الواقعية السحرية في أعمال ماريو بارغاس يوسا (صاحب نوبل)الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2015-06-05 12:31:38

د. أنور محمود زناتي

جامعة عين شمس- مصر

أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية يوم الخميس 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 فوز أديب بيرو الشهير «ماريو بارغاس يوسا»  Vargas llosa،mario بجائزة نوبل للآداب لهذا العام. وأبرزت الأكاديمية حصول الأديب اللاتيني على الجائزة لقدرته على «رسم هياكل السلطة، وصوره الراسخة للمقاومة والثورة وهزيمة الفرد». ويوسا يعد من أعلام الأدباء في أمريكا اللاتينية.

أدب أمريكا اللاتينية الواقعية السحرية Magic Realism

وقد تطور أدب أمريكا اللاتينية منذ الخمسينيات من القرن العشرين ويطلق عليها مدة الازدهار حيث أنتجت عدد كبير من الروايات المهمة لعدد غير قليل من الكتاب والروائيون المبدعون من أمثال كارلوس فونتيس من المكسيك، وخوليوكورتازار من الأرجنتين، وغابرييل غارسيا ماركيز من كولومبيا. وماريو فارغاس يوسا من بيرو، ومن أشهر أعمالهم: رواية (بيدرو بارامو) لخوان رولفو (المكسيك) و(مئة عام من العزلة) لغابريل غارسيا ماركيز و(السيميائي) لباولو كويلهو (البرازيل) و(مدينة الوحوش) لإيزابيل اللينيدي (التشيلي).

ويلجأ هؤلاء الكتاب إلى الاختراع الأدبي في قصصهم ليعبروا عن تراثهم الثقافي. وقد أجروا تجارب على اللغة والبيئة الروائية وكثيرًا ما أدخلوا الخيال الجامح مجزئين الزمان والمكان، وأدّى هذا الازدهار إلى أسلوب يُعرف بالواقعية السحّرية وهو ما تمتزج فيه الأحلام والسحر بالواقع اليومي وتعد عن الهموم السياسية والاجتماعية والاقتصادية مثل التخلف، الاستبداد، الهيمنة الغربية.

وتعد الغرائبية جزء أساسي من دلالات الواقعية السحرية وفيه يرسم الروائي تفاصيل الحدث رسمًا غاية في البساطة والألفة مما يزيد من حدة الاصطدام بالغريب والمستحيل الحدوث حيث يجاوره ويتداخل فيه.

وكل روائي منهم يضع بصمته الخاصة على إبداعه، رغم أنه يشارك المبدعين الآخرين  في همومهم وطموحاتهم، وقد عاش جميعهم أيامًا مليئة بالندوب والجروح، ومع ذلك لم تهزمهم الحياة، بل تمكنوا من الانتصار عليها بفضل ممارستهم للكتابة الإبداعية! .

من هنا نلاحظ أن الغرائبية في رواية أمريكا اللاتينية غامرت في الولوج إلى عوالم مجهولة أشبه بالسحر، لكن روعتها تكمن في كونها لم تهرب إلى عالم (الفانتازيا) وتحلق بعيدًا عن هموم الإنسان وقضاياه! كل هذا يجعلنا نستنتج بأن أدباء أمريكا اللاتينية كانوا أصحاب مشاريع ثقافية نهضوية، حاولوا مخاطبة واقعهم، دون أن يتخلوا عن الاستفادة من الإنجاز الأوروبي، لهذا كرسوا أدبهم كما كرسوا حياتهم ليزدادوا التصاقًا بشعوبهم، ويعبروا عن هويتهم المتنوعة (الأوروبية، الأفريقية، الهندية) وبذلك استطاعوا تقديم أدب ينطق بخصوصيتهم! وهكذا أسهم الانفتاح الثقافي الذي كان رديفا للانفتاح الإنساني في جعل قراءة رواية أمريكا اللاتينية رحلة متعة في عوالم الدهشة والجمال والعمق، فغذّت الروح والعقل والمخيلة!

