الطوارق أو «الشعب الأزرق»الباب: ثقافة شعوب

نشر بتاريخ: 2018-02-12 11:03:05

فكر - المحرر الثقافي

خاص: مجلة فكر الثقافية

 

الطوارق Tuareg جمع طارقي، أي رجل من قبيلة تارجا، وهي أصغر فروع قبائل صنهاجة.

يعد ابن خلدون أشهر من كتب عن أصل الطوارق، فقد أهتم بدراسة أجدادهم، وردَّهم إلى أصول عربية، نزحوا من جنوبي الجزيرة العربية منذ عهود قديمة قبل الفتح الإسلامي، وأكد ابن خلدون أن قبائل صنهاجة البربرية هم أجداد الطوارق، وقد كانت تعيش أول الأمر في أقصى جنوبي المغرب العربي، ثم انتشر أفرادها في الصحراء الكبرى.

أما في العصر الحديث فقد ظهرت أبحاث و آراء مختلفة عن الطوارق معظمها دراسات فرنسية، بعضها يذكر أن الطوارق هم أحفاد الجرمنت الليبيين سادة الصحراء في العصور القديمة، بينما يربطهم آخرون بالهكسوس، الذين طردوا من مصر في عهد الفراعنة، و هناك رأي آخر يشير إلى أنهم من أصل فينيقي، وغير ذلك من آراء.

تُعد الصحراء الكبرى موطنهم الأصلي منذ عهود قديمة، لأن الماء والكلأ كانا متوافرين فيها منذ القدم، ولكن عندما أخذ القحط يمتد إليها اضطر سكانها إلى التراجع إلى أطراف الصحراء، حتى وصلوا إقليم السافانا جنوبًا، بالقرب من تمبكتو وما يليها شرقًا من مالي والنيجر، أو كما يسميها ابن خلدون بلاد السودان.

تمتد منطقة تجوال الطوارق آلاف الكيلومترات، من جنوبي المغرب إلى تشاد وحوض النيجر في إفريقيا، ومن فِزَّان الليبية إلى المحيط الأطلسي غربًا، وهذه المنطقة هي من أكثر مناطق العالم جدبًا، وأشدها تمثلاً للمناخ الصحراوي، فالأرض رملية قاحلة، والجبال التي ترتفع وسط الصحراء شبه جرداء، وتضم المنطقة بعض الواحات المتباعدة، التي يكاد الطوارق يحتكرون وحدهم معرفة الطرق إليها.

عاش الطوارق متنقلين في الصحراء الكبرى دون حواجز، غير أن الحدود الدولية الحديثة فرقتهم بين دول عدة، فأصبح أكثر من نصف مليون منهم يعيشون في جمهوريتي النيجر ومالي، وما ينوف عن أربعين ألفًا في الجزائر، ومثلهم في ليبيا، ولكن بعض المصادر تذكر أن عددهم في ليبيا نحو مئة وخمسين ألف نسمة، ومازال نحو مئة ألف منهم يعيشون هائمين فوق أرض صحراوية، تزيد مساحتها على مليون ومئتي ألف كم2، ولا تكاد تقف في وجههم أي حدود أو حواجز.

من أهم مراكزهم في الوطن العربي منطقة مدينة غات، التي تقع على واحة في الطرف الصحراوي الجنوبي الغربي من الأراضي الليبية، ومنطقة الهغّار (أي الأحجار) في أقصى جنوبي الجزائر. ويدين جميع الطوارق بالإسلام، بغضِّ النظر عن أصولهم الأثنية، وتسود بينهم الملامح العربية، مع ملاحظة أن طوارق النيجر ومالي أشد سمرة من سواهم من الطوارق، نتيجة لاختلاطهم بالزنوج.

خصائصهم الاجتماعية وأنشطتهم الحضارية

الطوارق مجتمع بدوي، يتكلمون لغة أقرب إلى البربرية القديمة، تُعْرَفُ باسم التامارشق (Tamarshak)، ولهم أبجدية خاصة بهم مؤلفة من 24حرفًا تدعى تفناغ، ويتكلم قسم منهم اللغة العربية، والقسم الآخر (الجنوبي) لغة الهاوسا المنتشرة في غربي إفريقيا.

يعمل الطوارق بحرفة رعي الإبل، وتختلف أنظمتهم الاجتماعية عن البدو الآخرين بوجود النظام الأمومي بينهم، وهو استثناء فريد بين جماعات البدو عمومًا، إذ تتمتع المرأة الطوارقية بمكانة خاصة لديهم، فهي التي تختار زوجها، وهي التي يرقى إليها شرف النسب، كما تقوم بالأعمال التجارية وتقود حياتها الفردية قبل الزواج، وتظهر سافرة دون حجاب وهي ظاهرة اجتماعية ميزتهم من غيرهم من القبائل الضاربة في الصحراء الكبرى، في حين يحرص الرجل على وضع اللثام، الذي يبقى على وجهه منذ سن الرشد حتى الموت، لذا أطلق عليهم العرب اسم الملثمين.

