ألبير كامو الفيلسوف العبثيالباب: وجوه

نشر بتاريخ: 2024-05-30 17:48:48

ناصر بن محمد الزمل

ألبير كامو Albert Camus أديب وفيلسوف عبثي وكاتب مسرحي وروائي فرنسي. كان صحفيًا ومحررًا وكاتباً مسرحياً ومخرجاً وروائياً ومؤلفاً للقصص القصيرة.

كان كثيراً ما يستخدم وطنه خلفية لقصصه الخيالية، لكن أدبه يتخطى هذه الخلفية، إذ إنه يعالج قضايا خُلقية ذات أهمية عالمية.

الحياة المبكرة

ولد في 7 نوفمبر 1913 في قرية الذرعان التي تعرف أيضًا ببلدة مندوفى (الذرعان) بمدينة الطارف في أقصى شرق الجزائر، من أعمال محافظة قسطنطينة بالجزائر عام 1913، جاء والده لوسيان كامو من عائلة من المهاجرين الفرنسيين، وهناك التقى وتزوج كاتالينا إيلينا سينتس، وهي امرأة إسبانية هاجرت إلى الجزائر مع عائلتها. تم تقديم لوسيان للخدمة خلال الحرب العالمية الأولى. وبعد أن توفي والده في الحرب العالمية الأولى انتقل وشقيقه الأكبر لوسيان وجدته واثنين من أعمامه مع والدته المصابة بالصمم إلى الجزائر العاصمة، ليقطنا في حيّ بلكور  أحد الأحياء الشعبية المتواضعة في بيئة شديدة الفقر، وحيث أبدى نبوغًا وتفوقًا في دراسته، فقد تمكن من إكمال دراسته المتوسطة والثانوية، وفي هذه المرحلة أصبح شغوفًا بالرياضة وبخاصة كرة القدم، ولكن ولعه ذاك بتلك الرياضة لم يدم طويلاً، حيث أصيب بداء السل وهو في السابعة عشرة من عمره وفي العام نفسه (1930)، الذي كان الفرنسيون يحتفلون فيه بالذكرى المئوية لاحتلالهم الجزائر، والذي استمر مئة واثنين وثلاثين عامًا (1830 – 1962)، الأمر الذي جعله يتخلى عن مزاولة رياضته المحببة ومن ثم يتوجه نحو الاهتمام بالأدب والكتابة، ولقد اصطبغت توجهاته في الكتابة بمقته الشديد لأساليب القوة والعنف والسيطرة وإدانته للاستعمار الفرنسي للجزائر، ويتبدى ذلك في قوله: «إن أكبر معركة يجب أن يخوضها الإنسان هي معركته مع نفسه، معركة ينتصر فيها حب العدالة على شهوة الحقد».

تمكن ألبير من إنهاء دراسته الثانوية، ثم تعلم بجامعة الجزائر من خلال المنح الدراسية وذلك لتفوقه ونبوغه، حتى تخرج من قسم الفلسفة بكلية الآداب.

خلال الثلاثينيات من القرن الماضي، وسّع كامو اهتماماته. قرأ الكلاسيكيات الفرنسية وكذلك كتّاب اليوم - ومن بينهم أندريه جيد وهنري دي مونثيرلانت وأندريه مالرو - وكان شخصية بارزة بين المثقفين اليساريين الشباب في الجزائر العاصمة. لفترة قصيرة في 1934-1935 كان عضوًا في الحزب الشيوعي الجزائري.

قام برحلات في أوروبا وانتقل إلى فرنسا عام 1938. انضم للمقاومة الفرنسية أثناء الاحتلال الألماني، وأصدر مع رفاقه في خلية الكفاح نشرة باسمها. ما لبثت بعد تحرير باريس أن تحولت إلى صحيفة Combat «المعركة» اليومية التي تتحدث باسم المقاومة الشعبية، واشترك في تحريرها جان بول سارتر ثم صار رئيس تحريرها من (1944 - 1946).

الأعراس ونقطة انطلاق كامو

بدأت ملامح التوجه الفكري لكامو تتبدى مع نشر كتابه «على الوجه وبالمقلوب» L’Envers et l’endroit عام (1937) وهو سيرة ذاتية عبّر فيها عن مشاعر متناقضة تقوم على حب الحياة واليأس منها، وتتأرجح ما بين الشعور بالعزلة ومأساوية الوجود والانبهار بالكون. وكانت الطبيعة المتوسطية المليئة بالألوان والضياء حاضرة في أعماله وعلى الأخص في كتاب «الصيف» L’Eté عام (1954)، وفي الدراسات التي نشرها تحت عنوان «أعراس» Noces عام (1939).

