تاريخ العلوم والتكنولوجيا في العصور القديمة والوسطىالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2018-02-11 22:08:02

د. عمر مصطفى لطف

جامعة القاهرة

الكتاب: تاريخ العلوم والتكنولوجيا في العصور القديمة والوسطى ومكانة الحضارة الإسلامية

المؤلف: د. مصطفى محمود سليمان

الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب

عدد الصفحات: 1048 صفحة

الرقم المعياري الدولي للكتاب: 978 - 977- 91- 1075- 2

 

يقدم د. مصطفى محمود سليمان، أستاذ الجيولوجيا بالجامعة البريطانية بالقاهرة، في الطبعة الثالثة، المنقحة والمزيدة من كتابه "تاريخ العلوم والتكنولوجيا في العصور القديمة والوسطى ومكانة الحضارة الإسلامية فيه" سردًا شاملاً لتاريخ العلوم والتكنولوجيا في العصور القديمة والوسطى، مع بيان دور الحضارة الإسلامية في تكوين الفكر الأوروبي والنهضة الأوروبية. وعلى الرغم من وجود الكثير من الكتب التي تتحدث عن هذا الدور، فإن أغلبها تناول دور الحضارة الإسلامية من الجانب الأدبي والفلسفي؛ أي العلوم الإنسانية؛ ولم يتناولوا أثرها في تكوين العقل العلمي الأوروبي في العصور الوسطى، إلا كتابات قليلة جدًّا، وليست بشكل مفصل كما ورد في كتاب د. سليمان، الذي لا يُعد فقط سياحة في تاريخ العلوم عند المسلمين والأوربيين في العصور الوسطى، لكنه يبدأ بتاريخ العلوم منذ فجر التاريخ حتى ميلاد العصر الحديث.

أرجع د. سليمان الرغبة في إصدار هذا السفر الضخم إلى التباين الشديد بين الصورة التي تخيلها من قراءاته للتراث العلمي القديم للدولة الإسلامية التي كانت بأهلها منارة العلم والحضارة في العصور الوسطى، والصورة الحاضرة من تخلف وجهل قطاع عريض من أبناء هذه الأمة، والتي يُفتَرض أن يجمعهم بأسلافهم تواصل جغرافي وحضاري. ولهذا فمن واجب المفكرين تذكير شباب الأمة العربية والإسلامية بأن العلم كان الدعامة الرئيسية، بعد الدين، التي قامت عليها كل الحضارات. وحينما أخذ العلماء العرب والمسلمون علوم وتراث الحضارات القديمة لم يأخذوها على حالتها تمامًا، ولم يشعروا بضعف أو إهانة، بل أخضعوها للفكر الإسلامي وأنشأوا علمًا وحضارة عربية إسلامية كانت وستظل نغمًا حلوًا في فم الدهر يغنيه فيطرب له الكون. فأعظم الأطباء والمهندسين والكيميائيين... إلخ، في العصور الوسطى كانوا من المسلمين، وفي مؤلفاتهم توجد أصول معرفتنا العلمية الحديثة، ولما ترجمت هذه المؤلفات إلى اللغة اللاتينية شكلت الأساس المتين الذي بنت عليه أوروبا نهضتها، ومن ثم فإن تراث المسلمين العلمي جدير بالتأمل والدراسة.

ولضخامة الكتاب، حيث تتجاوز عدد صفحاته الألف صفحة، سوف نعرض لبعض فصوله التي تبلغ أربعًا وعشرين فصلاً، تمحورت في ثلاث محاور رئيسية، تناول محورها الأول: تاريخ العلم في عصور المعادن، والمحور الثاني: عن انتقال التراث العلمي القديم إلى الدولة الإسلامية ودور العلماء العرب في العلوم والتكنولوجيا في العصور الوسطي، ويتناول المحور الثالث: انتقال التراث العلمي العربي إلى أوروبا وتأثيره في النهضة الحديثة الأوربية.

في الفصل الأول، بعنوان "الإنسان والعلم والتكنولوجيا"، يؤكد الكاتب أن التقدم العلمي والتكنولوجي الحالي ليس وليد اليوم أو الحضارة المعاصرة فقط، ولكنه جاء نتيجة تراكم جهود بشرية لحضارات عديدة خلت. ومن المؤسف أن التطور العلمي الهائل لا يسير إلى جانبه تطور مماثل في النظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للعائلة البشرية، فهناك عدم تناسق في تطور الحضارة الراهنة، وهذا هو المأزق الرئيس لتلك الحضارة.

