ميشال ويلبيك يجسد الإحباط الاجتماعي في رواية «سيروتونين»

نشر بتاريخ: 2019-11-25

المحرر الثقافي:

الكتاب: رواية "سيروتونين"

المؤلف: ميشال ويلبيك

الناشر: William Heinemann

تاريخ النشر: 26 سبتمبر 2019

اللغة: الإنجليزية

عدد الصفحات: 320 صفحة

الرقم المعياري الدولي: ISBN-13 : 978-1785152238

في عددها الأخير استعرضت مجلة (لوس أنجلوس ريفيو أوف بوكس) الأمريكية رواية "سيروتونين" للأديب الفرنسي المثير للجدل ميشال ويلبيك.

واستهلت المجلة عرضها بالتنويه إلى أن ويلبيك يتميز بصفتين، فهو روائي حائز على جائزة غونكور - أرقى الجوائز الأدبية الفرنسية- إلى جانب كونه صاحب الكتب الأكثر مبيعًا بالخارج من بين أدباء بلاده، بل أفضلهم حاليًا حسب العديد من التقارير.

ثم إنه كاتب تنبأ بأحداث راهنة. فروايته الثالثة "منصة" تحدثت عن هجوم يشنه مسلحون على منتجع تايلاندي وقد نُشرت قبيل هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على مدينتي نيويورك وواشنطن.

وترسم روايته "خضوع" سيناريو يقوم على فرضية انتخاب رئيس لحزب إسلامي في فرنسا، وهي الرواية التي صدرت في يوم الهجوم نفسه على صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية الأسبوعية في يناير/كانون الثاني 2015، على خلفية نشرها رسومات مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وبدت الرواية كأنها تنبئ بموجة مروعة من "الإرهاب" الذي أقض مضاجع الفرنسيين خلال السنوات القليلة التي تلت ذلك الهجوم.

مهما كان

واتسمت رواية ويلبيك الأولى "مهما كان" الصادرة عام 1994 بطابعها التنبؤي، رغم أن الأمر استغرق أكثر من عقدين لكي تتحول نبوءاتها إلى واقع.

ولعل الإحباط الجنسي الذكوري الذي تصوره رواية "مهما كان" -كما ورد في مقال نقدي لأحد الكُتاب بصحيفة نيويورك تايمز عام 2018- هو حكاية "تبتل لا إرادي" -اضطراري- وعنف يولِّد "عزلة جنسية".

رواية نفسية

أما روايته الثامنة "سيروتونين" -التي ترجمها إلى الإنجليزية شون هوايتسايد- ليست رواية أفكار كما هي حال أعماله السابقة مثل "الجسيمات الأولية" التي صدمت جمهور القراء العقلانيين لإدانتها القاطعة لليبرالية الأخلاقية التي تميزت بها حقبة ما بعد ستينيات القرن الماضي.

والسيروتونين هو ناقل عصبيّ يلعب دورًا مهمًا في تنظيم مزاج الإنسان، لذلك يُسمى أيضًا بهرمون السعادة. وفلورنت كلود لابروست بطل رواية "سيروتونين" مهندس زراعي يعمل لدى الحكومة الفرنسية مثل ويلبيك قبل أن يصبح من نجوم الأدب.

وفي الرواية تعيش صديقته اليابانية، يوزو، التي تصغره بعشرين عامًا، معه في بناية عالية قبيحة بالعاصمة باريس. إن كراهية فلورنت لابروست ليوزو لا يضاهيها سوى مقته لوظيفته وللحياة بصفة عامة. ويقرر لابروست ترك وظيفته مستشارًا زراعيًا، ويؤثر الاختفاء فيهجر شقته وصديقته يوزو ليقيم في غرفة بأحد الفنادق في مقاطعة باريس الـ 13.

في هذه المرحلة، تنداح سلسلة أحداث تختزنها الذاكرة. ويتحسر لابروست على تجارب من الحب الضائع، ويعتصره الندم على اللامبالاة والخيانة والغدر، هذه الأمور التي دمرت تلك التجارب. ويواجه بطل الرواية احتمالاً متزايدًا بفقدانه الرغبة الجنسية إلى الأبد بعد أن بدأ تناول عقاقير مضادة للاكتئاب التي تسببت في إخصائه.

مأساة الحياة

صحيح أن أغلب الرواية تتناول بالدراسة المعنى المأساوي للحياة أو الوجود الذي يتحامل على كل ما هو أمريكي وميله إلى النظر إلى مباهج الحياة وحتى الحقائق الظاهرة للسيرورة الثقافية ليس باعتبارها سريعة الأفول فحسب بل لتعرضها للتغيير والتدهور الحتمي.

