جوزيه ساراماغو .. المكنيكي الفائز بجائزة نوبل للآدابالباب: وجوه

نشر بتاريخ: 2021-09-30 15:38:46

فكر - المحرر الثقافي

جوزيه دي سوزا ساراماغو  José Saramago  (16 نوفمبر 1922 - 18 يونيو 2010) روائي برتغالي حائز على جائزة نوبل للأدب وكاتب أدبي ومسرحي وصحفي. مؤلفاته التي يمكن اعتبار بعضها أمثولات، تستعرض عادة أحداثًا تاريخية من وجهة نظر مختلفة تركز على العنصر الإنساني.

يعد ساراماغو كاتبًا من الكتاب الانضباطيين، فهو يستعيد صورة الكاتب الملتزم بقضايا الإنسان في العالم، وتمثل الكتابة له طريقًا لكسب حب الآخرين، وإن كان البعض يعتبره كائنًا متشائمًا رغم إعلانه دائمًا أنه سعيد ومتفائل.

ويتبنى ساراماغو نهج مدرسة "الواقعية السحرية"، وهي المدرسة التي تجمع بين عنصري الواقع والفانتازيا/الخيال، وترتبط بثلاثة اتجاهات: أولها الارتباط مع السحري والعجائبي، وثانيها هو الارتباط مع السريالية، والسريالية تعني التعبير عن الفكر الصافي بعيدا عن المنطق مع إظهار الحالة اللاشعورية للأفراد، وثالثها هو الارتباط بالأسطورة، فتقوم أفكار روايات ساراماغو على أحداث سياسية أو تاريخية حقيقية وعلى قضايا اجتماعية وفكرية موجودة بالفعل، ولكنه يطرح أفكاره ويناقشها في إطار من الخيال والسريالية التي لا تخفي الدعابة والتهكم في غالب الأحيان.

يصف هارولد بلوم ساراماغو بأنه "أعظم الروائيين الموجودين على قيد الحياة" وأعتبره "جزء هام ومؤثر في تشكيل أساسيات الثقافة الغربية المرجعية الأدبية الغربية"، بينما أشاد جميس وود "باللهجة الفريدة في أعماله حيث أنه يروي رواياته كما لو أنه شخص حكيم وجاهل في الوقت نفسه".

بيعت أكثر من ميلوني نسخة من أعمال ساراماغو في البرتغال وحدها وتمت ترجمة أعماله إلى 25 لغة. وبما أنه كان أحد مؤيدي الشيوعية اللاسلطوية، فإنه كان عرضة للنقد من قِبل بعض المؤسسات مثل الكنيسة الكاثوليكية، الإتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، والتي عارضهم ساراماغو في كثير من القضايا. كان ملحدًا ويرى أن الحب يعتبر وسيلة لتحسين الوضع الإنساني. في عام 1992، أصدرت الحكومة البرتغالية بقيادة رئيس الوزراء أنبيال كافكو سيلفا أمرًا بإزالة رواية الإنجيل يرويه المسيح من القائمة القصيرة لجائزة Aristeion Prize، زاعمين أنها مسيئة دينيًا. بعدما شعر باليأس بسبب هذه الرقابة السياسية على أعماله، عاش ساراماغو في المنفى في الجزيرة الأسبانية لانزاروت (جزر الكناري)، وبقي فيها حتى وفاته عام 2010.

كان ساراماغو أحد الأعضاء المؤسسين للجبهة الوطنية للدفاع عن الثقافة في لشبونة في عام 1992، وأسس بمشاركة أورهان باموك، برلمان الكُتاب الأوروبي (EWP).

أصدر ساراماغو وهو في الخامسة والعشرين روايته "أرض الخطيئة"، لكنه لم يستأنف الكتابة إلا بعد 19 عامًا بديوان شعري، غير أنه لم يُكرّس عالميته إلا في 1982 برواية "بالتزار وبليموندا"، وهي قصة حب تدور في برتغالِ القرن السابع عشر.

