مراجعة كتاب «نداء الشجاعة» الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2023-05-31 20:01:57

د. عمر عثمان جبق

سلطنة عمان- جامعة التقنية والعلوم التطبيقية، كلية التربية بالرستاق (قسم اللغة الإنجليزية وآدابها)

الكتاب: "نداء الشجاعة"

المؤلف: Ryan Holiday

الناشر: Portfolio / Penguin

سنة النشر: 2021

اللغة: الإنجليزية

عدد الصفحات: 246 صفحة

هذا الكتاب واحد من أربعة كتب في هذه السلسلة تتحدّث عن فضائل أتْباع المدرسة الرواقية “stoicism” المتمثلة في الشجاعة والعفّة والعدل والحكمة. وتعدّ الشجاعة في مقدمة هذه الفضائل لأهميتها بالنسبة للثلاثة الأخرى؛ فبدونها تغدو الفضائل الأخرى غير ممكنة ومستحيلة. فما هي الشجاعة التي يعنيها المؤلف في كتابه هذا؟

 يستهّل المؤلف كتابة بالقول إنّ الشجاعة لاتعني غياب الخوف، لكنها تعني إدارته بحيث نقوم باستخدامه للتنبيه لخطر ما، ومن ثم نقوم بمعالجته من خلال جهود حثيثة لتحديده والتعرّف إلى مصدره. يقدّم المؤلف أمثلة تاريخية قديمة وحديثة لإثبات وجهات نظره الخاصة بالشجاعة، ويذكر أسماء أشخاص خلّدهم التاريخ بسبب أعمالهم البطولية الشجاعة تحفيزاً للقرّاء على الاقتداء بهم والتحلّي بالشجاعة اللازمة للقيام بما عليهم القيام به في حياتهم الخاصّة.

ومن وجهة نظر المؤلف فهناك أمور تساعد على تكوين هذا النوع من الشجاعة. فمثلاً توقّع سيناريوهات سيئة مسبقًا والاستعداد لها يساهم في شجاعة اتخاذ القرار. وهنا يقول المؤلف: "عليك أن تتوقع الأسوأ حتى تعطي أفضل أداء لديك. فعندما يتم تحديد الخوف، يمكن هزيمته. وعندما نُفصح عن العيوب، يمكننا مقارنتها بالمزايا، ومن ثم التخلّص منها أو تقليلها. وعندما يتم حصر الذئاب، نجد أنها أقل مما كنا نظن. وعندها تبدو الجبال كأنها تلال ترابية صغيرة من صنع الخلدان؛ وتصبح الوحوش مجرد أناس عادية مثلنا. وعندما نفكر بالعدو على أنه بشر مثلنا، يمكننا فهمه بطريقة أفضل". ويتابع الكاتب قوله: "ما كنا نعتقد أنها تكاليف باهظة تبدو كأنها حسابات سهلة وبسيطة لدى تقديرها تقديرًا صحيحًا. ويتضح لنا أن المكاسب تفوق المخاطر كثيرًا. ويمكن رؤية حدوث الأحداث التي كنا نعتقد أنها غير ممكنة ومستحيلة، ويمكن الاستعداد لها أيضًا. ويمكن صدّ الهجمات المتوقعة. ويمكن تقليل عدد الاحتمالات وتقليص قانون ميرفي (ماقد يفشل سيفشل). إن الخوف الغامض كافٍ لردعنا؛ وكلما اكتشفناه أكثر، قلت قوة تأثيره علينا. لذلك علينا مهاجمة تلك الفرضيات واقتلاعها كما نقتلع السرطان. "وفي هذا السياق، يسرد المؤلف قصة حدثت مع بطل العالم للملاكمة محمد علي كلاي عندما حاول مروّج النزال على اللقب الأول لمحمد علي كلاي تهديد محمد علي كلاي بإلغاء النزال إن لم يتخلى محمد علي كلاي عن إسلامه. فما كان من محمد علي كلاي إلا أن قال:" ديني أهمّ من النزال" بدون خوف ولا تردد، مع أنّ حلمه المهني كان على المحكّ، لكنه لم يجبُن أو يخف!

