جماليات أغلفة الكتبالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2017-05-11 17:20:34

ناصر بن محمد الزمل

لم تكن الكتب القديمة تأتي في أغلفة جميلة وتصاميم مبهرة، ولم يكن هناك أي اهتمام بالغلاف.

ومع ظهور ثورة الطباعة وإبداعات المصممين ظهرت الكتب بشكل أنيق وبصورة إبداعية، وأصبح القارئ يهتم كثيرًا بالغلاف، مما جعل الناشرين والكتّاب يأخذون في الحسبان بغلاف الكتب عند طباعتها.

وتؤكد الدراسات على أن غلاف الكتاب يحوز أهمية محورية. إذ إنه أول شيء يظهر للقارئ.. والعين دائمًا تهوى المنظر الجميل الجاذب. وتصل حدود الأمر عند بعضهم، بالإشارة إلى أن غلاف الكتاب، غدا في وقتنا الحالي، في ظل التطور التكنولوجي والفني الرقمي، يمثل 85% من قيمة الكتاب ودوره؛ فهو مصدر من مصادر مضمونه، إذ يكمل ويكلل الغنى المضموني، مانحًا إياه لمسات ولمحات تشويق وجذب وتجويد فني".

وفي كتبنا العربية وعند ظهور فن الكتابة الإبداعية في مصر ظهر معها فن الغلاف الذي ازدهر مع نشاط الحركة التشكيلية المصرية، وتعد حقبة الستينيات من القرن المنصرم هي نقطة انطلاق حقيقية لتصميم أغلفة الكتب، وكان أهم فناني هذه الحقبة الفنان التشكيلي "جمال قطب" الذي قام بتصميم أغلفة روايات (نجيب محفوظ، إحسان عبدالقدوس، ثروت أباظة، يوسف السباعي، …وغيرهم)، وكذلك الفنان محيي الدين اللباد" الذي استلهم أغلفة كتبه من الرموز البصرية المتوفرة في الحياة اليومية المصرية.

كان المصمم قبل أن يبدأ بتصميم الغلاف الذي يعتمد على الفن التشكيلي بالدرجة الأولى يقوم بقراءة متأنية واعية للكتاب، ثم البدء في ترجمته ترجمة بصرية تضيف للنص ما قد يكون خفيًّا على القارئ، وتعتمد هذه المدرسة على معالجة سطح الغلاف معالجة تشكيلية، عكس فناني المدرسة الحديثة، الذين يكتفون بقراءة ملخص للكتاب، ويعتمد منهجهم على التجديد التشكيلي.

وتتنوع أغلفة الكتب من حيث إبهار العين ومدى زرع تشويق القارئ للكتاب.

ويشير نقاد ومتخصصون إلى أن استخدام التكنولوجيا في تصميم أغلفة الكتب، يختلف وفقًا لعادات البلدان، فالدول الأوروبية تعشق الجراءة في أغلفتها. ودائمًا يميل الكتّاب والقراء هناك، إلى رموز الجسد والنظرات الجريئة.. أما المصريون، فبعضهم يحب الرسومات والصورة التوضيحية لأغلفتهم، والآخر لا يفضل ذاك.

وعلى صعيد دول الخليج العربي، لا يميل المثقفون والمصممون والكتاب في مجموعة منها، إلى وضع أي تصاميم لكائنات وأرواح على الغلاف، سواء أكانت صورةً حية أم رسمًا، ويعمدون إلى التعبير عن المطلوب عبر الرمز السهل، أو بالفن التشكيلي المعبر، الخارج عن توضيح أي معالم لوجه أو شيء حي. فالتكنولوجيا واحدة، لكنّ الذي يختلف هو أفكار الدول، وكذا أفكار مؤلفي الكتب، ووجهة نظرهم.

غلاف الكتب .. تاريخ وحكاية

ولغلاف الكتاب تاريخ وحكاية لا يعرفها سوى المهتمين بصناعة الكتب، ومصممي أغلفتها والمهتمين بهذا الفن.

بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم اقترح الصحابة في عهد أبي بكر رضي الله عنه جمع القرآن الكريم خوفًا من ضياعه، فكتبوا نسخة منه على صحائف من الرق وضعت بين دفتين لحفظها، ويقول السيوطي في كتابه «الإتقان في علوم القرآن»: إن الصحابة أجمعوا على أن تسمى هذه النسخة «مصحفًا».