صدر له في عام 2018 كتاب "دفتر سنة نوبل" وجاء ذلك بعد استلامه للجائزة بـ 20 عامًا، حيث ترك مخطوطته في يد زوجته بعد وفاته.

النشأة:

ولد ساراماغو عام 1922 لعائلة من الفلاحين الذين لا يمتلكون أرضًا في قرية Azinhaga، البرتغال، وهي قرية صغيرة ضمن مقاطعة Ribatejo Province، والواقعة على بعد مائة كيلومتر شمال لشبونة. على الرغم من كونه تلميذ جيد، إلا أنه انتقل إلى مدرسة مهنية وهو في سن الثانية عشر لعجز أهله عند دفع تكاليف دراسته.

بعد تخرجه، عمل ميكانيكي سيارات لمدة عامين. فيما بعد أصبح مترجمًا، ثم صحفي. وحتى أصبح مساعد رئيس تحرير صحيفة دياريو دي نوتيسياس، وهو المنصب الذي اضطر لتركة بعد ثورة القرنفل. بعد فترة من عمله كمترجم تمكن من إعالة نفسه والتفرغ للكتابة.

تزوج ساراماغو آيلدا ريس في سنة 1944 ورزقا بإبنة وحيدة تُدعى فيولانتي عام 1947. في عام 1986 التقى بالصحافية الإسبانية بيلار ديل ريو ليتزوجا سنة 1988 ويبقيا سوية حتى وفاته في شهر يونيو من عام 2010. أصبحت ديل روي المترجمة الرسمية لكتب ساراماغو للأسبانية.

في حوار نادر مع ساراماغو انطلق ضاحكاً، وعلى وجه التحديد لدى الحديث عن موته. وهو يبدو في هذه اللحظة نحيلاً، وشاحبًا، وقد جلس مستقيم الظهر في مقعده في داره الصغيرة التي تعود إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية في لشبونة. وهو يتذكر نقله على عجل في شتاء العام 2008 إلى إحدى المستشفيات، بعد إصابته بمرض في الجهاز التنفسي: «كان القائمون على المستشفى مترددين في قبولي بها لأنني كنت في حالة بالغة الخطورة، ولم يريدوا أن تحمل مستشفاهم لقب المستشفى التي مات فيها ساراماغو».

هذه الضحكة الطالعة من القلب التي أطلقها ساراماغو ربما كانت نابعة من إحساس ماكر بالتوقعات التي لم تتحقق بقدر ما هي نابعة من الفرح بالشفاء. وهو يوضح في هذا الصدد: «إنني لا أنظر إلى ما حدث على أنه معجزة، فكل ما هنالك أن فرص شفائي كانت محدودة». غير أن هذه الضحكة توحي أيضًا بموقف ساخر من الشهرة المدوية التي لم تواته إلا متأخرة كثيرًا، فقد ظل يعمل ميكانيكيًا للسيارات وعاملاً في الصناعات المعدنية، ولم يكرس نفسه للكتابة إلا في الخمسينيات من عمره، بل أنه لم يحقق انجازه الكبير إلا وهو في الستين من عمره بروايته الرابعة الصادرة في عام 1982 بعنوان «النصب التذكاري» التي تقع أحداثها في لشبونة في القرن الثامن عشر وتدور في أجواء تردد أصداء محاكم التفتيش.

روايته المفقودة

أعلنت مؤسسة جوزيه ساراماغو في شهر أكتوبر من عام 2011 عن نشر مايسمى "الرواية المفقودة"  (Claraboia). وقد كتبت في الخمسينيات وظلت مدفونة في أرشيف أحد الناشرين الذين تم إرسال المخطوطة الأصلية إليه. ساراماغو لم يذكر هذا العمل حتى وفاته. تم ترجمة هذا العمل لعدة لغات.

