كتاب: مستقبل الإسلام The Future of Islamالباب: مراجعات

نشر بتاريخ: 2015-08-24 01:05:05

د. عمر عثمان جبق

سلطنة عمان- جامعة التقنية والعلوم التطبيقية، كلية التربية بالرستاق (قسم اللغة الإنجليزية وآدابها)

ترجمة: عمر عثمان جبق 

مراجعة: توصيف أحمد باراي

 Tauseef Ahmad Parray

 

الملخص

البروفسور جون إل. إيسبوسيتو John L. Esposito هو عضو هيئة التدريس في جامعة جورج تاون Georgetown University وأحد أهم الباحثين في الإسلام وسياسات المسلمين، وأكثرهم تأثيرًا. يحاول في النسخة الجديدة لكتابه "مستقبل الإسلام" (الذي قدمت له كارن أرمسترونج Karen Armstrong) أن يفهم " الصراع من أجل الإصلاح في الإسلام كي "يستكشف تنوع المسلمين الديني والثقافي والسياسي الذين يواجهون تحديات مخيفة في البلدان المسلمة والغرب، ويوضح حوار الإصلاح الإسلامي وديناميكيته، ويدرس محاولة مكافحة التطرف والإرهاب الديني، ويسلّط الضوء على مستقبل العلاقات بين المسلمين والغرب." ويعد هذا الكتاب ملهمًا وشاملاً وتحفة علمية؛ إذ يقدم طريقة للمضي قدماً نحو مستقبل أفضل للإسلام والمسلمين والغرب، ويخبرنا المؤلف إيسبوسيتو من خلال كتابه هذا كيف وصلنا إلى ما نحن عليه الآن، وما يتوجب علينا فهمه وعمله لإيجاد تلك الطريقة الجديدة.

المقدمة

يعد الإسلام اليوم أسرع دين نموًا في إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا بوجود أكثر من مليار ونصف مسلم يعيشون في 56 بلد تقطنه أغلبية مسلمة وبعض الأقليات البارزة في أوروبا وأمريكا (حيث يعد ثاني وثالث أكبر وأسرع دين نموًا فيهما على التوالي). ينتشر الإسلام في الوقت الراهن في كل أرجاء المعمورة، وتغطي عواصمه ومدنه الرئيسة مساحة عالمية تمتد من القاهرة إلى جاكرتا في العالم الإسلامي، ومن نيويورك وديترويت ولوس أنجلوس إلى باريس ولندن وبرلين في الغرب.

ولكن في الوقت نفسه وبعد مرور 12 عامًا على أحداث الحادي عشر من أيلول ما يزال هناك عدد كبير من الناس يتحدثون عن "صراع الحضارات" أو "ما الخطأ الذي حدث؟" أو "لماذا يكرهوننا؟" ويؤمنون بذلك. و في الوقت نفسه، هناك أسئلة عن الإسلام وكأن كل شيء جيد مرتبط بالجزء الآخر من السؤال، وكأن أي شيء سيء هو جزء من الإسلام. والأمثلة عن ذلك في أسئلة مثل "هل يتوافق الإسلام مع الحداثة والديمقراطية والقوانين والمساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان؟" و "هل الإسلام قادر على الإصلاح؟"

ويعتقد المؤلف، خاصة منذ سبعينيات القرن العشرين، بأن "الإسلام وسياسات المسلمين انتقلا من الكواليس إلى الواجهة " وبذلك يشهد المرء " اهتمامًا كبيرًا بالإسلام و تداولا كثيرًا له " (ص 4) لأن موضوع الإسلام والمسلمين سياسي وديني، وليس الإسلام " مجرد عقيدة ... ولكنه أيديولوجية ووجهة نظر عالمية تميز سياسات المسلمين ومجتمعهم" (ص 4 ). وبهذا الاتجاه فإن كتاب "مستقبل الإسلام " يتعلق "بمستقبلنا جميعاً لأنه وكما يقول البروفسور إيسبوسيتو:

الإسلام والمسلمون اليوم لاعبون أساسيون في التاريخ العالمي. وهم جزء من فسيفساء المجتمعات الأمريكية والأوروبية. وفي عالم نستسلم فيه للانقسام بين " نحن " و " هم " فإننا نواجه تحديًّا لتجاوز خلافاتنا (مع عدم نكرانها ) و تأكيد إنسانيتنا المشتركة، وإدراك أننا مرتبطون فيما بيننا، ومعتمدون بعضنا على بعض، شئنا أم أبينا، وأننا شركاء في تشكيل مجتمعاتنا وعالمنا." (ص 5 )

