استراتيجية الحد من المخاطر والكوارث المحدثةالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2020-10-01 16:37:23

أ.د. عبد الله بن محمد الشعلان

قسم الهندسة الكهربائية - كلية الهندسة - جامعة الملك سعود - الرياض

أضحت المخاطر والكوارث الطبيعية والإنسانية التي يتعرض لها الإنسان والبيئة وكافة الكائنات الحية كثيرة ومتعددة. والمخاطر والكوارث التي تترى على حياة الإنسان والبيئة التي يعيش في كنفها هي تلك الظروف أو العوامل التي تعمل على تدمير الاقتصاد أو تسبب الوفاة (الموت) للإنسان والعناصر الحياتية الأخرى. ومن بين الظروف والعوامل هي تلك التي تكون خارجة عن إرادة أو تحكم الإنسان هي مثل الظواهر الجوية المتقلبة والفيضانات والزلازل والبراكين والجفاف والأعاصير والحرائق والجوائح. أما تلك التي يكون الإنسان عادة مسئولاً عنها وفي نطاق تحكمه فتنحصر مثلاً في تلوث المياه وتلوث الجو، كذلك التخلص غير السليم والصحي من النفايات والمخلفات السامة، كذلك المخاطر المرتبطة بفشل في الأجزاء المصنعة من أجل الحياة في البيئة مثل انهيار المباني وتداعي الجسور، كذلك التخلص غير السليم والمنظَّم لمواد خطرة مثل المواد المشعة من محطات التوليد النووية أو انبعاث الغازات الكيماوية من المصانع أو الحاويات المنقولة سواء من السيارات أو القطارات أو البواخر أو الطائرات نتيجة التصادم أو الانقلاب أو الانفجار أو الحريق.

لذا أضحت قضية الكوارث والمخاطر التي يتعرض لها الإنسان والبيئة وكافة الكائنات الحية كثيرة ومتعددة، ويمكن أن نذكر منها أبرزها على سبيل المثال كما يلي:

1) الأشعة المنبعثة من المجالات الكهرومغناطيسية التي تتشكل قرب المنشآت والمعدات ذات القدرات الكهربائية الكبيرة (المحطات الفرعية والمحولات وخطوط النقل الهوائية) والتي أضحت من القضايا الملحة التي تشكل جدلاً واسعًا بين الباحثين والمهتمين والأطباء، وظلت الأبحاث التي أجريت في هذا الشأن غير قادرة للوصول إلى نتائج واضحة وقرارات حاسمة تمحو اللبس وتزيل الغموض الذي ظل يكتنف هذا الموضوع ويخيم عليه طوال فترة طويلة حتى يومنا هذا. الأمر الذي بات أمرًا ملحًّا يحتاج إلى دراسات مستفيضة ونتائج حاسمة.

2) النفايات (من مخلفات عضوية وغازية وكيماوية وصناعية وإلكترونية وبترولية وطبية، إلخ) التي يتم التخلص منها أحيانًا بشكل عشوائي قد لا يخضع لطرق فنية ومعايير صحية متبناة.

3) الاهتمام بأساليب وأنظمة الصرف الصحي مما يجعل بعضًا من مخزون حاويات الصرف (أو ما يعرف بالبيارات) حري بأن يختلط بالمياه الجوفية التي نعتمد عليها في الشرب والتغذية والاستخدامات الصحية الأخرى.

4) لا بد أن السيارات والمصانع ومحطات الكهرباء تسهم بنصيب لا يستهان به في تلوث الهواء بما تنفثه عوادمها في الفضاء من أبخرة دخانية وملوثات كيماوية وغازات كربونية مما يحتم الوصول لحلول ناجعة تحد من المخاطر في هذا السبيل.

