هجرة العقل العربي


خاص: مجلة فكر الثقافية

 

قالت العرب قديمًا على لسان الشاعر الجاهلي لبيد ابن الأعوص:

 

كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ

                                             والماء فوق ظهورها محمول

 

هذا البيت الشعري يلخّص تمامًا واقعنا في العالم العربي فقد كانت ولا زالت الدول العربية بيئة ملائمة لتفريخ الكفاءات والعقول ولكن دون الاستفادة الفعلية منها. وهو ما يتلخص جليًا في ظاهرة "هجرة الأدمغة" أو ما يصطلح على تسميته بالإنجليزية "brain drain"، الذي يعني هجرة العلماء والكفاءات من الدول النامية إلى نظيراتها المتقدّمة.

وهو تعبير صحافي أطلق في الستينيات من هذا القرن على هجرة العلماء من بريطانيا وكندا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ويقصد به اليوم كل هجرة يقوم بها العلماء من بلد إلى آخر طلبًا لرواتب أعلى أو التماسًا لأحوال معيشية أو فكرية أفضل.

وقد ظهر هذا المصطلح بعد ما يسمى صدمة "سبوتنك" التي تمثلت في إرسال روسيا لأول قمر صناعي يسبح في الفضاء سنة 1957، وعقبه صعود يوري غاغرين السوفييتي إلى الفضاء الخارجي سنة 1961، فسارعت  الولايات المتحدة الأمريكية لاستقطاب الكفاءات والأدمغة من كل أصقاع المعمورة لتمييل كفتها في الحرب الباردة.

بداية الهجرة:

تعد هجرة العقول والكفاءات العلمية والفنية من أقدم المسائل التي واجهتها البشرية، وقد أوجدت هذه الهجرات تفاعلاً ابداعيًّا بين الحضارات منذ القدم حيث انتقلت بعض اختراعات الصين إلى العرب، وبعد أن قام العرب بتحسينها انتقلت من خلال الفلاسفة والعلماء العرب إلى أوروبا وهكذا.

وتعد ظاهرة هجرة الكفاءات والعلماء من الدول العربية إلى الخارج أحد أهم العوامل المؤثرة على تطور الاقتصاد القومي، وعلى التركيب الهيكلي للسكان والقوى البشرية، وتكتسب هذه الظاهرة أهمية متزايدة في ظل تزايد أعداد المهاجرين خاصة من الكوادر العلمية المتخصصة. وتتمثل أهم الآثار السلبية في حرمان هذه الدول من الاستفادة من خبرات ومؤهلات هذه الكفاءات في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وبدأت هجرة العقول العربية منذ القرن التاسع عشر خاصة من سوريا، ولبنان والجزائر نحو فرنسا ودول أمريكا اللاتينية. فيمــا اتجهت الهجرة مـن الجزائر إلى فرنسا، وليبيا إلى إيطاليا. وفي بدايـة القرن العشرين ازدادت هـذه الهجرة، ولا  سيما خلال الحرب العالميتين الأولى والثانية؛ وفي السنوات الخمس الأخيرة هاجر من الوطن العربي مـا بـ 25 – 50 % من حجم الكفاءات العربية.

وطول السنوات الممتدة من منتصف القرن العشرين، وعقب حصول الكثير من البلدان النامية علـى استقلالها السياسي من الاستعمار العسكري الكلاسيكي القديم، وحلم التنمية يراود كافة هـذه البلدان، علـى اعتبار أن التنمية هي القاطرة التي ستقودها نحو مزيد مـن الازدهار والتقدم، أسوة بما حدث في البلدان الصناعية، التي خرج أغلبها منهك القوى من الحرب العالمية الثانية.

