إقطاعية تبنين «تورون» وقلعتها في عصر الحروب الصليبيةالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2017-05-11 21:15:58

د. علي عفيفي علي غازي

أكاديمي وصحفي

الكتاب: إقطاعية تبنين "تورون" وقلعتها في عصر الحروب الصليبية

دراسة في دورها الاقتصادي والسياسي والعسكري (1105-1266م)

المؤلف: أحمد شعير

الناشر: دار جرين Grin

عدد الصفحات: 131 صفحة

تاريخ النشر: 30 يناير 2015

الرقم المعياري الدولي للكتاب:  978 - 3656869450

 

صدر عن دار جرين Grin للنشر والتوزيع بميونخ بألمانيا، كتاب "إقطاعية تبنين "تورون" وقلعتها في عصر الحروب الصليبية، دراسة في دورها الاقتصادي والسياسي والعسكري 1105-1266م"،باللغة الإنجليزية لباحث الدكتوراه في تاريخ العصور الوسطى بجامعتي دمنهور بمصر وجوتنجن بألمانيا، والمدرس المساعد بآداب دمنهور، أحمد محمد عبدالقوي شعير. ويقع الكتاب في 130 صفحة، وهو في الأصل رسالة علمية حصل بها على درجة الماجستير بتقدير ممتاز من جامعة جوتنجن بألمانيا، بإشراف الأستاذ الدكتور فرانك ريكثيروت أستاذ العصور الوسطى بقسم العصور الوسطى والحديثة المبكرة بجامعة جوتنجن بألمانيا، والأستاذ الدكتور علي السيد أستاذ تاريخ العصور الوسطى بكلية الآداب جامعة دمنهور بمصر .

يشير الباحث إلى سبب اختياره لاقطاعية تبنين أو تورون وقلعتها لكونها أحد الاقطاعيات الاثنى عشر الصغرى لمملكة بين المقدس، ويأتي دورها وتنبع أهميتها من أنها قرية ريفية صغيرة أو إقطاعية صغيرة إلا أنها كانت تقع على الطريق التجاري بين مدينتي صور ودمشق، ومن موقع قلعتها الإستراتيجي في الجليل الأعلى، وهو الأمر الذي استغله الصليبيون في بناء إستراتيجية الاستيطان الريفي في هذه المنطقة، ومن ثم تبرز الدراسة دور أحد أهم القلاع والقرى الريفية الصغيرة بالمفهوم الحديث، في بناء الاستيطان الصليبي في الشرق مما يلفت الانتباه إلى سياسة الاستيطان الصهيوني في الوقت الحالي لاتباع عدة إستراتيجيات بعضها يشبه نفس النهج القديم الذي تبناه وسار عليه الصليبيون في الاستيطان الريفي في بلاد الشام.

أما عن تبنين، محل الدراسة، فهي تقع في جبل عامل على الطريق التجاري بين دمشق وصور في جنوب لبنان الحالية، وتم بناء قلعتها في عام 1103م، على يد هيو سانت أومر الصليبي، وأصبحت منذ تأسيسها قاعدة للصليبيين لشن الهجمات على منطقة الجليل في الجزء الشمالي من مملكة بيت المقدس الصليبية، ولقد لعبت دورًا عسكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا مهمًا في مملكة بيت المقدس، ولقد كانت أقوى المدن الإسلامية، وثبتت حصونها أمام الصليبين في بداية اجتياحهم لبلاد الشام، إذ سقطت صور في عام 1124م، وكانت القرية مهمة لإسقاط مدينة صور، وبسبب ذلك حاول المسلمين بشكل مستمر إعادة السيطرة على تبنين لإمتلاك نفس الإستراتيجية من خلالها لاستعادة مدينة صور مرة أخرى، وهو الأمر الذي استطاع أن يحققه صلاح الدين الأيوبي بعد معركة حطين 1187م، بالسيطرة على مدينة تبنين وجعلها مقرًّا لشن الهجمات منها على صور، والمناطق المجاورة لها، إلا أن تبنين ظلت في ذاكرة الصليبيين حتى جاء الإمبراطور فردريك الثاني في عام 1229م إلى بلاد الشام عاقدًا اتفاقية يافا، التي بموجبها اتفق مع الملك الكامل الأيوبي بالتنازل عن مملكة بيت المقدس وبعض المدن الأخرى التي شكلت مواقعها إستراتيجية مهمّة ومنها تبنين، إلا أن المسلمين أبوا أن تظل تبنين في أيدي الصليبين، فما كان من السلطان المملوكي الظاهر بيبرس إلا أن أسقطها، وأعادها إلى حوزة المسلمين مرة أخرى في عام 1266م، وظلت تبنين في أيدي المسلمين تواصل دورًا رئيسيًّا في التاريخ الحديث، وستظل عالقة في الذاكرة التاريخة لقلعتها الشامخة حتى يومنا هذا.

