«الروبيو» أشهر بائع للجرائد بالرباط.. «أمي» صار رفيق درب مفكرين وكتاب

نشر بتاريخ: 2017-05-01

فكر – الرباط:

"عمل نادلاً في مقهى، ثم عاملاً في قطاع البناء، إلى أن اختار بيع الجرائد، المهنة التي علمته أبجديات القراءة، وجعلت منه رفيق درب مفكرين وكتاب وإعلاميين مغاربة مشهورين".

قصة قصيرة لـ"محمد المرضي"، الملقب بـ"الروبيو" (تعني الأشقر بالعامية المغربية)، ولكن معانيها كبيرة وكأنها رواية، لا يكاد ينتهي فصل منها، إلا وتترقب أحداث الفصول الأخرى.

كثيرة هي الأحداث التي تركت بصمتها على شخصية "الروبيو"، أشهر بائع للجرائد والكتب أمام مبنى البرلمان المغربي، جعلته شاهدًا على السياسة والحكومات والاحتجاجات، والإعلام. ولأنه يبيع الجرائد أمام مقر السلطة التشريعية، فإنه يستقبل برلمانيين ووزراء باستمرار يأتون لشراء الصحف والاطلاع على مستجدات الأحداث.

"الروبيو"، شاهد على الاحتجاج وعلى السلم الاجتماعي؛ لأن الساحة التي أمامه والتي تفرق بينه وبين مبنى البرلمان، هي أهم ساحة احتجاج بالبلاد، حيث يحج إليها كل من له مظلمة أو شكاية أو يريد إيصال رسالته إلى المسؤولين.

وبحكم مهنته المرتبطة بعالم الأخبار، وقربه من البرلمان، صار الروبيو، شاهدًا على "حكومة التناوب"، التي قادها حزب الاتحاد الاشتراكي اليساري في 1998، ثم "حكومة الإسلاميين"، التي قادها حزب العدالة والتنمية في 2012، والذين جاؤوا للحكومة بعد "الربيع العربي" في 2011. كما أنه شاهد على عهد الملك الحسن الثاني الراحل، وابنه الملك الحالي محمد السادس.

لكن أبرز ما شهِده بائع الجرائد بداية أفول عصر الجرائد والمجالات الورقية، ويتحسر على هذا الأمر لأن من شأن ذلك أن ينهي العمر الافتراضي لمهنة بيع الجرائد، بعد أن أصبح الناس يتصفحون آخر الأخبار على هواتفهم النقالة.

وبحكم معرفته اليومية بمستوى مبيعات الصحف التي لديه، صعودًا أو نزولاً، يلجأ إليه بعض مدراء الجرائد لاستشارته عن إقبال المواطنين عن منتجاتهم.

وفي هذا السياق، يقول "الروبيو": "في الماضي كان المواطنون ينتظرون بشغف متى تصدر الجريدة من أجل شرائها، والآن الجريدة تنتظر هل سيأتي من يقتنيها أم لا. فعلاً هناك تراجع كبير".

بيع الصحف انتشله من الأمية

وعن بدايات العمل كبائع الجرائد، قال "الروبيو": "جئت للرباط في 1987، لم يسبق لي أن قرأت، ولكن بفضل مساعدة القراء وبعض الأساتذة الجامعيين تعلمت القراءة من خلال هذه المهنة، ولكن الفضل يرجع بالدرجة الأولى إلى شرطي كان صديقًا لي، علمني القراءة".

ويتحسر عن عدم زيارة النخبة السياسية لشارع محمد الخامس كما كان في السابق. وقال إن مقهى باليما (يوجد أمام مبنى البرلمان وتم إغلاقه مؤخرًا) مثلت قلب المغرب؛ حيث كان قِبلة المناضلين والسياسييين والمثقفين.

كثيرة هي المواضيع التي يناقشها "الروبيو" مع زبنائه من السياسة إلى الفن مرورًا بالثقافة والطبخ؛ فطبيعة مهنته فرضت عليه التعرف على مواضيع مختلفة.

وبقدر مواكبته للمستجدات والأحداث بقدر امتلاكه لعين لاقطة لمتغيرات البلاد، وانتقاده لبعض الأمور.

ويقول "الروبيو: "الآن نحن نعيش بدون قضية، نذهب للمدرسة بدون قضية، ونخرج للشارع بدون قضية، وهو ما يؤثر على مسار البلاد".

قصتان.. و3 فناجين قهوة

وروى "الروبيو" قصتان تحملان دلالات عميقة.

وعن القصة الأولى قال: "خلال مرحلة الاتحاد السوفيتي، سألت صديقتي الأمريكية التي كانت تقيم آنذاك بالمغرب، عن أسباب تعلمها اللهجات المغربية بما فيها الأمازيغية. ردت: قريبًا سنحكم العالم، وسنحتاج إلى مترجمين من بلدنا".

وبخصوص القصة الثاني، قال: "بعد أحداث 11 من سبتمبر/أيلول 2001، بيومين التقيت بصديقي إدمون المالح (كاتب وصحفي يهودي مغربي)، وقال لي بالحرف: الروبيو.. أجندة العالم ستتغير، فيجب أن تغير بدورك أجندتك وطريقة عيشك، مثلا أنت الآن تشرب 3 أكواب قهوة، حاول أن تشرب كوبين في انتظار أن تقتصر على كوب واحد، وها أنذا اليوم أشرب كوبًا واحدًا".

وأضاف: "لم أستوعب أحداث القصتين إلا بعد مدة، عندما ربطت بينهما؛ فبعض الدول تخطط لـ100 سنة قادمة أو أكثر، وأخرى تعمل وفق أجندة معينة لا يتم معرفة مضمونها إلا بعد حين".

وقالت ليلى المرضي، ابنة "الروبيو"، وهي طالبة ماجستير بكلية الحقوق إن أباها "يُلح على أبنائه بضرورة متابعة دراستهم والاهتمام أكثر بالقراءة".

وأضافت أن والدها كانت تربطه علاقات كبيرة مع مفكرين وكتاب مغاربة مثل المهدي المنجرة، الخبير المغربي في مجال المستقبليات، ومحمد شكري، الكاتب المغربي المشهور.

رسالة "الروبيو" يلخصها في كلمة واحدة "إقرأ"؛ لأنه يعتبر أنه لا تقدم بدون قراءة سواء تعلق الأمر بالمواطنين أو المسؤولين أو الدولة، فهل ستصل رسالته إلى من يهمهم الأمر أم تذهب أدراج الرياح.


عدد القراء: 2864

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-