 وفي ظل السعي الـدؤوب من قبل تلـك البلدان - أي النامية - نحو تحقيق تنمية شاملة مـن أجل النهوض باقتصاداتها، كـان لا بد من الاهتمام بالعنصر البشري في مشروعات التنمية المطروحة، لكـن الـذي حدث أن غالبية هــذه البلدان، نظـرت إلى التنميـة على أنها مجـرد نهوض بالمستويات المعيشية لمواطنيها فقط، وتناسـت تمامًا البعد الإنساني البشري المتمثل في القوى البشرية المتاحة بهذه البلدان.

 ولما كان الكثير مـن أبناء هـذه الشعوب قـد أتيحت له فرص التعليم، فقـد نبغ من بـين هؤلاء الكثير، ممن كان يؤمل مـنهم أن يحققوا مكانات وإنجازات علمية ضـخمة في أوطانهم، ولكن الـذي حدث كان على العكس مـن ذلك، ففـي ظل الإهمال المتواصل مـن قبل الأنظمة والحكومات لتلـك العقول، والتركيز فقـط على البعد الاقتصادي في مشروعاتها التنموية، لم يكن أمامها – أي تلك العقول – إلا قرار الهجرة نحو الشمال المتقدم، كي تجد لنفسها متنفسًا، تستطيع من خلاله تحقيق طموحاتها العلمية، وهو الأمر الذي عبرت عنه الكثير من الأعمال الأدبية، فـ"موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح، ما هي إلا رواية عن هجرة العقول العربية نحو الغرب، والتناقضات التي تتحملها في ظل صراعها بين حضارة متقدمة، وبناء ثقافي تقليدي ترسخ في الأذهان لسنوات طويلة.

نستند في هذا البحث إلى أرقام منظمة العمل العربية، فقد بينت دراساتها أن 95 % من الطلبة العرب لا يعودون إلى بلدانهم الأصلية؛ فتونس مثلاً حسب إحصائية كتابة الدولة للهجرة بعنوان سنة 2012:  57 ألف طالب بالخارج بنسبة عودة لا تتجاوز 10 %. ففي السنوات الخمسين الأخيرة هاجر من العالم العربي  ما بين 25 – 50 % من حجم الكفاءات، وقد قدرت الخسائر المادية جراء هجرة العقول بـ 200 مليار دولار (11 مليار في عقد السبعينيات). أما الدول المستقطبة فهي أساسًا الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا، حيث تصطاد 75 % من الأدمغة العربية، فـ 34 % من أطباء الاختصاص في بريطانيا ينحدرون من أصول عربية.

وبينت المؤسسة العربية أن بأمريكا وأوروبا 450 ألف عربي من حملة الشهادات العليا، وتساهم مصر بـ 60 % من العلماء والمهندسين العرب في الولايات المتحدة الأمريكية تليها العراق ولبنان بنسبة 15 %. بينما كان نصيب كل من سوريا والأردن وفلسطين نحو 5 %.

وبمتابعة البحث في خضم الأرقام لتحديد حجم المشكلة نجد أن أحد مراكـز البحوث الفرنسـية قد استقطب 1600 إطار علمي من دول المغرب العربي فقط، منهم 700 مغربي، و500 جزائري، و450 تونسيًّا.

وفي دراسة أخرى حول هذا الجانب أعدها مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية أن ضعف الاهتمام بالعلم والبحث العلمي يعد أحد العوامل المركزية ‏ في الضعف الاستراتيجي العربي في مواجهة إسرائيل وأحد الأسباب الرئيسية وراء إخفاق ‏مشاريع النهضة العربية ودعت إلى مضاعفة الإنفاق العربي على البحث العلمي إلى 11 ضعفًا عن المعدلات ‏الحالية‏ وتطوير السياسات المشجعة على تطوير البحث العلمي في كل قطاعات المجتمع. وتعاني مصر وغيرها من الدول العربية من أثار هذه الظاهرة حيث يقدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصريين المتميزين من العقول والكفاءات التي هاجرت للخارج بـ 824 ألفًا وفقًا لآخر إحصاء صدر في عام 2003 من بينهم نحو 2500 عالم.