5) أضحت صناعة الزيت ذاتها تسبب آثارًا سيئة على البيئة منذ البدء في البحث والتنقيب والتكرير ثم الشحن والاستخدام. فعند البحث عن مكامن الزيت سواء على الأرض أو في أعماق البحار يجب التحكم في الآبار التي يجري التنقيب عنها ومعرفتها جيدًا خشية افتقادها فتكون مصدرًا لتسرب الزيت الذي سيضر قطعًا بالحياة البرية أو البحرية. إن تسرب كميات من الزيت يكون سببًا في نفاق وإبادة الطيور وتلوث السواحل مما ينجم عنه ضرر (بيولوجي) مدمر على الحياة البحرية والمركبات العضوية قرب الشواطئ مثل القواقع والأسماك. إن تأثر تسرب الزيت في عمق البحر له أيضًا ضرره الفادح على الحياة البحرية والثروة السمكية. كما أن ثمة أخطار وأضرار قد تنجم من تسرب الزيت أثناء إنتاجه وتجميعه قبل البدء بعملية شحنه إلى المصافي ومعامل التكرير، فعند تلك المصافي والمعامل هناك احتمال لانبعاث غازات الهيدروكربون وأكسيدات الكبريت والذي ينجم عنه أكسدة المياه ويسبب تبعًا لذلك مشاكل في التنفس للإنسان، كذلك غاز كبريت الهيدروجين السام جدًا وذو الرائحة الكريهة، كذلك غاز ثاني أكسيد الكربون الخانق. ومن المعروف أن الزيت يشحن بواسطة البواخر ذات الصهاريج الضخمة أو بواسطة الأنابيب بكيمات كبيرة؛ وهاتان الوسيلتان ليستا معصومتين من تلويث البيئة، ولقد حدث الكثير من حوادث غرق البواخر واصطدامها وعطبها والذي نجم عنه تلوث واسع وصل أثره إلى الشواطئ والسواحل. وقد يعتبر ضخ الزيت في الأنابيب أخف ضررًا على البيئة وذلك لتوفر وسائل التحكم والهيمنة عليه بشكل أكبر.

إن تأثر البيئة بالغاز الطبيعي يعتبر إلى حد كبير أقل ضررًا من آثار الزيت، فمثلا انطلاق الغاز الطبيعي (الميثان) في البيئة قد يكون له تأثير بسيط على البيئة بشرط ألا يكون هناك حريق أو انفجار مصاحب له، فغاز الميثان معروف بأنه سرعان ما يتبخر ويتلاشى بسرعة في طبقات الجو مخلفًا ضررًا لا يذكر على البيئة. 

6) أحد التغيرات الهامة جدًا في الوقت الحاضر هو تزايد غاز ثاني أكسيد الكربون في طبقات الجو. وبلا شك فإن تواجد هذا الغاز في الجو مصدره احتراق الوقود الأحفوري، وكذلك القضاء على المساحات الخضراء وإساءة استخدام عناصر التربة. وهناك أيضًا غازات أخرى لها نفس الخصائص تضاف تباعًا إلى الجو المحيط، ويسفر هذا التكون بلا شك إلى تغير في أحوال الطقس والمناخ وبشكل أكثر نحو درجة حرارة أعلا، وهذا بلا شك يؤثر في حياة الإنسان المعيشية والاقتصادية. ويتم قياس نسب غاز ثاني أكسيد الكربون إلى حجم الغازات الأخرى في الجو وتعتبر هذه النسب مختلفة قرب الأرض وذلك بسبب فعل النباتات الخضراء واستهلاك الوقود. وتدل البيانات والمتابعات التي تمت في هذا المجال أن نسبة هذا الغاز تتزايد بنسبة 4% في كل عقد من الزمان. وحيث إن كمية الغاز ثابتة في الكون فإن تلك الزيادات جاءت من مصادر أخرى مثل حرق الوقود المتمثل في الفحم والزيت والغاز والمحركات معدات التكييف والمخلفات الحيوانية وكذلك القضاء على الغابات والأشجار والمسطحات الخضراء.

 

7) إن معايير تلوث الهواء لم تكن معروفة إلا منذ فترات زمنية بسيطة، وفي عصرنا الحديث أصبحت هذه المعايير تحظى باهتمام ورعاية معظم دول العالم وأضحت تلقى الكثير من العناية والاهتمام من قبل الكثير من المنظمات الدولية والمؤتمرات والندوات التي تعقد لهذا الغرض. وإذا كانت مسببات التلوث للهواء الجوي غير محددة لكننا نعتبر أن السيارات وحدها تسهم بنصيب لا يستهان به في تلوث البيئة والهواء بما تنفثه عوادمها كل يوم من أبخرة دخانية وملوثات كيميائية وغازات كربونية.