يقسّم الباحث كتابه إلى أربعة فصول تسبقها مقدمة، وتليها خاتمة وقائمة مصادر ومراجع، وعدد من الملاحق والجداول والخرائط والصور. تتناول مقدمة الدراسة، أهدافها، ومنهجها، وأهم المصادر العربية واللاتينية التي تناولت تبنين وقلعتها وجغرافيتها وطبوغرافيتها، وتاريخها، ودورها الاقتصادي والسياسي والعسكري، والتي كانت متناثرة بين طيات صحفات المصادر اللاتينية، بالإضافة إلى نظرة عامة في المصادر العربية، وهو الأمر الذي قام عليه الباحث بجمع معلومات وتكوين بناء موضوعي تاريخي منهجي بما جمعه من معلومات مشتتة من هنا وهناك. ويتمثل أحد أهداف الدراسة في إزالة الركام والستار والغبار والتراب للكشف عن الدور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والعسكري والإستراتيجي لتبنين وقلعتها وحكامها الصليبيين، ودورها في الصراع بين الشرق والغرب أو الصراع الصليبي الإسلامي في بلاد الشام، وإلى أي مدى كانت لتبنين وحكامها تأثيرات في تشكيل الأحداث الداخلية لمملكة بيت المقدس الصليبية، بالرغم من أنها إحدى الإقطاعيات الصغرى في المملكة. بالإضافة للدور الذي لعبته تحت الحكم الإسلامي (1187-1229م) حتى عودتها مرة أخرى للسيطرة الصليبية في عام 1266م، وهو الأمر الذي فرض على الباحث استخدام منهج البحث التاريخي التحليلي بتناول الأحداث التاريخي أسبابها ومظاهرها، ونتائجها وآثارها.

أما الفصل الأول المعنون "المظاهر الاجتماعية والاقتصادية والطبوغرافية لاقطاعية تبنين، فيتناول سكان ومجتمع الاقطاعية، ومظاهر العمارة في قلعتها، والتي كانت مظهر قوتها، ومدى تأثيرها السياسي والاقتصادي في المجتمع الصليبي في عصر الحروب الصليبية، ومن ثم يوضح العلاقات بين السكان الصليبيين والمسلمين داخل أسوار تبنين، ودورها الاقتصادي الذي ينبع من  أهمية المحاصيل الزراعية التي زرعت فيها وكانت تصدر إلى أوروبا، والذي يعكس أيضًا طبيعة العلاقات السلمية داخل المجتمعين في تبنين رغم أن المسلمين كانوا في حالة صراع مع المحتل الصليبي، وقد بين في هذا الفصل الطراز المعماري للقلعة معتمدًا بشكل أساسي على دراستين أثاريتين ألمانيتين، تم نشرهما في 2008.

يستعرض الفصل الثاني "نشأة الحكم الصليبي في تبنين"، إذ يتعامل مع قضايا الحكم الصليبي فيها منذ نشأتها حتى تطورها السياسي ودور حكامها خلال القرن الثاني عشر الميلادي حتى سقوطها عام 1187م في يد المسلمين، بالإضافة إلى دورها السياسي في مملكة بيت المقدس وتأثيرها على الأحداث السياسية في الشرق اللاتيني، وتركز الدراسة في هذا الفصل على وضعية أسرة همفري، وأهم حكامها همفري الثاني في تشكيل الأحداث السياسية لمملكة بيت المقدس، وعلاقتها مع النبلاء الصليبين في الإمارات الصليبية الأخرى، ومع الأمراء والحكام المسلمين في الإمارات الإسلامية المجاورة، الأمر الذي يبرز أهمية تبنين السياسية والإقتصادية والإستراتيجية العسكرية في الشرق اللاتيني.

