ماذا كنت ستفعل لو كنت مكانه؟الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2016-08-19 01:36:11

محمد بن عبدالله الفريح

كاتب ومفكر

دخل رجل إلى أحد فروع الهايبر ماركت Tesco البريطانية الشهيرة والمنتشرة في ماليزيا، واشترى مشروبات وفواكه تعادل سبعة دولارات أمريكية، وحاول الخروج بها خلسة، فاقترب منه (رضوان) مدير الفرع، حيث كان يتابعه مع الأمن على شاشات كاميرات المراقبة، فأسقط الرجل ما في يديه، واعترف فورًا بأنه كان ينوي سرقتها بالفعل، فهدّأ رضوان من روعه، وطلب منه معرفة السبب الذي دفعه إلى ذلك، فقال الرجل: إنه ترك عمله منذ مدة لرعاية زوجته وأولاده الثلاثة، إذ كانت زوجته قد أنجبت حديثًا، وأصيبت بغيبوبة كاملة بعد الولادة، فاستبقى (رضوان) الرجل في المحل، وذهب مع أحد أفراد الأمن إلى منزل الرجل ليتأكد من صدق روايته، فلما تأكد من ذلك عاد إلى المحل، وأعطاه الأشياء التي كان ينوي سرقتها، ومنحه مبلغًا من المال، وعرض عليه وظيفة في الهايبر ماركت، وتكفلت الشركة بنفقات التحاق أطفاله بالمدرسة!

القصة برمّتها هزت ماليزيا في الأيام القليلة التي تلت الحادثة حتى وصل صداها إلى مقر شركة Tesco الرئيس في بريطانيا، ونشرتها وكالات الأنباء العالمية!

انظر إلى فعل (رضوان) ذاك المدير الشاب، فلو سلّم الرجل للشرطة، لكان أمرًا عاديًّا، فكثير من المحالّ التجارية تحبط من يقومون بالسرقة، وتلزمهم بالدفع ومقاضاتهم أمام المحاكم مددًا تطول، وتقصر بحسب أنظمة الدول وقوانينها، أما (رضوان) فقد قرر أن يسلك مسلكًا مختلفًا بدافع الرحمة والشفقة، وبذلك فتح طريقًا جديدًا للتوبة لذاك الرجل، وبلغت شهرة (رضوان) نفسه آفاقًا رحبة غير متوقعة، فالرحمة قبل العدل، والرحمة تفتح أبواب الرجاء والأمل، وتبعث على صالح العمل، وثمار الرحمة أكثر وفرة ونتاجًا من نتاج العدل، وإن كان لا غنى عنهما معًا، وتفتح لنا آفاقًا جديدة في مراجعة قراراتنا في كثير من السلوكيات التي تمر علينا بشكل شبه يومي، ويختلف حدها وآثارها من موقف لآخر، فلنجربْ أن نغيّر من طريقة تعاطينا مع ما نتعرض له من مواقف، وإني على ثقة كبيرة بأن النتائج ستكون استثنائية بكل الأبعاد، شكرًا لك (رضوان) على هذا العطاء والإلهام والمنح.

تذكرت، وأنا أقرأ هذه القصة على الرغم من ندرتها في السلوك البشري، إلا من رحم الله، قول الحق تبارك وتعالى: (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) الأعراف:181.

وأتذكر أيضًا إرشاد المصطفى صلى الله عليه وسلم لنا وهو يمارسه بشكل يومي كما نقلت لنا ذلك كتب السيرة المتعددة، حتى أصبح خلقًا له، وذلك بقوله في الحديث الصحيح: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله». أخرجه البخاري (رقم 6927) ومسلم (رقم 2165).

 خاطرة:

كما علق بذهني قول الأديب اللبناني الشهير جبران خليل جبران: (إن لم يجرِ بينكم التبادل بالحب والعدل، شرهت فيكم نفوس، وجاعت أخرى.


عدد القراء: 7385

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-