بحثت أطروحة التخرج لكامو في جامعة الجزائر بتعاطف العلاقة بين الفلسفة اليونانية والمسيحية، وتحديداً علاقة أفلوطين بأوغسطين. ومع ذلك، فإن فلسفته ترفض الدين صراحة كأحد أسسها.

ظهرت أولى كتابات كامو المنشورة التي تحتوي على التفكير الفلسفي، الأعراس، في الجزائر عام 1938، وظلت أساس أعماله اللاحقة. تصف هذه المقالات والرسومات الغنائية وعياً ينبض بالحياة في العالم، والجسد المبهج بالطبيعة، وانغماس الفرد في الجسد المطلق. ومع ذلك، يتم تقديم هذه التجارب كحل لمشكلة فلسفية، أي إيجاد معنى الحياة في مواجهة الموت. يظهرون جنبًا إلى جنب، ويكشفون عن أنفسهم ليكونوا متأصلين في أول تأمل موسع له في الأسئلة النهائية.

في هذه المقالات، يضع كامو موقفين متعارضين. الأول هو ما يعتبره مخاوف دينية. يستشهد بالتحذيرات الدينية حول الكبرياء، والاهتمام بالروح الخالدة، والأمل في الحياة الآخرة، والاستسلام عن الحاضر، والانشغال بالإله. مقابل هذا المنظور المسيحي التقليدي، يؤكد كامو ما يعتبره حقائق بديهية: يجب أن نموت ولا يوجد شيء يتجاوز هذه الحياة. دون ذكر ذلك، يستخلص كامو استنتاجًا من هذه الحقائق، وهو أن الروح ليست خالدة.

أحب كامو المسرح، فأسّس وأدار فرقة مسرحية، وكان يقوم بالتمثيل والإخراج وإعداد الأعمال للخشبة كما في مسرحية «قدّاس من أجل راهبة» Requiem pour une none عام (1956) المأخوذة عن فوكنر Faulkner، و«الممسوسون» Les Possédés عام (1959) المأخوذة عن دستويفسكي Dostoïevski.

الصحافة

سمحت الكتابة الصحفية لكامو بإيجاد طريقة مباشرة للتعبير والنضال من أجل العدالة ولتصوير الواقع بكل ما فيه من بؤس وتدهور، كما هو الأمر في التحقيقات الصحفية ذات البعد السياسي التي وصف فيها الحالة المزرية لسكان منطقة القبائل في الجزائر، وأيضاً المقالات التي كتبها عن الأحياء الفقيرة ونشرت بعد موته، وتلك التي نشرها بعنوان «حالات راهنة» Actuelles عام (1939 - 1958). وظل ينشر مقالاته على نحو منتظم ما بين عامي 1938 و1940 في جريدة «الجزائر الجمهورية» L’Alger Républicain، ثم في جريدة «المساء الجمهورية» Le Soir Républicain.

في عام 1957، تلقى كامو نبأ حصوله على جائزة نوبل في الأدب وهو في سن 44 من عمره. كان هذا بمثابة صدمة له. كان يتوقع فوز أندريه مالرو بالجائزة. وأصبح ثاني أصغر الفائزين بالجائزة.

الأسلوب الأدبي والموضوعات

قسّم كامو أعماله إلى مجموعتين أسماهما حلقة التمرد Cycle de la révolte، وحلقة العبث Cycle de l’absurde، فكان بذلك أول من أطلق تسمية «العبث» التي وَسَمَت توجهًا أدبيًا وفلسفيًا نال شهرة كبيرة في الخمسينيات من القرن العشرين. والعبث بالنسبة لكامو هو شعور القلق والجزع المتولّد عن الإحساس بوطأة التاريخ. هذا الإحساس بعبثية الحياة يولّد التمرد الذي يمكن أن يكون فردياً في بداية الأمر، ثم يتحول إلى تمرد جماعي. فقد تمرد كامو على آلية الحياة، إذ يعيش الإنسان على وتيرة واحدة إلى أن يصحو يومًا ويشعر بأنه غريب في هذا العالم وأن الزمن هو العدو الذي يبدد جهوده ويهتك به ويرميه في أحضان الموت. وهذه هي الحقيقة التي يفترض أن يتصدى لها هذا الإنسان؛ فلا أخلاقياته ولا جهوده ولا ذكاؤه تجدي أمام هذا العالم العبثي الذي يغص باللاعقلانيين. والحرية التي يظن أنه يتمتع بها وهمية، فهو عبد للأحكام المسبقة والعادات. وتبقى العلاقات البشرية زائفة والتواصل مفقودًا وسوء الفهم هو المسيطر، وتزداد من ثمّ الهوة بين الناس. أما الإنسان الصامت فهو مدان كما هي حال مُرسو Meursault في «الغريب» L’Etranger عام (1944) الذي لم يذرف الدموع على والدته المتوفية، ولم يتصرف كما هو متوقع منه.

