الفكر العربي يصدر كتاب: «مَن يحكم العالَم؟» .. أوضاع العالَم 2017

نشر بتاريخ: 2016-12-23

فكر – المحرر الثقافي:

 

الكتاب: مَن يحكم العالَم؟ .. أوضاع العالَم 2017

الكاتب: ، بـرتران بادي ودومينيك فيدال

ترجمة: نصير مروّة

الناشر: مؤسّسة الفكر العربي

 

عن سلسلة «حضارة واحدة»، أصدرت مؤسّسة الفكر العربي الترجمة العربيّة لكِتاب «أوضاع العالَم 2017»، والذي حمل هذا العام عنوان «مَن يحكم العالَم؟». والكتاب الذي أشرف عليه الباحثان الفرنسيّان الأستاذان في معهـد الدراسات السياسيّة في باريس، بـرتران بــادي ودومينيك فيدال، نقله إلى العربيّة نصير مروّة.

لم يشهد العالَم تغيّراً بسرعة التغيّر الذي شهده خلال السنوات الأربع الأخيرة: نهايةُ الشيوعيّة، وعَولَمة، وثورة رقميّة، ثلاث ظواهر جعلت العالَم يتغيّر تغيّراً جذريّاً. لذا ركّزت هذه السلسلة من «أوضاع العالَم» في كلّ عام على أبرز الظواهر التي أفرزها هذا التغيّر؛ فجاء «أوضاع العالَم 2014» بعنوان: «جبابرة الأمس والغد»، وجاء «أوضاع العالَم 2015» بعنوان «الحروب الجديدة»، و«أوضاع العالَم 2016» بعنوان: «عالمُ اللّامساواة». أمّا كِتاب هذا العام، أي «أوضاع العالَم 2017» فجاء بعنوان: «مَن يحكم العالَم؟»، راصداً هذه المرّة القوى التي انتهى إليها حُكم العالَم، ولاسيّما أنّ الدُّول لم تعُد وحدها هي التي تُسيطر عليه، حتّى ولو ادَّعت ذلك. فالعَولَمة التي تَقلب- ولا تزال- العلاقاتِ الاجتماعيّة رأساً على عقب، من منظور المُشرفين على الكِتاب، تُولِّد ارتهاناتٍ جديدة، تجعل الشبكات والشـركات المتعدّدة الجنسيّات تتحدّى سـيادات الدُّول؛ وهو الأمـر الذي يُترجِم نفسه أيضاً بما يظهـر من تفتُّتٍ في السُّـلطة، ومن ترابطات وارتهانات مُتبادَلة ومُتزايدَة التعقيد. فهويّة العَولمة هذه بحسب مختلف المشاركين في الكتاب تكمن في «أنّها تلك القدرة الاسـتثنائيّة على توفير الشبكات، وهي قدرة متكتِّمة ولكنّها غامضة مُلتبسة، وتُترجَم في الحين ذاته بتجزّؤ السلطة، وتفتّتها بسبب التّرابط، وبعِلـَّةِ الارتهان المتبادَل الذي يزداد تعقيداً».

لذا رصد الكِتاب معالِم عدّة من النّظام الدّولي ومتغيـّراته التي يُمكن أن تُولـِّد السلطة؛ فتمّ تمييز خمسة من معالِم هذا النّظام العالمي أو «بارامتراته»: التقليد الذي اســتَحدثَ في العالَم كلّه الأدوات الأولى للسـيطرة، والذي لم ينقطع عمله هـذا ولم يتوقّف، حتّى في أكثر المجتمعات حداثةً، لأنّه يتواصل عبر الرقابة الاجتماعيّة والتحكّم الاجتماعي، وعبر النّظام الأبوي البطريركي، وعبر تقسيم العمل بين الجنسَين، ومن خلال الزبائنيّة والعصبيّة والمحسوبيّة… أمـّا ثاني هذه المعالِم فهو المقدَّس والدينيّ لكونه يشكّل امتداداً للأعراف والتقاليد، ويستمرّ ويتواصل إمّـا بتنظيم سيطرة بذاتِها ولذاتِها، وإمّـا بتزويـد دوائر أخرى بأدوات تدعيمٍ وتعزيز ثمينة تفيدها في تدعيم سيطرتها وتعزيز غلبتها. وهناك في المحلّ الثالث، الدّولـة التي كان مبرّر وجودها هـو تحـديداً ادّعاؤها الحقّ في احتكار ممارسة السلطة السياسيّة. ثمّ يأتي في المحلّ الرابع، الاقتصاد، الذي انفصل كفئة مستقلّة أو «مقولة» مسـتقلّة منـذ بروز الرأسـماليّة التجاريّة في حدود عصر النهضة، والذي راح يدّعي، تدريجيّاً، بغلبة مستقلّة بذاتها، أو بسيطرةٍ مستقلّة، لا تزال قائمة إلى يومنا هـذا. وأخـيراً، فإنّ هناك العَولَمة التي هي أبعـد من أن تكون امتـداداً لرأسـماليّة الأمس، والتي تَسـتحدِث مشـهداً عالميّاً جديداً، ثمّ تُعبّئ ثوابت ومتغيّرات غير مسـبوقة للسـلطة وتُجـنِّدها، ولاسـيّما عـبر ثورة الاتّصالات، التي هي أساس شكلٍ جديد لا سـابق له من الغلبة والسّـيطرة.

