الهوس الفكري وأثره على أبطال رواية (آل بتروف والانفلونزا وحولها) للكاتب الروسي المعاصر اليكسي سالنيكوفالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2023-09-29 20:32:11

حسين علي خضير

كلية اللغات – جامعة بغداد

كل عائلة تصاب بفايروس الأنفلونزا وهذا أمر طبيعي في عالمنا، ولكن إصابة عائلة آل بتروف بهذا المرض يعني الهوس بحد ذاته، تنغمس أبطال الرواية في هوس فكري ونفسي لا حدود له، بل يتجاوز اللامعقول، ابتداءً من بطل الرواية وهو بتروف وانتهاءً بزوجته المطلقة بتروفا، ولكن الهوس فيما بينهم متفاوتًا، صحيح أن هذا الهوس يزداد حدته في أثناء الإصابة بالأنفلونزا، إلا أنه تعبيرًا عن العقل الباطن لهؤلاء الأبطال.

في البدء، لا بد أن نتحدث عن عائلة بتروف – وهو رجل ميكانيكي سيارات لديه موهبة الرسم، يحب القراءة، ويعيش في حالة من الهوس والتفكير الدائم في كل ما يحيط به، بحيث وصل به الأمر إلى تقديم المساعدة لصديقه سيرغي في مسألة الانتحار، على الرغم من أنه تردد كثيرًا في عدم المساعدة إلا أنه في الأخير استسلم إلى ما يصبو إليه صديقه بالضغط على زناد المسدس بدلاً من سيرغي، أما زوجته كانت أشد منه حدة وممكن القول كانت تتعطش للدماء، وكانت عقدتها الرجال الذين لا يحسنون التعامل مع زوجاتهم  بطريقة محترمة، إذن، نحن أمام حالة مرضية نفسية صعبة، برغم من الكاتب بينَ الأسباب التي آلت بهم إلى هذا الأمر، ولكن هذه الأسباب لا تستدعي أن يتفاقم الأمر بهذه الصورة، والسبب الرئيس كان عامل الطفولة وانعكاسه على سلوكهم، إلا أن بتروف وبتروفا اثبتوا مدى جدارتهم بحبهم لابنهم بتروف الصغير وتحملوا مسؤوليتهم اتجاه ابنهم بكل تفان وحرص، وهذا الأمر ظهر جليًا في أثناء مرض ابنهم  بالإنفلونزا، برغم من إنهم مطلقين، فقد عاشا سويًا من أجل مراعاة ابنهم أثناء مرضه بالإنفلونزا.

الشخصيات الرئيسية في الرواية:

1 – بطل الرواية وهو بتروف، أهم ما يميز هذا البطل فقد نوهنا سابقًا كثير الهوس والتفكير، ولكن الكاتب وصفه في بداية الرواية، قائلاً: (لأن بتروف لم يكن لديه أي طموح في نفسه حتى في الماضي، حيث لم يستطيع أن يتحمل أي خيبة أمل في الحياة بأي شكل من الأشكال)(1)، وهذا الأمر يوضح بأن الكاتب حكم على بطله مسبقًا في صفحة سبعة وعشرون، مع أن الرواية عدد صفحاتها يناهز الأربعمائة صفحة تقريبًا، ولم يدع أحداث الرواية هي الكفيلة بنقل صورة البطل.

2 – أما بتروفا وهي طليقة بتروف، يتحدث الكاتب عنها بوضوح، ويصورها كالتالي: (بشكل عام، كان هوس بتروفا مثل دوامة باردة تتحرك بداخلها)(2) هكذا كانت بتروفا، اما الميزة الإيجابية التي تتمتع بها هذه المرأة كانت مثقفة وكثيرة القراءة.

3 – إيغور دميتريفيتش أرتوخين، لعب دورًا كبيرًا في أحداث الرواية، وكان له تأثير كبير على بتروف، بالرغم من أنه يقارع الخمر ولا يعير أهمية لثوابت الحياة، ولكن أفكاره ثاقبة ومتحررة، وحاول بتروف أن يتحرر منه في نهاية المطاف.

4 – سيرغي صديق الطفولة لبتروف: هذه الشخصية ممكن أن أطلق عليها بالشخصية الجدلية، في الوقت الذي يريد أن يكون كاتبًا معروفًا، ويخدم الإنسانية في انتاجه الأدبي، إلا أنه اعتقد بأن الشهرة لا تأتي إلا بعد قتل نفسه، وترك أعماله بيد بتروف كي يأخذها إلى دور نشر، ولكن بتروف لم ينفذ وصيته، بل قام بحرق المخطوطات التي أوصى بها لنشرها بعد انتحاره. الشيء الجيد أن الكاتب سالينكوف قد بينَ لنا بأن علاقة سيرغي بالأدب كالتالي: (... إنه كارتداء ملابس النساء سرًا دون الخروج إلى العلن)(3).

هذه أهم الشخصيات والأحداث التي جرت في الرواية، ما يميز هذا العمل، استطاع الكاتب سالنيكوف أن يصور الحالة النفسية التي تعيشها أبطاله بطريقة رائعة أقرب ما تكون للواقع. وأخيرًا، أن رواية "بتروف والانفلونزا وحولها" هي رواية لا تتعلق بالعائلة، بل تتعلق بدوافع الإنسان الداخلية وما يحيط بداخلها من عجز وطموحات مكبوتة، وبشكل عام هي شكل من أشكال الأنسان المحطم نفسيًا. لكن المثير في الأمر حين وجهت سؤال للكاتب سالنيكوف حول روايته، وقلت له: ماذا تريد أن تقول للمجتمع الروسي من خلال روايتكم هذه؟ أجابني، قائلاً: "أردت أن أقول إنه في بعض الأحيان نتغاضى عن ما هو غير عادي في حياتنا، وأحيانًا نعتقد أنه يمر عبثًا، ولكن هذا ليس هو الحال على الإطلاق".  

المصدر:

1) اليكسي سالنيكوف، آل بتروف والانفلونزا وحولها، ترجمة: د. منذر ملا كاظم، ثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى: 2023، الإمارات العربية المتحدة، ص 27.                                                       

(2) نفس المصدر، ص 56.

(3) نفس المصدر، ص 239.


عدد القراء: 3353

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-