سيطر الطوارق على ممرات الطرق التجارية عبر الصحراء، ففرضوا الضرائب على القوافل التجارية العابرة، لقاء حمايتها والمساعدة على مرورها بسلام حتى حدود منطقتهم.

يتألف مجتمع الطوارق من طبقتين، الأولى: طبقة السادة «أمينوكال» التي تعمل بالرعي والتجارة وعلى الأخص تجارة الملح الصخري، والثانية: طبقة العبيد «الحرَاطين» وهم الذين يعملون في الزراعة ويمثلون الطبقة الدنيا لمجتمع الطوارق، وهؤلاء يشكلون غالبية سكان «غات» في ليبيا و«تامنراست» في الجزائر. ويجب الإشارة إلى أن بعض الطوارق قد أخذ بتربية الأبقار على الحدود مع مالي ووسط النيجر.

ويطلق على الطوارق أحيانًا اسم "الشعب الأزرق"، نظرًا لاصطباغ جلودهم بالصبغة الزرقاء وللباس التقليدي الذي درجوا على ارتدائه.

وكان الطوارق من أهم مستخدمي قوافل الإبل في التجارة عبر الصحراء الكبرى، إذ كانوا ينقلون البضائع وأهمها الذهب والملح. وتأثرت حياتهم سلبًا بشكل كبير بعد تحول طريق التجارة للمحيط الأطلنطي.

وتعد تمبكتو، أبرز مدن الطوارق، مدينة قديمة يتجاوز عمرها الألف سنة تقع على حافة الصحراء الإفريقية الكبرى إلى الشمال من نهر النيجر، وتشتهر بجوامعها المشيدة من الطين.

وقد أضفى عليها المؤرخون والكتّاب القدامى هالة من السحر، حيث وصف المؤرخ المغاربي حسن ابن محمد الوزان الفاسي الثراء الذي كانت هذه المدينة تتمتع به بقوله: «إن بعض الأشياء الذهبية التي كان ملكها يحتفظ بها كانت تزن المئات من الكيلوغرامات».

وكتب المؤرخ المغاربي إن نساء تمبكتو كنّ من الجمال بحيث كان لابد للزائر أن يقع بحب إحداهن فور وصوله ويتزوجها.

وتمبكتو كانت مركزًا تجاريًا مهمًا، إذ كانت تقصدها قوافل الملح الثمين من الصحراء، كما ازدهرت فيها تجارة الرقيق والعاج.

كما تشتهر تمبكتو بكونها مركزًا ثقافيًا، وقبلة للعلوم الإسلامية إذ تحتفظ مكتباتها الـ 60 بسبع مائة مخطوطة تاريخية على الأقل.

ومن أشهر ما يتميز به الطوارق عن غيرهم، "اللثام" الذي يتقنع به رجالهم، وهو واجب في العرف والعادات عندهم، والتخلي عنه مسبة وعار، والرجل الذي لا يغطي وجهه باللثام، مثله كمثل الرجل الذي لا يستر عورته، ورجال الطوارق لا يستطيعون أن يرفعوا اللثام عن وجوههم حتى أثناء الأكل، إذ على الرجل أن يوصل الأكل إلى فمه من تحت اللثام، هذا إذا لم يبتعد عن الناس ويتوارى عن الأنظار، ونفس الشيء يحصل له مع الوضوء والتيمم، وحتى عند النوم لا ينبغي للرجل أن ينزع لثامه، هذا مقابل سفور النساء اللواتي يتمتعن بوضعية خاصة في مجتمع الطوارق.

أسطورة اللثام

ويعيد الطوارق جذور ظاهرة اللثام بين رجالهم إلى أسطورة متداولة بينهم، تقول إن رجال إحدى قبائل الطوارق خرجوا مرة في مهمة، وخالفهم العدو إلى مضاربهم التي لم يكن بها إلا النساء والأطفال، وكان في الحي عجوز حكيم، فزعت إليه النساء، فنصحهن بأن يرتدين ملابس الرجال ويتعممن ويحملن السلاح ففعلن، وفجأة عاد رجال الحي، فظن العدو أنه وقع بين جيشين، وانهزم وفر، ومنذ تلك الواقعة أصبح الرجال يرتدون اللثام بشكل دائم.

 

المصادر:

- محمود فرعون، الموسوعة العربية، المجلد 12 ، ص626.

- BBC، من هم الطوارق أو "الشعب الأزرق"؟

http://www.bbc.com/arabic/middleeast-41447653

ـ ابن خلدون، كتاب العبر و ديوان المبتدأ والخبر (دار الكتاب اللبناني، بيروت 1958).

ـ محمد السويدي، بدو الطوارق بين الثبات والتغير (المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1986).

- صحيفة الرياض، محمد أبو المعالي، "الطوارق".. سر أسطورة اللثام، 31يوليو 2007م - العدد: 14281.

http://www.alriyadh.com/269369

 


عدد القراء: 19401

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-