وتذكر الدراسة أن مصر تعد الخاسر الأكبر من هجرة الكفاءات في الكم المطلق ففي أمريكا حوالي 318 ألف كفاءة مصرية، كندا 110 ألف، استراليا 70 ألف و35 ألف في بريطانيا، 36 ألف في فرنسا، 25 ألف بألمانيا، 14 ألف في سويسرا، 40 ألف في هولندا، 14 ألف في النمسا، 90 ألف في إيطاليا، 12 ألف بأسبانيا وفي اليونان 60 ألف وتحظى الولايات المتحدة بالنصيب الأكبر من الكفاءة والعقول العربية بنسبة 39% تليها كندا 13.3% ثم أسبانيا بنسبة 1.5% وتتضمن هذه الأرقام العديد من الفئات في مهن وتخصصات مختلفة وتتجلى الخطورة في أن عددًا من هؤلاء يعملون في أهم التخصصات الحرجة والاستراتيجية مثل الجراحات الدقيقة، الطب النووي والعلاج بالإشعاع والهندسة الإلكترونية والميكرو الكترونية، والهندسة النووية، علوم الليزر، تكنولوجيا الأنسجة والفيزياء النووية وعلوم الفضاء والميكروبيولوجيا والهندسة الوراثة مضيفًا أنه حتى في العلوم الإنسانية كاقتصاديات السوق والعلاقات الدولية، هناك علماء متخصصون.

وزادت الثورات العربية في حجم كارثة "استنزاف العقول" فقد أصبح العالم العربي مجموعة من بؤر التوتر، فتزايد عدد اللاجئين الذي أصبح يحصى بالملايين، حيث أظهر تقرير للجامعة العربية ارتفاع نسبة المتعلمين من بين المهاجرين من الدول العربية، وارتفاع نسبة تسرب الأدمغة والأشخاص المتخصصين بمجالات معينة، وأن الكثيرين من المهاجرين العرب هم أطباء يبحثون عن دولة يتم فيها تأمين مكان عمل لهم وللأسف فإن ما تعيشه المنطقة من هزّات وحروب لا يوحي بانفراج قريب، لتظل أدمغتنا رحّالة تبحث عن أحضان غربية ترتمي فيها. فالأوضاع في العالم العربي لا تحفّز إلا على البراغماتية.

وطبقًا لإحصاءات جامعة الدول العربية، ومنظمة العمل العربية، ومنظمة اليونسكو، وبعض المنظمات العربية والدولية المهتمة بهذه الظاهرة، وكما يأتي:

1 - يهاجر حوالي 100.000 مائة ألف من أرباب المهن وعلى رأسهم، العلماء والمهندسين والأطباء والخبراء كل عام من ثمانية أقطار عربية هي لبنان، سوريا، العراق، الأردن، مصر، تونس، المغرب والجزائر. كما إن 70% من العلماء الذين يسافرون للدول الرأسمالية للتخصص لا يعودون إلى بلدانهم.

2 - منذ عام 1977 وحتى الآن هاجر أكثر من 75.000 عالم عربي للولايات المتحدة الأمريكية.

ويشكل 3-50 % من الأطباء، و23% من المهندسين، و%15 من العلماء من مجموع الكفاءات العربية يهاجرون إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا.

وقد منيت البلدان العربية بخسائر تقدر بحوالي 12 مليار دولار في السبعينيات جراء هجرة العقول العربية. فتتجه العقول العربية إلى الولايات المتحدة وأوروبا في المرتبة الأولى وتأتي كندا وأستراليا ونيوزيلاندا في المرتبة الثانية، فيتواجد 50% من الأطباء و20% من المهندسين و12% من العلماء في أوروبا والولايات المتحدة وكندا، و 55% من الطلاب العرب يدرسون في الخارج ولا يعودون أبدًا إلى بلادهم، وتعد مصر ولبنان والمغرب والعراق وسوريا وتونس من أكثر الدول العربية فقداً للكفاءات وتشكل 75% من نسبة العقول المهاجرة في العالم العربي.

