كتاب «تحرير السيرة النبوية من القراءة الدينية التنظيمية»

نشر بتاريخ: 2017-08-26

فكر – المحرر الثقافي:

 

الكتاب: "تحرير السيرة النبوية من القراءة الدينية التنظيمية"

المؤلف: محمد عبد العال عيسى، ورشا عبد الواحد إبراهيم، وحمدي رزق حمادة

الناشر: دار سماء للنشر والتوزيع كتاب

عدد الصفحات: 200 صفحة

 

من الإصدارات الحديثة صدر عن دار سماء للنشر والتوزيع كتاب (تحرير السيرة النبوية من القراءة الدينية التنظيمية)، بقلم ثلاثة من الباحثين الشباب (محمد عبد العال عيسى، ورشا عبد الواحد إبراهيم، وحمدي رزق حمادة).

يعُج الكتاب بمجموعة من المفاجآت والاكتشافات والنتائج التي توصل إليها ثلاثة من النابهين الباحثين الشباب عبر بحث وتنقيب واستنتاج وتتبع لسياقات وروايات ومصادر السيرة النبوية الشريفة في محاولة لإبراز الوجه النقي والحقيقي للسيرة بعيداً عن تشوهات الجماعات الدينية المتطرفة، يقع الكتاب في حوالي مائتي صفحة، ويناقش أسئلة شائكة وصلت إلى ما يقرب من خمسة وعشرين سؤال استنبطها الباحثون من عملية عقلية مقارنة بين الأصول الأولى للسيرة النبوية وبين الكتابات الحديثة والخطابات والأفكار التي زرعتها الجماعات الدينية عبر مؤلفاتهم ورجالهم وأنصارهم خلال هذا العقد الأخير من الزمن، وتمكن الباحثون من صياغة تلكم الإشكاليات في صورة أسئلة من قبيل: لماذا نتكلم في السيرة النبوية؟ كيف تكون أحوال المسلم بالنسبة الي أسوة النبي الحسنة؟ هل السيرة مقاصدية أو أحداث يومية للنبي أي هل السيرة تاريخ أو مصدر اقتداء واهتداء؟ أيهما الضروري: قيم السيرة أو أحداثها؟ السرد التاريخي أو أخلاق النبوة أو كليهما؟ ما الأصل بالنسبة إلى النبي أهو المجتمع أو الدولة؟ هل يمكن أن تكون السلطة مدخلاً لإصلاح التدين؟ هل أنفق النبي وقته كله في القتال؟ هل القتال هو الأصل أو الاستثناء؟ وكيف قضى النبي وقته إذا كان القتال دفاعي واستثناء لرد العدوان؟ هل كان للنبي تنظيم ديني وسياسي مغلق في مكة المكرمة؟ هل وجدت فترة سرية وأخرى جهرية كما هو مشاع في كتابات السيرة؟ وينتهي الكتاب بطرح سؤال جوهري حول فائدة الدين لنا كبشر في حياتنا. والكتاب إجمالاً يحمل مبادرة قوية وبداية هامة لرد علوم السيرة النبوية الي أصولها الأولى بفهم سليم ومنهج علمي متوازن ومتواتر عبر تاريخ المسلمين قبل ظهور الجماعات الدينية التنظيمية في هذا القرن الأخير.

يري الباحثون أن القراءة العسكرية والسياسية طغت في رؤية الجماعات الدينية لشخص النبي وللسيرة النبوية رغم أن القتال والغزوات كانت "دفاعية" و"استثنائية" فإذا تتبعنا كل غزوات النبي نجد المنهج الذي يتلخص في ضيق وقت الغزوةوعدم استفحالها ذلك أن الحرص علي الأرواح والممتلكات أمر أساسي فضلاً عن إجبار الخصم والتضييق عليه ليقبل بالسلام والعيش المشترك. فمجموع سنوات رسالة النبي 23 سنة منهم سنة و5 شهور تقريباً قضاها في ذلك، أي 7% من سيرة النبي في القتال بينما قضى 93%  في البناء والتنمية والتزكية والخير والدعوة، وبالتالي يتضح أنهم عطلوا رصيد ضخم من الأخلاق والقيم والروحانيات فأين ذلك من تدويناتهم؟ وأين ذلك من تشكيل وعي عموم المسلمين؟ كما ركزت تلكم الكتابات على أنه عليه السلام كان يسعى إلى تأسيس "دولة" أو "سلطة سياسية" أو ..الخ مما يرد في كتب البعض، بتعميمات مخلة فبعض كتابات التنظيميين المعاصرة تحاول أن تقتبس من المؤلفات التراثية المتخصصة في ما يسمي بـ"الأدب السلطاني" أو السياسة الشرعية ويغيب عنها أننا لا نعيش في دولة الخلافة. ومن ثم أدى ذلك الأمر إلى "مركزية" فكرة الدولة أو السلطة، و"هامشية" المجتمع والفرد، فغالى كثيرين - كتابةً وبحثاً وسلوكاً – عند كتابة السيرة النبوية في ضرورة تشكيل تنظيم ما في المجتمع، والعزلة عنه ومفاصلته وكأنه مجتمع مشرك وكافر! ثم محاولة اعتلاء الدولة والسيطرة عليها بقياس فاسد باطل على عهد الرسول، وإنكارا للواقع المعاصر. لكن المتتبع لسيرة النبي الأعظم يجد أن الفرد وبناءه ومن ثم المجتمع كان "المركز"، وأن "السلطة" أو "الحكم" كانت الهامش، وتحصيل حاصل يأتي أو لا يأتي لا ضير، فسلطة القلوب أقوى من سيطرة الرقاب، وفتح القلوب أهم من غزو البلدان.

