(كان) الزَّائدة عند النُّحاةالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2022-05-29 05:59:38

د. قاسم عثمان جبق

سوريا

تمهيد

معلومٌ عند النُّحاة أنَّ وظيفةَ أيِّ كلمة زائدة توكيدُ مضمون الجملة، وتقوم هذه الكلمة مقامَ إعادة الجملة، وهذا ما صرَّح به ابن جنِّي في قوله: " كلُّ حَرْفٍ زِيدَ في كلامِ العرب فهو قائمٌ مقامَ إعادةِ الجملة مرَّة أُخْرى، وبابُها الحروف والأفعال"(1). وما زادتْهُ العَرَب في كلامها كثيرٌ، لكنِّنا سنُفصِّل القول في (كان) الزَّائدة فقط. 

كان الزَّائدة

تأتي (كان) زائدة، فلا تعملُ الرَّفعَ والنَّصب، ولا يأتي بَعْدَها مَعْمُولاها (اسمها وخبرها)، ويُمكنُ أن يُسْتَغنَى عنها، فلا يتأثَّر بناءُ الكلام بَعْدَ حَذْفها، والغَرَضُ مِن زيادتِها التَّوكيد، شأنُها شأنُ أيِّ كلمة زائدة، يكون الهدفُ مِنْ ذِكْرِها تقويةَ الكلام وتَوكيدَه.    

تُزاد (كان) للدِّلالة على الزَّمان الماضي إذا تحقَّق فيها شَرْطان، الأوَّل: أن تكون بلفظ الماضي، والثَّاني: أن تكون بين شيئين مُتلازمين، ليسا جارًّا ومجرورًا، خلافًا للفَرَّاء، فقد أجاز زيادتها آخِرًا، قال ابن مالك:

وَقَدْ تُزَادُ كانَ في حَشْوٍ كَمَا 

                         كانَ أَصَحَّ عِلْمَ مَنْ تَقَدَّما(2)

وكلُّ ما جاء خِلافَ ذلك فهو مِن الضَّرائر الشِّعْريَّة. وزيادتُها خاصَّةٌ بالشِّعر عند ابن عصفور، وهي دالَّةٌ على المُضيِّ دائمًا، لكنَّه استدرك فأجازَ زيادتَها في سَعَة الكلام، غيرَ أنَّ زيادتَها غيرُ مُسْتَحْسَنَة إلَّا في الشِّعْر(3).

مواضعُ زيادتها

1 - زيادتُها بين المبتدأ والخبر، نحوُ قولنا: العِلْمُ –كانَ- مفيدٌ.

2 - زيادتُها بين الفعل وفاعله، نحو قَوْلِ قَيْس بن غالب البَدْريَّ: وَلَدَتْ فاطمةُ بنتُ الخُرْشُبِ الكَمَلَةَ مِن بني عَبْسٍ، لم يُوجَدْ -كان- مِثْلُهُم(4). أي لم يُوجد مِثْلُهُم.

