اليوم الذي تحوَّل فيه العالمالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2023-01-31 07:01:24

فراس ميهوب

سوريا

الكتاب: اليوم الذي تحوَّل فيه العالم

المؤلف: جوديت بيرّينيون

الناشر: غراسيه – باريس

سنة النشر: 2022

اللغة: الفرنسية

عدد الصفحات: 246 صفحة

هذا الكتاب نتاج تحقيق صحفي قامت به الكاتبة مع فريقها لصالح إذاعة "ثقافة فرنسية" عن سنوات حكم مارغريت تاتشر، التقت فيه مسؤولين سابقين في عهدها، وزراء، ومستشارين، كتَّاب وصحفيين ومعارضين لها، وكذلك ناشطين نقابيين وأعضاء سابقين في الجيش الجمهوري الأيرلندي، وآخرين عرفوا تاتشر عن قرب.

وصلت مارغريت تاتشر إلى الحكم عام 1979، رافق صعود "السيدة الحديدية" وهو اللقب الذي أطلقه عليها السوفييت ورافقها طيلة فترة حكمها حماسًا كبيرًا لأول سيدة تتولى رئاسة الوزراء في بريطانيا، سرى في لندن وقتها شعار "أنا في حالة حب مع مارغريت تاتشر"، ولكن حياة تاتشر السياسية كانت قد بدأت قبل ذلك التاريخ بسنوات، تولت وزارة الدولة لشؤون التربية، أول عمل عرفت هو إلغاء التوزيع المجاني للحليب لتلاميذ المدارس، ونالت عليه لقب "سارقة الحليب".

ولدت مارغريت روبيرتس في 13 تشرين الأول، أكتوبر 1925 في مدينة غرانتام، والداها ألفريد وبياتريس روبيرتس مالكا بقالية في المدينة.

تعلمت أول مبادئ الحياة من والدها الذي كان أقرب لها من والدتها: "من لا يدخر قرشًا لن يحصل على اثنين".

مارس والدها الوعظ الديني، ورافقته مارغريت في جولاته الكنسية.

درست في مدرسة عامة جيدة المستوى، وبفضل تفوقها انضمت إلى جامعة أوكسفورد، أظهرت اهتماما باكرا بالسياسة، وترأست جمعية الطلاب المحافظين فيها.

عاصرت نهاية السيطرة البريطانية على الهند، وخسارة تشرشل للانتخابات عام 1947 لصالح حزب العمال بزعامة كليمنت أتّلي.

أصبحت عام 1950 أول مرشحة للانتخابات التشريعية في دارتفورد وكان عمرها 14 عامًا.

تزوجت عام 1951 من دنيس تاتشر، وهو رجل أعمال غني، من شخصيات الاستعمار البريطاني، كان أكبر منها بأحد عشر عامًا، ورغم عدم اهتمامه المباشر بالسياسة لكنه أمَّن لها دعمًا كبيرًا في مجالات المال والأعمال.

انتخبت مارغريت تاتشر أخيرًا عضوة في مجلس العموم البريطاني.

في بداية حياتها السياسية، كرست جهودها للفوز بالانتخابات أكثر من تركيزها على أفكار سياسية محددة، كان الأهم في نظرها هو المال، الحرب، والدبلوماسية الدولية، وهذا ما سيطبع لاحقًا سياستها كرئيسة للحكومة.

انضمت إلى الحكومة كوزيرة لشؤون التربية، وصارت زعيمة للمعارضة بعد خسارة حزب المحافظين للانتخابات عام 1976.

تفاقمت المشاكل التي واجهت الحكومة العمالية التي كان يرأسها جيمس كالاغان بسبب زيادة نفوذ النقابات في الحياة السياسية، وفي انتخابات 3 أيار عام 1979 حظيت أفكارها الداعية لتقليل سلطة النقابات ودعم الحريات الفردية قبولا داخل حزبها المحافظ وحملها إلى رئاسة الوزراء.

