الرحالة الغربيون وآثار الشرق في متاحف الغربالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2018-06-15 19:54:21

د. علي عفيفي علي غازي

أكاديمي وصحفي

يتوافد على الشرق منذ فجر العصور التاريخية من الرحالة الغربيين ما يصعب إحصاؤه، تعددت هُوياتهم، وأهدافهم، وتباينت شخصياتهم، وطبقاتهم الاجتماعية، فمن بينهم: رجل الدين، والعالم، والطبيب، والسياسي، والجغرافي، والآثاري، والتاجر، والسائح، والأديب، والشاعر، والفنان، والرسام، والجاسوس، والمبعوث السياسي، وذي الألقاب من أفراد الطبقة الأرستقراطية، والأمير، والكونت، والفيكونت، والبارون، والقائد الحربي، والضابط العسكري، وصاحب الدعوات الإنسانية، قدموا من مختلف المشارب والاتجاهات، هاموا بالشرق، وعشقوا حياته الرومانسية المفعمة بشاعرية القرون الوسطى، وعبق التاريخ، وعذرية صحرائه المثيرة المليئة بالأسرار. تفاوتت أهدافهم، وتنوعت شخصياتهم، واختلفت مصادر تمويلهم، يُقيمون ردحًا من الزمن، ويوردون انطباعاتهم، التي صارت رافدًا مهمًا للكتابة التاريخية، ويهتم جُلهم بآثار الشرق، فجاثوا في ديار العرب تنقيبًا وبحثًا عنها في كل الأرجاء، ويجمع بعضهم الكثير من تلك الأثار، ويقوم ينقلها إلى متاحف الغرب، وفي هذا المقال سنستعرض في اقتضاب دور بعض هؤلاء في الكشف عن آثار الشرق، ونقلها إلى متاحف الغرب.

بيترو  ديللافاليه

يُصبح قصر الرحالة الإيطالي بيترو ديللافاليه Pietro Della Valle في روما بعد عودته من رحلته في الشرق مطلع القرن السابع عشر (1616-1626) متحفًا يقصده الكثيرون لرؤية المؤمياء الفرعونية، والآثار والأزياء التي حملها معه من البلاد التي تطوّف بها، بالإضافة لعدد كبير من المخطوطات الشرقية1 .

كلوديوس ريج

يقوم الرحالة الفرنسي كلوديوس جيمس ريج C. J. Rich، بجمع مجموعة قيّمة من المخطوطات الشرقية والمسكوكات والعاديات، خلال سفره من بغداد إلى اسطنبول في عام 1820، حيث اشتراها البرلمان البريطاني لمنفعة المتحف البريطاني، حيث تقبع الآن2 .

أوستن لايارد

يُكلف الرحالة البريطاني أوستن هنري لايارد Austen Henry Layard من مجلس أمناء المتحف البريطاني للقيام بأعمال تنقيب في نينوى شمال العراق في عام 1845،حيث حصل على منحة مالية من سفير بريطانيا في اسطنبول للقيام بمسح أثري في تل النمرود، حيث عثر في القصر الجنوبي الغربي على ألواح عليها مشاهد معارك نُحتت في عهد أشور ناصربال الثاني، ونقلت في وقت لاحق من القصر الشمالي ليُعاد استعمالها في قصر جديد شيده أسرحدون. كما أجرى لايارد تنقيبات في قلعة أشور بالشرقاط، وفي تل قوينحق، وأشرف على نقل مكتشفاته وأبرزها الثيران المجنحة الضخمة إلى لندن في طوافات خاصة أعدت لهذا الغرض عبر نهر دجلة، وقوبلت مكتشافاته بإطراء بالغ لدى الآثاريين، ومحبي الحضارات الشرقية في العالم، وكان لاكتشافه مكتبة أشور بانيبال في تل القصر الرئيس في نينوى دور كبير في حل رموز الكتابة المسمارية3 .

شارل هوبير

يتمكن الرحالة الفرنسي شارل هوبير Charles Huber أثناء رحلته إلى حائل في عام 1878 من اكتشاف الكثير من الكتابات القديمة، وينسخ عدد منها، ومن ضمنها نقش حجر تيماء، الذي وجد عليه كتابات لم تشاهد في الجزيرة العربية من قبل، وفي عام 1883 يعود إلى الجزيرة العربية برفقة عالم الآثار الألماني يوليوس أويتنج، وبعد أن انفصل الرجلان، ترك هوبير أوراقه وحجر تيماء في حائل، وذهب إلى مكة المكرمة، وفي طريق رجوعه قتله دليله، وهكذا تم إفشال محاولة الألمان الحصول على حجر تيماء، وبعد حوالي عام نجح أويتنج في نقل حجر تيماء إلى باريس، حيث يُعدّ الآن من أنفس ممتلكات متحف اللوفر. ويعود تاريخ هذا الحجر إلى القرن الخامس قبل الميلاد، ويعتبر من أبرز الاكتشافات الأثرية في شبه الجزيرة العربية خلال القرن التاسع عشر. ويُظهر هذا الحجر الذي نقش بالقلم الآرامي أحد الكهنة الذي استقدم إلهًا جديدًا إلى تيماء، فأنشأ لهيكل الإله المعبود وقفًا، وقد مثل الإله في زي أشوري، وظهر في أسفل الرسم الكاهن الذي شيد النُصب4 .

