كيف تعرف أنك أصبحت مدمنًا لمواقع التواصل الاجتماعي؟الباب: علوم وتكنولوجيا

نشر بتاريخ: 2019-10-04 01:08:33

فكر - المحرر الثقافي

صوفيا سميث غيلر

 يعد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لساعات طويلة سلوكًا مرضيًا، وفقًا لرأي بعض الباحثين، فما الفارق بين استخدامها بشكل آمن والإدمان المرضي لها؟

في العادة، لا يشعر مَن حولنا بالقلق عندما نصف أنفسنا بأننا "مدمنين لمواقع التواصل الاجتماعي". فهذا وصف يرد بشكل متكرر في التعريف الشخصي الذي يكتبه بعضنا عن نفسه على مواقع مثل تويتر وإنستغرام.

وإذا أضفت هذا الوصف للتعريف بشخصيتك على موقع لينكد إن، فربما تجد اهتمامًا بك من وسائل الإعلام وشركات النشر التي تبحث عن مولعين بالمعرفة الرقمية. لكن تخيل لو أن هذا الوصف أصبح ذات يوم تشخيصًا لمرض نفسي؟

فهناك أبحاث تدرس بشكل جدي ما إذا كان الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي قد يعد مرضًا، وبالتالي يُشخص بأنه اضطراب في الصحة العقلية.

هناك مؤسستان تحظيان بالاحترام تعرفان ما هو الاضطراب العقلي، وهما منظمة الصحة العالمية، والجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين.

وأي ادعاء بالإدمان يحتاج إلى توافر معايير محددة قبل أن يمكن اعتباره مرضًا، وهناك حاجة إلى أبحاث كثيرة تؤكد ذلك. وفي يناير/كانون الثاني هذا العام، أعلن رسميًا أن إدمان ألعاب الفيديو - وهي مشكلة قديمة قدم شبكة الإنترنت ذاتها - سوف تُصنفه منظمة الصحة العالمية كنوع من الاضطراب العقلي.

المثير أيضا في هذا التصنيف للإدمان هو أن مارك غريفيث، الباحث بجامعة نوتنغهام ترينت وأحد الخبراء الذين يبحثون في هذه المسألة منذ عقود، يبحث أيضاً إدمان القمار والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك، وتويتر، وإنستغرام.

ويعتقد غريفيث أن البعض قد ينهمك في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لدرجة أنهم يهملون أي شيء آخر في حياتهم، وهو ما قد يؤدي إلى إدمانهم مثل هذه المواقع.

وقد توصل غريفيث من خلال أبحاثه إلى أن إدمان مواقع التواصل الاجتماعي، يحمل جميع المؤشرات السلوكية التي نربطها عادة بأنواع أخرى من الإدمان، مثل إدمان التدخين والكحوليات. وتتضمن هذه المؤشرات التقلب المزاجي، والعزلة الاجتماعية، والتناقض، والانطواء.

والمهم هنا هو ما إذا كان الشخص باستطاعته التفريق بين الاستخدام الصحي لوسائل التواصل الاجتماعي، وبين التعلق بها بطريقة تؤثر سلبيًا على حياته.

يقول غريفيث: "يمكننا أن نضرب مثلاً بألعاب الفيديو، فقد التقيت بكثير من الأشخاص الذين يستخدمون ألعاب الفيديو بشكل مبالغ فيه".

ويضيف غريفيث أنه لم تظهر سلبيات أو مشاكل ذهنية معروفة في حياتهم. فإذا كانوا يمارسون ذلك منذ عامين مثلا، فربما كانت ظهرت عليهم أعراض مثل السمنة، أو ربما كانوا أصيبوا ببعض المشاكل الصحية بسبب كونهم خاملين ولا يتحركون من مقاعدهم.

فالحماس في ممارسة لعبة ما قد يطيل العمر، أما الإدمان فينقص العمر بسبب أعراضه المرضية.

لذا، طالما أن اللعب المتحمس لا يؤثر على عمل الشخص وعلاقته الشخصية بالآخرين، فلا داعي للقلق.

كما إن وضع حدود زمنية لاستعمال وسائل التواصل الاجتماعي يعتبر بالنسبة لغريفيث "مسألة غير مهمة. فيمكن أن يكون لديك شخصان يفعلان أشياء متطابقة، وظروف كل منهما تجعل هناك فرقًا كبيرًا في نتائج ما يقومان به، فمثلاً لو كان لدى أحدهما وظيفة وشريك حياة وطفلان، فتأثير الوقت الذي يقضيه في استخدام الإنترنت يختلف عن شخص ليست لديه وظيفة أو أسرة".

هذا يعني أن الوقت الذي يقضيه أحدنا أمام الشاشة ليس بالضرورة معيارًا دقيقًا لقياس ما إذا كنا نستخدم منصتنا المفضلة بطريقة صحية وصحيحة. وعندما أجرينا استطلاعًا لمستخدمي موقع تويتر حول ما يمكن أن نعتبره "وقتًا مبالغًا فيه" نقضيه في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فلم يكن هناك إجماع كبير حول وقت معين.