أسلوبه وموضوعاته

أسلوب ساراماغو التجريبي كان غالبًا مايتميز بالجمل الطويلة، والتي قد تتجاوز في بعض الأحيان الصفحة الكاملة. أستخدم نظام الفترات الزمنية بقلة، وأختار بدلاً من ذلك دفقًا من الفقرات المسترسلة غيرالمقيدة تصل مابينها علامة الفاصلة. الكثير من الفقرات في كتاباته كانت تمتد لصفحات دون أي توقف لإجراء إي حوار، (والتي كان ساراماغو يفضل أن لا يضعها بين علامتي تنصيص)؛ عندما يتغير المتحدث في أحد أعماله، يقوم ساراماغو بكتابة الحرف الاستهلالي بخط كبير إشارةً لبدء فقرةٍ جديدةٍ يكون المتحدث فيها مختلفًا. في أعماله كثيراً ما تتم الإشارة لمؤلفاته الأخرى. في رواية العمى، تخلى ساراماغو عن استخدام الأسماء تمامًا، وبدلاً من ذلك كان يشير لكل شخصية عن طريق ذكر بعض صفاتها الفريدة أو المميزةٍ لها، كمثال على أسلوب ساراماغو الذي كان يركز بشدة على موضوعات الهويةٍ والغايةٍ في كل أعماله.

روايات ساراماغو عادة ما تطرح سيناريوهات مدهشة. في روايته التي ألفها عام 1986 ''الطوف الحجري''، فإن شبه الجزيرة الإيبرية تنفصل عن بقية أوروبا وتُبحر في المحيط الأطلسي. وفي رواية ''العمى'' التي ألفها عام 1995، نجد دولة بكاملها لا نعلم أسمها تُصاب بوباء غامض العمى الأبيض. أما رواية ''سنة موت ريكاردو ريس'' التي ظهرت عام 1984 (فازت بجائزة PEN وجائزة Independent لفئة الروايات الأجنبية)، أبدال أدبية للكاتب والشاعر فرناندو بيسوا تلتقي بالشاعر وتحاوره عامًا كاملاً رغم كون الشاعر نفسه ميتًا. بالإضافة لذلك، فإن روايته ''انقطاعات الموت'' تجري أحداثها في بلد ينقطع الموت فجأة عن كل قاطنيه، لنرى التبعات الروحية والسياسية المترتبة على هذا الأمر، على الرغم من كون الرواية تنتقل من المنظور الكلي أو الإجمالي للمنظور الشخصي.

يطرح ساراماغو موضوعات جادة ويتعاطف مع الوضع الإنساني والعزلة الناتجة من حياة المدن الحديثة. الشخصيات في أعماله تعاني في حاجتها للتواصل مع الآخرين وتكوين العلاقات والترابط كمجتمع واحد، وأيضاً مع حاجتهم للاستقلالية، وإيجاد الغاية والكرامة خارج البنى السياسية والاقتصادية.

بهذا الأسلوب عالج ساراماغو أكثر المواضيع جدية. ركّز دائمًا على الوضع الإنساني والعزلة التي تفرضها الحياة الحضرية الحديثة، وانتقد بشدة ودون مواربة التاريخ البرتغالي والمؤسسة الدينية والمحافظين.

عندما طُلب منه أن يصف طقوسه اليومية في الكتابة في عام 2009، أجاب ساراماغو "أكتب صفحتين. ثم أقرأ وأقرأ وأقرأ."