جين ديولافوا

تُكرس الرحالة الفرنسية جين ديولافوا Jeanne Dieulafoy، وزوجها في عام 1879، حياتهما للبحث عن الآثار، حيث قاما معًا، برحلة إلى وسط فارس والجزيرة العربية والخليج في عام 1881، واكتشف الزوجان الكثير من القطع الأثرية، التي نُقلت إلى باريس، حيث لا تزال معروضه في متحف اللوفر، ولهذا منحتهما  الحكومة الفرنسية لقب فارس، ووسام الشرف في عام 1886. 5

يوليوس أويتنج

يهدف الرحالة الألماني يوليوس أويتنج Julius Euting من رحلته، التي قام بها في شتاء عام 1883-1884 للوصول إلى حجر تيماء، الذي عثر عليه الفرنسي شارل هوبير في قصر طليحان، ونقله إلى متحف اللوفر بباريس، حيث يحفظ برقم (AO 1505)، ويتكون النص المكتوب عليه بالقلم الآرامي من ثلاثة وعشرين سطرًا تتحدث عن تنصيب أحد الكهنة في معبد الإله الوثني صلم في تيماء، وينص على التزام المعابد الأخرى بتقديم محصول إحدى وعشرين نخلة ضريبة لمعبده6.

كريستيان هيروجرونجي

يُطرد الرحالة الهولندي كريستيان هيروجرونجي Christiaan Hurgronje، من مكة المكرمة في شهر أغسطس 1885 بسبب مشكلة أثارها مساعد القنصل الفرنسي في مكةL'ostalot   حول حجر تيماء، وهو لقيا أثرية عليها كتابات سامية ذات قيمة أثرية كبيرة. ويعتقد أن الرحالة الإنجليزي تشارلز داوتي Charles Doughty أول من تنبه إلى حجر تيماء في عام 1878، ودفعت أخبار هذا الحجر الفرنسي شارل هوبير للوصول إلى تيماء في عام 1880 بحثًا عن هذا الأثر، ثم عاد برفقة الرحالة الألماني يوليوس أويتنج، حيث اختلفا حول الحجر، هذا يريده لفرنسا، والآخر يريده لألمانيا، وأخيرًا وصل الحجر إلى فرنسا، ويعرض الآن في متحف اللوفر بباريس، بينما وجد هوبير مقتولًا، عندها وشي مساعد القنصل الفرنسي بهروجرونجي عند السلطات العثمانية بأن له يدًا في مقتل هوبير7 .

ماكس أوبنهايم

يعود اهتمام الرحالة الألماني ماكس أوبنهايم Max Oppenhiem بالشرق إلى سنوات المراهقة الأولى، حيث يقول إن اهتمامه جاء بعد أن أهديت له نسخة من كتاب ألف ليلة وليلة، ثم دفعه الولع والاهتمام والمثابرة إلى مجالات متنوعة وكثيرة، وتوسعت دراساته وشملت مواضيع متعددة منها، دراسات الأنثربولوجي، والتاريخ القديم، والدراسات الآشورية، التي جعلت منه عضوًا في المتحف الملكي الأثنولوجي في برلين، وعضوًا في الجمعية الجغرافية الأنثروبولوجية والأثبولوجية، وفي جمعية التاريخ البدائي، وكلا الجمعيتين مقرها برلين. وفي عام 1899 اكتشف آثار تل حلف في الشمال الشرقي لسورية، وفي عامي 1911-1913 استأنف البحث في آثار تل حلف. وفي عام 1929 قام بحملة استكشافية في تل حلف، وقد سمحت له السلطات العثمانية بإرسال ثلثي مكتشفات تل حلف إلى برلين والبقية أرسلت إلى حلب،  وفي عام 1930 افتتح متحف تل حلف في برلين مدعومًا من قبل عائلته وأصدقائه. وفي عام 1931 قام برحلة إلى الولايات المتحدة الأمريكية لغرض بيع بعض القطع الأثرية التي وجدها في تل حلف، لحل بعض مشاكله المادية، ولكن المشروع فشل بسبب الكساد الاقتصادي العظيم. وفي عام 1943 تعرض بيت ومكتب أوبنهايم الخاص ومقتنياته الشرقية وآثار تل حلف في المتحف للضرب بواسطة القنابل، وسببت أضرارًا كبيرة وفقدان الكثير منها8.

جيرتروود بل

تنصرف الرحالة البريطانية جيرتروود بل (1868 - 1926) Gertrude Bell للمساهمة في تصريف أمور العراق الداخلية والاتصالات الخارجية السياسية، إلا أنها بالرغم من ذلك ساعدت في التنقيب عن الآثار في العراق خلال عقد من الزمان (1916-1926)، وأنشأت متحف بغداد، واهتمت بتزويده بالمقتنيات وتصنيف التعريف بها9 .

