ديمتري بيكوف.. هل هو ظاهرة أدبية أم جنونية؟الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2022-05-29 08:05:19

حسين علي خضير

كلية اللغات – جامعة بغداد

دميتري بيكوف – هو ناقدًا وكاتبًا وشاعرًا وصحفيًا في روسيا، ترجمت أعماله إلى عدة لغات، ولكن آرائه الغريبة والمثيرة للجدل وانتقاده إلى قامات أدبية كبيرة في عالم الأدب الروسي، كل هذه الأسباب دعتني أن أكتب هذا المقال، فما يهمني من هذا المقال هو طريقة نقده للكتَاب والشعراء الموهوبين وغير الموهوبين، وطبعًا، القائمة طويلة، ولا مجال لنا في ذكر الأسماء التي تحدث عنها بيكوف، ولكن اخترنا اسمين كبيرين في عالم الشعر والنثر هما: الشاعرة الكبيرة آنا اخماتوفا والكاتب العظيم دوستويفسكي.

الغريب في الأمر أن هذا الكاتب له العديد من المعجبين في روسيا، لكن طريقة كتابته أو انتقاده تجعل الشخص في صدمة واستياء مما يطرحه هذا الكاتب الغريب الأطوار، حتى أن الكاتب والناقد المعاصر المعروف رومان سينجين تحدث عنه، حينما سألوه في إحدى اللقاءات: «من هو ديمتري بيكوف بالنسبة لكم – شاعر، ناثر، كاتب مقال، كاتب مسرحية، محاضر أم ظاهرة فريدة؟... يجب أن أنوه فكرتُ لفترة طويلة، قبل أن أجاوب، وسوف أجيب، على الأرجح، ومن المتوقع أنه ظاهرة فريدة، اقرأ واستمع إلى بيكوف كثيرًا. في بعض الأحيان يقول ويكتب أشياء مثيرة إلى الاستياء. أود أن أجادله، لقد فعلت ذلك عن طريق الكتابة مرتين فقط، ولكن فكريًا أفعل ذلك كثيرًا، وبفضل ديمتري لفوفيتش كثيرًا ما قدراتي العقلية لا تزال لم تتأكسد أبدًا»، وعلى ما يبدو أن الكاتب رومان سينجين مستاء من أفكاره التي تثير الشك، وعدم احترام الرموز الأدبية الروسية التي تركت بصمة كبيرة في الأدب الروسي، ودليل على ذلك أن الناقد رومان سينجين يقول فكريًا إني أجادله كثيرًا وهذه إشارة واضحة أن رومان لا يتفق مع بيكوف فيما يطرحه من أفكار.