ومع التطورات العالمية الحالية يتراجع حجم الموارد المادية المتاحة أمام المعرفة البشرية حيث فرضت علينا الحقبة الراهنة بعض المصطلحات، وأصبحت المعرفة ونتاج العقل البشري هما العنصرين الرئيسيين لإعطاء أي مجتمع فرصة دخول القرن الحالي بقوة.

وفى الوقت الذي يعد فيه البحث العلمي أحد أدوات ومفاتيح هذا القرن -عصر العولمة وثورة المعلومات – فإن أعدادًا كبيرة من المهنيين يهاجرون بعد حصولهم على دراسات عليا في أوطانهم ومن ثم فأنهم يشكلون بصورة جزئية فائض نظام التعليم في بلدهم.

وبسبب وجود هوة بين أنظمة ومناهج التعليم والتدريب واحتياجات سوق العمل في المجتمع المحلي فقد أسفر عدم التوازن هذا عن ناتج زائد، فتعين على الأفراد أن يسعوا للعمل خارج بلادهم أو تدفعهم الظروف الحياتية إلى الهجرة. ومن أشكال هجرة الكفاءات وأهمها أولئك الذين سافروا إلى الخارج لطلب العلم فبقوا في المهجر.

إن هجرة العقول أضعفت المؤسسات العلمية والأكاديمية ومراكز البحث العلمي، وأصبحت الجامعات العربية تعاني خللاً في ندرة التخصصات العلمية، وتدهورًا في البحث العلمي، حيث معدل الإنفاق العربي على البحث العلمي لا يزيد على 0.002 بالمئة سنويًّا من الدخل القومي، يقابله تخلف وعجز تنموي وإخفاق علمي وتكنولوجي ومشكلات معيشية، وضعف مستوى الأجور والرواتب التي يتقاضاها الباحثون والعلماء. ولهذا السبب أدارت أعمدة الفكر والثقافة في الوطن العربي ظهرها للدولة والمجتمع، إما عن طريق البحث عن «فضائل العزلة» أوعن طريق البحث عن «فضائل الغربة»، في ظل غياب الرموز الحضارية والفكرية عن عقل صانع للقرار السياسي.

وتكلف هجرة العقول العربية الوطن العربي ما يقارب 2 مليار دولار سنويًّا. ويؤكد تقرير مركز دراسات الدول النامية بجامعة القاهرة أن الاستبداد السياسي ونظم التعليم الفاشلة وراء هجرة العقول، وأن عدد الكفاءات المصرية المهاجرة للخارج بلغ 824 ألفًا حتى عام 2003، ويكشف هذا الرقم الخطير المأساة التي تواجهها مصر والكارثة المحدقة بتطورها نتيجة هجرة عقولها المتميزة للخارج، حيث أن عددها الكبير يعمل في أهم التخصصات الحيوية والاستراتيجية.

أسباب هجرة العقول العربية:

إن جميع الدراسات التي تناولت موضوع هجرة العقول في الوطن العربي تجمع على أن هذه الهجرة هي نتيجة لتشابك جملة من الأسباب والعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والشخصية وذلك جاء نتاج عدة أمور منها:

1ـ أن الدول النامية لا تميز في كثير من الأحيان بين المتميز وغيره حيث توجد الأنظمة الجامدة التي تعامل الجميع بنفس المقياس ولا تعطي للمتميز ما يشجعه على مزيد من البذل والعطاء ناهيك عن أن مجال العمل والبحث والتطوير محدود أمامه مما يجعله بين خيارين إما الاستكانة والقبول بالأمر الواقع، وهذا الأسلوب راح ضحيته ألف من العلماء المتميزين ويذهب ضحيته أعداد هائلة في وقتنا الحاضر، والخيار الثاني هو قبول العروض المغرية التي تقدمها المراكز العلمية في الغرب لكل متميز مبدع والتي تتمثل بالمال والجاه وكثيراً من المميزات التي لا يحلم بها في وطنه الأم.