الشجاعة تعني تقدير الخطر والخطوات التي سنتخذها للتعامل معه؛ لأنّ المسألة لاتتعلق بما إذا كانت الأمور صعبة أو مخيفة أم لا؛ لأنها بالطبع ستكون صعبة ومخيفة، ولكن تتعلق باستجابتنا التي تعطي هذه الصعوبات حجمها الطبيعي دون مبالغة أو خوف، والتخطيط للتغلب عليها والتدريب عليها ومعالجتها في وقتها، واحدة تلو الأخرى. والشجاعة هي القرار الذي ينبثق من مثابرتنا في المضي قدمًا بالرغم من الظروف الصعبة، لأننا ندرك أنّ ما نقوم به صحيح. وتتمثل الشجاعة في مواقف عديدة مألوفة لدينا؛ فهي اندفاع رجل الإطفاء إلى داخل بناية تحترق، والإبلاغ عن أصحاب النفوذ الفاسدين، ومضي رائد الأعمال في عمله وحيدًا، واحتجاج النشطاء ضد الطغاة، وقرار جون كينيدي لمساعدة مارتن لوثر كينج جونير بالخروج من السجن بسبب احتجاجاته ضد التمييز العنصر؛ بالرغم من أنّ ذلك القرار كان يعتبر بمثابة انتحار سياسي لجون كينيدي. وقد تعني الشجاعة أيضًا الانضباط حسب قول سن تسو: "من الأفضل أن تفوز من دون قتال - أن تناور بطريقة تجعل العدو يخسر حتى قبل أن يبدأ". وهذا مافعله أبراهام لينكولن من خلال مناورته مع جنوب أمريكا بإقناعهم بأنّ دورهم كمعتدين في الحرب الأهلية دورٌ محكوم بالفشل، والشجاعة ما أظهرته الناشطة الباكستانية ملالا يوسفزي، وهي أصغر فائزة بجائزة نوبل، عندما سُئلت عن عنصر طالبان الذي أطلق عليها النار في وجهها وتركها تواجه الموت، فكان ردّها: "حتى لو كان معي بندقية في يدي وكان واقفاً أمامي ما كنت لأطلق عليه النار". 

يعتقد المؤلف أنّ الشجاعة مُعدية. وفي هذا السياق، يسرد لنا قصّة يونانية قديمة مفادها أنّ إحدى المدن اليونانية احتاجت إلى مساعدة عسكرية من إسبرطة؛ بيد أن سكان إسبرطة لم يرسلوا جيشهم؛ بل أرسلوا قائدًا عسكريًا واحدًا فقط من إسبرطة. ويعقّب الكاتب بقوله: "لأنّ الشجاعة معدية، تمامًا كالخوف. فشخص واحد يعرف مايفعله، ولايخاف، ولديه خطة هو كافٍ لوحده لتعزيز صفوف الجيش الأقل عددًا، وكافٍ لإعادة نظام منهار، ولإخماد الفوضى التي أخذت بالتشكّل. ولذا قائد عسكري واحد من إسبرطة كان كل مايحتاجه حلفاؤهم." علاوة على ذلك، فقد تظهر الشجاعة في اتخاذ قرارٍ ما في جزء من الثانية، كما يقول الكاتب: "تُحدَّد الشجاعة في اللحظة، وفي أقل من اللحظة، عندما نقرر الانسحاب أو التقدم أو القفز أو التراجع. فالمرء لايكون شجاعًا بشكل عام، بل يكون شجاعًا بشكل محدد وفي وقت وظرف محددين. ويمكننا أن نصبح شجعانًا من خلال إحراج الشجاعة لبضع ثوان، وهذا يكفي." ويردف الكاتب قائلاً: " وليس هناك مثال عن ذلك أفضل من المأساة الحديثة حيث تمكنت معلّمة في مدينة "يوفالد" في ولاية تكساس من حماية طلابها من مطلق النار في المدرسة بجسدها؛ بحيث أنقذت حياة الأطفال وفقدت حياتها مقابل ذلك!" نعم، يمكن للشجاعة أن تعني التضحية أيضًا. كما حدث مع المعلّمة "إريما غارسيا" في حادثة إطلاق النار تلك في تكساس التي أنقذت حياة الكثير من طلابها. وقد تظهر الشجاعة أيضًا لدى الأم التي تضع طموحها المهني جانبًا كي تعتني بطفلها المريض، وتظهر أيضًا في المهاجر الذي يعمل في عمل وضيع في الخارج، على الرغم من حصوله على درجة في الطب من بلده الأم، وفي الموظف الذي يستقيل من عمله عالي الأجر في شركة أو قطاع عمل ما تساهم في جعل العالم مكانًا أسوأ. وتظهر أيضاً في ذلك الشخص الذي تتعرض سمعته للأذى والضرر ظلمًا وعُدوانًا لأنه يحمي شخصًا آخر بصمت، دون أن يقول ذلك. ويؤكد الكاتب على أنّ السكوت عن الخطأ والمظالم واتخاذ القرار هو نقيض الشجاعة، وقد يكون مُعديًا أكثر من الشجاعة لأنه ينبع من الخوف على المصالح الشخصية.

