الكفاءة الاجتماعية: قراءة للمستقبل Social competence: Reading of the futureالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2021-05-28 11:27:19

أ. د. عبد الرحمن بن سليمان النملة

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

لكي تكون عضوًا اجتماعيًا ناجحًا في المجتمع البشري، هناك العديد من الأشياء التي يجب أن تعرفها وتكون قادرًا على القيام بها، الأشياء البسيطة مثل تحية شخص ما بطريقة مناسبة، والتي قد يعتبرها الكبار أمرًا مفروغًا منه، ولكن الأطفال الصغار الجدد في هذا المجتمع، يحتاجون إلى فهم واكتساب تلك الكفاءات الاجتماعية. وقد حظيت الكفاءة الاجتماعية باهتمام كبير من الباحثين في العقدين الماضيين نظرًا لأهميتها على المستويين الشخصي والاجتماعي، ولما تمثله من عنصر أساس في النمو الاجتماعي السليم للفرد، وتنوع علاقاته الاجتماعية مع المحيطين به. ومن الناحية النمائية، فان السلوك الاجتماعي للنشء يرتبط بالتنشئة الاجتماعية، التي من خلالها تتشكل الشخصية، وتكتسب المهارات المعرفية، والوجدانية، والاجتماعية اللازمة للإعداد للمستقبل. وتعتبر الكفاءة الاجتماعية العمود الفقري للحياة الاجتماعية فهي تحدد طبيعة التفاعلات اليومية للفرد مع المحيطين به في شتى مجالات الحياة المختلفة، بهدف التعايش والتفاعل مع المجتمع، كما أن الكفاءة الاجتماعية تعد متطلبًا أساسًا لكي ينجح الإنسان في حياته، وفي علاقاته الاجتماعية.

وتقود الكفاءة الاجتماعية إلى النجاح الاجتماعي، والتكيف السليم، وتدل على التوافق، وتعتبر معيارًا للصحة النفسية للأفراد. ويمكن اعتبار الكفاءة الاجتماعية مظلة لجميع المهارات الاجتماعية التي يحتاجها الفرد لكي ينجح في حياته، وفي علاقاته الاجتماعية، فالفرد ذو الكفاءة الاجتماعية توجد لديه قدرة على اختيار المهارات المناسبة لكل موقف، وهذا ما أشار إليه موشيرود (2004م) Mouchiroud  من أن المهارات الاجتماعية تؤثر تأثيرًا فعالاً في ذكاء الأفراد، وقدراتهم الإبداعية والمثابرة العالية، والرغبة الشديدة في التفوق والثقة العالية. وتُعد العلاقة بين أفراد المجتمع علاقة تبادلية تتسم بالديناميكية والتفاعل، والتبادل المستمر، مما يحدث التفاعل الاجتماعي بجوانبه المختلفة، سواء كانت جوانب ثقافية أو اقتصادية. ذلك أن التبادل والتفاعل بين أفراد المجتمع يلعب دوراً مهماً في إحداث التكامل النفسي والاجتماعي لديهم ويحقق مفهوم الذات ويطور المهارات الاجتماعية مما ينعكس على حياة الأفراد ويؤثر في تكيفهم وسعادتهم ونجاحهم في مراحل حياتهم. فالمهارات الاجتماعية Social Skills ترتبط بأشكال مختلفة من السلوك الاجتماعي خلال التواصل مع الآخرين والتعاطف معهم أو من خلال التعبير عن مشاعرهم. إن معتقدات الفرد عن كفاءته الذاتية تظهر من خلال إدراكه المعرفي والخبرات المكتسبة، التي تسهم في بناء الكفاءة الاجتماعية، وتعزيز الثقة بالنفس لمواجهة ضغوط الحياة. والكفاءة الاجتماعية تعتبر إحدى سمات الشخصية، ومظهر من مظاهر القوة الاجتماعية للفرد، مما يشكل لديه دافعًا داخليًا يولد الرغبة في حفظ الذات وتأكيدها عن طريق التأثير على الآخرين، إضافة إلى الشعور بالحصول على المكاسب والامتيازات.