أفكار الكتاب و قضاياه و نقاشاته الرئيسة

يقدم الفصل الأول من الكتاب بعنوان "الأوجه العديدة للإسلام والمسلمين" ( ص 10 – 55 ) مقدمة مختصرة عن الإسلام والمسلمين، ومقدمة عن الإسلام في/ والغرب . ويشير الكاتب هنا بوضوح إلى أنه وبالرغم من كلامنا العام عن الإسلام، " إلا أنه توجد أنواع كثيرة للإسلام أو تفسيرات كثيرة له " وهناك صور كثيرة متنوعة للإسلام والمسلمين، وواقع متعدد ومتنوع لهما كالصور الدينية الثقافية المتنوعة والكثيرة، إضافة إلى الصور السياسية والاقتصادية الأخرى (ص 11 ). ويركز الكاتب أيضاً على فكرة أن الإسلام- شأنه شأن باقي المعتقدات - كان وما يزال " مصدرًا للتعاطف والأخلاق والفضيلة من جهة، ومصدراً للإرهاب والظلم والاضطهاد من جهة أخرى." (ص 12)

ويلقي الكاتب الضوء أيضًا على مفهوم "الجهاد في سبيل الله" ( ص 48- 50 ) في هذا الفصل، وغيره من الفصول، ويذكر أن الجهاد - الذي يعني حرفيًّا الكفاح/الصراع، وليس الأعمال المسلحة أو "الحرب المقدسة" – هو مفهوم له "معان عديدة تم استخدامه والإساءة له عبر التاريخ الإسلامي"، ومؤخرًا " يؤكد المتطرفون الدينيون والمجموعات الإرهابية على أن الجهاد هو واجب ديني عالمي،  وأنه يتوجب على المسلمين الحقيقيين كلهم الانضمام للجهاد للقيام بثورة إسلامية عالمية " (ص 48).

يقدم الفصل الثاني من الكتاب بعنوان "الله في السياسة" (ص 56 – 87 ) المعلومات الخلفية والسياق العام لفهم الإسلام السياسي، ودور الدين في السياسة والمجتمع، وأثره على المجتمعات المسلمة  والغرب. ويمعن الكاتب هنا في توغّل الإسلام في سياسة المسلمين ومجتمعهم، ويبحث في أثره ومضامينه العالمية، محاولاً الإجابة عن أسئلة كثيرة مثل: ما هو الإسلام السياسي؟ وهل تشكل الحركات الإسلامية كلّها تهديداً؟ ويعتقد الكاتب أن المسلمين اليوم يواجهون تحديًا مضاعفًا يكمن في الإصلاح الديني والإصلاح السياسي، وكلاهما أساسي لتطور المجتمعات المسلمة وتهميش التطرف والإرهاب الديني واحتوائهما. وبذلك فإن التحدي المستمر يكمن في "صياغة إصلاحات عقائدية وتربوية وتطبيقها (في المدارس والجامعات) تقوم بمواجهة تحديات العولمة مواجهة أكثر فاعلية في القرن الواحد والعشرين الذي يحتاج المعتقدات الدينية كلها ليركز على المعتقدات الشاملة التي ترعى التفاهم والاحترام المتبادلين والتعددية الدينية دون المعتقدات الإقصائية " ( ص 86 -87 )