إرنست تشيزمان

يقضى الرحالة البريطاني الرائد روبرت إرنست تشيزمان Major R. E. Cheesman عدة أشهر (نوفمبر 1923 - مارس 1924) في منطقة الإحساء ويبرين، حيث تمكن من جمع الكثير من عينات الطيور والحيوانات والحشرات وإرسالها إلى متحف التاريخ الطبيعي في بريطانيا؛ لتصنيفها وحفظها، ودراستها، وبحث عن آثار الجهراء في العقير 10.

ماري تشب

تقوم الرحالة البريطانية ماري تشب Mary Chubb باكتشاف حاضرة أشنونا السومرية التابعة لحضارة أوروك في أواسط العراق، ضمن بعثة أمريكية تحت إشراف المعهد الشرقي التابع لجامعة شيكاغو بدءًا من عام 1929، ودامت ست سنوات بقيادة نخبة من علماء الآثار والنقوش القديمة، وكانت لجهودها العلمية نتائج باهرة لقيت كل اهتمام من الدوائر العلمية قبل الحرب العالمية الثانية، ونجحت في العثور على كثير من اللقى الأثرية والتماثيل والنقوش القديمة، التي أسهمت في جلاء وجه عالم الشرق الأدنى القديم11 .

 

المراجع:

1 - ديللافاليه: رحلة ديللافاليه إلى العراق مطلع القرن السابع عشر، بطرس حداد (ترجمة)، (بيروت: الدار العربية للموسوعات، 2006)، ص 12، 13.

2 - كلوديوس جيمس ريج: رحلة ريج المقيم البريطاني في العراق عام 1820 إلى بغداد وكردستان وإيران، اللواء بهاء الدين نوري (ترجمة)، (بيروت: الدار العربية للموسوعات،  2008)، ص 18.

3 - أوستن هنري لايارد: مكتشفات أطلال نينوى وبابل مع رحلات إلى أرمينيا وكردستان والصحراء، شيرين إيبش (ترجمة)، (أبو ظبي: هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، 2014)، ص 21-23.

4 - شارل هوبير: رحلة في الجزيرة العربية الوسطى 1878-1882، إليسار سعادة (ترجمة)، (بيروت: كتب للنشر والتوزيع، 2003)، ص 9- 11؛ روبن بدول: الرحالة الغربيون في الجزيرة العربية، عبدالله أدم نصيف (ترجمة)، (الرياض: المترجم، 1989)، ص 138؛ شريف يوسف: "اكتشافات الرواد والرحالين الغربيين في شبه الجزيرة العربية وأثر العرب في علم الجغرافية"، مجلة المورد، المجلد 11، العدد الثاني (صيف 1982)، ص 14.

5 - مدام ديولافوا: رحلة مدام ديولافوا من المحمرة إلى البصرة وبغداد 1881م/ 1299هـ، علي البصري (ترجمة)، (بيروت: الدار العربية للموسوعات، 2007)، ص 7-10.

6 - يوليوس أوتينج: رحلة داخل الجزيرة العربية، ترجمة سعيد بن فايز السعيد (الرياض: دارة الملك عبدالعزيز، 1999)، ص 160.

7 - سنوك هورخرونيه: صفحات من تاريخ مكة المكرمة، محمد محمود السرياني ومعراج نواب مرزا (ترجمة)، (الرياض: دارة الملك عبدالعزيز، 1999)، ج1، ص 32-33؛ عبدالحميد صالح حمدان: طبقات المستشرقين، (القاهرة: مكتبة مدبولي، د. ت.)، ص148.

8 - ماكس أوبنهايم: من البحر المتوسط إلى الخليج: لبنان وسوريا، محمود كبيبو (ترجمة)، (لندن: دار الوراق للنشر المحدودة، 2008)، ص 7-10؛ ماكس أوبنهايم: البدو، الجزء الأول: ما بين النهرين "العراق الشمالي" وسورية، مشيل كيلو ومحمود كبيبو (ترجمة)، (لندن: شركة دار الوراق للنشر المحدودة، 2007)، ص 36-40.

9 - المس بيل: العراق في رسائل المس بيل 1917-1926، جعفر خياط (ترجمة)، (بيروت: الدار العربية للموسوعات، 2003)، ص 17-20؛ إليزابيث بيرغوين: جيرتروود بيل من أوراقها الشخصية 1914-1926، نمير عباس مظفر (ترجمة)، (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2002)، ص 11، 12؛ خير الدين الزركلي: الأعلام: قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، (بيروت: المؤلف، 1969)، ج2، ص 107.

10 - عبدالله بن محمد المطوع: "الرحالة الغربيون ورواياتهم عن الأحساء في النصف الأول من القرن العشرين الميلادي/الرابع عشر الهجري"، في كتاب دارة الملك عبدالعزيز: الرحلات إلى شبه الجزيرة العربية الجزء الأول، (الرياض: دارة الملك عبدالعزيز، 2000)، ص 377.

11 - ماري تشب: مدينة في الرمال، قصة اكتشاف حاضرة إشنونا السومرية، وفاء الذهبي (ترجمة)، (أبو ظبي: هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث،  2011)، ص 13-16.


عدد القراء: 8938

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-