مجنون دمشق: الشاعر ابن عُنينالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2023-01-30 09:11:43

سعد عبدالله الغريبي

أديب وشاعر - الرياض

عرف تاريخ الأدب العربي شعراء لقبوا بالمجانين لأنهم عشقوا حسناوات ثم حيل بينهم وبينهن، فهاموا على وجوههم في الفلوات بين الجبال والأودية يترقبون فرصة العودة ولم الشمل. وأضعكم الآن أمام شاعر مجنون، لكنه يختلف عن أولئك في أن حبيبته ليست غادة فاتنة، بل بلدًا عشقه حتى الثمالة، وأُخرج منه بقوة السلطة وظل بعيدًا عنه ما يقرب من عشرين عامًا. هام على وجهه يبحث عن سكن وأناس يرتاح إليهم ويرتاحون إليه ولم يجد، فظل يتغنى ببلاده كلما هب نسيم، ويتصورُها كلما رأى ما يشبه أشجارها ووديانها وجبالها، ويراسل مِن أهله وأصدقائه مَن يُطمئنه على أحوالها ويكون همزة وصل بينه وبينها. فمن هذا المجنون؟ ومن تكون مجنونته؟

نسبه ونشأته:

هو شرف الدين أبو المحاسن محمد بن نصر المشهور بابن عُنين الأنصاري الدمشقي. ولد في دمشق في سنة 549 هـ، ولا يُعرف أحد من أهله سوى أن له أبياتًا في المستدرك على ديوانه يهجو فيها أباه ويتهمُه بأنه سببُ تقصيره عن إدراك العلا. كما ورد في ديوانه رسائل على شكل أبيات أرسلها لأخيه المقيم في دمشق المكنى بأبي حسن. وأربعة أبيات في كل كلمة منها قاف كتبها لابن أخت له يلثغ بالقاف.

تعلم ابن عنين على أيدي طائفة من العلماء والفقهاء بالجامع الأموي، منهم العَلَم المشهور الحافظ بن عساكر، والنحوي أبو الثناء محمود بن نعمة بن أرسلان الشيزري، والفقيه قطب الدين النيسابوري، ورحل إلى بغداد فسمع من أدبائها وعلمائها، فكان شاعرًا أديبًا، وله باع طويل في الحديث والتفسير والمنطق والفلك والهندسة والحساب. أما النحو والفقه فقد تمكن منهما إلى أن أصبح حجة فيهما..

كان خفيف الروح كثير الدعابة محبًّا للسخرية حاضر النكتة. استهزأ بالقضاة والفقهاء والمحدثين والخطباء والوعاظ، فاتهموه بالتهاون في الصلاة ومعاقرة الخمر وسوء الاعتقاد. كان متعصبًا للعرب على العجم، حتى حين مدح الرازي نسبه إلى العرب وإن استوطن أهله بلاد العجم.. وسوَّغ مديحه الأيوبيين بأنهم لم يصطنعوا غير العربية في شؤون الدين والدولة والعلم.

هجاؤه لرموز الدولة الأيوبية:

ابتدأ قول الشعر وهو ابن ستَّ عشرةَ سنة، وما إن اشتد عوده حتى بدأ يغمز القائمين على الدولة من قواد وقضاة، وعلماء وأعيان، وقد بلغت به الجرأة مبلغًا بعيدًا حتى تعرض لصلاح الدين فقال:

قد أصبح الرزق ماله سبب     

                        في الناس إلا البغاءُ والكذبُ

سلطــاننا أعــرج  وكاتبــه    

                        ذو عمش  والوزير   منحدب

لِمَ هذا الهجاء المقذع من شاعر أديب عالم؟ ولِمَ يستهدف رموز الدولة؟ قد يكون السبب أنه بدأ نظم الشعر في عهد نور الدين محمود بن زنكي، المعروف بتقريبه العلماء لا الشعراء، ثم خلفه صلاح الدين الذي أشغلته الحروب مع الصليبيين عن مجالس الشعر، فظل مبعدًا عن مجالس الخلفاء. وقد يكون ذلك بسبب تشيعه، وقد أقام صلاح الدين دولته على أنقاض الدولة الفاطمية، واستبدل بالقضاة الشيعة قضاة سنّة شافعية. والمرجح أن تكون الطرافة والظرف اللذان شهر بهما أوقعاه في هذا المأزق، فهو يلجأ للنكتة الساخرة في هجائه، والجمهور يحب هذا اللون ويتطوع لإذاعته.