يتطرق الفصل الثالث بعنوان "يحتاج الإسلام إصلاحًا" (ص 88 – 141) إلى أسئلة وقضايا مهمة في الإصلاح الإسلامي، ويبحث في أصول الإصلاح ودرجة استمراره اليوم من مصر إلى إندونيسيا، مع وجود عدد كبير من القادة المسلمين والمفكرين من الرجال والنساء والإصلاحيين التقليديين والأكثر توجهًا نحو الحداثة ممن يتناقشون ويتحاورون بالعملية الديناميكية لإعادة التفسير والإصلاح. ويعرض الكاتب آراء مجموعة متنوعة، عالميًّا وفكريًّا، من الإصلاحيين من أمثال طارق رمضان وعمرو خالد والشيخ علي جمعة ومصطفى سيرتش ويوسف القرضاوي ونورشوليش مجيد ووتيموثي وينتر Timothy Winter وفرحات هاشمي وأمينة ودود وهبة رؤوف    وعبد الله جيمنستيار وهم يتحدثون عن قضايا الإصلاح الديني والسياسي. ويعتقد الكاتب في بداية هذا الفصل أن السؤالين "هل الإسلام قادر على الإصلاح؟" و "هل هناك إصلاحيون مسلمون؟ "ليسا غريبين وحسب بل هما سخيفان أيضًا "  (ص 88 -89) لأن المسألة ليست "فيما إذا سيكون هناك تغيير، ولكنها في  حجم التغيير ونوعه " الضروري. ويُعدُّ الكاتب أن كل "أديان العالم الرئيسة قد تغيرت، وتستمر في التغيير" ومع الأخذ في الحسبان طبيعة البشر والسياق التاريخي والاجتماعي الديناميكي فإن "التغيير حتميّ" (ص 89).  وفي هذا السياق (لهذه الرسالة) أشارت كارن أرمسترونج في تقديمها للكتاب وأكدت أيضًا على وجود "إصلاحيين" - كما كان مارتن لوثر (1483 – 1556) - في العالم الإسلامي يعبرون عن نزعة مهمة في الفكر الإسلامي من خلال تحدي وجهة نظر الغرب السائدة عن الإسلام، وتفكيرهم هذا "لا يُعدُّ التفسير الحرفي للقرآن معيارًا" من جهة، ومن جهة ثانية" يُعدُّ النقد الذاتي واجبًّا دينيًّا إبداعيًّا و ضروريًّا" و "يمقت الإرهاب والعنف" و "يتوق لإطلاق جهاد يشمل الجنسين معًا." (ص 10)

ويرى الكاتب أنه على الرغم من تطرق هؤلاء المفكرين إلى " دور الإسلام في المجتمع المعاصر" (ص 89)، إلا أن التحدي الرئيس أمامهم يكمن في "أهمية الربط وإظهار الاستمرارية بين التغييرات المقترحة والمعتقدات الإسلامية الراسخة " وهكذا:

تعتمد شرعية الفكر الإسلامي الإصلاحي وقبوله أو رفضه، على الشخصية الإسلامية المزعومة وأصالتها. ولذلك، فإن "طريقة" التغيير هي بأهمية "نوع"  التغيير؛ أي أن عملية التغيير (المنهجية) غالبًا ما تكون بأهمية الإصلاحات الفعلية نفسها. (ص 94 )  

بعد تقديم الفكر الإصلاحي والآراء الإصلاحية عن طريق المقارنة يتوصل الكاتب إلى نتيجة مفادها أن       "النقاشات القوية" تتنوع تنوعًا كبيرًا من السؤال عمن هو مؤهل لتفسير الإسلام، أو طريقة تفسير النصوص القرآنية المقدسة، إلى إسناد الحديث، أو الإسلام التقليدي القديم مقابل قدسية الحديث (يرجى مراجعة الصفحة 139) – و تضم بعض القضايا الرئيسة مكانة النساء وأدوارهن في المجتمع المسلم، وطبيعة الجهاد وقضايا التطرف الديني (في الغرب بشكل خاص) والعلاقة بين الدين والهوية والثقافة. وهكذا، يلاحظ المرء أن الكفاح (الجهاد) لإصلاح الإسلام  قد "ولّد الحرارة والضوء وكلاً من الحوار والنقد اللاذع والتعايش والصراع" (ص140 ).

ويقدم الكاتب في الفصل الرابع بعنوان "أمريكا والعالم الإسلامي: بناء طريق جديد " (ص 142 – 194)  تحليلاً عن تحديات رهاب الإسلام Islamophobia والسياسات الأمريكية الداخلية والخارجية المخفقة، وأدوار الصهيونية المسيحية المتطرفة، ووسائل الإعلام، والخطر المستمر الذي يسببه التطرف الديني والإرهاب. كما ويلقي هذا الفصل الضوء على المعتقدات  المتباينة، والحوار بين الحضارات ومبادرات مثل رسالة عمان و"كلمة سواء " ( يرجى مراجعة الصفحات  من 186 إلى  191 ) بالإضافة إلى دور الدبلوماسية العامة في النموذج الجديد لبناء صورة أمريكا ودورها في العالم المسلم. وتدعم كارن أرمسترونج في مقدمة الكتاب هذا الرأي، مقدرة في الوقت نفسه،  قناعة كتاب إيسبوسيتو الحالي عندما تقول: إن "مستقبل الإسلام لا يعتمد ببساطة على فاعلية بعض الإصلاحيين المسلمين؛ بل يتوجب على  الولايات المتحدة وأوروبا أن تلعبا دورًا رئيسًا أيضًا" (ص 11).