يؤكد الكتاب على أن الخطيئة الأخرى للجماعات الدينية المتطرفة هي اختزال السيرة النبوية في عقول الناشئة بإنشاء مدينة ثانية على غرار مدينة الرسول بحيث أن تلك الجماعات السياسية الدينيةتريد العيش في العشر سنين الأخيرة من حياة النبي! فتتنكر لواقعها وتسعى للبطش بالمسلمين وتبدأ في تقسيم الناس من مع تنظيمهم ومن ضد تنظيمهم متناسين أنهم في مجتمع مسلم ومؤمن!

ويرى مؤلفوا الكتاب أنتلك الجماعات غيبت البعد الروحاني والنفسي للسيرة النبوية فرغم وجود كتابات تاريخية مهمة تمثل رصيد معرفي ومخزون روحاني وأخلاقي للمسلمين في كتابات أهل التصوف والعرفان إلا أن تلكُم الكتابات تم تجنيبها أو إزاحتها أو التهجم عليها لصالح كتابات تركز على ما يسمى بالبُعد الحركي أو الجهادي في السيرة النبوية. فأحوال المسلم مجموعة في قول الله تعالي (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ولن تخرج عن أربعة أحوال كما ذكر الأمير عبد القادر الجزائري، الأولى بالنظر إلى معاملة الحق لرسول هو الثانية: بالنظر إلى معاملته لربه، والثالثة: بالنظر إلى معاملة الخلق له والرابعة: بالنظر إلى معاملته للخلق من محبتهم وإرادة الخير لهم.

ومن ثم كانت المُخرجات لغياب البعد الروحاني مُسلم مُشوه داخلياً، كاره لمجتمعه، يهتم بالقشور، سريع العنف والغضب، سطحي التفكير، وغير مُشبع نفسياً بقين الإيمان بل ويُشيع حالة من حالات الانقطاع التاريخي مع السيرة النبوية، يرتبط بالمظاهر والشكليات يبدأ بها وينتهي إليها. فترى بعض الكتابات والبحوث تُحرم وتُجرم الاحتفال أو استرجاع أهم اللحظات في تاريخ الإسلام والمسلمين ك (ميلاد النبي – الإسراء والمعراج – هجرة النبي – وفاة النبي ..الخ)، وهي أيام لا ككُل أيامنا. وكأن هناك رغبة ما في طمس تلك المعالم التاريخية النورانية النبوية الشريفة التي تمثل معيناً لا ينضب، وتربط المسلم المعاصر بتاريخ نبيه صلى الله عليه وسلم. مما زاد من جفاء بعض المسلمين وبُعدهم عن السيرة النبوية وحياة المصطفي بل وحالة من حالات الغربة عن سيدنا رسول الله وحياته وسيرته ومواقفه... فكيف يحصُل التعلق إذا استهدفت تلك اللحظات الشريفة من سيرة وتاريخ النبي المصطفى؟

إن الدراسات التي تناولت السيرة النبوية في بُعدها الروحي والنفسي قليلة أو غائبة أو مُغيبة وهو الأمر الذي كان يُمكن أن ينقلنا إلى آفاق رحبة تروى حاجة المسلم إلى معرفة النبي بحق. يقرأون بعض صور وأحداث السيرة النبوية بطريقة مُبتسرة ومُختزلة، ومقطوعة من سياقاتها، ويُسقطونها بفهمهم التنظيمي المغلق على واقعهم وتنظيمهم وتصرفاتهم وأحداثهم. ومن ثم يُسمون ذلك قُدوة بسيرة الرسول.

ويري الباحثين أن هناك سنن مهدرة ومهجورة في سيرة النبي، بصورة أصبح الإسلام معها غريباً، فسنة التعارف، والتعاون والتعايش والتفكر والاعتبار والنصح والوفاء بالوعد والاتقان، والصبر والجمال، والحضارة.. الخ باتت مهجورة في حياة المسلمين لصالح سنن أخرى شكلية ظاهرية.

ويذهب الباحثون إلى أن الصياغة السياسية للدين ابتداءً وللسيرة النبوية انتهاءً تخصم من رصيدها الروحي ومعينها الذي لا ينضب. فتأثرت بعض الجماعات المتطرفة بالتدوينات الشيعية عن الإمامة فحاولت أن تظهر النبي بمظهر السياسي!