الأشخاص الطيبون لديهم حلم واحد رائع رؤية مارغريت على المقصلة""

هذا المقطع شديد الإيحاء الذي أنشده المغني موريسي دي سميث يعبر عن موقف معارضي تاتشر خلال فترة حكمها التي انقسم حولها المجتمع البريطاني، لكن ذلك لم يمنعها من البقاء في الحكم حوالي اثني عشر عامًا.

آمنت تاتشر بتفوق الفرد ونظرت ببغض إلى تدخل الدولة، ووصلت إلى حد إنكار وجود المجتمع.

انطلقت من فكرة "نحن لا نخطئ عندما نكون أقوياء".

حرصت تاتشر على الظهور بإطلالة أنثوية قادرة على ممارسة السلطة حتى أصبحت حقيبة يدها رمزا للسلطة في بريطانيا!

السياسة الاجتماعية والاقتصادية لمارغريت تاتشر

من علامات هذه السياسة إدخال القطاع الخاص إلى الخدمات الطبية العامة دون تخصيص المشافي العامة مع الحفاظ على مجانية هذه الخدمات.

حمَّل المعارضون حكومة تاتشر مسؤولية تراجع الخدمات الصحية للأشد فقرًا وأبناء الأقليات.

وقفت ضد تقديم المساعدات الاجتماعية للفقراء.

من مساوئ سياستها بيع المنازل الاجتماعية وعدم استبدالها ببناء وحدات سكنية جديدة، وهذا ما أدَّى إلى حدوث أزمة السكن فيما بعد.

وضعت تاتشر بسياساتها حدًّا لدولة الرفاهية التي سادت في بريطانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

الحرب مع النقابات

من عـــــلامـــــــات عـــصــــــر مارغريت تاتشر صراعها مع النقابات، وخصوصًا نقــــــابــــــة عــــــمـــــــال المناجم وزعــــيمــهــا أرثر سكارجيل، فقد استطاعت هذه النقابة إســـقاط حكــومــة تيد هيث المحافظة في عام 1974.

غيَّرت تاتشر موازين الـــقــــوى بين النقابات والحــــكــومــــة لصــــالـــــح الأخيرة، ونجحت في جعل حصول الإضرابات أمرًا نادرًا في بريطانيا، بعد أن أجبرت النقابات على تأمين نصاب يتضمن موافقة 60 بالمئة من العمال، وهو أمر لم يكن متوفرًا حتى في الانتخابات التشريعية!

رفــــــــضــت اســتـقـبـال رؤساء النقابات في مقر الحكومة، وضعت حدًّا للقــانون الذي كان يجبر العـمـال على الانضــــمام للنقابات، ولم يعد ممكنا القيام بإضراب تضامنًا مع نقابة أخرى.

حولت تاتشر الشرطة إلى قوات شبه عسكرية لخدمة الأهداف السياسية لحكومتها وقمعت إضراب عمال المناجم بين عامي 1984 - 1985.

كان عدد العاطلين عن العمل في معظم سنوات حكم تاتشر بحدود ثلاثة ملايين شخص ووصل إلى أربعة ملايين في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي.

كارثة شيفيلد

من أسوأ الأحداث في عهد تاتشر كارثة ملعب هيللسبروة في شيفيلد في نيسان 1989

في مباراة بكرة القدم بين نوتنغهام فوريست وليفربول، قتل 96 شخصًا مختنقين بعد تدافع الحشود في الملعب، ألقت الشرطة باللوم على جماهير ليفربول.

اعترف دافيد دوكينفيلد قائد الشرطة في الملعب بعد سنوات من الحادث بالكذب عند إعادة التحقيق بكارثة الملعب بعد إصرار أهالي الضحايا، وأنه هو من أمر بفتح البوابة، رغم ذلك فقد أطلقت المحكمة سراحه.

مارغريت تاتشر والجيش الجمهوري الأيرلندي

كانت المواجهات بين أنصار الجمهورية والشرطة البريطانية قد بدأت قبل وصولها إلى الحكم بعشر سنوات.

