هنا مرة أخرى على المستوى الواقعي/ التاريخي، وعلى المستوى النصي: هل يمكن أن تكون هناك شخصية بهذه القوة، بحيث تكون قادرة على هذه النقلة النوعية، وتملك العصا السحرية لتحويل اليباس إلى خضرة، والجفاف إلى أنهار ومزون؟.

اختار الكاتب في بناء كتابه - سيرته الذاتية عرض تجربته الإدارية أن يسير وفق الزمن التراتبي الذي يجعل حكاية السيرة تتوافق مع حدوثها في الحياة، وفي مراحل تطوره التاريخي، فبدأها من ولادته، مقيدًا بعض ما استقر من تأملاته في المرحلة الابتدائية إلى أن جرب السلطة للمرة الأولى حين عين مراقبًا في المدرسة حيث يمنح شيئًا من الصلاحيات يستطيع أن يمارس بها السلطة على زملائه.

في حين أن ذكرياته عن مرحلتي الثانوية والجامعة تمثلت بالسلبيات الإدارية حيث المحسوبيات، والتعامل مع الطلاب بناء على واقعهم الاجتماعي بعيدًا عن أدائهم في قاعات الدرس، أو مستواهم العلمي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تمثل بحديثه عن البيروقراطية المؤلمة التي لا يستدعيها العمل تدفع الناس دفعًا إلى الرشوة، والفساد لتجاوزها.

أما مرحلة الدراسات العليا فقد كانت مجالاً للتأمل في التطور الإداري في المؤسسة الأمريكية، فهو ينص على أن تجربته تلك «أوجدت لديه وعيًا إداريًّا»، حيث كان هناك الحد الأدنى من الروتين. بينما جاءت تجربته برئاسة جمعية الطلاب العرب في أمريكا تجربة غنية، تمكن فيها من تغيير واقع الجمعية، والمنتسبين إليها من الاكتفاء بالشجب إلى التخلص من الخلافات التي تعصف بالجمعية، وتحديد رؤية تقوم عليها بعملها، مما انعكس بعد ذلك على حال الجمعية، فأصبحت أنشط جمعية طلابية في الجامعة.

الأمر اللافت للانتباه، أن ما يمكن أن يسمى بمرحلة التدريب قبل توليه أعمالاً جسيمة سواء على مستوى الجامعة، أو على المستوى الاجتماعي كان معظمه عملاً تأمليًّا فيما يدور حوله، ومقارنة بين النماذج التي يراها أمامه، ولم يكن له تماس حقيقي مع الإدارة بوصفه ممارسًا لها إلا في رئاسته للجمعية التي كان العمل مرتكزًا فيها عليه وعلى أمينها. وهو ما يعني أن التدريب الحقيقي الذي مر به في الإدارة، ومكنه من صياغة نظرياته، وآرائه، واختبار ما كان قد درسه في الجامعة كان في الفترة التي قضاها ممارسًا للعمل الإداري أصالة عن نفسه، وليس بوصفه متدربًا.

وهنا يمكن القول إنه بدأ العمل الإداري مبكرًا، فإذا تجاوزنا مراحل الدراسة في الجامعة وما قبلها، واعتبرناه إرهاصات للتجربة الإدارية، فإن تجربته الحقيقية بدأت يوم كان وكيلاً للكلية ثم عميدًا، وهذا ما يمكن أن نعده بداية السيرة الإدارية التي يخط مراحلها هنا.

إذن بدأت السيرة الذاتية في عمله في الجامعة عميدًا، ثم تطورت في إدارته للسكة الحديد، وما قام به من أعمال تتجاوز الإدارة الروتينية، الأمر الذي يمثل نوعًا من تنامي الحدث السيري والإداري على حد سواء، تبع ذلك تطور في نوع الأعمال الإدارية التي يقوم بها، وتنامي لفعل القص السيري بتوليه حقيبة وزارة الكهرباء، وما تم فيها من أحداث مشوقة قامت على الصراع مع مجالس شركات الكهرباء، التي كان من الممكن أن يقف عند تفصيلاتها ليضفي على السيرة قدرًا كبيرًا من التشويق، ويظهر نفسه بمظهر المحارب الشجاع، إلا أنه مر عليها مرورًا سريعًا مكتفيًا بما يسمى بالقص الإجمالي أو التلخيص في عرض الأحداث.