وتتكون الكفاءة الاجتماعية من مجموعة من المهارات الاجتماعية والعاطفية والمعرفية والسلوكية اللازمة للتكيف الاجتماعي الناجح. وتعكس الكفاءة الاجتماعية أيضًا القدرة على اتخاذ وجهة نظر الآخرين فيما يتعلق بموقف ما، والتعلم من التجارب السابقة، وتطبيق هذا التعلم على التغير في التفاعلات الاجتماعية. وبذلك يمكن اعتبار الكفاءة الاجتماعية الأساس الذي تُبنى عليه التوقعات للتفاعل المستقبلي مع الآخرين، وعلى ضوءه ينمي الأفراد تصوراتهم عن سلوكهم. وبالإضافة إلى المهارات الاجتماعية كمكون أساس للكفاءة الاجتماعية، فإن قدرة الإنسان على التواصل الاجتماعي الجيد Social Communication، والتواصل بين الأشخاص Interpersonal Communication يعتبران ركيزتان أساسيتان للكفاءة الاجتماعية. وترتبط الكفاءة الاجتماعية ارتباطًا مباشرًا بالسلوك الاجتماعي، حيث أن الدوافع الاجتماعية على وجه التحديد، والقدرات الاجتماعية والمهارات والعادات والمعرفة تساهم معًا في تطوير سلوك الشخص، ونتيجة لذلك، تظهر نفسها على أنها كفاءة اجتماعية. 

وبنظرة أوسع للكفاءة الاجتماعية، يمكن وصفها على أنها تنطوي على المعرفة والمهارات الشخصية التي ينميها الأشخاص من أجل التعامل بفعالية مع العديد من الخيارات والتحديات، وفرص الحياة. وتتضمن الكفاءة الاجتماعية أيضًا فهم احتياجات الآخرين ومشاعرهم، والتعبير عن أفكار واحتياجات الفرد نفسه، والتعاون والتفاوض، والتعبير عن المشاعر، وقراءة المواقف الاجتماعية بدقة، وتعديل السلوك لتلبية متطلبات المواقف الاجتماعية المختلفة، والبدء بالصداقات والمحافظة عليها.

وتعتبر الهوية الذاتية الإيجابية Positive self-identity، مكونًا عقليًا- معرفيًا للكفاءة الاجتماعية، ويتضمن الإحساس بالكفاءة، وبالقوة الشخصية، والشعور بقيمة الذات، والاحساس بوضوح الأهداف. وعلى ذلك، فالأفراد الذين يشعرون بالرضا عن أنفسهم في هذه القدرات الخاصة بالهوية الذاتية الايجابية، هم الأكثر نجاحًا وقدرة في بناء العلاقات الشخصية الإيجابية، وتجسير أواصر الود والمحبة مع الآخرين. ونتيجة لقبولهم الاجتماعي ونجاحهم في علاقاتهم الاجتماعية، من المحتمل أن يتم تعزيز إحساسهم الإيجابي بقيمة الذات والكفاءة الاجتماعية. وعلى العكس، يمكن أن يقع الشخص الذي يعاني من تدني تقدير الذات، أي انخفاض الهوية الذاتية الايجابية، في دائرة من مشاعر الفشل والرفض، فكيفية الشعور تجاه النفس، مرتبط بمستوى الكفاءة الاجتماعية، وهكذا.

وكما ذكرنا، تعتبر الكفاءة الاجتماعية عنصرًا أساسًا في النمو الاجتماعي السليم للفرد، لذلك يقع على عاتق الأمهات والآباء، وكذلك المربين، ومن خلال عمليات التربية والتنشئة الاجتماعية للطفل، دور مهم في تسهيل نمو الهوية الذاتية الإيجابية للطفل، وبالتالي العمل على اكسابه المهارات الاجتماعية اللازمة للكفاءة الاجتماعية. كما أن الكفاءة الاجتماعية تعد أحد جوانب الشخصية التي يمكن تنميتها من خلال بيئة التدريب التشاركي، ويتم ذلك بتصميم برامج تدريبية تتضمن أهم المهارات الشخصية والاجتماعية، وكذلك مهارات ضبط الذات، التي يحتاجها الشخص لكي ينجح في حياته العملية والتعليمية، والعمل على دعم مظاهر القوة الاجتماعية لدى الشخص، وتعزيز التفاعلات اليومية مع المحيطين به في مجالات الحياة المختلفة بما يحقق له التوافق النفسي.

إذًا تعتبر الكفاءة الاجتماعية حجر الأساس في النمو الاجتماعي الإيجابي للإنسان، كما أنها احدى المكونات الشخصية ذات البعد الاجتماعي، والتي يمكن من خلالها التنبؤ بمدى نجاح الفرد في حياته المستقبلية.

 

أهم المراجع:

- حجازي، جولتان؛ مهدي، حسن ربحي (2016م). فاعلية استراتيجية في التعلم النشط القائم على التشارك عبر الويب على تحسين الكفاءة الاجتماعية والدافعية للتعلم لدى طلبة كلية التربية بجامعة الأقصى. مجلة جامعة الأقصى، سلسلة العلوم الإنسانية، (20)، 1، 31-66.