يظهر الفصل الثالث الموسوم "الدور العسكري لإقطاعية تبنين ضد المسلمين 1105-1187م"، ليتعقب دور تبنين العسكري منذ بداية نشأتها كقلعة عام 1103م، ويبين دورها المهم والأساسي في تغلب الصليبيين على مدينة صور الإسلامية أو الفاطمية عام 1124م، مما يظهر دورها الحيوي في الصراع بين إمارة دمشق الإسلامية ومملكة بيت المقدس الصليبية، فقد كانت تبنين أحد أهم القلاع التي انطلق منها الصليبيون ضد دمشق، فقد انطلقت منها القوات الصليبية للدفاع عن أنطاكية وبانياس والخليل، وشرق الأردن أكثر من مرة ضد هجمات نور الدين ومحمود وصلاح الدين الأيوبي ومن قبلهما عماد الدين زنكي، بالإضافة إلى ذلك شاركت تلك الإقطاعية الصغيرة جيش الملك عموري الأول ملك مملكة بيت المقدس الصليبية في الهجوم على عسقلان وإسقاطاها في عام 1153م، مما أظهر قوتها لتكون قوة أساسية بقيادة حاكمها همفري الأول في الهجوم على مصر في وقت عموري الأول، وتكررت هذه الهجمات التي شاركت فيها، ومن ثم تخرج تبنين هنا من دورها المحلي إلى دورها الإقليمي بمشاركتها في الحملات العمورية ضد مصر، بين عامي 1164-1169م. ولكن بموت أقوى حكامها همفري الثاني قامت مملكة بيت المقدس الصليبية بإخضاعها لسلطانها المباشر حتى عودتها للحكم الإسلامي مرة أخرى في عام 1187م، ويرجع ذلك لأهميتها الإقتصادية والإستراتيجية العسكرية، وغيرها.

أما الفصل الرابع والأخير فيتناول تبنين بين المسلمين والصليبين (1187-1266م)، أي تحت الحكم الإسلامي بعد عودتها عقب معركة حطين، وحتى إعادة السيطرة الصليبية عليها بما يعرف باتفاقية يافا، بين فريدريك الثاني والملك الأيوبي الكامل، وفي هذه الحقبة حاول المسلمين استخدامها باستمرار كمنطقة عسكرية استراتيجية في مقاومة الصليبيين، لذلك واصل الصليبيين حملاتهم عليها فكانت أحد أهم الحملات التي قامت ضد تبنين لاستعادتها هي الحملة الألمانية عام 1197-1198م، بالإضافة إلى ذلك حاول الصليبيون السيطرة عليها في وقت الحملة الصليبية الخامسة على مصر 1218-1221م، مما جعل المعظم عيسى أخي الملك الكامل ابن الملك العادل للقيام بتدمير قلاعها وحصونها وأسوارها حتى لا يتجه الصليبيون للسيطرة عليها، وظلت سيطرة المسلمين عليها مستقرة حتى أعيدت للسيطرة الصليبية بموجب اتفاقية يافا في عام 1229م. وبعد ذلك العام تنافس فرسان التيتون حلفاء الإمبراطور فريدريك وريثة عرش تبنين الأميرة إليس Alice، إلا أن رغبة فريدرك كانت تميل لإعطائها إلى الفرسان التيتون، ولكن في النهاية تدخلت محكمة بيت المقدس الصليبية طرفًا في الأمر وأعادتها لوريثتها الشرعية.