ألف ليلة وليلة

والواقعية السحرية لها صلة قوية بثقافتنا وتراثنا ، خاصة إذا عرفنا أن معظم ممثلي هذا التيار تحدثوا عن شغفهم بحكايات (ألف ليلة وليلة) وتأثيرها الكبير عليهم وربما استمدوا عدد كبير من أفكار رواياتهم إليها. ولحقيقة أن كل قصاص، في داخل هذا الإطار، له عالمه الخاص، فخوان رولف له عالمه المختلف، وكذلك خورخي لويس بورخيس، وكل منهما مختلف عن عالم ماركيز  فعالم بورخيس مأخوذ من ثقافات متعددة، على العكس من عالم ماركيز الذي يقتصر على الصنعة الروائية، وهذا يعني أنه ليس هناك شكل واحد يجمع كل الكتاب في صفة واحدة.

بارغاس يوسا المولد والنشأة

ولد فارغاس يوسا في اريكويبا في بيرو في 28 أذار/مارس 1936، ونال الجنسية الإسبانية عام 1993 بعد ثلاث سنوات على هزيمته في الانتخابات الرئاسية البيروفية. حيث كان قد ترشح للانتخابات الرئاسية في البيرو عام 1990 لكنه هزم أمام البرتو فوجيموري. ونشأ يوسا مع والدته وجده في مدينة كوشاباما في بوليفيا قبل أن يعود إلى البيرو في العام 1946. ثم أصبح صحافيًّا وانتقل إلى فرنسا عام 1959 حيث عمل مدرسًا للغة وصحافيًّا لدى وكالة فرانس برس وكذلك لدى التلفزيون الفرنسي قبل أن يصبح معروفًا بمؤلفاته.

بدأ ماريو حياته شابًا متحمسًا للأفكار اليسارية، ومؤيدًا للثورة الكوبية، لكنه مالبث أن ارتد على عقبيه، وأصبح من أشد المناوئين لها، ولأفكاره اليسارية السابقة، سواء في رواياته، أو في كتاباته الصحفية، ففي روايته (قصة مايتا) يكون البطل (مايتا) شابًا متعاطفًا مع الفقراء رومانسيًّا حتى إنه كان يصوم لأن هناك فقراء في بلده؟!...  ثم يتعرف إلى أفكار اليسار وينضم إلى الحركة اليسارية، ويقوم مع رفاق في الحزب بمحاولة تنظيم تمرد مسلح على الطريقة الغيفارية، فيهاجمون أحد سجون النظام الدكتاتوري، لكن الهجوم يفشل ويزج من تبقى من أعضاء المجموعة في السجن.‏

عاشق القراءة

يتحدث يوسا عن بدايات مراحل الكتابة لديه قائلاً: الأمر بدأ مع القراءة أنا تعلمت القراءة في الخامسة من عمري، ودائمًا أقول إنه هذا هو الشيء الأهم الذي حصل معي، أتذكر كيف أن القراءة أغنت حياتي وعالمي من خلال الكتب والمغامرات التي كنت أقرؤها، واعتقد أن هذه كانت العلامات الأولى لقلق ما، لحساسية ما إزاء الأدب، كانت والدتي تخبرني أن الأشياء الأولى التي كتبتها كانت تتمات للروايات أو الحكايات التي كنت أقرؤها، فكنت أغير نهاياتها أو أطيلها، وإلى ما هنالك، علماً بأني لا أتذكر شيئًا من هذا، ما أتذكره هو أن القراءة شغلت طفولتي ومراهقتي، فأتذكر بوضوح تام الشخوص التي كنت أصادفها في الروايات أكثر مما أتذكر رفاقي في المدرسة، روايات الكساندر دومًا مثلاً كانت بالنسبة لي شيئًا رائعًا لامثيل له، عشتها كأنها تجربة شخصية، كأني كنت هناك، مع الشخوص، فأعيش تجاربهم حتى تصورت أني واحد من الفرسان الثلاثة أتذكر أيضًا /بؤساء/ فكتور هوغو عندما كنت في بداية صفوفي الثانوية، وقد أكون بدأت الكتابة في تلك الحقبة عندما كنت لاأزال في المدرسة حيث كتبت قصائد وقصصًا قصيرة وحكايات، بيد أني لم أفكر أني سأكرس يومًا حياتي للكتابة.‏

