المحقق الكبير: د. عبدالرحمن بن سليمان العثيمين (رحمه الله)الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2019-10-03 13:39:34

أ. د. علي بن محمد العطيف

أستاذ الحديث والدراسات العليا المشارك بجامعة جازان

الأستاذ الدكتور والمحقق العلامة والمؤرخ الأديب: أبو سليمان عبدالرحمن بن سليمان العثيمين رحمه الله تعالى (ابن عم الشيخ الفقيه العلامة محمد بن صالح -الأخ الأكبر لسليمان- "العثيمين" والد الشيخ رحمه الله). من مواليد عنيزة 5 /محرم / 1365هـ ، وتوفي يوم الأحد 29 صفر 1436هـ / الموافق: 21/12/2014م).

أحد الكبار من أهل القلم الرشيق والعلم الوثيق، ومخزون الأربعة الأجلاء والعباقرة النبلاء: حمد الجاسر ومحمود شاكر والطناحي ومحمد عبدالخالق عضيمة..؛ أصحاب العلوم الباهرة والتحقيقات الزاهرة، فقد كان المحقق العثيمين لصيقًا بهم وتلميذاً يستفيد من صحبتهم وفهمهم.

وهو رحمه الله تعالى من نوادر أفراد علماء المملكة العربية السعودية الذين غلب عليهم العزلة عن الجماهير وكاميرات الإعلام؛ وإن كانوا أعلامًا في حقيقة الأمر لا يعلمهم كثير من الناس لكن الله يعلمهم كالعلامة بكر أبو زيد، والعلامة الحصين، وغيرهما كثير من العلماء الكبار وإن لم يعرفهم كثير من الصِّغار أو حجبهم عن الهيشات زَمن التعالم والجرأة على الله تعالى.

لقد قذف الله في قلب هذا المحقق القدير عشق التراث والصبر على تتبعه والرحلة في طلبه؛ ومن بركات هذه العادة عليه لقاؤه بمحدث العصر الإمام الألباني في المكتبة الظاهرية رحمهما الله.

ولقد كان في غرامه بالمخطوط ذا شأن كبير حتى سماه العلامة محمد عضيمة -صاحب دراسات في أسلوب القرآن الكريم-: «هو مخابرات المخطوطات».

وقال الطناحي: «العثيمين يعرف المخطوطات كما يعرف الناس أبناءهم».

وله منة على آلاف الباحثين في جامعات المملكة العربية السعودية وبالأخص جامعة أم القرى لكثرة ما جلب من مخطوط تصويرًا واقتناءً؛ حتى زار لها أقصى بلاد المغرب في آثار الدرعية في الخزانة الحمزاوية وصور منها المئات..

وعناياته الأدبية وسياحاته الأندلسية وكيف كان يجهد نفسه في رونق الطبع وعلامات الترقيم وإعراب الكلم، حيث يراجع الكتاب مرارًا قبل البت في الإخراج النهائي ونشره بين طلاب العلم.

شخصيته العلمية:

يقول الشيخ صالح بن حميد – إمام الحرم المكي – حفظه الله:

الدكتور عبدالرحمن العثيمين - رحمه الله - تميز في شخصيته العلمية والسلوكية بالوضوح، لم أعرفه متصنعًا، فالمجاملات الباهتة والابتسامات الصفراء ليس لها في تعامله سبيل. دوحة العلم وصدق العلاقة هي التي تجمعه بمن حوله من الجلساء والمحبين والعلماء والطلاب، فهو يستظل بها ويقطف من ثمارها، يصدر لطلاب العلم الناهمين المعارف من بحر علمه المتلاطم، وميدان خبرته الفسيح، ويرشد كل متعلم إلى مشربه، حتى علم كل وارد منهم مشربه، في علم المخطوطات ومحافلها، ودروب التحقيق ومسابلها، وأعلام التراجم وطبقاتها، وأحداث التاريخ ومتعرجاتها، وعلم الأنساب ومعالمه.

الدكتور عبدالرحمن العثيمين - رحمه الله - تعلق باللغة العربية مبنى ومعنى، ونحوًا وصرفًا، ينهل من أدبها سامق المعاني وجزيل المباني يلمس ذلك من حاوره ورصد مكتوبه. فقد شمل اهتمامه الأدبي بالشعر العربي قديمه وحديثه، والشعراء متقدمهم ومتأخرهم، والمشاهير والخاملين في عاطفة مرهفة وتذوق للقراءة أخاذ، تدور رحاه حول دواوين الشعر ومباسط معانيها من الشروح وكواشف المعاني: كحماسة أبي تمام وشروحها، فهو رفيق له في مصدوره قبل مسطوره فليس من ملكته أن يند عن ذهنه شيء من قصائد الحماسة، يعرف مكانها في الكتاب، ويحفظ للحماسة ما يقارب المائة من شروحها.