8) إن الظاهرة التي تعرف بالاحتباس الحراري (greenhouse) تؤثر بلا شك على درجة حرارة الجو وعلى سطح الأرض، إذ يقوم غاز ثاني أكسيد الكربون ببعث وامتصاص الأشعة عند موجات ذات أطوال محددة كما هو الحال بالنسبة للأرض والجو، فإذا زاد تركيزه فإن الجو يبذل مقاومة متزايدة أمام الإشعاع المنطلق نحو الفضاء. وحيث إن الإشعاع الشمسي القادم من الشمس لا يتأثر بالتغير في تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون فإن درجات حرارة السطح سترتفع نتيجة للمقاومة المتزايدة للتدفق العائد من الفضاء، كذلك فإن تزايد نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون ستساعد في ارتفاع درجة الحرارة، ولقد قدر العلماء أن نسبة تزايد هذه النسبة في عام 2030 قد تصل إلى 100%، لذا فإن عدم اتخاذ اجراءات للحد من تزايد هذا الغاز فإن درجة الحرارة ستزداد درجة واحدة في عام 2030 مقارنة بعام 2010 وثلاث درجات عند نهاية القرن الحادي والعشرين.

9) وجود غاز الأوزون في طبقات الجو العليا ضروري لحياتنا ورفاهيتنا على سطح الأرض فهو يقوم بامتصاص كمية كبيرة من الأشعة فوق البنفسجية القاتلة القادمة من الشمس مما يجعل الحياة ممكنة على سطح الأرض. وتكون كمية الأوزون أكبر ما يمكن عندما تكون البقع الشمسية أعظم ما يمكن. إن سبب استنزاف وتآكل طبقة الأوزون يعزى إلى الأشعة الكونية والتفاعلات الضوء كيميائية لمركبات الكلوروفورم والملوثات الكيميائية ومركبات الفريون وأكاسيد النيتروجين.

إن استمرار تآكل طبقة الأوزون يمثل مشكلة عالمية لا يستهان بها؛ ويمكن أن تتظافر الجهود على مستوى دولي للتصدي لها بالتعاون على تقليص التلوث، ويعتبر الغلاف الجوي أفضل منفذ للتخلص من التلوث المتصاعد من الأرض ولكن هذا لا يضمن تحلل واضمحلال بعض مكونات التلوث التي ستنتشر في الغلاف الجوي ومن ثم يتولد عنها عدم اتزان كيميائي لا يكون بمقدورنا أن نتنبأ به ولكن علينا الآن أن نتصدى له.

10) تمثل بعض الأجهزة والمعدات الكهربائية والإلكترونية بعد الاستخدام وانقضاء عمرها التشغيلي والرغبة في التخلص منها أهم مصادر الأخطار المؤثرة على البيئة وبخاصة ما يتصل بصحة الإنسان والكائنات الحية الأخرى نظرًا لاحتواء الكثير منها على مواد خطرة ومشعة وذات علاقة بأمراض خبيثة وخطيرة. إن جمع تلك الأجهزة إما لإعادة تدويرها (إعادة تصنيعها مرة أخرى) أو التخلص منها كأسلوب متبع ومنظم لدى الكثير من دول العالم منها على سبيل المثال لا الحصر السويد والدنمرك وألمانيا وهولندا وأستراليا واليابان. ويشكل التخلص من تلك الأجهزة والمعدات الكهربائية وبخاصة ما يحتوي منها على مواد خطرة أو سُمَّيَّة مثل الثلاجات في عوازلها والمكيفات في غازاتها والتلفزيونات في موادها المشعة والمصابيح الموفرة في طلاءاتها أهم هاجس للدول المصنعة لتلك الأجهزة أو المستهلكة لها؛ كما أن الحكومات والهيئات التشريعية في تلك الدول سعت إلى تشجيع عملية تدوير تصنيعها وليس للتخلص منها فحسب.

