دروس الجندي الصغيرالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2020-05-31 21:22:58

محمد بن عبدالله الفريح

كاتب ومفكر

منذ اللحظة الأولى لإعلان ظهوره قام هذا الجندي الخفي بتحييد كل ما أنتجه جبروت الإنسان وطغيانه وظلمه وبطشة من الأسلحة الفتاكة إلى حاملات الطائرات مرورًا بالغواصات الذرية ناهيك عن الأسلحة النووية وفتكها والأقمار الصناعية ومجساتها، كل ذلك ذهب أدراج الرياح بمجرد أن أعلن هذا الجندي بدء حربه!!

فايروس صغير لا يرى بالعين المجردة إلا بعد أن يكبر نصف مليون مرة يحطم جبروت الإنسان، ويبث الرعب والهلع بلحظات لا يعترف بحدود ولا تحده سلطة ولا يمنع من دخول قاعدة جوية أو ثكنة عسكرية أو ساحة حرب مهما كان قضها وقضيضها، بل أنه ينشر الرعب بمجرد أن يسجل حضوره !!

 فايروس جعل من حضارة إنسانية متناهية في القدم مجرد أضحوكة يتندر بها القاصي والداني، حطم جبروتنا، وأظهر مدى ضعفها، وسخفها، وضحالة تفكير بعض منتسبيها، وقلة حيلتها، جعل من حكومات ومنظمات ورؤساء وجيوش وأفراد يمشون ويتخبطون كالسكارى وماهم بسكارى، أمم كانت تفاخر على بعضها وتتسلط عليها وتنهب ثرواتها وتنبزها بأبشع الألقاب رأيناها تقف عاجزة حائرة هائمة على وجهها لا تعرف أين المآل والمصير.

 جندي صغير جعل من رئيس أعتى دولة على وجه الأرض تملك من مخزون الأسلحة ما يعادل ما تملكه الدول مجتمعة يخرج علينا كل يوم ليثبت لنا عجزه وضعفه وقلّة حيلته، وكلما خرج بتصريح للقضاء على هذا الجندي زاد الجندي من ضراوته وشراسته فبعد أن صرح أنه سيقضي على الجندي الخفي بعدها بست ساعات تعلن الدول إغلاق المساجد والكنائس والمعابد في معظم أصقاع الأرض، وبعدها يخرج مرة أخرى ليقول إنه وجد مصل لهذا الدواء لتزداد ضراوة هذا الجندي الخفي ويعلن بعدها بيوم إغلاق الحدود مع كندا أقرب المجاورين له.

 جندي صغير جعل من سفينة دايموند برنسيس أكبر سفينة رفاهية على سطح البحر والتي لا يستطع ركوبها إلا المترفين وباذخي الثراء وتحتوى على قطع الجواهر والألماس والماركات العالمية الباذخة، جعل منها هذا الجندي بعشية دون ضحاها أكبر مكان عائم موبوء على سطح الكوكب، الأمر الذي جعل الدول ترفض استقبالها والرسو على موانئها واعتبرت هي وقطعها الفارهة غير قابلة للمس والتعاطي، وجعل أثريائها يستعدون لدفع الأموال الطائلة لمن يخرجهم منها ولم يجدوا إلى ذلك سبيلاً !! الأمر الذي جعل أحد الخبراء اللذين كانوا على متنها يصف الموقف على متنها بـ "الفوضوي".

سبحانك ربي ما أحكمك وأدق موازين عدلك..

أين دول العشرين إذن؟ يتهاوى اقتصادها أمام ناظريها دون حيلة تذكر، لتعلن زعيمة إحداها أنها تواجه أكبر خطر حقيقي منذ الحرب العالمية الثانية.

أين دول العالم الأول التي كنا نحلم بالسفر إليها؟ إنهم يقبعون بالمنازل تحت الإقامة الجبرية بأمر من هذا الجندي الخفي.

أين جبروت أمريكا، وأوروبا، وروسيا، والصين، واليابان؟ ذهبت أدراج الرياح مذ أعلن هذا الجندي سطوته.

أين الجامعات، ومراكز الأبحاث، والمعامل؟ وقوفوا حائرين مطئطي الرؤوس منتظرين الفرج والغوث ممن لديه ذلك.

أين أبطال نوبل؟ لا صوت يعلوا فوق صوت الجندي.