كان ساراماغو من أنصار الفوضوية الشيوعية، وعضواً في الحزب الشيوعي البرتغالي. وعلى هذا الأساس كان ممثلاً للشبونه في الانتخابات المحلية عام 1989 في قائمة الائتلاف. وأُنتخب لرئاسة المجلس البلدي في لشبونة. كان ساراماغو أيضًا مرشحًا من وحدة التحالف الديمقراطي في كل انتخابات البرلمان الأوروبي من عام 1989 حتى 2009، على الرغم من أن احتمالية انتخابه كانت غير ممكنه في كثير من الأحيان. كان ينتقد الاتحاد الأوروبي (EU) وسياسات صندوق النقد الدولي (IMF). كثير من أعمال ساراماغو تُعرف بكونها تحوي نقدًا سياسيًا بطريقة غامضة، ولكن في المفكرة عبر ساراماغو عن معتقداته السياسية بشكل أوضح. هذا الكتاب الذي كُتب من وجهة نظر ماركسية، عبارة عن مجموعة مقالات من مدونته والتي كُتبت في الفترة الممتدة من سبتمبر 2008 إلى أغسطس 2009. وفقاً لصحيفة الإندبندنت، "يهدف ساراماغو إلى اقتحام شبكة "الأكاذيب المنظمة" التي تحيط بالبشرية، وإقناع القراء من خلال تقديم آرائه في سلسلة لا هوادة فيها وبشكل مُبسط، وتوجيه ضربات قاضية لهذه الأكاذيب." مواقفه السياسية أدت لمقارنته بالكاتب جورج أورويل: "عداء أورويل للإمبراطورية البريطانية يسير بمحاذاة حملات ساراماغو ضد الإمبراطورية المتمثلة في العولمة." في حديثه لصحيفة ذا أوبزرفر في عام 2006 صرح بأن "الرسام يرسم، المُوسيقي يؤلف موسيقى، الروائي يكتب روايات. لكنني أعتقد أننا جميعًا نترك أثرًا أو انطباع، وذلك ليس عائدًا لطبيعة كوننا فنانين، ولكن بسبب كوننا مواطنين. كمواطنين، يتوجب علينا التفاعل والمشاركة، لإن المواطن هو من يغير الأوضاع. لا أستطيع تخيل نفسي خارج أي نوع من المشاركات السياسية أو الاجتماعية."

خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وأثناء زيارته لمدينة رام الله في شهر مارس لعام 2002، قال ساراماغو: "ما يحدث في فلسطين هو جريمة من نفس طراز ما حدث في معسكر أوشفيتز...أحساسًا بالحصانة يحيط بالشعب الإسرائيلي وجيوشه. لقد تحولوا إلى أشخاص منتفعين من الهولوكوست (المحرقة)." أحتج بعض النقاد على هذه الكلمات واعتبروها معاداة للسامية. بعد مرور ستة أشهر، أوضح ساراماغو. "المزعج في تصريحي ليس أنني أدنت ما تقوم به السلطات الإسرائيلية، وارتكابها لجرائم حرب - فلقد اعتادوا على مثل هذه التصريحات. ما يزعجهم حقًا هي كلمات محددة لا يستطيعون تحملها. وبما أن ذكرت "أوشفيتز"... ولاحظوا جيدًا، بأنني لم أقل أن رام الله تشبه أوشفيتز، لأن ذلك سيكون شيء سخيفًا. ما قلته أن روح أوشفيتز كانت حاضرة في رام الله. كنا ثمانية كُتاب. جميعهم أدلوا بتصريحات تُدين إسرائيل، وولي سوينكا، برايتن بريتنباخ، فينشينسو كونسلو وآخرون. لم ينزعج الإسرائيليين من هؤلاء. ولكن حقيقة أني وضعت أصبعًا على جرح أوشفيتز جعلهم يقفزون."

كان ساراماغو قد أثار ضجة كبرى في البرتغال عام 2007 عندما أعرب عن اعتقاده بأن البرتغال من المحتم أن تصبح ولاية في شبه جزيرة أيبيريا المتحدة، وقد أعتقد البعض بأن تصريحه هذا نابع من غضب بقي طويلاً في صدر الروائي الكبير منذ إصرار الحكومة البرتغالية على حجب جائزة للاتحاد الأوروبي عن إحدى رواياته، بضغوط من الفاتيكان. ويقول ساراماغو: «لقد غادرت البرتغال كاحتجاج على الحكومة في ذلك الوقت وليس غضباً من البرتغال. وأنا أدفع ضرائبي في البرتغال وقد أمضيت ستة أشهر في عام 2008 على أرضها».