والماضي هو الأساس الذي شُيد فوقه صرح العلم والحضارة في عصرنا الحاضر، والماضي والحاضر يفتحان الطريق للمستقبل. فاكتشاف "العجلة" مثلاً، وهي من الاختراعات البشرية الهامة منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، فتح مجالات واسعة في التطور الآلي والحضاري، وما زالت العجلة شيئًا أساسيًّا لمعظم الأجهزة الميكانيكية.

وتاريخ العلم هو في الواقع تاريخ الإنسان على الأرض، وهو تاريخ طويل لا تُعرَف له بداية محددة، وربما بدأ منذ أن خطا الإنسان أولى خطواته على الأرض وبدأ يفكر ويعمل ويستكشف البيئة من حوله منذ آلاف السنين. وقد بلغ أبناء الحضارات القديمة أولى درجات السلم الذي مازلنا نحن نصعده، ولذا فمكانهم أولى فيه بالضرورة، وإذا غدا مكاننا نحن أكثر ارتفاعًا، فإننا مدينون بجزء من ذلك لمجهوداتهم، لأنهم أول المرشدين وأول المعلمين في شتى مجالات العلوم. ومن الثابت تاريخيًّا أنه بعد أن أصابت عوامل التدهور والانحطاط جهود أبناء الحضارات القديمة في شتى المجالات العلمية والفنية، نهضت أمم أخرى وارتقت، ومن ثم استطاعت أن تكمل هذه الجهود، وهذا ما حدث مرة بعد أخرى على مر العصور.

ولاحظ دارسو الحضارات أن جميع الحضارات تنمو نموًا غير منتظم، فلكل حضارة اتجاهات معينة، وتهتم بأشياء دون غيرها، فتميل نحوها حتى تنمو تلك العناصر نموًا مطردًا، وفي الوقت ذاته تتأخر الحضارات في نواح أخرى، وأحيانًا ترفض بعض العناصر رفضًا تامًا، وقد يؤدى ذلك إلى انهيار الحضارة في نهاية الأمر، ولا يعلم السبب في عدم التناسق في تطور الحضارات.

يتحدث د. سليمان، في الفصول الثلاثة التالية، عن حضارة عصور الحجر التي احتلت زمنًا طويلاً من تاريخ البشرية، وبدأت خلالها تباشير الحضارة الأولى، ولم يعرف الإنسان خلالها فن الكتابة والتدوين، ومن ثم أُدرجت ضمن عصور ما قبل التاريخ. وأهم ما يميز هذه العصور هو استخدام الإنسان للأحجار وعظام الحيوانات والأخشاب في صنع الأدوات اللازمة لأغراضه المعيشية وللدفاع عن النفس، وعرف الإنسان أيضًا شيئًا عن الحساب والفلك والجغرافيا والجيولوجيا والمعادن وغيرها. لكن بداية عصور المعادن ظهرت مع معرفة الإنسان للنحاس، ووضع الإنسان أساسيات علوم المعادن والتعدين. ثم جاءت الأجيال التالية وطورت هذه المعارف وزادت عليها لتسلمها للأجيال التالية، التي قامت بتطويرها والإضافة إليها .. وهكذا حتى وصلت هذه المعارف والعلوم في الصورة التي بين أيدينا الآن.

ويتناول الكاتب مراكز العلم والحضارة في العالم الجديد، ومنها بيرو حيث حضارة "الإنكا" Incas، التي ازدهرت بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر الميلاديين، الذين شيدوا مدنًا راقية وبعض الأهرامات المدرّجة للعبادة، واهتموا بالتعدين وجمع الذهب الذي اعتبروه فلز إله الشمس (عرق الشمس) والفضة التي اعتبروها دموع القمر.