ملاحظات ختامية

وأخيراً يقدم إيسبوسيتو الآراء التالية الرئيسة والمهمة وليس بالضرورة الموافقة على افتراضاته.

- يقف المسلمون في العالم على "مفرق طرق رئيسي" في القرن الواحد والعشرين؛ إذ إنهم يواجهون عالمًا متعدد الحداثة؛ وبذلك فهم في صراع مع "كيفية العيش وتطبيق عقيدتهم في عالم متغير تغيرًا سريعًا. (ص 195)

- يعمل مسلمو الفكر الإصلاحي للتعبير عن "إطار عمل إسلامي تقدمي وبنّاء "لأنهم مهيئون لإعادة تفسير مصادر الإسلام وأعرافه لمواجهة تحديات الحداثة والتطوير والقيادة والأيديولوجية والديمقراطية والتعددية والسياسة الخارجية. (ص 195)

- المشكلة الجوهرية للتطور والاستقرار طويل الأمد في العالمين العربي والإسلامي "ليست في دين الإسلام أو الحركات الإسلامية، ولكنها في الصراع بين الدكتاتورية والتعددية." ولذلك لا ينبغي أن ينصبّ تركيز الاهتمام الأمريكي الرئيسي على الدين، بل على التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي حيث يعيش المسلمون. (ص 196).

- ويبقى مستقبل العلاقات بين الإسلام والمسلمين من جهة والغرب من جهة ثانية إحدى القضايا السياسية والدينية الرئيسة؛ وليس الحوار بين الحضارات مجرد حكر على القادة والباحثين الدينيين بعد الآن لكنه "أولوية صانعي السياسات والقادة ككل، وموضوع السياسة الداخلية والخارجية، وجدول أعمال المنظمات الدولية." ( ص 198 )

- من الضروري إدراك أن أولاد إبراهيم ليسوا فقط جزءًا من الإرث اليهودي المسيحي وحسب، بل هم جزء من التاريخ والتراث اليهودي والمسيحي والإسلامي الغني أيضًا، وعليه ينبغي اتخاذ الخطوات وبذل الجهود لربط هذه "الحلقة المفقودة" لأن "شعوب أمريكا وأوروبا والعالم الإسلامي لديهم قيم وأحلام وطموحات كثيرة ومشتركة." (ص 198 – 199)

يختم الكتاب بهذه الرسالة اللافتة – وهي في الوقت نفسه محفزة على التفكير والتبصّر والإلهام:

إن مستقبل الإسلام والمسلمين مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالإنسانية جمعاء. وسيعتمد مستقبلنا جميعًا على العمل سويًّا من أجل الحكم الرشيد وحرية الدين والكلام والاجتماع، ومن أجل التطور الاقتصادي   والتربوي. ويمكننا احتواء وإزالة دعاة الكراهية والإرهابيين الذين يهددون سلامتنا وأمننا ورخاء أسرنا ومجتمعاتنا. (ص 199)

على الرغم من أن المرء لا يجد أي تغييرات رئيسة في هذه النسخة الجديدة من كتاب "مستقبل الإسلام" (الذي طبع عام 2010 لأول مرة)، إلا أنه بالمجمل يعد كتابًا نافذًا وواضحًا وشاملاً يقترح طريقة للمضي قدمًا نحو مستقبل أفضل للإسلام والمسلمين والغرب. وبذلك يشكل هذا الكتاب حقًّا إحدى إسهامات البروفسور إيسبوسيتو، ويُوصَى به بشدّة لكل المهتمين في معرفة ماضي وحاضر ومستقبل الإسلام والمسلمين، والعلاقات بين المسلمين والغرب.

 

 

 

مصدر المراجعة الإنجليزية:                                                                                                 

http://encompassingcrescent.com/2013/09/john-l-espositos-the-future-of-islam-oxford-university-press-2013-a-book-review-by-tauseef-ahmad-parray/

 


عدد القراء: 7046

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-