11) إن الغازات والأدخنة والأبخرة المنبعثة من عوادم المصانع ومحطات الكهرباء تسبب بلا شك أضرارًا للبيئة قد تؤدي إلى تدهورها وتلفها والقضاء على عناصرها ومعالمها وجمالياتها، فعند التخطيط لإنشاء مصانع ومحطات كهربائية هناك جملة اعتبارات يجب أن تؤخذ في الحسبان؛ فالطاقة الكهربائية مهمة في حياة الإنسان في هذا العصر لتيسير حياته من إنارة وتسخين وتبريد وتشغيل أجهزة وآلات ..إلخ، ونظرًا لتعدد أنواع المولدات وأحجامها وكفاءاتها وطرق تشغيلها واختلاف وقودها فإن اختيار النوع المناسب الذي يفي بكل الاحتياجات والأغراض قد لا يبدو سهلاً مضمون الجوانب والنتائج لأن هناك عدة عوامل تتصل بحياة الإنسان وبيئته التي يعيش في وسطها إذ يجب أن تكون خلوًا من الضجيج والتلوث والمخاطر الصحية، وفي الدول الصناعية - حيث إن للبيئة اعتبارًا كبيرًا - هناك ضوابط ومعايير وتشريعات عند بناء المحطات الكهربائية والتحكم في المولدات من حيث تأثيرها على البيئة والصحة وتلوث الهواء ومظاهر الطبيعة الجمالية التي يجب إبقاءها الحفاظ عليها.

12) إن تقويم مدى آثار هذه المحطات على البيئة وانعكاساتها على صحة الإنسان والكائنات الحياتية الأخرى لأمر حيوي للوصول إلى قرار سليم نحو اختيار أنسب المواقع للمصانع والمحطات الكهربائية ووقودها ومواقع بنائها، وبالنسبة للمحطة فإن كانت تعمل بالديزل أو الغاز الطبيعي كوقود فإن أول ما يخطر في البال هو تلك الغازات المنبعثة كأكسيد الكبريت والكربون والنيتروجين والذرات الدقيقة التي تتطاير في الجو فيتشبع بها أو تتناثر منه، كذلك الحرارة المشعة ومخلفات الوقود وهذه بجملتها تشكل مخاطر جمة على البيئة وبالتالي على صحة السكان وسلامتهم.

13) توقع ودراسة وتقييم حالات الأوبئة والبكتيريا والفيروسات وأعراضها المرتبطة بالصحة العامة سواءً ما كان منها ذو منشأ داخلي أو إقليمي أو وباءٍ متفشٍ معدٍ عالمي يوصف عندئذٍ بالجائحة، وهذه الأوبئة والفيروسات نذكر منها على سبيل المثال وباء الإيدز الذي ظهر في أمريكا عام 1981، وهو حالة مرضية يسببها فيروس يطلق عليه فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة الذي يصيب خلايا الدم البيضاء المسؤولة عن الجهاز المناعي، ثم ظهر وباء عرف بإنفلونزا الطيور على شكل حمى نزيفية سببها فيروس أيبولا وانتشر في جمهورية الكونغو، وجنوب السودان وأسقط آلاف الضحايا، ثم انحسر تأثيره لسنوات طويلة ليستيقظ بعد ذلك في عام 2014، وينشر كثيرًا من الرعب والهلع في القارة الأفريقية لكنه عاد مرة أخرى للخمول ثم الانحسار. والآن وبالتحديد في أواخر عام 2019 ظهر وباء جديد في الصين لينتشر منها إلى العالم كله ويتحول إلى جائحة تحدث رعبًا عالميًا أوقف كافة الأنشطة الحياتية المتعلقة بالصناعة والاقتصاد والتعليم والإنتاج والسفر والسياحة، كما هو الآن مشاهد في حالة العالم وهو يمر بهذه الجائحة المعروفة بفيروس «كورونا المستجد» أو الفيروس التاجي لوجود خُطّافات على سطحه تعطيه شكل التاج وتعمل على تشبثها في خلايا الحويصلات الهوائية للرئة حيث سرعان ما ترسو ملايين التيجان على سطح تلك الخلايا لتفرغ مادتها الوراثية داخلها لتتكاثر وتكوِّن ملايين الخلايا من النسخ الفيروسية. وحيث إن هذا الفيروس مستجد ولا يعرف له لقاح أو علاج فقد طفق يحصد مئات الآلاف من الضحايا الأمر الذي جعل المنظمات الصحية في العالم بأسره تهب عن بكرة أبيها للبحث عن العقار الذي يمكن أن يكبح جماحه ويوقف اندفاعه وانتشاره.


عدد القراء: 3128

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-