أما الآن دعونا نكشف لكم بعض من آرائه الغريبة: فقد تحدث في محاضراته التي يلقيها باستمرار عن رأيه بالشاعرة الكبيرة آنا اخماتوفا بمناسبة يوم ذكرى ولادتها، وكان رأيه بالنسبة لي غريبًا وصادمًا لا ينم عن كونه ناقدًا معروفًا، فيقول عنها: "تجسد اخماتوفا النموذج للمرأة الفاسقة المقدسة، وهو النموذج الذي جسدته وغرسته لأول مرة في الأدب الروسي". ياله من ناقد غريب!!!، ولم يكتفي بذلك، بل حتى الكاتب الكبير دوستويفسكي لم ينجو من أفكاره الغريبة، فيقول عنه: «... ماذا يمثل مبدئيًا بالنسبة لي أهمية دوستويفسكي؟ أنا أعده كاتبًا كبيرًا للمقالات السياسية والاجتماعية والهجائية، ومؤلف أهاجي مشهور، ومقالاته الاجتماعية لها شأن كبير جدًا. أسلوبه حسب أدعاء باختين أقرب إلى المونولوج ومتعدد الأصوات، صوته أجش، تتقطع أنفاسه همسًا، الذي نسمعه دائمًا في نصوصه، مكتوبًا على طريقة تلقين ومسجل باختزال، وهذا الأمر قريب جدًا إلى الأسلوب الصحفي، أما بالنسبة لعرضه بارعًا ودائمًا ساخرًا لراي ما وحيدًا كان أو متعددًا الأصوات. جميع أبطاله يتحدثون بطريقة متشابها. وجميعهم مرضى بأمراضهم الخاصة. لعل الكلمات الصادقة لتولستوي تنطبق عليه: «إنه واثق من أنه إذا كان مريضًا – فالعالم كله مريض». هو كاتب ساخر كبير، ومؤلف هجائي رائع، له القدرة على أن يكون مضحكًا، وفرحًا، ومألوفًا وأحيانًا عنيفًا. ولكن على الأغلب لا أنوي أن اسميه فنانًا، أولاً، هنا بذات كفنان قام بأشياء جيدة حتى عام 1865، ومن ثم استمر الفن بتراجع متزايد عند أول اهجوة صدرت (الشياطين) – هي نقطة الذروة في أعماله، أما (الإخوة كارمازوف) – هي رواية بصورة عامة غير متوازنة التي فيها الأحاديث والجدل والخطب أكثر من العمل ولوحات والمناظر الطبيعية. المناظر عند دوستويفسكي تغيب تقريبًا ما عدا المدن. ثانيًا، الأكثر أهمية على وجه الدقة هو قبل كل شيء أبدًا لم يدعي فنانًا. وهو في الغالب مفكرًا، وعالم نفساني، ومحلل. كفنان هو يترك انطباعًا بشيء من الضيق وافتقار إلى الوسائل بمعنى إنه رتيب جدًا. ويبدو أن تفاقم المرض لديه أدى به إلى السيطرة أقل على قدراته الفنية الخاصة به. كانت لديه مواضيع لأجدال فيها دائمًا تنتمي إلى صورة قاتمة إلى إعماق الوعي الإنساني، على سبيل المثال قصة (بوبوك) مكتوبة بشكل مدهش وهي حلم وكابوس مخيف جدًا، وبودي أن أقول بشكل واضح كان مملاً وغير طبيعي. أو أنه يؤثر تأثيرًا عاطفيًا رائعًا في سر ما يسمى إنسان القبو. أي مثل هكذا تعليم ذاتي وواعي وهكذا سادية مكبوتة بهذا المعنى لا مثيل لها بالنسبة له»(1). لو تمعنا قليلاً فيما يقوله بيكوف نجد أنه نفس الذي سبقه فلاديمير نابوكوف، لديه عقدة من مجد دوستويفسكي، الذي قالها علنًا: "لا أخفي، أن لدي رغبة شديدة أن انتزع المجد من دوستويفسكي"، وعلى ما يبدو أن بيكوف أيضًا لديه هذه العقدة، ويحاول بطريقته الساحرة ولسانه السليط وقدرته على اقناع الآخرين في تكوين هذه الفكرة التي تختمر في رأسهُ مثل الذي سبقه نابوكوف. وطبعًا، هنا يتبادر إلى الذهن سؤال، إذا كان دوستويفسكي ليس فنانًا فمن هو الفنان في مفهوم الناقد دميتري بيكوف؟! وكيف يكون؟! للإجابة على هذا السؤال ندع الكاتب والناقد الروسي الشهير نيقولا برديايف يرد على السيد دميتري بيكوف، فيقول نيقولا برديايف عن دوستويفسكي: «ذلك أن دوستويفسكي لم يكن فنانًا عظيما فحسب، بل كان مفكرًا عظيمًا أيضًا، وصاحب رؤية عظيمًا في رؤيته: وكان جدليًا عبقريًا في جدله كذلك، كما كان أعظم ميتافيزيقي انجبته روسيا. والأفكار تلعب في مؤلفاته دورًا راجحًا، كما أن جدله (ديالكتيكه) الرائع يمثل مكانًا مساويًا لبصيرته النفسية الفذة. بل إن هذا الجدل يشارك في طبيعة فنه نفسه: فبالفن ينفذ دوستويفسكي إلى أسس عالم الافكار؛ كما أن عالم الأفكار يشيع في فنه.»(2). وهذا غيض من فيض مما يطرحه ديمتري بيكوف، الذي معدل محاضراته في اليوم الواحد تتجاوز مراحل حياته.

الهوامش:

(1) دميتري بيكوف، وحيدًا: مائة ليلة مع القارئ، 2017، ص 471.

 (2) نيقولاي برديانف، رؤية دوستويفسكي للعالم، ترجمة: فؤاد كامل، بغداد، 1986، ص 12.


عدد القراء: 2583

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-