كان كامو ثائرًا على العرف وعلى الإيديولوجيات القائمة على الاستعباد والتخويف، كما ندّد بأسطورة التطوير والتقدم التي تخدع الناس متذرعة بوعود مستقبلية لتبرير ظلم الحاضر ومن ثمّ تسوّغ الرضوخ والاستسلام بدلاً من إيجاد ظروف أفضل. كره كامو الهروب أو الانتحار ووجد نفسه في التمرد على القيم الاجتماعية والعقائد الدينية، وكذلك في مجابهة الموت وتقبل الوضع الإنساني من دون عقد الآمال على الغد أو على حياة أخرى. وعُرف بمقولته الشهيرة «أنا أثور إذن أنا موجود». أما السؤال الأساسي الذي تطرحه أعمال كامو فهو: هل الحياة جديرة بأن تُعاش؟ ومع أنه رفض أن يعطي جوابًا متكاملاً عن ذلك، إلا أنه أوحى بأنه يمكن للإنسان تجاوز عبثية الحياة من خلال وعيه وتمرده المستميت على قدره. وهذا هو ما يميز «أسطورة سيزيف» Le Mythe de Sisyphe عام (1944)، في حين يظهر التمرد على منطق الحياة والشغف بالمستحيل في مسرحية «كاليغولا» Caligula التي أنهى كتابتها عام 1941، لكنها لم تقدم على الخشبة إلا في عام 1945 حين منحها الكاتب بعدًا سياسيًا لم يكن حاضرًا في النسخة الأولى. وفي مسرحية «سوء التفاهم» Le Malentendu عام (1944) تنبع مأساوية الحدث من موقف كان يمكن لكلمة واحدة أن تقلبه رأسًا على عقب، وبذلك تكون هذه المسرحية عرضًا واضحًا لأُسُس العبث وتجلياته ونتائجه، والتمرد على علاقة وثيقة بالموقف الملتزم الذي اتخذه كامو في أثناء انخراطه في المقاومة، فقد حاول تحليل الأسباب الأخلاقية للوقوف ضد النازية في «رسائل إلى صديق ألماني»  Lettres à un ami allemande عام (1945)، وفي مسرحية «حالة حصار» Etat de siege عام (1948) التي تتحدث عن الواقع التاريخي والسياسي المعاصر، وتمجّد كل الذين وقفوا ضد ديكتاتورية فرانكو في إسبانيا. لكن أهم مؤلفات كامو هي بلا شك رواية «الطاعون» La Peste التي حصلت على جائزة النقاد في عام 1947، وتعالج ظاهرًا وباء الطاعون الذي يتفشى في مدينة وهران الجزائرية، إلا أنها تبحث في الواقع موضوع الحرب والاحتلال والنازية وكل أساليب الاضطهاد والشر، مما يجعل منها جدارية متكاملة من المواقف الإنسانية التي تعكس الألم والفراق والمرض والموت ومشاعر الأخوّة، وتبيّن أيضًا أن الإنسان ليس مجرد فكرة، وأن الأشياء التي تستحق الإعجاب فيه تفيض عن تلك التي تستجرّ الاحتقار.

اتخذ كامو مواقف سياسية مع السلام وضد الفاشية، كما أنه كان لفترة وجيزة قريبًا من الشيوعيين، لكنه لم يلبث أن انفصل عنهم بسبب رفضه للعقائدية ولأي منظومة يمكن لها أن تقيّد الكائن البشري أو تشوهه. لكن هذه المواقف الإنسانية والملتزمة سرعان ما صارت إشكاليةً عندما اندلعت حرب الجزائر؛ فقد اتخذ كامو موقف الإدانة ذاته من الثوار الجزائريين ومن جيش الاحتلال، وأطلق من مدينة الجزائر عام 1956 نداءً من أجل هدنة مدنية لم يلقَ آذانًا صاغية، ويمكن عدّ روايته «السقوط» La Chute عام (1956) انعكاسًا للجو العدائي المليء بسوء الفهم والإدانة الذي أحاط بالكاتب بسبب موقفه من الحرب. أما القصص القصيرة الست التي نشرها بعنوان «المنفى والملكوت» L’Exil et le Royaume عام (1944) فتتحدث عن المنفى الذي يمكن أن يجده الإنسان داخل ذاته فيحاول أن يخرج منه من خلال التوحد بالذات وبالآخرين وبالعالم. في إحدى هذه القصص تبدو شخصية جوناس صورة للكاتب الذي لا يمكن له أن يبدع إلا في العزلة، وإن كان لا يريد أن ينفصل عن الآخرين وعن الزمن. وكانت هذه القصص الأخيرة تعبيرًا عن الضيق والحيرة التي عاشها كامو في آخر حياته، وعن شكوكه التي لم تستطع جائزة نوبل عام 1957 أن تبددها، حتى وفاته في مدينة فيلبليفان Villeblevin في حادث سيارة.