ويمكن القول بأن الحدث الأبرز هو توطد صلته بأقطاب المؤسسة الإدارية في ذلك الوقت ابتداء بالملك خالد -رحمه الله-، ثم ولي العهد آنذاك الملك فهد فيما بعد، والملك عبدالله، والأمير سلطان، والأمير نايف، والملك سلمان أمير الرياض آنذاك. وهذا الحدث لم يلق عرضًا كافيًا من السارد بالرغم من أن الكاتب - غازي كان يدرك أهمية هذه الصلة بمسيرته الإدارية، وكان يحرص على أن يوثقها، وينميها عبر خطوات إجرائية دقيقة، فالحديث عنها جاء عرضًا في تضاعيف حديثه عن مسيرته أجمع، بالرغم من أنه كان يشير في مواضع متفرقة إلى أنه لم يتمكن من أن يحقق هذا النجاح إلا بمساندة الملك خالد وولي العهد آنذاك الأمير فهد، وأنه أيضًا كان يستشير الملك سلمان أمير الرياض فيما يقوم به من أعمال.

وبناءً على هذا التنامي في الصلة مع «القصر» - إن صح التعبير- ازداد دوره الإداري، وتنامت مسيرته، التي يحكيها في السيرة، حتى بلغت الذروة حين تولى الحقيبة التي تشغل ذهن ولي العهد لدرجة أنه يفكر في أن يتولاها بنفسه، لأنه لم يجد من يمكن أن يعمل بها، وقد وصفها بأنها الحقيبة التي «لم ينجح بها أحد»، وهذه ثقة كبيرة من ولي العهد حين يراه أهلاً لئن يحل محله في الحقيبة المستعصية التي انتدب لها الأكفاء من الإداريين. وهو ما يعني بدوره أن الصلة بالقصر قد بلغت ذروتها، ونتيجة له فقد بلغ هو ذروة نجاحه وتميزه.

هذه الصلة التبادلية بين «القصر» والنجاح في مسيرة العمل الإداري، كانت واضحة عند الكاتب، بدليل أنه خشي أن يكون إعفاؤه من الوزارة انعكاسًا لانحدار مكانته عند الملك فهد -رحمه الله-، الأمر الذي بدا في البدائل التي قلبها ساعة التفكير عن عمل يشغله بعد الخروج من الوزارة، وفي امتنانه الكبير للملك فهد حين اتصل به يخبره أنه يريده في مهمة بعد العودة من السفر، مما عنى له أن الملك يكن له مكانة خاصة، وكان حذرًا في المكان الذي قبل السفارة فيه خشية أن يقع فيما وقع به من قبل.

انتهت السيرة الإدارية عند نهاية سفارته في البحرين، وتوجيهه إلى مكان جديد أكثر حساسية مما كان عليه من قبل، وهو ما يعني أنه قد استعاد ما كان عليه من قبل، وأن مرحلة الركود قد ولت، وهذا ما جعله ينهي السيرة الإدارية هنا لانتهاء الحقبة السابقة التي مثلت فيها الأحداث بداية وتطور ثم خفوت، الأمر الذي يعني أن المرحلة الجديدة تستحق حكاية جديدة أخرى تبدأ مع قبوله التكليف الجديد من الملك فهد بالقول: «أنا جندي من جنودك يعمل على الجبهة التي تختارها»، وهو يختلف عن الرد الذي أجاب به العرض السابق على تولي السفارة في عاصمة كبيرة، إِذ قال: «ألم أشرب الكأس حتى الثمالة»؟!

ولأن المرحلة الأولى انتهت، وبدت تباشير مرحلة جديدة، كان عليه أن ينهي السيرة الذاتية ليبدأ سيرة ذاتية أخرى توازي السيرة الإدارية الجديدة التي بدأ إحساسه بها باللغة التي استعملها في التعاطي مع التكليف الجديد، وأشير إليها من قبل، وعلى هذا يصبح بناء النص الإداري يشبه النص الروائي السيري الذي يقوم على تمهيد ثم تنامي الأحداث حتى تصل الذروة، ينتهي بالحل والخاتمة، وهذا يعطي السيرتين الإدارية والنصية نوعًا من التوازي، ويدفعنا إلى القول بأن إحداهما قد دفعت لتناسب الثانية، وهو ما يفتح مجالاً جديدًا للقول.


عدد القراء: 4926

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-