وفي القرن التاسع عشر، حين كانت الكتب من المقتنيات الثمينة والمرغوبة بمضمونها وبصناعتها. وكانت تغلف ملزمات الكتاب بخامات عالية الجودة والقيمة، كالحرير والجلد. أما الفكرة الأولى للغلاف فنشأت من حاجة صناع الكتب لتغليف الكتب، بهدف حمايتها خلال نقلها إلى المكتبات أو الباعة. وكان التغليف مجرد ورق عادي يُلف به الكتاب، ومن ثم يرمى بعد استلامه.

وكانت الكتب، قبل عام 1820، تنشر بأشكال عديدة، منها كمجموعة من الأوراق من دون أي رابط لها، وذلك من خلال جمعها وحياكتها من قبل بائع الكتب، حسب طلب الشاري. وكان أصحاب المكتبات المنزلية يحرصون على تجليد كتبهم بالجلد أو بخامة أخرى صلبة.

وفي نهاية القرن الثامن عشر، بدأت الكتب تنشر مع غلاف من الورق المقوى الأبيض، وفي بعض الأحيان، مع طباعة فهرس الكتب. وخلال المدة من 1820 - 1830، شرعت دور النشر في طباعة كتب صغيرة الحجم ضمن ملزمات، مع غلاف خارجي أكثر صلابة من الورق، ومن أبرز الناشرين في ذلك الوقت، ويليام بيكرينغ.

شهدت أواخر القرن التاسع عشر، اهتمامًا وعناية أكبر في هذا المجال. إذ تحول تغليف الكتاب بالورق إلى غلاف خارجي خاص بكل كتاب، وضم الغلاف رسومات مصورة. وغالبًا ما كان فيه ما يشبه النافذة التي يمكن من خلالها مشاهدة جانب من تصميم الغلاف الأصلي. ومع مضي الوقت، بدأت تصاميم الأغلفة الخارجية تحمل التصميم نفسه، الخاص بغلاف الكتاب. وعليه، ولدت صناعة وفن الغلاف الخارجي للكتاب.

ولم يدرك القائمون على صناعة النشر في بريطانيا، فائدة أغلفة الكتب الخارجية في الترويج لكتبهم وتوفير مساحة إعلانية جديدة لها، إلا في نهاية القرن التاسع عشر. ومع مضي الزمن، زاد الاهتمام بزخرفة الأغلفة وتصاميمها، انطلاقًا من كون جمالية التصميم، عاملاً أساسيًّا في لفت انتباه زوار المكتبات. وتطور هذا المفهوم ليصبح عرفًا سائدًا لدى الناشرين في عام 1920. وبذلك تغير دور غلاف الكتاب المتجسد في توفير الحماية، ليغدو أداة للترويج والإعلان.

وشهدت السنوات الفاصلة بين الحربين العالميتين، تطور فن تصميم أغلفة الكتب الخارجية. إذ بدأ الناشرون فهم العلاقة بين التصميم الجيد للغلاف الخارجي ومبيعات الكتاب. وفي الوقت نفسه، باشر الفنانون في العالم، البحث عن أعمال تؤمن لهم دخلاً، ومع مرور الوقت، بات فن تصميم الكتب عاملاً بارزًا في صناعة النشر. كذلك استخدم النسيج في أغلفة الكتب الخارجية، وكان ذلك رائجًا في أواخر القرن التاسع عشر.

تحتوي المكتبة البريطانية، الكثير من التصاميم الفنية التي لا يعرف أسماء مصمميها، وإلى جانبها، أعمال مميزة لفنانين لهم مكانتهم في عالم الفن، ومن ضمنهم: الفنان الفرنسي إدموند دولاك، حيث تضم المكتبة تصاميم أغلفته التي نفذها من 1926 - 1935. واشتهر دولاك بأنه تربع على قمة أسماء الفنانين في العصر الذهبي للرسومات المصورة في بداية القرن العشرين، وإلى جانبه الفنانان: إيريك رافيليوس وبول ناش وغيرهما من الذين كانوا يكسبون عيشهم من خلال عملهم في صناعة النشر في العالم.

ومن رسامي أغلفة الكتب العالميين البرتو جيا كومتي (الذي ولد في 10 أكتوبر في العام 1901 وتوفي في نوفمبر من عام 1996) وهو بجانب شهرته في مجال رسم أغلفة الكتب كان نحاتًا ورسامًا تشكيليًّا وهو سويسري الأصل من رواد الحركة السريالية مع بابلو بيكاسو ودماكس آرنست وجون ميرو.