وينظر بعض النقاد إلى انتقال ساراماغو في عام 1991 إلى لانزاروتي من لشبونة على أنه شكل انتقالاً في عالمه الروائي، حيث أن رواياته الأخيرة التي تدور أحداثها في أماكن غير محددة، تضرب جذورها بشكل أقل جلاء ووضوحاً في الحياة والتاريخ البرتغاليين، أو على وجه التحديد في شوارع لشبونة وعواصفها، حيث برز العنصر التأملي في هذه الروايات بشكل أكبر. والواقع أن المخرج البرازيلي فرناندو ميريل قد اجتذبته في روايته «العمى» ودفعته إلى تحويلها إلى فيلم رؤية الرواية لمدى هشاشة الحضارة الغربية وسهولة انهيارها.

غير أن ساراماغو نفسه يقول في هذا الصدد: «لست أرى قشرة الحضارة الغربية ومدى هشاشتها، وإنما أرى المجتمع على نحو ما هو عليه، فمع وجود الجوع والحرب والاستغلال نحن في جحيم بالفعل. ومع الكارثة الجماعية المتمثلة في العمى الجماعي يطفو كل شيء على السطح سواء أكان سلبيًا أم إيجابيًا. إنها لوحة تصور ما نحن عليه». وجوهر هذه الرواية، حسبما يراه ساراماغو ، هو: «من الذي لديه السلطة ومن الذي ليست لديه، من الذي يسيطر على الإمداد بالغذاء ومن الذي يستغل الباقين».

قيم ساراماغو الإنسانية

رأى ساراماغو المعروف بــ"شيوعيتيه الصارمة" والذي كان عضو الحزب الشيوعي البرتغالي حتى وفاته، رأى في الاشتراكية حلاً لمشاكل العالم كافة، ورأى أن الشيوعية قادرة على بعث نفسها من جديد، وأن ما أوجد الشيوعية في الماضي سيلجأ إلى الشيوعية مرة أخرى فرارًا إليها من مشاكله وأزماته المزمنة، فيصرّح: "سنجد أنفسنا في ظروف مشابهة لتلك التي أنتجت الشيوعية، أقلية غنية تتحكم بأغلبية فقيرة، وسيتفاقم الوضع وينفجر مجددًا".

وتُظهر أعماله أن تلك الأغلبية الفقيرة تظل منتظرة الفرصة التي تسمح لها بالانقضاض على ما يملكه الأغنياء، ففي رواية "الطوف الحجري" ونتيجة لانفصال الجزيرة تخلو الفنادق من السياح الفارين إلى بلادهم، ويبدأ فقراء الشعب ممن لا يملكون حق السكن في احتلال الفنادق، وتبدأ الحكومات بالوقوف في وجه هذا الاحتلال وتتصدى له بالقوة.

يشرح ساراماغو مقولته "المشكلة الحقيقية تتركز في أنه ما زال هناك أغنياء وفقراء في هذا العالم" بأن الإنسانية ما زالت تنتج الثروات التي تتوزع على الشكل الذي نراه حاليًا، وأنه لأول مرة في التاريخ يحاولون صناعة عالم للأغنياء فقط، ويقوم هذا المجتمع على حساب طبقة مسحوقة من الفقراء.

يعادي ساراماغو الرأسمالية ويراها سببًا فيما أسماه "الأمية الوظيفية"، والمقصود بها عدم قدرة الفرد على كتابة بضعة أفكار مترابطة رغم إتقانه القراءة والكتابة، ويرى أن هذا النوع من الأمية ينتج ديمقراطية مشوهة خادعة، فكيف لضمير السياسيين السعي إلى كسب أصوات ناخبين عاجزين عن فهم البرنامج الانتخابي لهم.

ويصور ساراماغو هذا التوغل المقيت للرأسمالية وابتلاعها للعوالم التقليدية البسيطة في روايته "الكهف" من خلال هجرة عائلة أليجور مشغل الخزف والانتقال للعيش في المركز التجاري متخلّين عن كل شيء، خارجين في رحلة بلا وجهة محددة، وتلاحظ العائلة منذ اللحظة الأولى الحراسة المشددة المفروضة على قبو المبنى.

