العلاقة بين النظريات الفيزيائية والكهربائيةالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2024-02-01 17:18:24

أ.د. عبد الله بن محمد الشعلان

قسم الهندسة الكهربائية - كلية الهندسة - جامعة الملك سعود - الرياض

بين الفيزياء والكهرباء علاقات وطيدة وصلات وثيقة وروابط متشابكة ومتداخلة. فالكهرباء ما هي إلا فرع من فروع الفيزياء يدرس التفاعلات والتأثيرات المتعلقة بالشحنات الكهربائية وتدفق التيار الكهربائي عبر الموصِّلات. وتعتبر الكهرباء جزءًا أساسيًا من الفيزياء التطبيقية والتقنيات الحديثة. وتعتمد الكهرباء على مجموعة من القوانين الفيزيائية مثل قانون كولومب الذي يصف قوة التجاذب بين شحنتين كهربائيتين سالبة وموجبة، وقانون أوم الذي يحدد العلاقة بين الجهد والتيار الكهربائي المار في دوائر الأجهزة والمعدات الكهربائية. وتدْرس الفيزياء أيضًا المفاهيم المرتبطة بالتيارات الكهربائية المستمرة والتيارات الكهربائية المتناوبة في الدوائر الكهربائية إلى جانب المجالات (أو الحقول) الكهربائية المغناطيسية. إذن، يمكن القول بأن الكهرباء تعتبر مفصلاً هامًا داخل هيكل الفيزياء بل ويرتبطان بشكل وثيق من خلال العديد من النظريات والقوانين التي تم تطويرها وإثباتها من قبل علماء على مر العصور. وتستخدم مفاهيم الكهرباء في العديد من المجالات التطبيقية مثل الهندسة الكهربائية والإلكترونيات وأشباه الموصلات والاتصالات وأجهزة الحاسوب والمعدات الطبية والعديد من التطبيقات التقنية الأخرى. أما العلاقة بين النظريات الفيزيائية والكهربائية فتتمثل في تفسير الظواهر الكهربائية والمغناطيسية والتفاعلات بينها باستخدام المبادئ والنظريات والقوانين الفيزيائية التي اكتشفها وتوصل إليها العلماء. وأحد النماذج الرئيسية التي تربط بين الفيزياء والكهرباء يرتكز على نظرية الكهرمغناطيسية الكلاسيكية التي وضعها جيمس كلارك ماكسويل في القرن التاسع عشر بحيث تشتمل هذه النظرية على مجموعة من المعادلات الرياضية التي تصف تفاعلات الحقول الكهربائية والمغناطيسية، وتوليد الشحنات والتيارات الكهربائية مما ساعد على تحليل وتصميم الأجهزة والنظم التي تستند إلى القوى الكهربائية، مثل المحركات التي تمثل قلب عدد من الأجهزة والآلات في مختلف الصناعات حيث تعتمد هذه المحركات على التفاعل بين الحقول المغناطيسية والتيار الكهربائي لتحويل الطاقة الكهربائية إلى حركة ميكانيكية، هذا إلى جانب المولدات وأنظمة توزيع الطاقة الكهربائية ومعدات الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية والمولدات الرياحية التي تعتمد على تفاعل الحقول الكهرمغناطيسية لتوليد الكهرباء. كذلك تعد التقنيات الكهرمغناطيسية جزءًا أساسيًّا من معظم الأجهزة الطبية المستخدمة في تشخيص وعلاج الأمراض، مثل جهاز تصوير الرنين المغناطيسي (MRI) وأجهزة القسطرة وأجهزة تخطيط القلب (ECG) وأجهزة التصوير بالأشعة السينية  (X-ray)وأجهزة الحاسوب والإلكترونيات، كذلك أجهزة التلفاز والثلاجات ومواقد