2ـ من أهم أسباب الإحباط هو أن يكون الأقل كفاءة هو المسؤول عن تسيير دفة العمل والتخطيط في المراكز العلمية مثل الجامعات ومراكز الأبحاث وغيرها، فمثل هؤلاء تجد أن لديهم مركب نقص ويعرفون في دواخل أنفسهم مستواهم لذلك يعدون كل متميز عدوًا لهم لأن وجوده يظهر نقصهم أمام الآخرين فليلجأون إلى كل وسائل الإحباط الممكنة للتخلص منه.

3ـ بعض من ملكة العقل المتميز يدفعه إلى الهجرة طموح علمي لا يحققه الموقع الذي يتواجد فيه حتى وإن احترم وقدم على غيره لذلك تجده يذهب إلى حيث يجد ضالته وهي إشباع روح البحث والتطوير أو المشاركة الفاعلة في الرأي والخبرة أو الحصول على الدعم المادي والمعنوي وإلى حيث يستجاب لطلباته مهما كلفت ما دامت سوف تؤدي إلى نتيجة تفيد الممول وتحفظ حق العالم والمؤسسة العلمية.

4ـ بعض منهم يكون قد ذهب لتلقي العلم هناك كطالب وبعد تخرجه بتميز يجد فرص العمل متاحة أمامه بل يُخطب وده لكي يلتحق به فيقرر بعضهم أنه سوف يبقى هناك لمدة معينة ويعود إلى وطنه لكن في الغالب يطول به المقام خصوصًا إذا حافظ على تميزه مما يجعله يتدرج في سلم المجد العلمي فيصعب عليه التفريط بما حققه من إنجاز ناهيك عن عدم وجود ما يعول عليه في العودة إلى الوطن من الناحية العلمية والمادية.

5ـ بعض منهم يضع اللوم على الأوضاع السياسية أو الاقتصادية في بلده لذلك نجد أن أكثر العلماء المهاجرين ينتمون إلى دول غير مستقرة سياسيًّا أو إلى دول فقيرة جدًّا ناهيك عن وجود نزعات عرقية أو طائفية أو مذهبية بالإضافة إلى أن بعضهم لا يتوافق أيديولوجيًّا مع النظام القائم في بلده مما يدفعه إلى البحث عن مخرج وكل هذا طبيعي فالاستقرار السياسي والوضع الاقتصادي الجيد من أبرز مقومات التنمية بما في ذلك المحافظة على العقول المتميزة في مختلف التخصصات العلمية والأدبية وغيرها.

وعلى أية حال فإننا إذا تركنا الحديث عن الأسباب العامة التي أدت إلى الهجرة وأردنا أن نتحدث عن الواقع القائم اليوم نجد أن العالم العربي مازال في طور النمو وما زالت المحسوبية عنصرًا قاتلاً لكثير من الطموح ناهيك عن عدم الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة وعدم إقدام الدول العربية على منهجية اقتصادية جماعية تجعل منها محورًا اقتصاديًّا فاعلاً وبالتالي ينعكس على أوضاعها الاقتصادية ليس هذا فحسب بل إن أعداد المتعلمين الذين تدفع بهم الجامعات والمعاهد المتخصصة في ازدياد مستمر مع عدم توفر فرص العمل المناسب مما يجعل كثيرًا من المتميزين العرب عرضة لمغريات الهجرة إلى دول الغرب أو الشرق حيث تتوفر فرص العمل وإرضاء الطموح.

