الجمعيات الأهلية والأزمات الاجتماعية في المجتمع المصري في القرن التاسع عشرالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2023-05-31 11:38:13

د. نسمة سيف الإسلام سعد

جامعة القاهرة

تعد الجمعيات الأهلية في مصر في النصف الأول من القرن العشرين بمثابة بوتقة للعمل الاجتماعي، والواسطة التي ربطت بين الجهود الحكومية والمساهمات الشعبية من أجل تحسين الأوضاع الصحية بصفة عامة ومكافحة الأوبئة والأمراض وتخفيف آثارها بصفة خاصة، ولم يقتصر دورها على المعاونة في مكافحة الأوبئة والأمراض فقط بل امتد نشاطها ليشمل مفهوم العمل الخيري الجماعي  من حيث تقديم المساعدات المالية إلى الفقراء وتقديم الأغذية والأدوية إلى المناطق الفقيرة المحرومة من المرافق والخدمات، فضلاً عن مساعدة الناقهين على مواصلة حياتهم، بالإضافة إلى ذلك فإن القوانين المتعلقة بالطب الوقائي مثل قوانين التطعيم الإجباري كان لا يمكن تطبيقها إلا بحملات مشتركة بين السلطات الحكومية ومشاركة الجمعيات الأهلية1. 

وتعود نشأة  الجمعيات الأهلية في مصر إلى عام 1821 م حيث تأسست الجمعية اليونانية بالإسكندرية لتضم أكبر الجاليات الأجنبية التي عاشت في مصر في ذلك الوقت وذلك بأربعة عقود توالى إنشاء الجمعيات الثقافية مثل جمعية معهد مصر للبحث في تاريخ الحضارة المصرية عام 1859، والجمعية الجغرافية ثم توالى إنشاء الجمعيات بمفهومها الديني  الإسلامي والقبطي مثل الجمعية الخيرية الإسلامية 1878 وجمعية المساعي الخيرية القبطية 1881، وقبل نهاية القرن التاسع عشر كان عدد الجمعيات الأهلية التطوعية بمعناها الحديث قد بلغ 70 جمعية وقد استمر هذا الاتجاه المتنامي خلال العقدين الأول والثاني من القرن العشرين.

وقد شهدت نهايات القرن التاسع عشر زيادة نشاط المجتمع المدني فتأسست عام 1886 الجمعية الخيرية للأقباط الكاثوليك وشهد عام 1891 إنشاء جمعية التوفيق الخيرية القبطية، وفي عام 1892 تأسست الجمعية الخيرية الإسلامية، كما تأسست في الإسكندرية جمعية العروة الوثقى عام 1892 وقامت بأنشطة مختلفة لتحسين الأوضاع للسكان الفقراء وكانت هذه الجمعيات تعبيرًا عن مبادرات غير حكومية لمواجهة سوء الأوضاع الاجتماعية في تلك الفترة2، واستمر نشاط الجمعيات الأهلية حتى اتسع بصورة كبرى في أعقاب الثورة المصرية عام 1919.

أما الجمعيات الأهلية التي وجدت خلال تلك الفترة، فقد كان لها دور هام في التخفيف من حدة أزمات الفقر، ونذكر منها:

الجمعية الخيرية الإسلامية:

ترجع نشأة هذه الجمعية عندما جاء فنان روسي  إلى مصر وقدم عدد من الحفلات الناجحة وأراد أن يخصص دخل آخر ليلة من الحفلات لإعانة فقراء البلاد فقدمه لمحافظ العاصمة في وقتها إبراهيم رشدي باشا وعندما لم يجد جمعية خيرية مصرية لتقديم العون للفقراء وإعانتهم على تربية أولادهم، قرر بالاشتراك مع عدد من المهتمين بالعمل الخيري تكوين "لجنة فقراء المسلمين" عام 1891 لتصبح في العام التالي وبالتحديد في 19 أكتوبر 1892 "الجمعية الخيرية الإسلامية" وكان من أهم أعضاؤها "الشيخ محمد عبده ومحمد فريد وأحمد حشمت وسعد زغلول"3.

 وكان الاهتمام  بأحوال فقراء العاصمة هو باكورة أعمال الجمعية عند نشأتها فى 1892 فلم يمض على تأسيس الجمعية  سوى أيام قليلة حتى فكر القائمين على أعمالها  في بحث وتحقيق حالة الفقراء ووضع أفضل نظام لتقديم الإعانة لهم، ففي 30 ديسمبر 1892 قرر المجلس تشكيل أربع لجان مقسمة على الأحياء الفقيرة في العاصمة  لتحقيق هذا الغرض (الدرب الأحمر والخليفة والسيدة زينب والأزبكية) وخصص مجلس إدارة الجمعية من كل لجنة عضوان لتسجيل أسماء العائلات المحتاجة للمساعدة حتى لو لم تقدم طلبًا للإعانة، وكان الخديوي عباس حلمي الثاني مهتمًا بأنشطة الجمعية فقد دعا لإقامة حفل خيري لصالح الجمعية في 6 أكتوبر 1892 وتبرع لصالح هذا الحفل بمبلغ 75 جنيهًا  فكان بداية  لتشجيع الأعيان على التبرع للحفل الذي بلغ إجمالي إيراده بعد إسقاط النفقات نحو 1077 جنيهًا، ونجحت الجمعية منذ عام 1893 في تحديد رواتب شهرية لبعض عائلات الفقراء بلغت في مجملها 46 عائلة4.