طالبت حركة الاحتجاج في ايرلندا الشمالية أولاً بالحقوق المدنية والمساواة بين الكاثوليك والبروتستانت دون مطالبات بالاستقلال عن بريطانيا وتوحيد ايرلندا، كانت الحركة متأثرة بأفكار مارتن لوثر كينغ وثورة طلاب باريس عام 1968 لكن اضطهاد الشرطة البريطانية لها غيِّر من اتجاهها.

كان ملف السجناء السياسيين المؤيدين للجيش الجمهوري الأيرلندي مفصلاً هاما في هذا الصراع، تبنت تاتشر سياسة تقوم على إضعاف المساجين ومعاملتهم كمجرمين.

بلغ الصراع ذروته في 12 تشرين الأول 1984، أثناء مؤتمر لحزب المحافظين في مدينة برايتون، زرع الجيش الجمهوري الأيرلندي قنبلة في غرفتها بفندق غراند، نجت تاتشر، ولكن خمسة أشخاص قتلوا في الهجوم وجرح آخرون.

تمكن الجيش الجمهوري أيضًا من قتل ايري نيفي مسؤول ملف ايرلندا الشمالية في الحكومة البريطانية، واللورد مونباتين نائب الملك السابق في الهند، وهو عم الأمير فيليب زوج الملكة اليزابيت الثاني.

رفضت تاتشر أي صلة سياسية بين ايرلندا الشمالية، وشجعت الأعمال الاستخبارية، فقتل مثلاً بات نينوكان وهو مناصر لحقوق الإنسان، ودعمت عصابات إجرامية مؤيدة لبريطانيا، وشجعت على قتل الزعماء الجمهوريين المعروفين.

ردَّ السجناء المؤيدون للجمهورية بإضراب مفتوح عن الطعام، ورفضت تاتشر التراجع رغم موت العديد منهم وعلى رأسهم بوبي ساندس، وراهنت على استسلامهم.

رغم ذلك، اضطرت لتقديم بعض التنازلات حيث وقع البريطانيون مع ايرلندا اتفاقا بزيادة مشاركة الدولة الأيرلندية في شؤون ايرلندا الشمالية.

مارغريت في الفوكلاند

كانت حرب جزر الفوكلاند أو المالفيناس التي انطلقت في 3 نيسان 1982 من أهم المحطات في حياة تاتشر السياسية، واختبارًا ناجحًا لشخصيتها القوية.

رفعت هذه الحرب أسهمها محليًا وعالميًا بفعل الانتصار العسكري والسياسي ورفضها التفاوض مع حكام الأرجنتين العسكريين.

تاتشر على مسرح السياسة العالمية

اعتمدت في قراراتها على عدد قليل من المساعدين والمستشارين، يروي تشارلز باول مستشارها الدبلوماسي عن مشاركته معها في أحد المؤتمرات الدولية، كان الوفد البريطاني مكونا من 22 شخصًا، بينما ضم الوفد الفرنسي مئتي شخص والأمريكي ألف.

تقاربت مع الولايات المتحدة في عهد رونالد ريغان، والذي عرفته مبكرًا مذ كان حاكم ولاية، اتفقت معه على عداء الشيوعية، وتشاركت معه الأفكار الاقتصادية المتعلقة بتقليل الضرائب، وتمكين الأفراد من الحصول على مردود مادي أفضل من أعمالهم، وتبني سياسة دفاعية قوية.

ساعد التقارب مع الولايات المتحدة على تحسين موقع بريطانيا العالمي، ومن جهة أخرى مكَّن أمريكا والغرب من ربح الحرب الباردة.

كان لبريطانيا وتاتشر معلومات جيدة عن استراتيجية الاتحاد السوفيتي في عهد غورباتشوف، فمندوب المخابرات السوفيتية السيد غورديفسكي في لندن كان عميلاً لبريطانيا لسنوات طويلة!

في خطاب تاتشر الأخير أمام مجلس العموم قبل خروجها من الحكم، حرصت على إظهار دورها في سقوط الاتحاد السوفيتي، وتحرير دول أوربا الشرقية من الشيوعية.