ومن الأسباب المستجدة التي تدفع إلى مزيد من الهجرة عدم القبول في الجامعات مما يدفع بالبعض إلى السفر للخارج للدراسة على حسابه الخاص وهناك ربما يحصل على مغريات للبقاء إن هو تميز. وربما استثني من ذلك دول الخليج بصورة عامة والمملكة العربية السعودية بصورة خاصة ذلك أن المملكة تتميز بالاستقرار السياسي والوضع الاقتصادي المتين بالإضافة إلى أن من يذهب إلى الغرب للدراسة والتعليم يذهب في الغالب على بعثات حكومية، ولذلك لا توجد هجرة للعقول السعودية وإن وجدت فهي لا تذكر لقلتها.

وفي الآونة الأخيرة قام العلماء العرب في الغرب بإنشاء شبكة للعلماء العرب في المهجر تسمى "شبكة العلماء والتكنولوجيين العرب في الخارج" والتي تعرف اختصاراً باسم الاستا (ALSTA) وقد انبثقت الشبكة نتيجة للمؤتمر الأول للعلماء والتكنولوجيين العرب في الخارج الذي عقد في عمان عام 1992 وهذه تهدف إلى التعريف والكشف عن مواقع الكفاءات في الدول الغربية ورصد اسهاماتها في مسيرة التقدم العلمي الحديث وذلك كخطوة أولى لإعداد دليل متكامل عنهم لكي توضع مثل تلك الحقائق في متناول أصحاب القرار السياسي والأكاديمي والصناعي والاقتصادي في العالم العربي ناهيك عن تعريف العامة والخاصة بوجود مثل تلك العقول واسهاماتها المتميزة.

وعلى العموم فإنه لا يمكن رصد جميع الكفاءات العربية بالمهجر ذلك أن تلك الكفاءات تتراوح ما بين الفني والاخصائي والتاجر إلى العلماء من حملة الشهادات العليا وغيرهم بالتالي فإن المتميزين من أساتذة الجامعات وحملة الدكتوراه يمكن التوصل إليهم لأنهم يشغلون مراكز مرموقة في كل من الجامعات ومراكز الأبحاث والوكالات المتخصصة ناهيك عن كونهم من أبرز العاملين في مجال البحث والتطوير على المستوى العالمي. والإحصائيات الأولية تشير إلى وجود (284) أستاذًا جامعيًّا في مجال العلوم الهندسية والتطبيقية و(179) أستاذًا في مجال العلوم الحياتية والزراعية و(152) أستاذًا في مجال الصحة و(225) أستاذًا في العلوم التطبيقية والرياضيات و(136) أستاذًا في مجال العلوم الإدارية وبالطبع فإن تلك الإحصائيات ربما لا تكون دقيقة بما فيه الكفاية إلا أن المعلومات المتوفرة تشير إلى أن نسبة العقول العربية المشاركة في التقدم العلمي والتربوي والتكنولوجي في الدول المتقدمة تصل إلى 2% من مجموع المتميزين فيها. وفي إحصائية حديثة وجد إن عدد المتخصصين المصريين من أساتذة الجامعات المهاجرين إلى الدول الغربية يربو على (650) متخصصًا وجميعهم في العلوم التطبيقية والتكنولوجية تقريبًا.

 

المصادر:

1 - موسوعة المورد، منير البعلبكي، 1991

2 – طارق العمراني، 8 سبتمبر 2016 .

 https://ommahpost.com/brain-drain-will-it-stop/

3 - د. ياس خضير البياتي، صحيفة العرب، 2013/12/07، العدد: 9402، ص (8).

4 - حمد بن عبدالله اللحيدان، صحيفة الرياض.

5 - إبراهيم قويدر، فقدان المواهب لصالح بلدان أخرى "هجرة العقول العربية "، مجلة ليبيا اليوم الإلكترونية، عدد 23 يوليو 2007.

6 - المعهد الإنمائي للأمم المتحدة "تقرير التنمية البشرية، 7007م".


عدد القراء: 10241

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-