وفي الفصل العاشر يوضح الكاتب سر انتقال التراث العلمي القديم إلى الدولة الإسلامية مما أدى إلى نهضتها العلمية في العصور الوسطى. ويبرر د. سليمان سرعة هذا الانتقال إلى أن العرب كانوا مهيئين من الناحية العقلية والفكرية لتقبل هذه المعارف، لأنهم كانوا على قدر كاف من الحضارة يسمح لهم باستيعاب تلك العلوم، كما أن الدين الإسلامي يدعو أتباعه ويحثهم على طلب العلم أينما كانوا ومن أي مصدر، وتعلمه والأخذ بأسبابه. كما كانت مراكز العلم في العالم الإسلامي حاضنة لعلوم حضارة اليونان والعصر الهلينستي في العصور القديمة، مما ساعد على انتقال هذه العلوم إلى العرب.

وعبر الفصول التالية يقدم لنا الكاتب نماذجًا من التقدم العلمي للمسلمين وكيف انتقلت تجاربهم ونظرياتهم ومؤلفاتهم إلى الغرب، فاكتشف جابر بن حيان أن المواد القابلة للاشتعال تحتوي على عنصر الاشتعال، وهو صورة من صور الكبريت، ثم أضاف براكلسوس الجرماني في القرن السادس عشر عنصرًا ثالثًا هو الملح، بالإضافة إلى الزئبق والكبريت، لتكون هذه العناصر الثلاثة مصدرًا للأجسام المعدنية كلها، وتطورت هذه الأفكار لتنتهي باكتشاف عناصر الهواء الجوي في القرن الثامن عشر الميلادي.

وخلال التجارب والعمليات الكيميائية التي استهدفت الحصول على الذهب والفضة من المعادن البخسة، وتحضير العقاقير الطبية، تمكن الكيميائيون العرب من فصل الزرنيخ والخارصين والبزموت والأنتيمون من معادنها، بالإضافة إلى تحضير عدد من المركبات الكيميائية أهمها زيت الزاج (حمض الكبريتيك)، ماء العقد (حمض النيتريك)، وغيرهما من المركبات التي تستعمل في صناعة الورق والصابون والصباغة والمفرقعات والعطور. كما عرف الكيمائيون العرب العديد من العلميات الكيميائية التي لا تزال مستعملة إلى عصرنا الحديث، مثل التقطير والترشيح والتبلور والتصعيد والتنقية.

وفى الفصل الثاني عشر، الخاص بالطب، يذكر المؤلف أن الطب في بداية الدولة الإسلامية اعتمد على الطب اليوناني ممثلاً في الأطباء السريان الذين كانوا يقطنون الشام وأخذوا الطب عن المصريين واليونانيين، واتخذ الحكام المسلمون لأنفسهم وأسرهم أطباء من النصارى السريان. وترجم الأطباء السريان الكتب الطبية القديمة إلى اللغة العربية، وبرز عدد من الأطباء العرب الذين حملوا شعلة العلم والحضارة. ومما يميز تاريخ الطب العربي هو جودة المؤلفات الطبية وحسن تبويبها وتنظيمها، وإنشاء المستشفيات العلاجية والتعليمية كما هو متبع في عصرنا الحديث.

وفي مجال الجيولوجيا، اهتم علماء المسلمين بالصخور والجبال، والتي تشكل جزءًا هامًّا من صحاري الدولة الإسلامية. وقسم جابر بن حيان الصخور إلى قسمين: قسم أول وهو الخلقة الأولى من الحجارة، وقسم ثان؛ وهو مشتق من الحجر الأول.

أما في مجال علم الأحياء، فنرى أن اصطفن بن باسيلي ترجم كتاب العالم اليوناني ديسقوريدس (الذى يشتمل على ما يزيد عن ستمائة عشبة وعددًا من العقاقير الطبية) إلى اللغة العربية في أيام الخليفة العباسي جعفر المتوكل (847 - 861م)، مما أسهم في معرفة العرب بالكثير من العقاقير الطبية، كما كان لممارسة الزراعة وهواية الصيد وتربية الحيوان المتوحش، والتي استهوت بعض الحكام والأغنياء دور في تطوير علم الأحياء عند المسلمين.

تأتي أهمية الكتاب في تقديمه صورة مبسطة شاملة لتاريخ العلوم والتكنولوجيا عبر حضارات وعصور وأماكن مختلفة بين دفتي كتاب واحد.


عدد القراء: 8641

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-