تُرجمت مؤلفات كامو إلى أغلب لغات العالم، ومع أنه وقف ضد الوجودية Existentialisme التي كان جان بول سارتر J.P.Sartre قد أطلقها في عام 1952، إلا أن اسمه يرتبط دائمًا باسم سارتر بوصفهما نموذجين للفكر الفرنسي ذي التأثير العالمي. وعلى الرغم من أن أعماله قد فُسّرت أحيانًا على نحو سطحي لما تبدو عليه في الظاهر من البساطة والوضوح، إلا أنه عبّر فيها عن تجربة داخلية ثرية ومعقدة ودائمة التطور.

فلسفة كامو

هناك العديد من العناصر المتناقضة في نهج كامو للفلسفة. في مقالته الطويلة بعنوان أسطورة سيزيف، يقدم كامو فلسفة تناقض الفلسفة نفسها. ينتمي هذا المقال بشكل مباشر إلى التقليد الفلسفي للوجودية، لكن كامو نفى كونه وجوديًا. كل من أسطورة سيزيف وأعماله الفلسفية الأخرى، المتمرد، يشككون بشكل منهجي في الاستنتاجات حول معنى الحياة، ومع ذلك يؤكد كلا العملين بشكل موضوعي على إجابات صحيحة للأسئلة الرئيسية حول كيفية العيش. على الرغم من أن كامو بدا متواضعًا عند وصف طموحاته الفكرية، إلا أنه كان واثقًا بدرجة كافية كفيلسوف للتعبير ليس فقط عن فلسفته ولكن أيضًا عن نقد الدين ونقد أساسي للحداثة. أثناء رفضه فكرة النظام الفلسفي، بنى كامو صرحه الأصلي للأفكار حول المصطلحات الرئيسية للسخافة والتمرد، بهدف حل قضايا الحياة أو الموت التي دفعته.

تتعلق المفارقة الأساسية التي نشأت في فلسفة كامو بمفهومه المركزي عن العبثية. بقبول الفكرة الأرسطية بأن الفلسفة تبدأ في التساؤل، يجادل كامو بأن البشر لا يستطيعون الهروب من طرح السؤال، «ما معنى الوجود؟» ومع ذلك، ينفي كامو وجود إجابة على هذا السؤال، ويرفض كل نهاية علمية أو غائية أو ميتافيزيقية أو من صنع الإنسان والتي من شأنها أن تقدم إجابة مناسبة. وهكذا، بينما يقبل أن البشر يسعون حتمًا إلى فهم الغرض من الحياة، يتخذ كامو موقفًا متشككًا بأن العالم الطبيعي والكون والمشروع البشري يظلون صامتين بشأن أي غرض من هذا القبيل. بما أن الوجود نفسه ليس له معنى، يجب أن نتعلم أن نتحمل فراغًا لا يمكن حله. هذا الموقف المتناقض، إذن، العبث. تستكشف فلسفة كامو عن العبث العواقب الناشئة عن هذا التناقض الأساسي.

تراث ألبير كامو

بصفته روائيًا وكاتبًا مسرحيًا ومنظرًا سياسيًا، أصبح ألبير كامو بعد الحرب العالمية الثانية المتحدث باسم جيله ومعلم الجيل التالي، ليس فقط في فرنسا ولكن أيضًا في أوروبا وفي نهاية المطاف في العالم. كتاباته، التي تناولت نفسها بشكل أساسي لعزلة الإنسان في عالم غريب، اغتراب الفرد عن نفسه، مشكلة الشر، والنتيجة الملحة للموت، عكست بدقة الاغتراب وخيبة الأمل لمفكر ما بعد الحرب. يُذكر، مع سارتر، كممارس رائد للرواية الوجودية. على الرغم من أنه فهم العدمية لدى العديد من معاصريه، جادل كامو أيضًا بضرورة الدفاع عن قيم مثل الحقيقة والاعتدال والعدالة. رسم في أعماله الأخيرة الخطوط العريضة للإنسانية الليبرالية التي رفضت الجوانب العقائدية لكل من المسيحية والماركسية.