وبحلول عام 1240م يظهر حاكمًا جديدًا لها هو فيليب أوف مونتفرات الذي يتزوج من وريثتها ماريا الأرمنية ابنة إليس، ويقوم بدوره حكمًا على تبنين، ولكنه كان في الصف المضاد للملك مملكة بيت المقدس الصليبية فريدريك الثاني، وكان مخالفًا لآل ابلين حكام بيروت وقبرص، محاولاً من خلال تبنين منافسة الهيمنة الفريدريكية على بيت المقدس، وتحصين تبنين ليضم صور بحلول عام 1246م، مكونًا بذلك إقطاعية كبيرة تضم صور وتبنين، لتكون من أهم الإقطاعيات الإقتصادية والإستراتيجية العسكرية، وقد أشار الباحث إلى أن تبنين ساهمت في حملة لويس التاسع الفرنسية على مصر في عام 1249، بسرية قادها فيليب أوف مونتفرات، وقد حاول هذا الكونسطبل الانفصال عن مملكة بيت المقدس بتلك الإقطاعية، ولكن حياته ظلت مناوئة لملك بيت المقدس تارة، وأمام محاولات مملكة قبرص الصليبية للسيطرة عليها، وضد المسلمين تارة أخرى، حتى سقط صريعًا هو وابنه عام 1266م أمام اجتياح الملك المملوكي الظاهر بيبرس لتبنين، إذ نجح في استعادة إقطاعية تبنين إلى حظيرة السيطرة الإسلامية مرة أخرى، وأسدل بذلك الستار على الوجود الصليبي فيها، والذي لم يعد لها مرى أخرى حتى يومنا هذا.

أما أهم ما توصلت إليه الدراسة من نتائج فتتمثل في أن الدراسة أكدت أن السيطرة الصليبية أو نظام الاستيطان الصليبي في بلاد الشام كان يقوم على سياسة مثل هذه الاقطاعيات الفلاحية الريفية الصغيرة كأحد أهم الطرق لغرض الاستيطان الصليبي على بلاد الشام بشكل كامل. كما بينت الدراسة أن الموقع الجغرافي لتبنين قد أسهم في تشكيل دورها الإقتصادي، وتميزها الإجتماعي، وإسهاماتها العسكرية والسياسية، التي تأتي من تمكنها من طريق القوافل التجارية المارة بين صور ودمشق، وكانت طبيعتها الجبلية سببًا  رئيسيًّا في جعلها تمارس دورًا هجوميًّا ودفاعيًّا في آن، ضد المسلمين وضد هجمات الصليبية عليها، بالإضافة إلى ذلك فقد كانت لها أهمية زراعية لخصوبة تربتها، وزراعة محاصيل مميزة بها، وكانت هذه المحاصيل تصدر إلى أوروبا وهو ما جعلها تتمتع بشهرة كبيرة في الغرب الأوروبي والشرق اللاتيني معًا. وكشفت الدراسة أيضًا النقاب عن المحاولات المتبادلة بين المسلمين والصليبيين لأجل السيطرة على تبنين نظرًا لما تتمتع به من أهمية اقتصادية، وما تضطلع به من دور عسكري، وموقع إستراتيجي حصين، ولهذا كان لها دور بارز في الصراع الصليبي الإسلامي، حيث كانت منطقى جبل عامل عامة، وتبنين خاصة، لها أهمية كبيرة في النواحي الزراعية والاقتصادية، والتي انعكست على أهميتها السياسية والعسكرية.

أما الطبيعة السكانية لتبنين فقد تميزت بمجتمع خاص، إذ سكنها المسلمون السنة والشيعة، والمسيحيون الشرقيون، والصليبيون اللاتين والغربيون، وغيرها من الديانات والمذاهب الدينية والأعراق السكانية ما بين عرب وأكراد وتركمان وأوروبيين، وهو ما أعطى لها ميزة المجتمع المزيج، الذي أكسبها أهمية اقتصادية بصفتها سوقًا تجارية رائجة بالإضافة لموقعها الإستراتيجي على طريق التجارة بين صور ودمشق، وتصديرها لكثير من حاصلاتها الزراعية لأوروبا، ومن الناحية العسكرية فقد تبين الدور العسكري العام لتبنين في إسقاط صور عام 1124م، وشن الهجمات على دمشق ثم صدها في عصر عماد الدين زنكي ونور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي، ودورها في حماية شمال الجليل وحماية أنطاكية التي تبعد عنها بمسافات، وكذلك دورها في مقاومة الوجود الصليبي بعد معركة حطين عام 1197م، ومحاولات حاكمها الأخير فيليب أوف مونتفرات بين أعوام 1240-1266 للاستقلال بها، ومحاربته للمسلمين والصليبيين والقبرصيين، وسعيه لإعادة أمجاد تبنين ولكنه لم يوفق، إذ نجح المسلمون في استعادتها عام 1266، وأنهوا بذلك الوجود الصليبي فيها إلى غير رجعة لتظل تنعم بالسلام الإسلامي حتى يومنا هذا.


عدد القراء: 6419

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-