جائزة نوبل للأدب

قامت الأكاديمية السويدية باختيار ساراماغو للحصول على جائزة نوبل للأدب. وجاء الإعلان بشكل مفاجئ له ولرئيس تحريره، لإنه كان على وشك السفر إلى ألمانيا لحضور معرض فرانكفورت للكتاب، أشادت لجنة نوبل "بالأمُثولات والحكايا الرمزية التي تفرضها مخيلته، بالإضافة للتعاطف والسخرية في أعماله"، بالإضافة لإتباعه "الأسلوب التشكيكي الحديث " فيما يتعلق بالحقائق الرسمية.

من أعماله:

رواية (العمى) 1995، (كل الأسماء) 1999، (قصة الجزيرة المجهولة) 1999، (الكهف) 2002، (أكبر زهرة في العالم) 2003، (انقطاعات الموت) 2008، (الذكريات الصغيرة) 2010.

عانى ساراماغو من اللوكيميا. توفي في الثامن عشر من شهر يونيو عام 2010 عن عمر ناهز 88 عام، تقول عائلته أنه تناول الإفطار وتحدث قليلاً مع زوجته ومترجمته بيلار ديل ريو صباح يوم الجمعة، بعد ذلك شعر بالإعياء وتوفي. وصفته صحيفة الغارديان "كأفضل كاتب برتغالي في جيله"، بينما قالت فيرناندا إيبرستادت من صحيفة نيويورك تايمز "أنه أشتهر بشيوعيته الصارمة كما أشتهر بأدبه القصصي". مترجمة ساراماغو مارغريت جول كوستا، أثنت عليه، ووصفت "مخيلته الرائعة" كما أطلقت عليه "أعظم كاتب برتغالي معاصر". واصل ساراماغو كتاباته حتى وفاته. آخر عمل نشر له، المنور، نُشر عام 2011 بعد وفاته.

وفاته:

عانى ساراماغو من الالتهاب الرئوي في السنة التي سبقت وفاته. وبعد أن أعتقد أنه شُفي تمامًا من هذا الالتهاب، كان من المقرر أن يحضر مهرجان أدنبرة الدولي للكتاب في أغسطس 2010.

أعلنت البرتغال الحداد لمدة يومين. كان هناك تحية شفهية من سياسيين دوليين بارزين مثل: لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (البرازيلي)، برنار كوشنار (الفرنسي) وخوسيه لويس ثباتيرو (الأسباني)، ومن كوبا قام كلاً من راؤول كاسترو وفيدل كاسترو بإرسال أكاليل الزهور.

أُقيمت جنازته في لشبونة في العشرين من يونيو 2010، تجاوز عدد المشيعين 20,000 شخص، الكثير منهم كان قد سافر مئات الكيلومترات، وقد لوحظ غياب رئيس البرتغال اليميني أنيبال كافاكو سيلفا والذي كان يقضي عطلته في جزر الآزور عندما تمت مراسم التأبين. كافاكو سليفا، رئيس الوزراء الذي أزال عمل ساراماغو من القائمة القصيرة لجائزةAristeion Prize، قال "أنه لم يحضر الجنازة لأنه لم يحظى أبدًا بشرف التعرف عليه". المُشيعين، الذين أثاروا تساؤلات عن سبب غياب كافاكو سيلفا في حضرة الصحفيين، كانوا يمسكون في أيديهم نسخًا قرنفلية اللون، والتي ترمز إلى ثورة القرنفل. تم إحراق جثة ساراماغو في لشبونة، وتم دفن رماده في ذكرى وفاته، في 18 يونيو 2011، تحت شجرة زيتون تبلغ من العمر مائة سنة وتتواجد في الساحة التي تقع أمام مؤسسة جوزيه ساراماغو (Casa dos Bicos).


عدد القراء: 3102

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-