أما التراث فهو الباعث لمكنوزه والراد للعبث عن مكنونه، خبير محرر بالعبارة والإشارة، يهتدي به إلى عويص المظان. قال الطناحي لأحد طلابه، الذي عانى من البحث عن مخطوط: «إذا قال لك العثيمين إنه لا يعرف المخطوط فلا تبحث عنه».

وقال المحقق محمود شاكر: «عقل العثيمين هو الكومبيوتر وقد كان الناس حديثي العهد بهذه الآلة العجيبة».

له مواقف متعددة تشهد بحضوره الطاغي، وتداول فوائده وفرائده على موائد الكبار من العلماء المحققين، من أمثال: محمود شاكر، وحمد الجاسر: الذي كان يدنيه ليجلس بجواره، قائلاً: «إن من يحضر عندي يستفيد مني، أما العثيمين فإنني أستفيد منه»، ومحمود الطناحي، ومحمد عضيمة، فأصبح مرجعًا لهما.

وقال الشيخ صالح بن حميد أيضًا عن المحقق:

- أبو سليمان: كريم مضياف حيثما حل فبيته مفتوح لجموع الوافدين من العلماء والطلاب من غير تكلف فسيماه التبسط والتواضع، وإنك لتعجب من هذه الشخصية المضياف الكريمة مع انقطاع للعلم محبةً واحتسابا وحين أقول احتسابا أي أنه لم يشتغل بما يشتغل به قرناؤه في العلم الأكاديمي من التطلع للترقيات.

-  من مقولاته: «أي كتاب يدخل مكتبتي بطريقة غير مشروعة لن يكون فيه بركة».

-  جلس مرة في مكتبته بعد العشاء ليستعرض بعض مخطوطات جلبها معه فلم يشعر إلا وضوء الشمس قد دخل عليه من النافذة فسئل عن ذلك فقال: «لقد صورت مخطوطات فلم أستطع النوم حتى أتأكد من تصوير كل ما طلبت».

- لا يحنث من يقول: إنه ليس هناك خزانة مخطوطات أو دار كتب لم يقلب أبو سليمان محتوياتها أو يستكشف كنوزها أو يستعرض محتوياتها.

-  ومن طريف ما ذكره أخونا فضيلة الدكتور محمد الفريح في مقاله الماتع عن أبي سليمان - رحمه الله - ما ذكره من اقتراح الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله - على الشيخ عبدالرحمن أن يقدم لكتاب «السحب الوابلة»، بتحقيقه سماحة شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - فقال أبو سليمان: «الشيخ بن باز على رأسي ومحل والدي، ولكن لو فعلت ذلك لمزقت الكتاب! إذا لم أكن راضيًا عن عملي فلا حاجة لإغراء الباحثين بتقديم الشيخ، وإذا كنت راضيًا عن عملي فلا داعي لأطلب الثناء عليه».

شهاداته:

– حصل على الماجستير، وكانت بعنوان: «التبيين عن مذاهب النحو بين البصريين والكوفيين – أبو البقاء العكبري» (مطبوعة).

- وحصل على العالمية من جامعة أم القرى عام 1402هـ، عن أطروحته: «شرح المفصل في صفة الإعراب المرسوم بالتخمير، تأليف الخوارزمي» (مطبوعة).

والمحقق له تحقيقات نفيسة وجهود مباركة في التحقيق، ومن هذه التحقيقات الماتعة:

 - الدر المنضد في ذكر أصحاب الإمام أحمد.

 - الديباج لأبي عبيدة معمر بن المتني التميمي.

 - إعراب القراءات السبع وعللها لابن خالويه.

 - الفريدة في شرح القصيدة التي أنشأها سعيد المبارك المعروف بابن الدهان النحوي.

-  المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد.

 - اتفق لفظه واختلف معناه لليزيدي.

 - الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب الإمام احمد لابن عبد الهادي.

-  نظم الفرائد وحصر الشرائد للمهلبي.

-  إثبات المحصل في نسبة أبيات المفصل لابن المستوفي الاربلي.

 - غاية العجب في تتمة طبقات بن رجب لابن حميد النجدي.

 - طبقات الحنابلة لابن أبي علي.

 - الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب لمحمد عبد الحق.

-  التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه و معانيه، لأبي وليد الوقشي الأندلسي.

 - أنساب الرشاطي (مختصر عبدالحق الاشبيلي والفاسي).

-  السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، لابن حميد النجدي.

-  تفسير غريب الموطأ لابن حبيب الأندلسي.

-  ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب.

شيوخه وأساتذته:

استفاد من أعلام كبار أمثال: العلامة محمود محمد شاكر، والعلامة السيد أحمد صقر، والعلامة محمد عبدالخالق عضيمة، والعلامة أحمد راتب النفاخ، والعلامة محمود علي مكي، والعلامة إحسان عباس وغيرهم كثير...

رحم الله المحقق وجمعنا به في دار كرامته، وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.


عدد القراء: 11863

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-