اعتبر كامو أن «الرجل الأول» هو أهم أعماله وعبر لأصدقائه عن أنه يمثل بداية حياته المهنية في الكتابة. حالت الحرب الجزائرية دون نشر كتاب «الرجل الأول» بعد وفاة كامو، ولم يكن الأمر كذلك حتى عام 1994 عندما نُشر النص غير المكتمل، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الحرب الأهلية في الجزائر ودعم بعض الكتاب والناشرين الجزائريين الذين ارتبطوا بعمل كامو.

إرثه ككاتب جزائري وفرنسي هو إرث متنازع عليه. أثناء الاحتفال به في فرنسا كمؤلف فرنسي، قوبلت الاقتراحات بإعادة دفنه في البانثيون في باريس مع رموز أدبية فرنسية أخرى بالاشمئزاز من قبل الليبراليين الفرنسيين.

في الجزائر، لا يزال كامو هو الحائز الوحيد على جائزة نوبل في البلاد، ومع ذلك فإن الكثيرين يؤيدون المواقف الاستعمارية والإمبريالية الثقافية الفرنسية المستمرة، رافضين إدراجه في التقليد الأدبي الجزائري.

الرحيل

في يوم الإثنين 4 يناير عام 1960 وفي الساعة 15: 2 ظهرًا اصطدمت سيارة مسرعة متجهة من مدينة سانس إلى العاصمة باريس بشجرة من أشجار البلوط في مدينة فيلبليفان وأسفر الاصطدام عن حادث مروع، راح ضحيته ركاب السيارة، ومن بينهم ألبير كامو، وكان قد أمضى عطلة رأس السنة الجديدة عام 1960 في منزله في لورمارين، مع عائلته، وناشره ميشيل غاليمارد من Éditions Gallimard، جنبًا إلى جنب مع زوجة غاليمارد، جانين، وابنته. عادت زوجة كامو وأطفاله إلى باريس بالقطار في 2 يناير. لكنه آثر صحبة رفيقه الناشر المشهور ميشيل غاليمار (الذي كان يقود السيارة) دون السفر بالقطار الذي كان يحتفظ بتذكرته في جيبه مما يدل على سوء حظه العاثر غير رأيه في آخر لحظة، فسافر بالسيارة دون القطار استجابة لرغبة صديقه الناشر، وكانت وفاته بعد حصوله على جائزة نوبل في الأدب بثلاث سنوات.

عثرت الشرطة على حقيبة تحتوي على مخطوطة من 144 صفحة مكتوبة بخط اليد بعنوان «الرجل الأول» Le premier Homme في مكان حطام السيارة. توقع كامو أن هذه الرواية غير المكتملة التي تستند إلى طفولته في الجزائر ستكون أفضل أعماله.

دفن كامو في مقبرة لورمارين، فوكلوز، فرنسا، حيث كان يعيش. كتب صديقه سارتر تأبينًا يشيد بـ«الإنسانية العنيدة» لكامو.

لم يكن كامو أول إنسان يتوجس من فكرة الموت، وهذه معضلة كبرى واجهته مما جعلته يكره كل أشكال المرض الذي عادة ما يمهد للموت، لقد تعلق كامو بالحياة إلى درجة لا يمكن تصورها، كما لم يكن أول من يشتهي انتزاع السعادة من اللحظة العابرة، أما الذي يفرقه عن غيره فهو أن حاجته للسعادة مقرونة بحاجة أخرى لا تقل عنها قوة وإلحاحًا وهي شعوره بالمسؤولية تجاه الإنسانية المعذبة.

لقد وضعت هذه الرحلة القصيرة نقطة النهاية أيضًا في رحلة حياة قصيرة لكامو أديب العبث الذي مات عبثًا، وعاش طوال حياته يفلسف العبث، أديب قبض بإحدى يديه على شمس الجزائر الباهرة وباليد الأخرى على أضواء باريس الساحرة، وباليدين معًا أضاء شعلة المعرفة وطفق ينير عتمات الكون ودهاليز الحياة وسراديب النفس الإنسانية، نعم ألبير كامو عاش حياة لم تخل من العبث والتمرد لكنها حياة حافلة بالتفوق والعطاء ونبذ الظلم وحب الإنسان.


عدد القراء: 3590

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-