من الدروس المستقاة من هذا الكتاب هو أن الأبطال الأسطوريين كانوا جميعهم بشرًا تعتريهم نفس المخاوف والشكوك البشرية، تمامًا مثل باقي البشر. فعلى سبيل المثال، رفضت "فلورنس نايتنجيل" (ممرضة بريطانية شجاعة خلال حرب القرم أطلق عليها اسم سيدة المصباح) في بادئ الأمر نداء المغامرة والشجاعة لأنه "صعب ومخيف جدًا، ولابد أنها لم تكن الشخص المناسب لذلك"، ولكنّها فيما بعد تيقّنت أنها هي الشخص المقصود فلبّت النداء بكل شجاعة متحدية مخاوف والديها والتقاليد الاجتماعية. أحيانًا يكون نداؤنا أكبر بكثير من مخاوفنا، أو المخاطر التي تحفّنا؛ وبالتالي فإن الشجاعة تعني ملاحقة ذلك النداء حتى لو بدا كما لو أنّ العالم كله ضدنا. وهذا هو الخيط الرفيع جداً الذي يفصل الأبطال عن البقية.  كان تشرتشل في الرابعة والخمسين من عمره، وكان من الممكن جدًا أن يتقاعد ويعيش حياة بسيطة في هذا السن عندما بدأ خطر هِتلر يلوح في الأفق. كان من الممكن أيضًا أن يبقى جون ستيف راضيًا بعمله الثاني مع شركة "بيكسار" وألا يحاول مطلقًا خوض معركته الصعبة في استعادة آبل، اختراعه الأول. ولايمكن لأحد لوم شارل ديغول لو أنه اختار العيش متخفيًا مع زوجته وأولاده في بريطانيا بعيدًا عن الخطر بعدما فرّ من الاضطهاد النازي ولم يقم بتنظيم الانتفاضة الفرنسية.

وكما يتضح لنا فإن الشجاعة لا تعني عدم الخوف، بل هي أبعد من ذلك؛ إذ يمكن أن نكون خائفين لكننا لا نظهر خوفنا، ونتصرف بشجاعة لأن النداء أو السبب أو الهدف أكبر بكثير من خوفنا. وهذا بالضبط ما اكتشفه الأبطال في التاريخ البشري: اكتشفوا أن الخوف هو مجرّد حالة ذهنية، بينما الشعور به هو حالة حسية انفعالية يمكن تجاهلها والتغلب عليها. ولقد لخّص الروائي "ويليامز فوكنر" مواضع الشجاعة عندما قال: "لذا لا تكن خائفًا مطلقًا، لاتكن خائفًا مطلقًا من الدفاع عن الصّدق والحقيقة والرّحمة بصوت عال، وانتقاد الظلم والكذب والجشع بصوت عالٍ أيضًا."


عدد القراء: 2695

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-