الموجات الدقيقة (الميكروويف) والغسالات والمجففات، كذلك أجهزة التصوير والتسجيل والكاميرات الرقمية والبث الإذاعي والتلفزيوني والتي تعتمد على تقنيات كهرمغناطيسية لتشغيلها وأدائها والتحكم فيها. كما تشمل هذه التطبيقات حساب القوى والمجالات الكهربائية والمغناطيسية، واستنباط القوانين والمعادلات المتعلقة بتلك القوى، وتحديد الكفاءة والأداء للأجهزة المختلفة. وبالإضافة إلى ذلك، يوجد العديد من النظريات الفيزيائية الأخرى التي تنطوي على النظريات الكهربائية والمغناطيسية، على سبيل المثال، النظرية الكمية الحديثة التي تفسر الظواهر الكهربائية والمغناطيسية على مستوى الجسيمات الدقيقة متناهية الصغر مثل الإلكترونات والبروتونات والفوتونات وتبحث في مجالات تطوير مواد جديدة تُستخدم في الهندسة الكهربائية، مثل المواد النانوية والمواد شبه الموصلة. وتستند هذه التقنيات إلى فهم الخصائص الكهربائية والمغناطيسية للمواد، وتُسهم في تطوير تقنيات وأجهزة جديدة ذات أداء محسَّن. مثل تقنيات الطاقة المتجددة وتخزين الطاقة مما يوفر الإدراك الدقيق والفهم العميق لظواهر الطاقة لإنتاجها ونقلها وتوزيعها وتخزينها واستخدامها، كما يُمَكِّن من تطوير تقنيات مستدامة وفعالة لها. أيضًا كان للنظرية النسبية لألبرت أينشتاين دور فاعل في توضيح كيفية تفاعل المجالات الكهربائية والمغناطيسية مع الزمان والمكان والجاذبية. لذا يتضح بصفة عامة أن النظريات الفيزيائية توفر الإطار النظري والمفاهيم الأساسية لتفسير وفهم الظواهر الكهربائية والمغناطيسية كما تساهم في تطوير التطبيقات الكهربائية والإلكترونية وكافة التقنيات المرتبطة بها مثل الطاقة الكهربائية والمحركات والدوائر الإلكترونية والاتصالات وغيرها من المجالات الأخرى. ثم جاءت بعد ذلك نظريات العالم الفيزيائي الأسكتلندي جيمس ماكسويل في القرن التاسع عشر والتي تشتمل على عدة مفاهيم ومبادئ أساسية في مجالات الكهرمغناطيسية والبصريات كان لها إسهام كبير في تطوير للفهم وإدراك للظواهر الكهرمغناطيسية. وقد اشتملت هذه النظريات على مجموعة من المعادلات الرياضية التي تصف علاقة بين المجالات الكهربائية والمجالات المغناطيسية وتتضمن قوانين الكهروستاتيكا والمغناطيسية وقوانين فاراداي وأمبير، كما تصف تفشي وانتشار المجالات الكهربائية والمغناطيسية من خلال الفراغ حيث تشير إلى أن الضوء ما هو إلاَّ موجة كهرمغناطيسية تنتشر في الفراغ بسرعة ثابتة تسمى سرعة الضوء. إلى جانب ذلك قام ماكسويل بتطوير نظرية كاملة للبصريات، حيث أظهر أنَّ الضوء هو نوع من الاهتزازات الكهرمغناطيسية المتناوبة وأنه يمكن وصفه بواسطة المعادلات الكهرمغناطيسية التي وضعها. ومن هذه النظريات أيضًا نظرية الكهرباء الديناميكية التي أدت إلى تفسير أن التغيرات الكهربائية في الوقت الحاضر يمكن أن تؤدي إلى توليد مجالات مغناطيسية متغيرة في الزمن، وعلى العكس أيضًا، تولد التغيرات المغناطيسية مجالات كهربائية متغيرة في الزمن. وهذا أدى إلى فهمنا الحالي لظاهرة التيارات