وفي عام 1894 تقدم لطلب الإعانة أعداد كبيرة من فقراء العاصمة؛ ولما كانت الميزانية المقررة لا تكفي؛ قرر مجلس إدارة الجمعية بناء على اقتراح الشيخ محمد عبدة في فبراير عام 1894 إقامة حفلة خيرية يخصص جميع إيرادها للفقراء، وتقديم المساعدات لعدد أكبر من المحتاجين منهم5.

جمعية التوفيق الخيرية القبطية:

تأسست في عام 1891 من الشباب المتحمس من أبناء الأحياء الفقيرة مثل شق الثعبان وباب زويلة  لتغيير الواقع الصعب الذي يعيشه سكان هذه الأحياء، وكان الغرض الأساسي من إنشائها هو تقديم الخدمات الطبية للفقراء وغير القادرين، وفي التاسع من شهر أكتوبر 1896 قامت الجمعية بإقامة مستشفى مارمرقس لعلاج الفقراء بالمجان بعد قيام إبراهيم منصور بك رئيس الجمعية بشراء سراي السلحدار بحي الفجالة، ونجحت الجمعية بفضل جهود أعضاؤها ومساهمات المتبرعين في توسيع نطاق عملها فأنشات مدارس للبنين كانت بدايتها عام 1895  ووصل عدد الطلاب فيها عام 1918 إلى 475 تلميذ في المرحلة الابتدائية و300 طالب في المرحلة الثانوية6،  وكذلك أنشأت مدرسة للبنات عام 1897 وصل عدد الطالبات فيها وفقًا لتقرير الجمعية عن عام 1918  275 تلميذة في المرحلة الابتدائية، ولم تشترط أن يكن طلابها أو هيئة التدريس بها من المسيحيين وإنما فتحت أبوابها لجميع المصريين7.

ومما سبق نجد أن منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر صارت القاهرة مقر للجمعيات الأهلية المختلفة وامتد نشاطها لكافة أوجه الحياة العامة مما يعد تطبيقًا لتعريف "الجمعيات الأهلية" بأنها أحد أركان المجتمع المدني وهي مؤسسات تعتمد على مجهود المتطوعين من الأفراد والجماعات وتقوم بعمل إنساني تطوعي يهدف لحل مشاكل الجماهير دون انتظار تدخل الدولة لتقديم مايلزم الطبقات الفقيرة من خدمات في ميادين الرعاية والتنمية الاجتماعية8.

 

الهوامش:

(1) محمد عبدالفتاح محمد: الجمعيات الأهلية النسائية وتنمية المجتمع، المكتب الجامعي الحديث، القاهرة 2006، ص 56.

(2) محمد أبو الغار: هيا ندعم حقوق المرأة المصرية، المصري اليوم، 26 يوليو 2022.

(3) أماني قنديل وسارة بن نفيسة: الجمعيات الأهلية في مصر، مطبوعات مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، القاهرة 1994، ص 23.

(4) علي محمد المكاوي: الخدمة الصحية في مصر دراسة للأبعاد المهنية والاجتماعية والثقافية، رسالة دكتوراه، كلية الآداب، جامعة القاهرة 1986، ص 66.

(5) حلمي أحمد شلبي: فصول من تاريخ حركة الاصلاح الاجتماعي في مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1988، ص 33 .

(6) توفيق حبيب: الفجالة قديمًا وحديثًا، مؤسسة هنداوي للثقافة، القاهرة 2012، ص35

(6) رشدي أمين الطوخي: مصر والأقباط في مائة عام، دار العالم العربي للنشر، القاهرة 1991، ص 44.

(7) وائل إبراهيم الدسوقي: التاريخ الثقافي لمصر الحديثة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2015 ، ص 185

(8) نسمة سيف الإسلام سعد: المجتمع وفقراء القاهرة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مجلة المؤرخ المصري، العدد 60، يناير 2022، ص 617.

مراجع الدراسة:

• أماني قنديل وسارة بن نفيسة: الجمعيات الأهلية في مصر، مطبوعات مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، القاهرة 1994.

• توفيق حبيب: الفجالة قديمًا وحديثًا، مؤسسة هنداوي للثقافة، القاهرة 2012.

• حلى أحمد شلبي: فصول من تاريخ حركة الإصلاح الاجتماعي في مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1985.

• رشدي أمين الطوخي: مصر والأقباط في مائة عام، دار العالم العربي للنشر، القاهرة 1991.

• علي محمد المكاوي: الخدمة الصحية في مصر دراسة للأبعاد المهنية والاجتماعية والثقافية، رسالة دكتوراه، كلية الآداب، جامعة القاهرة 1986.

• محمد أبو الغار: هيا ندعم حقوق المرأة المصرية، المصري اليوم، 26 يوليو 2022.

• محمد عبدالفتاح محمد: الجمعيات الأهلية النسائية وتنمية المجتمع، المكتب الجامعي الحديث، القاهرة 2006.

• نسمة سيف الاسلام سعد: المجتمع وفقراء القاهرة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مجلة المؤرخ المصري، العدد 60، يناير 2022.

• وائل إبراهيم الدسوقي: التاريخ الثقافي لمصر الحديثة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2015.


عدد القراء: 1421

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-