ولكن هذا الموقف كان مؤقتًا، لأن الأيوبيين استطاعوا بأعمالهم الجليلة وانتصاراتهم الساحقة على الروم - لا سيما تحرير بلاد المقدس على يد صلاح الدين - أن يخرسوا الألسنة وينتزعوا الإعجاب من الأعداء قبل الأصدقاء، فظهرت له قصائد في مديح الأيوبيين، وصف فيها معاركهم وانتصاراتهم على الصليبيين من أجمل ما حفظ التاريخ الأدبي..

إخراجه من دمشق ورحلاته:

ضجر به الناس في دمشق بعد أن هجا أعيانَهم؛ وبخاصة في قصيدته المسماة (المقراض في هجاء الأعراض) فنفاه صلاح الدين، وخرج منشدا:

فعلام  أبعدتمْ  أخا  ثقة      

                       لم  يجترم  ذنبا ولا  ســرقا

انفوا المؤذن من دياركم    

                       إن كان يُنفَى كلُّ من صدقا

ويبدو أن هجاءه القاضي الفاضل عبدالرحيم بن علي؛ صاحب الكلمة المسموعة لدى صلاح الدين عجَّل باتخاذ قرار إبعاده. وبعد نفيه رحل إلى الجزيرة وبغداد والري وأذربيجان وخراسان وخوارزم وبخارى وغزنة، ثم الهند، ومنها لليمن ومصر اللتين اشتغل بالتجارة بينهما.

عدم ارتياحه في غربته:

لم يطمئن في أي بلد من البلدان التي حطت ركابه فيها، ولم يلق في رحلته ما سره سوى لقاء الفخر الرازي في (الري) فاستفاد من علمه ومن هباته، وكانت بينهما مفاكهات ومسامرات.

ذَمَّ الهند ودعا عليها بقوله:

وإذا سقى الله البلاد فلا سقى

                  بلد الهنود سوى الصواعق والدما

وفي (بُخارَى) يقول:

آليتُ لا  آتي  بخارى  بعدهــا

                       ولو  اْنها في  الأرض دارُ خلود

فلقد حللت بها حنيفا مسلما

                       ورحــلت عنها باعتقــاد يهودي

أما (خوارزم) فضايقه فيها كثرة الأذان. يقول:

خوارزم عنديَ خير البلاد    فلا أقلعت سحبُها المغدقة

وما إن نقمــت بــها حــالة   

                          سوى أن أقامت بها مقلقة

وعموما فقد أصابه الإحباط من ملوك العجم، وحنَّ إلى دمشق وحكامها الأيوبيين، فقال:

وكيف تبيت تطمع في مديحي   رجاء نوالها العجمُ الخساس

ولو أني مدحت ملوك قومي     

                        تراغت حولي النعم الدخاس

ملوكٌ دأبهم شــرف ومجــد     

                       ودأب  سـواهم  طـرب  وكأس

العودة لليمن:

عاد لليمن وملكها يومئذ سيف الإسلام طغتكين بن أيوب؛ أخو صلاح الدين، فقربه وأكرمه وجعله من خواصه ومدحه بعدد من القصائد، منها قصيدة طويلة بدأها متغزلاً، ثم وصف رحلته البحرية إليه، ثم توجه لممدوحه:

أتيــت إليه والزمــان عناده    

                   عنادي وقد سدت علي المذاهب

فلم أر كفا عارضا غير كفه    

                  بوجه  ولم  يزورَّ للسخط  حاجب

اشتغل بالتجارة بين مصر واليمن، ولما كثرت تجارته أخذ منه أهل مصر الضرائب، فهجا حاكمها العزيز بن صلاح الدين مقارنًا بينه وبين عزيز اليمن:

ما كل من يتسمى بالعزيز لها

                      أهل ولا كل برق سـحبه غدقةْ

بين العزيزين بون في فعالهما    هذاك يعطي وهذا يأخذ الصدقة

محاولاته العودة إلى دمشق:

عِشقُه دمشقَ وشعوره بأنه خرج منها صاغرًا جعلاه لا يهنأ ببلد زاره، مع أنه لم يكن قليل التوفيق في رحلاته؛ رغم ادعائه عكس ذلك. فمع سروره وارتياحه في اليمن ظل يتشوق إلى دمشق التي لا يرتضي بها بدلاً حتى ولو أعطي قصر غمدان وملكه، فيقول في قصيدة بعث بها إلى الأمير بدر الدين مودود بن شاهنشاه بن أيوب:

وكم قيلَ لي في ساحةِ الأرضِ مذهبٌ   

              وعــن وطــنٍ للنفسِ ميــلٌ إلى الوطنْ

وما كنــتُ  بالراضــي بصنعاءَ  منزلاً

             ولوْ نلتُ من غَمدانَ ملكَ ابنِ ذي يزَنْ

عســــى عطفة بدريةٌ تعكــسُ النَوى    

                فألفى قريرَ العيــنِ  بالأهــلِ والوطنْ

ولا ننسى إشارته في البيت الأخير إلى أمله في العطف عليه حتى يعود إلى موطنه.. ولقد تحقق عما قليل أمله، ولكن ليس بسبب عفو صلاح الدين عنه، ولكن لوفاته..

وظل يحن إلى دمشق ويذكرها في غربته واصفًا رباها ومغانيَها؛ غير ناسٍ الأسباب التي اضطرته إلى تركها وأهمها المحافظة على عزته وكرامته.. يقول:

وواللّـهِ  مــا فارقتُــها  عن  مَــلالة    

                     سِـواي عن العهدِ القديمِ يَحولُ

ولكن أَبتْ أن تحملَ الضيمَ همتي  

                   ونفسٌ لها فوق  السِّماك  حُـلولُ

فإِنَّ  الفتى  يلقـى المنــايا مكرَّما    

                    ويكرهُ   طـولَ  العمرِ  وهو  ذليلُ

لعل ابن عنين كان يترقب وفاة صلاح الدين ليتولى صديقه ابنه (الأفضل) فيعود لدمشق معززًا مكرمًا، لكن فرحته لم تكتب، لأن الملك العادل استطاع بعد مدة قصيرة أن يبعد الملك الأفضل ويضم دمشق إليه، وهذا ما لم يكن يتوقعه ولا يرضيه. ونستشف رأيه الصريح هذا في أبيات وجهها لأخيه حين طلب منه العودة إلى دمشق:

وتقول أهل دمشق أكرم معشر

                       وأجلهم ودمشق أفضل منزل

وصدقتَ إن دمشق جنّة هذه الـــــــدنيـا ولكن الجـحـيـمَ ألـذُّ لـــي

هيهات أن آوي دمشق ومُلْكُها    

                      يُعزى إلى غير المليك الأفضل

ورحل إلى مصر وفيها أحاطه شعراؤها بكل حفاوة وتكريم، وتوفي عزيز مصر وتولى من بعده ابن له صغير، وجيئ بالملك الأفضل ليقوم بتدبير أمور الملك، فتهللت أسارير ابن عنين، لكنها ما لبثت أن انقبضت بعد أن أبعد الملك العادل الملكَ الأفضل من مصر وأضافها إلى ملكه.. أدرك أن الأمور قد استتبت كلها في يد العادل، فنظم قصيدة يمدحه فيها، أحسبها من غرر قصائد المديح في الشعر العربي. بدأ القصيدة بمقدمة غزلية جميلة يشكو فيها هجر الحبيب بسبب سماعه الوشايات وكأنه يشير بذلك إلى صد السلطان له:

ماذا على طيف الأحبـة لو ســـرى    

                       وعليهمُ لو سامحوني بالكرى

جنحوا إلى قول الوشــاة فأعرضُوا    

                      واللــهُ  يعــلم أن ذلـك  مُفتــرى

ومضى يتذكر أيام دمشق وصفو حياته فيها، ثم يذكر سبب بعده عنها، وأنه ما خرج منها إلا مضطرًا للبحث عن أسباب العيش التي سُدّت في وجهه في موطنه، وكأنه بهذا يريد أن يصرف الملك العادل عن السبب الحقيقي لخروجه؛ بل إخراجه من دمشق:

فارقتُها لا عن رضى، وهجرتها    

                       لا عن قِلًى، ورحلتُ لا متخيِّرا

أســـعى لرزق في البـلاد مفـرَّق

                     ومن  البليّـــة  أن يكون  مقتّــــرا

ويمضي معددًا صفات الممدوح ومناقبه التي يأتي على رأسها العدل والشجاعة والخلق الكريم، منتهيا بصفتي الحلم والعفو تلميحًا قبل أن يصرّح بطلب الصفح:

ومن العجـــائب أن تَفَيّأ ظلــــــكم   

                      كلُّ الورى ونُبِذتُ وحدي بالعرا

ولقد ســئمت من القريض ونظمه

                      ما حيلتي ببضــاعة لا تشـــترى

كســدت فلما قمت ممتدحــا بهـــا

                    ملك الملوك غدوت أربح متجرا

وقد سمح له الملك العادل بالعودة لكنه ظل بعيدًا عن أي منصب.

عاد إلى دمشق وسرعان ما غادرها إلى مصر مكتفيًا بتحقيق حلمه.. ألاقى فيها ما نغص عليه حياته؟ أم لم يلاق ما توقع من حفاوة وتكريم؟ أم خشي أن يصل الملكَ العادل بعضُ ما قاله فيه نحو قوله:

إن سلطاننا الذي نرتجيه  

                    واسع المال ضيق الإنفاق

هو سيف كما يقال ولكن   

                    قاطع  للرســـوم  والأرزاق

سطوع نجمه:

ولم يسطع نجمه إلا حين تولى الملك المعظم عيسى بن الملك العادل الحكم، وكان عالمًا أديبًا فقيهًا لغويًا نحويًا يقرب العلماء والأدباء ويكرمهم، فقرَّب ابن عنين وجعله سميره، ووولاه الوزارة بدمشق. وهكذا أصبح ابن عنين شاعرًا ونديمًا ووزيرًا ومستشارًا وسفيرًا. فأخذ يقضي جزءًا مما تبقى من عمره في الأسفار سفيرًا، بعد أن قضى شطره الأول شريدًا.

ويتضح لمتتبع سيرة شاعرنا أن له دالة على الملك المعظم، وليس أدل على ذلك من قوله مفتخرًا بعودته لدمشق معززًا مكرمًا:

هجوت الأكـابر في جُلّق    

                ورُعت الوضيع  بهجو  الرفيع

وأخرجــت منها ولكنني    

                رجعت على رغم أنف الجميع

ومن هذه الدالة هجاؤه ابن الجوزي - سبط أبي الفرج - وكان قد خرج للحج فطرحته ناقة كان يمتطيها ولم يكمل، فقال:

إذا ما ذُمَّ فعلُ النوق يوما    

                          فإني شاكر فعل النياقِ

أراد الله بالحُجــاج خيـرا

                         فثبط عنهمُ أهلَ النفاق

ومن ذلك أن يوجه النصح للملك المعظم لتغيير قاضيه، وهي نصيحة تحمل من النقد أكثر مما تحمل من النصح. يقول:

قاضيك إن لم تُقْصِهِ فاخصِهِ   

                         أولا فـلا يــحـكم بيــن النســـــا

تقديم استقالته ورفضها:

ضاق ابن عنين بعد حين بالوزارة، فطلب الاستقالة شعرًا:

أقلني عثــاري واحتسـبها صـــنيعة 

                      يكون برحماها لـــك اللـــه جازيا

كفى حزنا أن لستَ ترضى ولا أرى  

                     فتى راضـيا  عني ولا الله راضـيا

ولكنه لم يقبل استقالته، فبقي فيها حتى مات المعظم سنة 624هـ فاستبقاه خلفُه ابنه الناصر.

استجداء رغم الغنى والكبر:

بعد سنتين من حكم الناصر استولى الملك الأشرف على مقاليد الدولة، فترك ابن عنين الوظيفة وكان قد طعن في السن، لكنه لم يبتعد عن بلاطه، وأخذ يضمن مدائحه استجداءه، نحو قوله:

ولربّ  لائمــة  عليَّ  حريصــــــة    

                     باتتْ وقد جمعــتْ عليّ العــذلا

قالت أما تخشى الزمان وصرفه   

                     وتُقِــلّ من إتلاف مالك قلت: لا

أأخاف من فقرٍ وجودُ الأشرفِ الـــــسلطان في الآفـاق قد ملأ الملا

الواهب الأمصار محتقــرا لها   

                       إن غيرُه وهــب الهجــان البزّلا

ولا معنى للاستجداء في آخر عمره إلا الاستكثار، فقد أمضى عمره عزبًا، ولم يكن فقيرًا، فقبل وفاته بفترة وجيزة أهدى مماليكه إلى الملك الأشرف. لكنه أمر طبع عليه، فقد عاش طول عمره مستجديًا من الوجهاء ومن العامة ومن الأصدقاء.