3 - زيادتها بين الاسم الموصول وصلته، نحو قولنا: أُحِبُّ الَّذي –كان- أَكْرمَ والدَيْهِ. وقد ذهب بعض النُّحاة إلى أنَّ (كان) في قوله تعالى:  (قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا)  مريم (29)، زائدة، وإلَّا لم يكن في الآية إعْجازٌ، فالرِّجالُ كُلُّهم كانوا في المَهْد، و(صبيَّاً) حال(5). قال ابن عصفور: "هي في كلامهم زِيدَت في وَسْطِ الكلام للتَّأكيد، وهي مؤكِّدة للماضي في (قالوا)"(6). وقال المبرد: "إنَّما معنى (كان) هاهنا التَّوكيد، فكأنَّ التَّقدير- والله أعلم-: كيف نُكلِّم مَنْ هو في المهد صبيًّا، ونصب (صبيًا) على الحال، ولولا ذلك لم يكن عيسى بائنًا من النَّاس، ولا دَلَّ الكلام على أنَّه تكلَّم في المَهْد، لأنَّك تقول للرَّجُل: كان فلانٌ في المَهْد صَبِيًّا، فهذا ما لا ينفكُّ منه أحدٌ أنَّه كان كذا ثمَّ انتقل، وإنَّما المعنى: كيف نكلِّمُهُ وهو السَّاعة كذا"(7). وقد بيَّن ابن يعيش أنَّه لو أُرِيد بـ(كان) معنى المُضيِّ لم يكن لعيسى، عليه السَّلام، في ذلك معجزة، لأنَّه لا اختصاصَ له بهذا الحُكْم دونَ سائرِ النَّاس(8). ونقل أبو حيَّان كلامَ أبي عبيدة مَعْمَرِ بن المُثنَّى في هذه الآية، وقد ذهب أبو عبيدة إلى أنَّه يجوز أن تكون (كان) زائدة، ويجوز أن تكون تامَّة، و(صبيًّا) في القولين حال. ثمَّ استدرك أبو حيَّان عليه فقال: "والظَّاهر أنَّها ناقصة، فتكون بمعنى (صار)، أو تبقى على مَدْلُولِها مِن اقتران مضمون الجملة بالزَّمان الماضي، ولا يدلُّ ذلك على الانقطاع، كما لم يدلَّ في قوله: (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) ، وفي قوله: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً) ، والمعنى كان، وهو الآنَ على ما كان، ولذلك عبَّر بعضُ أصحابنا عن (كان) هذه بأنَّها تُرادِف لم يَزَلْ"(9).

4 - زيادتها بين (نِعْمَ) وفاعله، نحو قول الشَّاعر:

وَلَبِستُ سِرْبالَ الشَّبابِ أَزُورُها 

                   وَلَنِعْمَ –كانَ- شَبيبةُ المُحْتالِ(10)

أي: وَلَنِعْمَ شَبِيْبَةُ المحتال.

5 - زيادتها بين (ما) التَّعجُّبيَّة وفعل التَّعجُّب، نحو قول امرئ القيس:

 أَرَى أمَّ عَمْرٍو دَمْعُها قَدْ تَحَدَّرا        

               بكاءً على عَمْرٍو وما –كانَ- أَصْبَرَا(11)

أي: وما أَصْبَرَها.

6 - زيادتها بين الصِّفة والموصوف، نحو قول الفرزدق:

في غُرَفِ الجنَّةِ العُليا الَّتي جُعِلَتْ   

                لَهُمْ هُنَاك بِسَعْيٍ -كان- مَشْكُورِ(12)

وأصل الكلام بسعيٍ مشكور، ففصل بين الموصوف(سعي) والصِّفة (مشكور) بـ(كان).        

وقوله أيضًا:

فَكَيفَ إذا رَأَيْتُ ديارَ قَوْمِي      

                          وَجِيرانٍ لَنا -كانُوا- كِرَامِ(13)

التَّقدير: وجيرانٍ كرامٍ لنا. فَصَل بين الموصوف (جيران) والصِّفة (كرام) بـ (كانوا) الزَّائدة(14).

7 - زيادتها بين حرف العطف والاسم المعطوف عليه، نحو قول الفرزدق: 

فِي لُجَّةٍ غَمَرَتْ أباكَ بُحُورُها     

                   في الجاهليِّةِ –كانَ- والإسلامِ(15)

أي: في الجاهليةِ والإسلامِ.

وقد شذَّت زيادتها بين الجارِّ والمجرور، نحو قول الشَّاعر، أنشده الفرَّاء:

 سَرَاةُ بَني أبي بَكْرٍ تَسَامَى

                       على -كانَ- المُسَوَّمةِ العِرابِ

أي: على المُسَوَّمةِ العِرابِ.

كما أنَّها تأتي زائدة بلفظ المضارع نادرًا، نحو قول أم عَقِيل بن أبي طالب:

 أنت -تكونُ- ماجِدٌ نَبِيلُ     

                              إذا تَهُبُّ شَمْأَلٌ بَلِيْلُ(16)

أي: أنت ماجِدٌ.

 

الهوامش والإحالات:

(1) البرهان، الزركشي، 3/71.