ومن أبرز أغلفة الكتب لروائيين عالميين تميزت بتصاميمها في المرحلة الفاصلة بين الحربين العالميتين وما قبلها، الكاتب الفرنسي جان كوكتو "1889-1963"، في روايته "الأفيون"، التي صمم غلافها هو نفسه. وهناك أيضًا، ثلاثة أغلفة مختلفة لرواية "رحلات غوليفر"، للكاتب جوناثان سويفت "1667-1745"، والتي تُظهر كيفية تسويق بعض الكتب، بأسلوب مختلف بين الناشرين.

وفي عام 1920، انتقل الاهتمام بالتصميم من غلاف الكتاب السابق الاعتيادي، إلى غلافه الخارجي، وكانت الطباعة بلونين مع العديد من الإعلانات، التي شملت أجنحة الغلاف الداخلية.

وكان أول أغلفة الكتب التي وصلت إلينا من عهد الحداثة، هي تلك التي يمتد غلافها إلى داخل الكتاب نفسه من الجهتين.. كما غطيت مساحة تجميع ملزماته الورقية. وتعود إلى العام 1850، وأصبح هذا النمط من الأغلفة معتمدًا من قبل صنّاع النشر، إلى غاية الوقت الحالي. وباتت أغلفة الكتب ذات الجناحين شائعة الاستخدام في عام 1880، ومعظم الأغلفة القليلة التي لا تزال في حالة جيدة ومحفوظة في المتاحف، هي من الولايات المتحدة وبريطانيا.

وفي اليابان حرص الناشرون على طباعة غلافين خارجيين لكتبهم، أحدهما بالقياس الكامل للكتاب، والآخر بمثابة حزام من الورق الشفاف الذي يتخلص منه، كالورق المقوى الذي استخدم لتغليف الكتب في بداية هذه الصناعة في الغرب.

بداية أغلفة الكتب الحديثة

في محاضرة لمدير النشر دار "فابر وفابر" ريتشارد دي لا مير، الذي أدرك أهمية أغلفة الكتب الخارجية، وقد أشار إلى ذلك في محاضرة له عام 1936 في مدرسة لندن للطباعة، حول انتاج الكتب، إلى المقومات الأساسية في جعل غلاف الكتاب الخارجي جيدًا.

وتتمثل في ظهور عنوان الكتاب ومؤلفه واضحًا، والتنويه إلى موضوع الكتاب من دون ترك أي التباس لدى القارئ، ضرورة ظهور اسم الناشر وإن لم يكن بالكلمات فبالشعار. كما بين أن التصميم الجيد يعتمد على بنط الحرف المقروء بسهولة، مع التصميم العام اللائق، لافتًا إلى أن إضافة رسم للفنان، يترك أثرًا أقوى ويزيد من اهتمام المشاهد.

وفي عام 1930 تبلورت فكرة أن تكون لدار النشر هويتها وخصوصية أسلوبها من خلال المصمم ستانلي موريسون. وبدأت الفكرة من خلال صاحب دار "فيكتور غولانس"، الذي أراد أن تلفت كتبه وإعلاناته الأنظار، بمختلف الطرق. وعليه ابتكر موريسون فكرة جريئة، من خلال تصميم مختلف، مستخدمًا لخلفية لون الطباعة، الأصفر البراق. واستخدم هذا الأسلوب لسنوات طويلة، وعلى عدد لا يحصى من الكتب.

أخيرًا نلاحظ أنه لا يوجد من دور النشر العربية أي اهتمام بشكل أغلفة الكتب إلا ما ندر على عكس ذلك من دور النشر الأجنبية التي تعد الغلاف البوابة الأولى للعبور إلى داخل الكتاب لما ما يحمله الغلاف من الأفكار القوية والتنفيذ الجميل المدهش.


عدد القراء: 11648

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

التعليقات 3

  • بواسطة جهاد من الجزائر
    بتاريخ 2019-03-13 14:45:40

    مقال جميل نشكرك ونشكر مجلة فكر

  • بواسطة عمر الحربي من المملكة العربية السعودية
    بتاريخ 2017-06-30 14:48:45

    مقال رائع وأشكر الأستاذ ناصر زمل على كل ما يطرح من مقالات وكل ما يكتب والله يسعده

  • بواسطة محمد أحمد من مصر
    بتاريخ 2017-05-18 15:24:58

    مقال جميل فعلاً الغلاف هو بوابة العبور للكتاب

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-