يدرك فلورنت كلود لابروست أنه ملعون، ويعرف أيضًا أن تلك اللعنة التي تصيب رجلاً أبيض موسرًا لكنه صغير الحجم ومحبط لن تثير شفقة أحد.

إن تركيز رواية "سيروتونين" على الجانب النفسي يعد انحرافًا عن روايات ويلبيك السابقة التي تنزع نحو الاهتمام أكثر بالقضايا الاجتماعية والسياسية والأخلاقية.

ومع ذلك فإن الرواية تميزت بنزعتها التنبؤية إزاء الخلافات السياسية الفرنسية الراهنة، وهي في هذا الإطار تجعل ويلبيك يرتدي مرة أخرى عباءة "نبي الأدب"، إذا جاز التعبير.

سيروتونين

تجدر الإشارة إلى أن رواية "سيروتونين" صدرت باللغة الفرنسية في يناير/كانون الثاني 2019 في خضم احتجاجات حركة "السترات الصفراء".

وتسرد الرواية متاعب أرستقراطي نورماني مُطلَّق، يُدعى أيميريك دي هاركورت أولوند، يعاني الأمرّين لكي يحافظ على مزرعة الألبان التي يمتلكها في وجه منتجات الألبان الواردة من دول الاتحاد الأوروبي.

ولم تقتصر متاعب أيميريك على ذلك، فقد هجرته زوجته "سيسيل" لتعيش مع عشيقها الموسيقار وابنتيها من طليقها في لندن. ونادرا ما يتصل أيميريك بابنتيه، وكان يجد سلواه في وحدته وتعاطي الفودكا.

ويعتبر أيميريك أفضل أصدقاء فلورنت كلود لابروست منذ أيام الدراسة في الجامعة. كما أنه هاوٍ لاقتناء الأسلحة ويلعب دورًا أساسيًا في حبكة الرواية، فضلاً عن أنه محرِّك للتمرد وسط مزارعي إقليم لا مانش النورماندي.

انتحار

ومن أكثر المشاهد التي لا تُنسى قيام أيميريك ومجموعة من الفلاحين المحليين بوضع الحواجز على الطرق الرئيسة، وإقدامهم على تفجير مُعِدّة زراعية ثقيلة مملوكة للدولة تقدر قيمتها بملايين اليوروهات.

وما إن اقتربت شرطة مكافحة الشغب من مزارعي الألبان الغاضبين حتى صوّب أيميريك مسدسه نحو رأسه وأقدم على الانتحار أمام أنظار الصحفيين الذين وصلوا إلى المكان لتغطية الاحتجاج.

غير أن أفراد الشرطة - ظنًا منهم أن شخصًا ما أطلق عليهم النار- فتحوا هم أيضًا نيران أسلحتهم على رفاق أيميريك من الفلاحين فقتلوا قرابة عشرة منهم.

وتحدث ويلبيك من جانبه عن المصير الذي آل إليه صديقه أيميريك وعن الغدر الشخصي والسياسي المسؤول عن ذلك، قائلاً:

"لقد أراد حقًا أن يعيش سعيدًا وكرّس نفسه لتحقيق حلم ريفي بسيط بإنتاج مستقر وذي قيمة عالية. كما نذر نفسه (لزوجته) سيسيل، لكن تبين أنها امرأة ساقطة بدينة أَسرتْها الحياة في لندن مع عازف بيانو من علية القوم. وبدا الاتحاد الأوروبي هو الآخر كتلة قذرة بتخصيصه حصصا للألبان. ولم يكن (أيميريك) يتوقع يقينًا أن الأمور قد تصل إلى تلك النهاية".

وترى مجلة لوس أنجلوس ريفيو أوف بوكس أن هنا بالذات يمكن للمرء أن يقرأ "سيروتونين" على أنها نوع من الرواية "الشعبوية" التي تحكي عن تمرد ريفي ضد "تكنوقراطية حضرية" -(حكومة فنيين). ونجحت الرواية في التنبؤ باحتجاجات "السترات الصفراء" ضد الرئيس إيمانويل ماكرون إن لم يكن في المحتوى ففي المعنى.

ولعل ويلبيك أذكى وأبرع من أن يكتب رواية تقوم على ملاحظات سياسية محضة. ومهما يكن من أمر "سيروتونين" وطابعها الشعبوي، فإن الأهم أنها رواية تتناول أحداثًا تُعنى بالحرمان واللعنة والشفقة واللامبالاة إزاء العمليات السياسية والطبيعية على حد سواء.


عدد القراء: 3174

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-