على هذا، توزّعت بحوث الكِتاب في أقسامه الثلاثة لتدرس بعمق معالِم النّظام العالمي الجديد، وعدم الاكتفاء بمحاولة فَهم مَن يَحكُم العالَم؟ بل اتّجاهها كذلك إلى فَهم كيف يُحكَم هذا العالَم أيضاً. فقاربت البحوث والدراسات أشكال السيطرة والغلبة والتمييز، ولكن ليس على نحـوٍ منفصل، وإنّمـا في تقاطعها وتداخلها مع بعضها بعضاً. لذا تنوّعت بين بحوث انكبَّت على دراسة أشكال السيطرة الذكوريّة، مثل بحث الفرنسيّة جول فالكيـه الذي جاء بعنوان «عالَم يُسيطِر عليه الرجال: إلى متى؟»، وأخرى عاينت سيطرة المافيات والشركات العابِرة للدّول وغيرها من فاعليّات هذه الحَوكمة وسُلَطِها، التي باتت تتجاوز إطار «الدّولة»، والجيوبوليتيك الغربيّة المُتمحوِرة حول الذّات.

فبعنوان «الدوائر الكبرى، والتأهيل الاجتماعي للنُّخب العالميّة»، فكَّك أُستاذا عِلم الاجتماع برونو كوزان وسـيباستيان شــوفان مثلاً، الدوائر التي لا تزال السلطة الغربيّة تسيطر بها على العالَم، وعايَنا الديناميّات التي تتمّ من خلالها هَيْكَلة مَيادين أو حقول السلطة الغربيّة بشكلها «العصريّ»، وانتشار هذه السلطة على الصعيد العالَمي، والطُّرق التي يتمّ بها إلى اليوم تكوين علاقات وروابط سلطويّة عابرة للأوطان والقوميّات. ففي دراستهما آليات عمل النوادي مثلاً، لاحَظا أنّها لم تَعُد أماكن للتنسيق السياسي كما في السابق، ولا لاتّخـاذ قرارات اقتصاديّة كبرى، إلّا أنّهـا، على الرّغم من ذلك، «لا تزال تُسهم في تداول المعلومات، وكذلك في انبعاث تضامنات وبروز حسٍّ طبقيّ مُشترَك يمكنه أن يؤثِّر في هذه المسارات والسيرورات. وبخلاف ذلك، وعلى الرّغم من أنّها نادراً ما كانت من الموارِد والأدوات الحاسِمة بالنسبة إلى الفاعلين والفعاليّات الرئيسة في حقل السلطة (الذين يُمكن ألّا يرتادوها إلّا بَين الحين الآخـر، بل ألّا يرتادوها مطلقاً)، إلّا أنّـه غالباً ما كان لها دَور في التراكم الابتدائي وفي توريث رأسمالها الاجتماعي، كما يمكن أن يكون لهـا أهمّيتها بالنسبة إلى الأفراد الذين ليست لديهم علاقات اجتماعيّة مهمّة»، مُستندَين إلى سيرة ديفيد كاميرون الذي لطالما كان عضواً في نادي «وايت White’s»، الذي كان والده يرأسه، والذي اسـتقال منه عام 2008، حين كان يسـتعدّ لرئاسة الحكومة البريطانيّة.

وعلى الغرار نفسه، وفي بحث بعنوان «المافيات، كممثّلات للحَوْكَمَة»، فنَّد الباحث فنشـينزو روجـيّرو الكيفيّة التي تنجح بها المافيات في التأثير على الحكومات، وذلك عبر تفحُّص السمات التي تتجلّى الجريمة المُنظَّمة أو تظهر عبرها. ففي جولة على عدد من البلدان (مثل روسيا، وكولومبيا، والمكسيك.. وغيرها) يُظهِر فنشينزو روجيّرو كيف باتت الجريمة المُنظَّمة نشاطاً متعدّد الوجوه (إنتاج الكوكايين وتَصديره؛ طباعة العملات المزوَّرة من فئتَيْ الدولار واليورو، تزوير جوازات سفر، القيام بعمليّات اختطاف، تجنيد قَتَلة، تنظيم الدعارة على مستوى واسع..إلخ) يسمح بممارسة شكلٍ من الحَوكَمة، بسبب الوضعيّة اللّاشرعيّة التي يعيش فيها جانب كبير من نخب هذه البلدان، التي هي على أتمّ الاسـتعداد لتقاسم السلطة الاقتصاديّة والسياسيّة مع المنظّمات غـير الشرعيّة، وهو فساد يسـود في قلب مؤسّسات رسميّة كالجيش والبوليس التي تـُوفِّـر للجريمة المُنظَّمة في بعض من هذه البلدان، مثل المكسيك، أرضيّةً خصبة.

أمّا بحث إيفـان دو رويّ «عندما تسـتولي الشـركات المتعدّدة الجنسـيّات على السلطة»، فأظهر الضخامة الاقتصاديّة الهائلة لهذه الشركات التي تتحدّى اقتصادات الدُّول القوميّة وتُنافِسها. ولعلّ الدليل على المنافسة التي تقوم بها شركات المال والصناعة النفطيّة والسيّارات والطّاقة..إلـخ، هو مثلاً استخدام مَتاجـر «والمرت Walmart» المركزيّة الكبرى الأميركيّة، نحو 2.2 مليون شخص، أي مـا يناهز عـدد سـكّان باريس، فضلاً عن تحقيقها حركة مبيعات تزيد قيمتها على 485 مليار دولار سنويّاً، أي مـا يُعادل النّاتج القومي القائِم للأرجنتين أو لتايوان؛ فيما تُقارِب الميزانيّة المصرفيّة العموميّة لبنك باريس القومي «باري باس BNP Paribas» الألفَيْ مليار يورو، أي ما يُوازي النّاتج الوطني القائِم للبلد الذي اتَّخـذ مقرّه فيه، أي لفرنسا التي تحتلّ مرتبة القوّة الاقتصاديّة السادسة في العالَم.


عدد القراء: 3931

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-