المنطقة المخفية.. التاريخ السري للحرب السيبرانية

نشر بتاريخ: 2019-04-05

المحرر الثقافي:

الكتاب: "المنطقة المخفية.. التاريخ السري للحرب السيبرانية"

المؤلف: فريد كابلان

الناشر: دار سايمون وشوستر

عدد الصفحات: 339 صفحة

تاريخ النشر: 2016

يغوص الصحفي الأمريكي فريد كابلان في كتابه حول التاريخ السري للحرب السيبرانية في نشوء وتطور البنية التحتية لهذا النوع من الحروب والجانب الخفي لاستخداماتها والذي غالباً ما يتخطى حدود القانون.

ويتضمن الكتاب مقابلات مع 100 شخصية من ضمنهم وزراء وجنرالات ومسؤولون ومحللون في وكالة الأمن القومي الأمريكية التي تعتبر من أهم وكالات التجسس في الولايات المتحدة، والتي أثارت نشاطاتها التجسسية الكثير من الجدل حول قانونيتها. كما تعتبر هذه المؤسسة من أكثر المؤسسات الاستخبارية غموضا وانغلاقا، ومنها استقى الكاتب عنوان كتابه "المنطقة المخفية".

ومن المعروف أن هذا النوع من الحروب يعتبر حديثاً في العلوم العسكرية، ورغم أنه يقع ضمن اختصاص الجهات العسكرية للدول، فإنه لا يستخدم أسلحة الحرب التقليدية المعروفة بشكل مباشر، بل تكمن أهميته في قيمة المعلومات التي تأتي عن طريقه، والتي تعتبر العين التي ترى وتوجه الأسلحة في ساحة المعركة.

من جهة أخرى، يمكن أن تشن الحرب الإلكترونية هجمات مباشرة باستخدام أدواتها الخاصة التي تلغي الحدود والمسافات. ورغم أن أسلحة أخرى مثل الصواريخ العابرة للقارات قد سبق وألغت المسافات، فإن ما يميز الحرب السيبرانية هو سهولة شنها، حيث لا يتطلب الأمر سوى غرفة فيها عدد من الحاسبات الإلكترونية وعدد من المشغلين الكفوئين في هذا المجال.

ويرصد الكتاب حادثة وقعت عام 1983 ويعتبرها نقطة فاصلة في تطور ترسانة الولايات المتحدة للحرب السيبرانية التي استخدمتها بشكل فاعل في حرب الخليج عام 1991 ثم في صربيا في أواسط التسعينيات وقبل ذلك ضد الاتحاد السوفياتي السابق في سنين الحرب الباردة.

وتتلخص الحادثة في أن الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان كان يشاهد فيلم الخيال العلمي "ألعاب الحرب" عام 1983، واستعرض الفيلم قصة فتى يخترق منظومة أحد المؤسسات العسكرية الأمنية بدون أن يعلم، وكاد الفتى أن يشعل حرباً عالمية ثالثة بدون أن يدري، الأمر الذي أقلق ريغان.

استدعى ريغان في الأيام التالية كبار مساعديه وجنرالات الجيش، وسألهم بشكل مباشر "هل يمكن أن يحدث ذلك فعلاً؟" في إشارة إلى قصة الفتى في فيلم "ألعاب الحرب". وبعد أيام جاء الجواب مباشراً وصاعقاً لريغان حيث قيل له "إن الأمر أخطر من ذلك بكثير".

نتج عن النقاش بين ريغان وكبار مسؤولي الأمن والجيش زوبعة من ورش العمل والدراسات والتحقيقات انبثقت عنها مذكرة الأمن القومي رقم 145 في 17 سبتمبر/أيلول عام 1984 وحملت عنوان "السياسة القومية لأمن الاتصالات وأنظمة المعلومات الأوتوماتيكية".

ويصف الكتاب الوثيقة بأنها "بعيدة النظر"، فقد كانت الحواسيب المحمولة محدودة الانتشار للغاية، وخدمة الانترنت لم تكن متاحة للجمهور بعد، إلا أن المذكرة ذكرت تحديدا مخاطر استخدام أجهزة الحاسوب وإمكانية اختراقها وسرقة المعلومات منها من قبل أجهزة استخبارات منافسة أو منظمات "إرهابية".