وكان يظهر البخل والفقر ويتخوف من غشيان الضيوف كما فعل ضيوف بخارى:

لا رعى  اللهُ ليلتي في بخــارى  

                     ذكرُها ما حييتُ حشـوُ ضميري

طَرقتْني الضــيوفُ فيها وقــد بِـــــتُّ من الجوعِ في عذاب الســعيرِ

مع أنه يعلم علم اليقين أن الضيوف لن ينالوا طعامه كما يعبر صراحة:

يرومون خبزي والكواكب دونه  

                   لقد ضل عنهم رأيهم ونأى الفهم

أما علمــوا أن الذبابــة لا تــرى   

                   طعامي وأن الفأر عندي لها لجم

ويشعر أن الله لم يرزقه سوى كثرة الضيوف. يقول:

فالحمــد للـه شــكرا أنني رجــل   

                        ما بــارك الله لي إلا بأضــيافي

مع أنه القائل:

والرزق يأتي وإن لم يسعَ صاحبه 

                     حتما ولكنْ شقاءُ المرء مكتوب

وقف داره ووفاته:

وقفَ دارَه على من التحى من المُرْدان، فلما سئل عن ذلك أجاب: هؤلاء تشغلهم المردوية عن تعلم الصنعة، فإذا التحى أحدهم لم يجد ما يتقوَّتُ به، وهي جهة من أوجه البر لم أسبق إليها!..

توفي بدمشق سنة 630 هجرية وقد بلغ الحادية والثمانين من عمره، ودفن بأرض المزة من نواحي دمشق..

أغراض شعره:

وأهم أغراض شعره الهجاء والدعابة والسخرية، والمديح والرثاء والغزل والوصف، خاصة وصف الطبيعة الدمشقية. وله القليل من شعر الحكمة يأتي غالبا في سياق الرثاء. كما اشتهر بنظم الألغاز والرد عليها.

وله قدرة على توظيف مصطلحات النحو والفقه في شعره، كقوله:

كأنيَ  من  أخبارِ  إنَّ  ولم  يُجــزْ    

                      له  أَحـدٌ  في النحوِ أنْ  يتقدَّما

عسى حرفُ جرٍ مِن نداكَ يجرُّني  

                    إِليكَ فأضحي مِن زماني مُسَلَّما

ومن تضمين المصطلحات الفقهية قوله:

وصاحب قال في معاتبتي    

                      وظــن  أن  المــلال  مــن قِبــلي

قلبك قد كان شــافعي أبدا     

                       يا مالكي كيف صرت معتزلي؟

فقلت  إذ  لــجَّ  في  معاتبتي     

                     ظلما وضاقت من عذره حــيلي

خدك  ذا  الأشعري  حنفني     

                    فقال: مــن أحمــدِ المذاهــب لي

ولابن عنين قصائد طريفة كالتي مرت في وصف فقره وخشيته من الضيوف، ويمكن أن ندرج في ذلك ما قاله في الغزل بذوات المُقَلِ الضيقة مقارنا بين أثرها الفتاك وبين الأعين النجل:

لا تعرضـنّ لضـيّق المُـقَلِ    

                            فتبيتُ من أمن على وَجَــلِ

واترك ظباء الترك سانحة   

                         لا  تعترض  لحبـائل  الأجــل

وبَلِيّتي مــن ضـيق مقلتها  

                          إن خيف فتك الأعين النّجُل

ومن شعره الهزلي قوله في أسود:

وما ذا عليهم أن كُلِفتُ بأسـود

                   محلته في العيــن والقلب منهم

وقـد عابنــي قـوم بتقبيل خــده  

                    وما ذاك عيبٌ أسود الركن يُلثم

هناك العديد من المقالات والبحوث والرسائل العلمية التي كتبت في شعر ابن عنين معظمها تناول اتجاهاته الفنية وإبداعاته ولغته، وقليل منها تطرق إلى حياته.

***


عدد القراء: 2149

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-