ظل هذا التوجه موجوداً بكثافة في هذا القرن - التفسيرات الحركية للسيرة النبوية - والتي بدأت تلوي ذراع السيرة من أجل تحقيق أهدافها السياسية، مثل استخدام أحداث السيرة النبوية لاسقاطها على مسيرة تيار ديني بعينة بحيث يبدو وكأنهم هم الصحابة، وكأن حياتهم هي إعادة إنتاج لفصول السيرة النبوية، فتجرأ بعضهم وقال على السيرة ما ليس فيها، كالقول بوجود تنظيم للنبي في مكة له رأس ونواب وأعضاء، وأن دعوة النبي كانت حركة سرية خوفاً من قريش. مع إسقاطهم عدد من المصطلحات المعاصرة على السيرة كقول بعضهم "الرسول يؤسس دولة في المدينة"، وكأن الدولة بمعناها القومي الأوروبي المعاصر كان مُتبلوراً وقائماً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم! وغير ذلك من أساليب الخلط والتلاعب والتسيس.

يلقي الكتاب الضوء على أهم عناصر القوة في السيرة النبوية الشريفة والتي تم إهدارها على يد الجماعات المتطرفة في هذا القرن والتي حاولت سرقة سيرة النبي الأكرم وتشويهها خلال عقد من هذا الزمن، فوظفت بعض الأحداث لحسابها دون استجلاء دقيق للنصوص وجمع للأدلة أو فهم للسياقات والقرائن والأسباب أو تنزيه للنبي.

وهذه المحاولة في تحرير السيرة النبوية يُفيد في إرجاع السيرة النبوية الشريفة إلى سابق عهدها قبل عدوان تلكم الجماعات عليها، وفي تجديد الثقة بكتابات علماء المسلمين المُسندين عن السيرة، كما أنه نافع لواقع المسلمين اليوم بالتعرف الحقيقي على حياة وقيم سيرة النبي الأعظم، ويُمكّن من تفادي العنف والتطرف والحكم على الآخرين، كما يُساعدنا أن نعيش قيم السيرة لا أحداثها، وأن نفرق بين القضايا والمساءل، وأن لا نُدخل مسائل الفقه في دوائر العقيدة، ولا نحمل الأوامر المرتبطة بالعادات على الوجوب، أو نخلط بين المطلق والعام أو لا نميز بين حالة الاستقرار والقلق فضلاً عن احترام المقام النبوي الشريف وأنه ينتفع به بعد انتقال جسده.

ولعل أهم القضايا التي يتناولها الكتاب هي: خيطئة تحويل الدين إلى أيديولوجيا، والتطور التاريخي لكتابة السيرة النبوية الشريفة منذ القرن الأول حتى الآن، وكيف حصل الخلل والانحراف عن المنهج القويم لعلماء المسلمين الأوائل، وما يقال عن سرية الدعوة النبوية الشريفة وجهريتها، وأيهما أسبق في اهتمام النبي الدولة والمجتمع والخلط بين النبي المعصوم وبين خصوصيته البشرية، والبعد الحضاري في السيرة النبوية، وهل يمكن استنساخ التجربة النبوية بحذافيرها الآن؟ وهل هي قابلة للتكرار؟

يتألف الكتاب من ثمانية فصول موزعة على أقسام فرعية مع مقدمة، يتناول الفصل الأول مراحل تطور كتابة السيرة النبوية، والثاني بدعة التنظيم والسرية في السيرة النبوية، والثالث يتساءل عن سعي النبي إلى تأسيس دولة أو مجتمع جديد، والرابع يناقش الخلط بين عصمة النبي وخصوصيته البشرية، والخامس يستعرض كيفية تزييف وعي المسلمين تجاه سيرة نبيهم الكريم، والسادس يعرض لأبرز السنن المهجورة والمهدرة، والسابع يتناول كيفية تأسيس الحضارة الإنسانية في السيرة النبوية، والفصل الأخير يجيب على تساؤل: ما غاية الدين؟


عدد القراء: 4138

التعليقات 2

  • بواسطة ali mohamed ali من الإمارات العربية المتحدة
    بتاريخ 2017-08-27 11:05:53

    موضوع خطير والله خطير جدااا، موضوع ملفت للنظر، كيف ما أخذنا حسابنا فعلاً، أولادنا وغخواتنا الجماعات الدينية كداعش وغيرها تغسل دماغتهم، وتشوه سيرة النبي الكريم...ليش ما ننشر هذا الكتاب علي كل البيوت وفي المدارس والإعلام يرسل برقيات وملخصات عنه... شكراً للموقع علي انه يختار مثل هذه الموضوعات اللي تهم كل مسلم ومسلمة... صحيح نحنا بحاجة اليه كثيير جدا

  • بواسطة حسن علي محمد من المملكة العربية السعودية
    بتاريخ 2017-08-26 18:53:38

    تمكنت من الحصول علي الكتاب من خلال دور النشر، وهو كتاب ماتع، ومكتوب بلغة سهلة ومفهومة مباشرة بدون لف ودوران بتاع كتاب اليومين دول... أنا سعيد أن فيه شباب مصري علي وعي ودراية كاملة بالأصول الدينية وقادرين يقدموا وجهة نظرهم في الموضوعات دي... تحية للكتاب والناشر اللي تحمل انه ينشر للشباب دول..

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-