- حسن، حسن مصطفى. (2033م). الاضطرابات النفسية في الطفولة والمراهقة، الأسباب- التشخيص- العلاج. دار القاهرة: القاهرة.

- عبد الحافظ، نور محمد (2018م). فعالية برنامج إرشادي لتحسين الكفاءة الاجتماعية لدى عينة من الأطفال زارعي القوقعة، دراسات عربية في التربية وعلم النفس (100)، 265-295.

- كواسه، عزت عبد الله والسيد، خيري حسان (2011م). المناخ الأسري كما يدركه الأبناء وعلاقته بالكفاءة الاجتماعية لدى عينة من طلاب الجامعة. مجلة كلية التربية، جامعة الأزهر، 145، 55 – 85.

- المغازي، إبراهيم (2004م). الكفاءة الاجتماعية وعلاقتها بالتحصيل الدراسي لدى طلاب كلية التربية بجامعة القاهرة. مجلة دراسات نفسية، (4)، 469 – 493.

- النملة، عبد الرحمن سليمان (2016م). العلاقة بين الكفاءة الاجتماعية والدافعية للإنجاز لدى طلاب المرحلة الثانوية المتفوقين دراسيًا في مدينة الرياض. مجلة دراسات العلوم التربوية، المجلد (43)، الملحق (4).

- Chen, X., Chang, L., Liu, H. and He, Y. (2008). Effects of the peer group on the development of social functioning and academic achievement: A longitudinal study in Chinese children. Child Development, 79 (2), 235 - 251 .

- Mouchiroud, C. (2004). Giftedness and social development potential high intellectual development. Social Psychology Francoise Newspaper Article. 49 (3), 239 - 304.

- Shujja, S., & Malik, F. (2011). Cultural Perspective on Social Competence in Children: Development and Validation of an Indigenous Scale for Children in Pakistan. Journal of Behavioral Sciences, 21(1), 13 - 32.

 


عدد القراء: 6346

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

التعليقات 2

  • بواسطة د.محمد العبدالكريم من المملكة العربية السعودية
    بتاريخ 2021-06-09 17:05:00

    شكرًا لكم سعادة الدكتور عبدالرحمن النملة، على كفاءة هذه الإضاءة العلمية الاجتماعية، وهذا العمق الإيجابي لما يجب أن تكون عليه التفاعلات الإنسانية الصحية، في سياق مساحات العلاقات والمخالطات الحياتية الناجحة. نعم إن الكفاءة الاجتماعية تتطلب توازنًا وجدانيًا يُغذي القدرة على التكيف العاقل، ومرونة تفكير مُتعافية من الأحكام الاستباقية الاستنتاجية والأنانية، وتحتاج نمطًا متفوقًا من الثقة بالذات وليس تمحورًا حولها، ولا انغماسًا في مُرادها وإقصاءً لحاجات الآخرين، إنه التصالح مع الذات بالتفهُّم وإعمال الإستقامة والإحسان في التعامل، وضوحًا وحياة أخلاق وتفعيل مكارم، وهذا ما تعلمناه من فيض فكر سعادتكم ورفيع تعاملاتكم ،،

  • بواسطة S_ALZAHRANI من المملكة العربية السعودية
    بتاريخ 2021-06-01 12:57:21

    أهلا بك وبمقامك الكريم يادكتور.. أهلا تستهل به سعادتي فيما أقرأ؛ فكونك ركيزة أساسية بالعلم والمعرف،والمنهل الذي لا يتجزأ من منظومة الأبحاث العلمية.. تساورني فكرة في أن النشء يتقمص دوره المرعب في عبقرية الرقم قبل الحرف، رغم أن الحرف ساكن فيه منذ فلق مولده. ففي الغالب و ما يؤول عليه الحال تكمن كفاءة الطفل الاجتماعية، من خلال تواصله الذي لا يكاد ينقطع عبر أبواب التكنولوجيا المختلفة أي نعم للأسرة دور في وضع الأساس فيها وهم وبلا شك لهم الدور الأمثل في زرع القيم والمبادئ التي تحثهم على قطف ثمار التواصل الحياتي. ولكن انغماسهم في وسائل التواصل الاجتماعي كان ولا يزال خط سير مهم بالنسبة لهم. وفي منظوري الذي يترتب بأيقونة الدراسة من بحثك، أرى أن الطفل يحظى بوافر الكفاءة الاجتماعية وهنا يأتي دورنا في العمل بواجب التقنين والتمحيص، لأن ليس كل ما يسكب في أوردة عقولهم،هو الأصح إنما تشوبه بعضًا من الأفكار المغلوطة.

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-