واعتبر الكتاب الوثيقة بذرة لما أصبح ما يعرف فيما بعد باسم "الحرب السيبرانية"، والتي كانت نقطة تحول في طبيعة مهام وكالة الأمن القومي التي ومنذ تأسيسها تركزت مهامها على اعتراض الاتصالات التي تقوم بها الدول والمنظمات غير الأمريكية، إلا أن المذكرة رقم 145 أضافت لعمل الوكالة مهمة تأمين الأنظمة الإلكترونية الأمريكية.

أثارت المهمة الجديدة للوكالة اعتراضات داخل الأجهزة التشريعية الأمريكية، حيث إن الوكالة كانت تعمل بعيداً عن الأمريكيين وغير مسموح لها التجسس عليهم أو اعتراض اتصالاتهم، وأراد دعاة الحريات المدنية التركيز على أن الخط الفاصل بين عدم التجسس على الأميركيين وتأمين منظوماتهم الإلكترونية هو خط واضح للوكالة.

أثيرت القضية بعد ذلك في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، إلا أنها لم تحتل حيزاً كبيراً حتى جاءت هجمات سبتمبر/أيلول عام 2001 والحرب الأمريكية على أفغانستان ثم العراق. كانت الولايات المتحدة منغمسة في حروب تقليدية تستخدم فيها كافة أنواع الأسلحة وكان الجنود الأميركيون يسقطون قتلى كل يوم.

وفي خضم تلك الظروف، كانت الحرب الإلكترونية في ذيل اهتمامات الأمريكيين، ولكنها في الوقت ذاته كانت على رأس أولويات إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، حيث كان العمل على هذا النوع من الحروب يجري على قدم وساق خلف أبواب مغلقة، ودأبت المؤسسة العسكرية الأمريكية على وضعه في خدمة أهداف المعارك التقليدية على الأرض.

إلا أن هذا السيناريو لم تنفرد به الولايات المتحدة، ولم يكن من الممكن أن تحتكره لنفسها، فمع انتشار الإنترنت في العالم، أصبح سيناريو تكامل الحرب الإلكترونية مع الحرب التقليدية معمولاً به في دول حول العالم، بعض منها تصنف ضمن أصدقاء الولايات المتحدة.

وهكذا برزت الحرب الإلكترونية كعامل قوة وضعف في وقت واحد، أداة تجسس وسلاح حرب في وقت واحد، عامل ضغط يمكن للولايات المتحدة أن تستخدمه ضد أعدائها، ويمكن لأعدائها أن يستخدموه ضدها في الوقت ذاته.

ويوضح الكتاب أن النقلة الكبرى في عالم الحرب الإلكترونية في الولايات حدثت في عهد الرئيس الحالي باراك أوباما، حيث تضاعفت الميزانية المرصودة ثلاثة مرات تقريبا، من 2.7 مليار دولار إلى سبعة مليارات دولار، واستحدث وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت غيتس وحدة متخصصة ومكرسة لقيادة الحرب الإلكترونية.

أما المستخدمون من قبل الجيش الأمريكي في هذا المجال فقد تضاعف عددهم أيضاً من 900 إلى أربعة آلاف شخص، ومن المتوقع أن يصل عددهم إلى ستة عشر ألفاً مع نهاية العقد الحالي. ومرة أخرى، لا يقتصر هذا التوسع على الولايات المتحدة، فقد وصل عدد الدول التي حذت حذوها عشرين دولة.

ويشير الكتاب إلى تعتيم محكم على الهجمات الإلكترونية التي تنفذها الولايات المتحدة وبعض حلفائها من الدول الغربية على دول أخرى، بينما في المقابل انتشرت أخبار شبه مفصلة عن هجمات تتهم بها دول أخرى مثل إيران وروسيا والصين، والتي لم تقتصر على المؤسسات العسكرية الأمريكية بل تعدتها إلى مؤسسات تجارية وحكومية.

ويخصص الكتاب حيزاً واسعاً لبدايات إرهاصات الأمن المعلوماتي، في بداية النصف الثاني من القرن العشرين، ومراحل تطور تقنيات الحاسوب وأمن المعلومات، ويتحدث في هذا المجال إلى مختصين وشخصيات عملت فعلا في تطوير هذا المجال منذ بداياته.


عدد القراء: 3193

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-