وبالطبع كانت نتائجنا معتمدة على عينة مختارة بشكل شخصي، ولذلك لا تمثل الجمهور العريض من الناس، لكنها كانت مثيرة للانتباه رغم ذلك.

وقال 40 في المئة من بين 554 مستخدمًا مشاركًا في الاستطلاع إن أكثر من ساعتين أو ثلاث ساعات يعتبر وقتاً مبالغاً فيه، لكننا نعرف أن معظم الناس يقضون على الأقل ساعتين على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي تبادل الرسائل كل يوم.

وغالبية مستخدمي الإنترنت ليس لديهم علاقات غير صحية مع وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يعني بالتأكيد أن قضاء ساعتين أو ثلاث ساعات لا يعد إفراطًا في استخدام وسائل التواصل على الإطلاق.

ونعرف أن أكثر من ثلث البريطانيين البالغة أعمارهم 15 عامًا يستخدمون الإنترنت لست ساعات أو أكثر في اليوم، ومعظم ذلك الوقت يكون مخصصًا لمواقع التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من هذا الوقت الطويل، فإنه لا يعني أن هؤلاء يعانون من مشاكل عقلية أو ذهنية. فالوقت الذي يقضيه المرء على الإنترنت مجرد عامل واحد فقط من بين عدة عوامل أخرى. وهناك أشياء أخرى لا بد من أخذها في عين الاعتبار.

فإذا كان الأمر لا يتعلق فقط بالوقت الذي يقضيه الشخص على الإنترنت، فما هي الأمور الأخرى التي يمكن أن تحدد إدمان وسائل الإعلام الاجتماعي، أو تساعدنا على فهم أي نوع من الأشخاص هو الأكثر عرضة لهذا الإدمان؟

ونشر غريفيث وزميلته داريا كاس أول بحث على الإطلاق حول ما سمياه إدمان وسائل التواصل الاجتماعي، في عام 2011، في وقت لم تنشر فيه عن الموضوع إلا ثلاثة أبحاث. وتوصلا إلى أن الإنطوائيين يستخدمون مواقع التواصل لتعويضهم عن الحرمان الاجتماعي.

وفي 2014، وفي بحث شامل آخر، أضاف الباحثان أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي يمنح مكافأة نفسية مستمرة للمستخدمين، حيث أن المستخدمين يمكن أن يزيدوا من تفاعلهم معها ليخففوا من حالات الشعور بالهم لديهم.

وفي عام 2017، توصل استطلاع قومي كبير في بريطانيا إلى أن النساء والشباب والعازبين أكثر ميلاً لإدمان وسائل التواصل الاجتماعي، ومنهم بشكل خاص أصحاب التعليم الأقل، والدخل الأقل، ومن ليس لديهم دافع محدد في حياتهم.

ويقول غريفيث: "التفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعي هو في حد ذاته سلوك اجتماعي".

وفيما يتعلق بالفروق بين الجنسين، تميل المرأة إلى أن تكون "أكثر تفاعلاً اجتماعيًا من الرجل".

وبالنسبة لغريفيث، يكمن احتمال الإصابة بكآبة وسائل التواصل الاجتماعي في محتوى وسياق الاستخدام المبالغ فيه، وليس في حجم الوقت الذي يقضيه المرء في استخدامها. بيد أنه في مؤتمر عن الإعلام الاجتماعي والصحة العقلية أجرته الجمعية الملكية للطب في بريطانيا، خلص غريفيث إلى القول إن الأسباب الكامنة وراء هذا النوع الإدمان لا تزال غير واضحة.

وقد ترجع هذه الأسباب إلى الخوف من فقدان شيء ما، أو أن يفوتك شيء ما. فإدمان الهاتف الذكي مثلا يمكن أن يكون جزءًا من ذلك الخوف أيضًا، فهناك أشخاص لديهم خوف من عدم وجود الهاتف في أيديهم طوال الوقت.

والأهم من ذلك، تركز المعلومات المتوفرة من أبحاث مواقع التواصل الاجتماعي على موقع فيسبوك، وهناك القليل جدا من المعلومات والأبحاث المتوفرة عن منصات أخرى مثل سنابشات وإنستغرام.

وهذا يعني أن إدمان وسائل التواصل الاجتماعي مازال بعيدًا عن التشخيص كاضطراب عقلي. تقول أمي أوربن، وهي عالمة نفس متخصصة في دراسة وسائل الإعلام الاجتماعي في جامعة أوكسفورد، إنها حتى الآن لديها تحفظات كبيرة على تعريف استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي كنوع من الإدمان.