أين من كانوا ينابزوننا بالمطاعم الفارهة التي تتعدى قيمة الوجبة الواحدة فيها 1300 دولارًا، وأنها مخصصة للكبراء وعلية القوم ومنتهيي الثراء ويحثوننا بكل وسيلة أن لا نحضر لها لأننا لا نملك قيمة وجباتها الباذخة، إنهم بكل بساطة يقفون في طوابير طويلة لتأمين الخبز والقوت لأنفسهم ولأسرهم هلعًا وجزعًا في حدث لم يكن بينهما أكثر من شهرين من عمر الزمن، وأين هي تلك المطاعم الفارهة لقد نكست كراسيها وطاولتها كما تنكس الأعلام في المآتم بأمر من أذن بافتتاحها!! كما أمرت تلك المطاعم الباذخة بأن تقدم وجباتها بأدوات بلاستيكية لا يتعدى قيمة الواحد منها السنتات المعدودة.

سبحانك ربي ما أعظم سطوتك وامتحانك بأقل وأضعف عدد من جندك (وما يعلم جنود ربك إلا هو).

جندي صغير جعل كل ذي إله ودين وملة ومذهب وطريقة يكفر بها وينبذها نبذ الحذاء المرقع، فاللبرالي كفر بها، والرأسمالي لعنها، والشيوعي أنكر انتمائه إليها، والبوذي أيقن بعجزها، وغيرهم كانوا من آلهتهم أشد إنكارًا ولعنًا، وأتبعوا ما قاله رئيس أعتى دولة في العالم بأن يخصصوا يوم الأحد لدعاء القدير والابتهال له ليخلصهم وينجيهم من هذا الجندي (الصغير). 

أيها الجندي الصغير!!

كم دولة فضحت؟

وكم نظامًا أخزيت؟

وكم إنسانية جردت؟

وكم آلهة أركست؟

وكم غنيًا أفقرت؟

وكم عزيزًا أذللت؟

وكم إيمانًا امتحنت؟

وكم توكلاً على القدير فضحت؟

وكم تعليمًا هشًّا خاويًا كشفت؟

وكم من منابز أبكمت؟ وكم  وكم وكم ...

تُحدثنا كتب التاريخ والسير والأحداث عن طواعين وأمراض وحروب فتاكة مرت بالبشرية لكنها لم تحدثنا عن تجرد الإنسان من آدميته كما فعل هذا الجندي الخفي، فهذه شركات التأمين في إيطاليا وقبلها بريطانيا وفرنسا وأمريكا تعلن عن عجز أنظمتها معالجة كبار السن وأنهم لن يتلقوا علاجًا وسيتركون لمصيرهم! بينما تحدثنا شريعة السماء (أننا ننصر بضعفائنا)!!

يحدثنا العالم أن الكون كلة أصبح قرية صغيرة ويتعالم الناس أخباره كل لحظة لتكشف عوار وهشاشة وخسة أجزاء كبيرة من أنظمة وحكومات هذا العالم المادي المتوحش. ويحدثنا الخالق جل في علاه بقوله:

(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) النحل: 112.

في خضم ذلك كله وما بثه هذا الجندي الذي لا يُرى من رعب وخوف وهلع يبرز قول الحق تبارك وتعالى في عليائه.

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) الأعراف: 96 .

  وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في دعائه العظيم:

(اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ)

خاطرة:

لا تجزعن إذا نابتك نائبة واصبر

ففي الصبر عند الضيق متسع

إن الكريم إذا نابته نائبة      

لم يبد منه على علاته الهلع

الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه).


عدد القراء: 3717

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

التعليقات 2

  • بواسطة البروفيسور مهند الفلوجي من بريطانيا العظمى
    بتاريخ 2020-06-02 19:49:08

    مقال رائع ودروس قيمة لمن استغل هذه الفرصة الفريدة علي مفترق الطرق في التاريخ الإنساني. لقد حطم الله كبرياء فرعون بالقُمّل والجراد، وقتل نمرود بحشرة. وحديثا قاتل الله بجنوده المثليين بفيروس الايدز واليوم أرسل الله جندا مجهرية خفية لتأديب البشرية جمعاء لترجع اليه، ولات حين مناص للذين لا يتفكرون ولا يرجعون. بارك الله بالأستاذ محمد الفريح على التفاتته الرائعة. وانا شخصيًا سأستخدم مقاله كمصدر لبحوثي المستقبلية عن الكورونا.

  • بواسطة عارف عبدالرحمن من مصر
    بتاريخ 2020-06-02 02:20:45

    دمتم رواد الفكر والفن والأدب

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-