مناصر القضية الفلسطينية

كان يوسا مناصرًا متحمسًا للقضية الفلسطينية ولحقوق الشعب الفلسطيني خاصة بعد زيارة قام بها للأراضي الفلسطينية‏.‏ ويعد يوسا زيارته تلك  من أسوأ التجارب التي مرّ بها حيث لم يكن يتصور أن معاناة الفلسطينيين وصلت إلي هذا الحد غير الإنساني وأنه  ينوي أن يكتب في هذا الموضوع‏،‏ كما أنه صور فيلمًا توثيقيًا لما شاهده من أعمال وحشية.

ملامح أدب يوسا

جاء في حيثيات اختيارة لجائزة نوبل: «وذلك تتويجًا لأعماله حول بناء السلطة والصور الحادة لمقاومة الأشخاص وثوريتهم واخفاقاتهم».

ويكتب فارغاس يوسا، عن المجتمع العصري في بيرو، وتركز مواضيعه على حقيقة الحياة في بيرو، ويَعْكسُ قلقَه للتغيير الاجتماعي، ويناصر المعارك ضدّ الفسادِ. ويعتمد يوسا على روح الثقافة المحلية، ذات الجذور العميقة الغور في تربة تلك المنطقة، ليعرض أحداثًا ووقائع يصعب تصديقها.

ففي روايته (وقت البطل) 1967، كشف فيها كيفية تجنيد بعض الضباط للعمل في المؤسسات الاستعمارية السرية، للقيام بانقلابات عسكرية لصالح القوى العظمى، وكان يقرّ بأن الرؤساء هم أول من يخونون البلد كلما استشرى الفساد الإداري في المرافق الحكومية.

ووجدنا في روايته (حفلة التيس) يتحدث عن دولة الدومينيكان حيث الطاغية (تروخييو) يعاني صراعًا بين إحساسه بألوهيته وبشريته، فهو تارة فوق قانون الزمن ويحرك الوزراء والشعب والعذراوات وفقًا لهواه من خلف نظارته الداكنة، لمدة ثلاثين عامًا (من 1930- إلى 1960 (زرع الرعب و الحذر، وتارة ينقض عليه المرض ليذكره بضعفه البشري، ووجدناه في تلك الرواية الرائعة يتمكن من تحويل الهم الشخصي إلى هم عام يشارك القارئ فيه البطلة أورانيا عندما تواجه الطاغية الجبار.

وفيها وصف لنا ببراعة الراوي المتناقضات، الدكتاتورية والخنوع القوة والخوف والثأر والاستسلام، وحلل دوافع كل (أبطال الاغتيال) واضطراباتهم الداخلية، وأظهر من خلال الرواية ذلك السياسي الذي يعيش داخله كيف يفهم أسرار اللعبة التي تتبدل بها الولاءات والآراء في غمضة عين أو بسرعة طلقة الرصاصة التي أنهت حياة الديكتاتور، يتنقل الراوي بين القصص الإنسانية والأوضاع التي يعيشها الدومنكانيين مع الحظر الذي ترزح  تحت وطئته بلادهم والبذخ الذي تتقلب به عائلة الزعيم بدأها بأنثى تعود لوطن كادت أن تنساه وهي محمله بوجع وذكريات مرّة عن الانتهاك الذي وقعت فيه إنسانيتها وتعود لتحمل نفسها وقد أصبحت خفيفة بعد أن أفرغت غلّها في لقاء أسري ونظرات عجوز مشلول لا يكاد يفهم شيئًا مما تقوله سوى أنها ابنته الهاربة منه ومن التيس ومن الوطن.