وتضيف: "مازالت الأدلة نادرة بشكل يجعل من الصعب حتى معرفة ما إذا كانت تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي سلبية أم إيجابية. ويجب أن نتأكد من أننا لا نبالغ في وصف االسلوكيات العادية بأنها مرضية".

وسواء كانت وسائل التواصل الاجتماعي ستصنف في يوم من الأيام إدمانًا ومرضًا أم لا، من الواضح أن هناك سلبيات لاستخدامها. وتقول الأبحاث إن البالغين الذين يقضون أكثر من ساعتين في اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي يُرجح أكثر أن يشكوا من ضعف في الصحة العقلية.

وإذا كنت تستخدم موقع إنستغرام، فإن هناك وفرة من الأمثلة المصورة التي يفترض أن تكون محفزة وملهمة لك، لكنها بدلاً من ذلك قد تجعل المستخدمين يشعرون وكأنهم يعيشون حياة أسوأ من حياة زملائهم وأقرانهم. وليس مستغربًا أن موقع إنستغرام تم تصنيفه كأسوأ منصة إعلام اجتماعي تأثيراً على الصحة العقلية للبالغين، وذلك في دراسة مسحية أجريت في بريطانيا مؤخرًا.

ورغم ذلك تجد عليها إقبالاً متزايدًا، إذ يزيد عدد مستخدمي إنستغرام في العالم عن 800 مليون مستخدم.

نعلم أن هناك رابطًا مباشرًا بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وبين الاكتئاب، لكن أبحاثًا أخرى تظهر أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ليس أمرًا سلبيًا دائمًا.

فقد توصلت إحدى الدراسات في عام 2017 إلى أن زيادة الوقت الذي تقضيه على هاتفك الذكي أو جهاز الكمبيوتر مرتبطة إيجابيًا بسعادتك، ولكن إلى حد معين بالطبع. ومن ثم، فإن طول وقت استخدام هذه الأجهزة يرتبط بمستويات أدنى من السعادة.

وقد توصل الفريق إلى أن الاستخدام المعتدل للإعلام الرقمي "ليس ضارًا بصورة أساسية، ويمكن أن يكون مفيدًا في عالم تتوفر فيه وسائل الاتصال السهل".

ويقول أندرو بريزبلسكي، الباحث بجامعة أكسفورد، وأحد معدي الدراسة، إن عدم وجود جهاز إلكتروني حديث يستخدم في الوصول لوسائل التواصل الاجتماعي في بيت ما، سيجعل الحياة أو الطفولة في ذلك البيت مختلفة بشكل جوهري.

وأضاف: "هناك نقطة جميلة تتمثل في أن استخدام الشاشة الرقمية بات جزءًا من حياة الأطفال، لكنها في الحقيقة لا تبدأ في أن تكون مزعجة أو ضارة إلا إذا وصلت متابعة تلك الشاشة إلى خمس، أو ست، أو سبع ساعات في اليوم".

وعندما تبدأ فعلاً في أن تكون تلك المتابعة لأجهزة التواصل الحديثة مثيرة للإزعاج، أو أن يقضي شخص ما على الإنترنت وقتًا طويلاً وبشكل مفرط، فإن هناك حل يمكن أن يكون من خلال علامات تحذير رقمية تظهر فجأة على الشاشة.

ويقول غريفيث إن هذه الإشارات التحذيرية تستخدمها الآن مواقع القمار على الإنترنت، والأهم من ذلك أن لها جدوى واضحة.

وقد يمهد تشجيع المستخدمين على تقييم أنفسهم بهذه الطريقة الطريق لخطوة مشابهة في التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي. فالشركات التي تدير هذه المواقع يمكنها مساعدة الأفراد على أن يفهموا إذا ما كان استخدامهم مفرطًا لهذه المواقع مقارنة بزملائهم وأقرانهم.

فقضاء شخص مراهق ساعات على الإنترنت خلال اليوم يمكن أن يكون أمرًا لا بأس به، ولكن إذا ظهرت فوق الشاشة إشارة تحذيرية تشير إلى أن الساعة أصبحت الثالثة فجرًا، وتقول إن "ثلاثة في المئة فقط ممن هم في نفس سنك يستخدمون الإنترنت الآن"، فسيدرك هذا الشخص أن بقائه على الإنترنت إلى ذلك الوقت المتأخر قد يكون أمرًا ضارًا.

ولسوء الحظ، إذا جرى يومًا ما تصنيف إدمان وسائل التواصل الاجتماعي كسلوك مرضي، فإننا سندرك بعد فوات الأوان، أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل تلك كان يؤثر على صحتنا أكثر مما كنا نظن.

وإلى أن يحدث ذلك فعلاً، لا مفر من الاعتدال في طول الوقت الذي نقضيه في استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي، فالاعتدال في كل شيء هو أفضل سياسة يمكن اتباعها.

 

المصدر: BBC Capital


عدد القراء: 4331

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-