سياسة تاتشر الأوروبية

شاركت في انضمام بريطانيا إلى الجماعة الأوربية على رأس الحزب المحافظ عام 1973، ولكنها سعت للحصول على وضع خاص لبريطانية من ناحية الحقوق الأساسية واتفاق شينغن.

لم تؤيد تاتشر العملة الموحدة ولا الدفاع الأوربي المشترك، ولم تكن علاقتها مثالية مع الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران والمستشار الألماني هلموت كول.

لم تتحمس أبدًا للاتحاد السياسي الأوربي، لكنها دافعت عن سوق أوربية مشتركة قوية.

الاندفاعة الأوربية نحو الاتحاد السياسي وخرق السيادات الوطنية هو ما دفع المملكة المتحدة للانسحاب من الاتحاد الأوربي أخيرًا.

كانت تاتشر شديدة الحذر من ألمانيا لاعتقادها أن من أخطأ مرتين في ذات القرن يمكن أن يكررها مرة أخرى.

سقوط السيدة الحديدية

ساهمت عوامل عديدة في إسقاطها منها ما تعلق بشخصها وقناعاتها وهي خليط من أفكارها الاقتصادية الليبرالية ونتاج تربيتها.

فككت سنوات تاتشر المجتمع البريطاني، وقسمت المجتمع إلى أغنياء ناجحين وفقراء فاشلين، انقطع التواصل بين المدن الصغرى وتحولت إلى مدن شبحية، وزادت البطالة.

فقدت السيطرة على حزبها المحافظ ونشأت قوى جديدة لم تكن موافقة على سياستها الداخلية والأوربية.

كانت الضريبة على الرأس أو ما سمي بالـ Poll tax.

القشة التي قصمت ظهر البعير، واجهتها معارضة شعبية عنيفة، وتخلت عناصر مؤثرة في حزب المحافظين عن دعمها.

في انتخابات تجديد قيادة الحزب المحافظ عارضها حوالي أربعون بالمئة من أعضاء الحزب، ورغم عدم خسارتها الانتخابات إلا أنَّ أقطاب الحزب ضغطوا عليها للانسحاب، وهو ما وافقت عليه مكرهة.

ماذا تبقى من حكم تاتشر؟

استطاعت تاتشر أن تجعل من لندن المركز المالي الأول في العالم، نجحت في تحديث بريطانيا اقتصاديًا وتقوية مكانتها السياسية في العالم.

لكن سياستها دشنت عصرًا جديدًا من إلغاء الإنسانية في المجتمع، زادت معاناة أعداد كبيرة من الناس وإصابتهم بالقلق والإحباط، فشعورهم بابتعاد النخب السياسية عنهم دفعهم لخيارات غاضبة نحو اليمين المتطرف.

 نمت معها العنصرية والخوف من الأجانب ومهدت لظهور نوع جديد من الساسة في الغرب من نوعية مارين لوبين في فرنسا، ودونالد ترامب في الولايات المتحدة.

في جملة مفيدة يقول كينيث كلارك السياسي المقرب من تاتشر: في ديمقراطية غربية، لا يجب أن يبقى أحد في السلطة أكثر من عشر سنوات، إنه الحد الأعظم القابل للتحمل لإنسان بالغ، لأن السلطة بعد هذا الحد تصعد إلى الرأس، وعندها يجب ترك المكان لشخص آخر.

تقول جوديت بيرِّينيون في تلخيص سنوات حكم تاتشر: كانت سنوات تاتشر تعبيرًا عن السقوط الكامل، والغرق.

 

المؤلفة:

جوديت بيرِّينيون، صحافية، وكاتبة فرنسية معاصرة من مواليد 1967، عملت في جريدة ليبراسيون، لوموند الشهري، مجلة واحد وعشرون، وماريان.

لها العديد من الروايات منها الأحزان، عيون ليرا، مات فيكتور هوغو للتو، لا تنسوا أنني ألعب.

كتبت أيضًا: المتمرد عن بطل الملاكمة محمد علي، رسالة إلى أمي وغيرها.

متفرغة حاليًا للكتابة. 


عدد القراء: 1182

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-