أما في رواية (حديث في الكاتدرائيةِ) 1975 المثيرة للجدل، التي فضح فيها بعض رجال الدين عندما تكون مصالحهم فوق مصلحة من يناشدون باسمه، فكلما توغل القارئ، ينجذب إليه، ويرغب ببقية كتبه، فكتابه غزير المعلومة، دقيق التحديد، شامل التخصص.

وروايته السحرية الفردوس على الناصية الأخرى يحاول أن يثبت في هذه الرواية أن الكتابة الروائية (فنٌ وعلمٌ وحياة). وقد أمضى أربع سنوات في كتابة هذه الرواية، وفصولها تتوزع بين قصتين، واحدة لمناضلة تسعى لتحرير العمال وإحلال المساواة وإقامة عالمٍ دنيوي عادل، والأخرى لفنانٍ يهيمُ في جزر بعيدة باحثًا عن السعادة والإلهام والفنّ الذي يحرر العالم من تعقيدات الحياة الأوروبية. ونجد  فلورا  بطلة الرواية الابنة غير الشرعية التي تحلم بفعل شيء يخفف من آلام المضطهدين، وبحياة أقل ألم وفيها يرصد أدق التفاصيل وربما أكثرها حساسية وإحراجًا بجرأة مقنعة، إلى جانب أنه يتمتع بحالة فياضة من قوة الشاعرية في تناول العلاقات الانسانية.

ولا يكتشف القارئ الرابط بين الحكايتين إلا بعد فصولٍ عديدة، حيث يتبيّن أن المناضلة هي جدة الفنان، ويحكي لنا (ماريو يوسا) الحكايتين معًا رغم الاختلاف الزمني!! ألا ترون معي هذا الإبداع ؟؟!! كيف يجعلك الكاتب تنسجم مع حكايتين لشخصين يربطهما الدم والهدف، وتفصل بينهما سنون عديدة؟؟

الرواية نظرة في عمق الإنسانية، وفي حقيقة مساعي البشرية للوصول إلى السعادة التي ليست سوى حلمٍ مخاتل، ومديحٍ لشجاعة من اختاروا وساروا وفقًا لما اختاروه حتى النهاية. بالنسبة ليوسا، لا سبيل لسعادة الإنسان لأنه عاقل، وعقله فيه الشقاء. وعن طريق الرحلتين، يتوصل يوسا إلى رحلةٍ واحدة لأن جوهر الإنسانية واحد.

والرواية مأخوذة عن أشخاصٍ حقيقيين، فما الفنان إلا الرسام الفرنسي الشهير (بول جوجان)، وما المناضلة إلا جدته فلورا تريسيان. يحكي لنا (يوسا) عنهما يمزيجٍ من الواقع والخيال، فهو يرى أن الرواية ليست وثيقة تاريخية بل تخيّل إبداعي ينسج على الحقائق.

أما الثيمة الرئيسة في الرواية فهي البحث عن السعادة، عن الفردوس. كلٌ منا يبحث عن فردوسٍ في حياته، على اختلاف أهدافنا ومشاربنا. والعنوان (الفردوس على الناصية الأخرى) مأخوذ من لعبة يلعبها الأطفال في إسبانيا وغيرها من الدول، حيث تُرسم دوائر على الأرض ويُغمض أحد الأطفال عينيه ثم يتقافز على الدوائر بحثًا عن الدائرة المطلوبة. وفي كل مرة يسأل: «هل الفردوس هنا؟» فيجيبه أصحابه: «كلا يا سيدي.. جرّب مرة أخرى فربما الفردوس على الناصية الأخرى».