(2) ابن مالك، شرح ألفية ابن عقيل، 1/289. والأشموني، شرح الأشموني، 1/117، 118.

(3) ينظر كلام ابن عصفور في ضرائر الشعر، ص77، 78.

(4) فاطمة بنت الخشرب أم الربيع بن زياد بن عبدالله بن سفيان، وهي إحدى المنجبات، كان يقال لبنيها: الكملة، وَلَدَت من زياد بن عبد الله العبسي سبعةً، فعدَّت العرب المنجبين منهم ثلاثة، وهم خيارهم: الربيع، وعمارة، وأنس. وفي المثل: أَنْجَبُ من فاطمة بنت الخُرْشُب الأنماريَّة. أنمار: بغيض بن ريث بن غطفان، وذلك أنها ولدت الكملة لزياد العبسي، وهم: ربيع الكامل، وقيس الحفاظ، وعمارة الوهاب، وأنس الفوارس. وقيل لفاطمة: أي بنيك أفضل؟ فقالت: الربيع، لا، بل قيس، لا، بل عمارة، لا، بل أنس، ثكلتهم إن كنت أدري أيهم أفضل. ولا يقولون: "منجبة" حتى تنجب ثلاثة. الميداني، مجمع الأمثال، 2/349. وينظر: البغدادي، خزانة الأدب، 7/518.

(5) الزركشي، البرهان، 3/71.

(6) الزركشي، البرهان، 3/71. وضرائر الشعر لابن عصفور، ص77.

(7) المبرد، المقتضب، 4/117، 118.

(8) ينـظر: ابن يـعـيـش، شــرح المــفـصـل، 7/100.          

(9) أبو حيان، البحر المحيط، 7/258.                                                               

(10) شرح الأشموني، 1/243. لا يعرف قائل البيت.

(11) ديوان امرئ القيس، ص69.

(12) شرح ديوان الفرزدق، 3/529. والخليل، الجمل في النحو، ص 125. وابن عصفور، ضرائر الشعر، ص77. والبغدادي، خزانة الأدب، 9/217. والآلوسي، الضرائر، ص309.  وفيها وَجَبَتْ لا جُعِلَتْ.

(13) كان زائدة عند الخليل وسيبويه، ينظر: سيبويه، الكتاب، 2/153. لكن المبرِّد خالفهما، وعدَّها غير زائدة، فتقدير البيت عنده: وجيران كرام كانوا لنا. وكان ناقصة، وخبرها الجار والمجرور(لنا). ينظر: المقتضب،4/117. ووافق ابنُ هشام المبرِّد، وردَّ الأشمونيُّ ما ذهب إليه المبرِّد وابن هشام، وذهب إلى ما ذهب إليه سيبويه، ينظر: شرح الأشموني على ألفية ابن مالك،1/117. وابن عقيل، شرح ألفية ابن مالك، 1/289، وهوامش المحقق، 1/290، 291، 292. ففيها تفصيل المسألة. كيف: أي كيف حالي؟ فحذف المبتدأ.    

(14) ديوان الفرزدق، ص850. والبغدادي، خزانة الأدب، 4/35.

(15) ينظر: ابن عقيل، شرح ألفية ابن مالك،1/292. والبغدادي، خزانة الأدب، 9/225.

___________

  • اللوحة للفنان: سلطان الجريس

عدد القراء: 3743

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

التعليقات 3

  • بواسطة محمد محمود الدغيم من الكويت
    بتاريخ 2022-07-04 02:46:05

    ماشاء الله! مقالة مفيدة ، فيها استقصاء لحالات زيادة كان مشفوعة بالشواهد.. أحسنت دكتور قاسم وننتظر منكم المزيد.

  • بواسطة شعبان كنجو من سوريا
    بتاريخ 2022-06-12 17:35:50

    بارك الله بكم.

  • بواسطة عبيدة حلبية من تركيا
    بتاريخ 2022-05-29 19:14:45

    مقال مفيد جدا بارك الله فيك استاذنا جزاك الله عنا خير الجزاء

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-