وفي روايته (شيطنات الطفلة الخبيثة) تشكيله لتلك الشخصية النسائية الجديدة فمنذ آنا كارنينا إلى مدام بوفاري وصولاً إلى شبيهاتهنّ المعاصرات يبدو الأمر وكأنه لم يعد يحتمل وجود شخصية جديدة عاشقة على الطريقة الحديثة أو القديمة أو قاسية بطريقة لافتة، ومع ذلك ما يحاول أن يقوم يوسا فيها حين يبدع وبشكل لافت مخلوقًا روائيًّا نسائيًّا جديدًا ربما لم نلتق به على مرّ الروايات التي قرأناها، وحش لطيف، شيطان بكثير من الأخلاق. فالبطلة طفلة تثير عذاب الراوي المسمى ريكاردو وهي طفلة تقنع جميع سكان أحد الأحياء الراقية في ليما بأنها فتاة من تشيلي وذلك لتخفي أصولها الفقيرة والبائسة، كي تتمكن من الدخول إلى قلب السادة الذين يرتادون الأندية الراقية.

وسرعان ما يقع ريكاردو في حبها حتى إنه يعدها بالزواج وحين تعرف العائلات الكبيرة بأنها ليست سوى فتاة عادية وفقيرة وحقيرة ربما تختفي دون أن تترك أي أثر على وجودها. ومن هذه النقطة تبدأ الرواية بالدوران وتتعاقب مشاهد الظهور والاختفاء للطفلة الخبيثة، فمن باريس إلى طوكيو ومن لندن إلى كوبا وهي أمكنة عاش فيها يوسا خلال أوقات من حياته. وحيث لا يغفل الروائي ـ عبر ذلك ـ رصد كل الأحداث السياسية والاجتماعية خلال نصف قرن وانعكاساتها على حياة الأشخاص ومدى تأثيرها على تشكيل مسار حياتهم.

ذلك البورتريه الغريب الذي اشتغل عليه يوسا وقد بدا واضحًا من خلال قدرته على إضافة صفات جديدة للشخصية تجعلها في كل مرة أكثر غنى، صحيح أنها كانت تغش إلا أنها سرعان ما كانت تعترف بذلك وكأنها ملعونة بشراهتها، فيضطر الراوي كما القارئ إلى مسامحتها على الدوام، إزاء ذلك نجد أنفسنا في كل مرة ننزلق أمام فتاة عاهرة بطريقة كلاسيكية لتصل إلى أن تكون فتاة معذبة لكن مليئة بالفرح، وفي كل مرحلة من مراحل شيطنتها نشعر أنها كانت تتطهر وأن كل شيء يسير بانتظام. وفي رواية شيطنات الطفلة الخبيثة يراهن يوسا على علاقة مختلفة بين الواقع والمتخيل، فيجيد سحر القارئ عبر دمجه بين سيرته الذاتية أو تجربته الخاصة وعبر اختياره دروبًا سردية مختلفة، وينجح في كسب الرهان .

ويبدو أن لإقامته في باريس خلال عقد الستينيات، أثرًا واضحًا في كتابة هذه الرواية  حيث كانت باريس يومذاك مركزًا حيويًّا تنشط فيه مفاهيم الثورة، والحرية، والتمرد.

وتشعر عند قراءتك لأعمال يوسا بأنك أمام رجل موسوعي فتحترم جهده الدقيق في عمله الذي يأتي نتيجة خبرة وبحث مكثف ساعده على ذلك كثرة الترحال.

وأكثر أعماله طموحًا مؤلفه (حرب نهاية العالم) 1981م، وهي رواية تاريخية تتضمن مغامراتِ مثيرة وتستند في أحداثها على رواية يوكليدس دا كونها ثورة في الأقاليم الداخلية.

مدينة قابيل والدم البشري

يقتحم يوسا في أعماله عزلة البشر في الأقاليم النائية، ليقدم نصًّا مشغولاً بعناية؛ إذ تختلط الحقائق بالخرافات، وتتلاشى الحدود بين الحلم والواقع كما فعل في روايته ليتوما في جبال الأنديز، الحائزة، عام 1994 جائزة سرفانتس الرفيعة في الأدب الاسباني .

يقول يوسا في بداية هذه الرواية، «مدينة قابيل شُيّدت بالدم البشري، وليس بدم الثيران والماعز». وفيها يكشف الكثير من الأسرار والتفاصيل الغريبة في هذه الرواية الحافلة بصور رهيبة عن القسوة والخوف والعنف هناك في البيرو، وعلى مرتفعات جبال الأنديز حيث الخرافات تفعل فعلها، وحيث الأساطير والحكايات الخيالية تمثل الخبز اليومي لسكان تلك البقاع، من دون أن تثير الشكوك لدى أحد.

ويوسا خبير في عرض قصصه، وقادر على جذب القارئ أيًّا كانت الحكاية التي يرويها. وأعماله تقتفي دروب البيرو الوعرة وجغرافيتها؛ المسكونة بالكوابيس والألغاز والهواجس. وتجوب قراها وبلداتها وأقاليمها. تلج الكهوف المملوءة بكتابات ورسوم غامضة. تصغي إلى رسائل الأسلاف المدفونة في أخاديد الوديان وسفوح الجبال. ترصد الحروب الخفية والمعلنة، وتستقي من الموروث الشعبي الساذج والماكر في آن: «البيرو! ها هي: فسيحة، غامضة، اخضرار، فقر، ثراء، عراقة، تكتّم محكم».

ويؤكد يوسا دائمًا على أن وظيفة الروايات الجيدة إيقاظ الروح النقدية في ما يتعلق بالواقع المعيش والحث على العمل من أجل إصلاحه وتحسينه.

وكان الكتاب الأكثر شهرة من بين كتبه هو (رسائل إلى روائي شاب)، والذي يعد اليوم من أهم كتب النقد الأدبي، وهو عبارة عن اثنتا عشرة رسالة بعثها يوسا إلى كاتب شاب، لا نتعرف على اسمه يريد أن يصبح كاتبًا ناجحًا في المستقبل، ولا نقرأ نصوص رسائله التي اكتفى المؤلف بالإشارة إليها في بضعة مواقف، وردَّ عليها برسائل جوابية مليئة بالتشويق. وفي هذه الرسائل الأخيرة ضمّن يوسا رؤيته إلى العمل الروائي، وخلاصة تجربته في كتابة أعمال كبيرة تنتمي إلى هذا الجنس الأدبي.

وأول نجاح كبير له كان عبر رواية (البيت الأخضر) التي صدرت بالإنكليزية عام 1966 و(المدينة والكلاب) 1936 التي نال عليها جوائز عديدة منها جائزة (ببليوتيكا بريفي) عام 1962 وجائزة (النقد) عام 1963 وترجمت إلى أكثر من عشرين لغة أجنبية، ومن ذلك الحين واصل تأليف روايات معظمها يعالج مواضيع سياسية والتاريخ المضطرب في دول أميركا اللاتينية.

أما آخر رواياته هي (حلم الرجل السلتي)  وقد استوحى أحداثها من سيرة الأيرلندي روجر كيسمنت الذي شغل منصب قنصل بريطانيا في الكونغو مطلع القرن العشرين، والذي اعترض على انتهاكات حقوق الانسان في الكونغو مطلع القرن العشرين وحكم عليه الإنكليز بالإعدام شنقًا بعدما دانوه بالخيانة سنة 1916.

تُرجمت معظم أعمال بارغاس يوسا إلى العربية، منها البيت الأخضر وشيطنات الطفلة الخبيثة بانتاليون والزائرات، وقصة مايتا، وليتوما في جبال الأنديز، وامتداح الخالة، ودفاتر دون ريغوبيرتو، وحفلة التيس،  وقد قام بترجمة عدد كبير منها الكاتب الفلسطيني المتميز صالح علماني .

وقد حصل يوسا على عدد من الجوائز: منها جائزة النقاد وجائزة روميلو غاييغوس وجائزة ثرفانتس وجائزة بلانيتا وجائزة بيبليوتيكا بريبي وتوجها أخيرًا جائزة نوبل في الآداب 2010 .


عدد القراء: 6204

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-