الكهربائية المترددة والتوليد والانتشار الكهرمغناطيسي. لذا تعد نظريات ماكسويل من أهم النظريات في الفيزياء والتي ساهمت في تطوير العديد من التطبيقات الحديثة مثل الاتصالات اللاسلكية والبصريات الحديثة والإلكترونيات وتوليد الطاقة الكهربائية. والآن وبعد كل هذه النظريات الفيزيائية الكهربائية نجد أن الطاقة الكهربائية المستخدمة على نطاق واسع تولدت من رحم الفيزياء، إذ بعد ذلك توالت الاكتشافات والتطورات وبشكل متسارعٍ في مجالات الكهرباء وبدأ عهد جديد في علاقة الإنسان بها حيث تُـوّجت هذه الاكتشافات والتطورات بالنجاح الباهر الذي حققه فيما بعد  العالم الأمريكي "توماس أديسون" بتوليد الطاقة الكهربائية في عام 1880م من محطة توليد كهربائية أقامها في مدينة نيويورك. ومنذ ذلك التاريخ والتقدم التقني المذهل في مجال توليد ونقل وتوزيع واستخدام الطاقة الكهربائية يترى تباعًا ويحقق إنجازات مذهلة بلغت حدودًا أضحت معها كل أشكال الطاقة الأخرى دون مستوى الطاقة الكهربائية تطورًا واستخدامًا وتوسعًا وانتشارًا.

وفي عصرنا الحاضر أضحت حياة الإنسان مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالطاقة الكهربائية لدرجة أن جُلَّ الدراسات التي تُـعنى بتقدير استهلاك الطاقة الكهربائية غالبًا ما تعزو نمو الطلب على الطاقة الكهربائية وتطورها إلى الزيادة المستمرة في عدد السكان وتحسُّن الاقتصاد وما يصاحب ذلك عادة من امتداد عمراني وتوسع في البنى الأساسية، لذا أصبح الربط بين نمو السكان ونمو الطلب على الطاقة الكهربائية له أهميته الاقتصادية والحضارية كمؤشر صادق ومعيار دقيق على مدى التقدم والتطور في مجالات التنمية المختلفة وعلى مدى ما يتحقق من ارتفاع في مستويات الدَّخْل وأساليب المعيشة. وكما هو الحال والمشاهد في جميع أنحاء العالم فقد أصبح الاعتماد الكلي على الطاقة الكهربائية ظاهرة معروفة إلى الحد الذي يصبح معه أيُّ انقطاع في الخدمة الكهربائية أمرًا غير محتمل أو حتى مجرد تحمله أو حتى تصوُّره ولو للحظات معدودة لما تخلفه تلك الانقطاعات من آثارٍ نفسية مرهقة وتكاليف مادية باهظة على كلٍ من جهة الإمداد (شركة الكهرباء) وجهة الطلب (المشتركون) على حد سواء، لذا أضحت الطاقة الكهربائية ركيزة أساسية في عمليات التنمية في الدول النامية من حيث تأثيرها المباشر وغير المباشر في زيادة الطاقة الإنتاجية واستكمال عمليات التنمية الإقليمية والحضرية للسكان بهدف رفع إنتاجيتهم وتحسين مستوى معيشتهم وإيجاد فرص عمل لهم في المشاريع الجديدة القائمة على استخدامات الطاقة الكهربائية، فالاعتماد على الطاقة الكهربائية في عمليات الإنتاج المختلفة يؤدي إلى مضاعفة الناتج الكلي لكثير من الصناعات بالمقارنة بأنواع الطاقة التقليدية الأخرى التي كانت تستخدم في تشغيل الآلات الزراعية و المعدات الصناعية أو تستخدم في وسائط النقل والمواصلات، كما تعتبر عنصرًا أساسيًا في كثير من القطاعات الصناعية والزراعية والطبية والحكومية والاستخدامات المنزلية، ولذا فلا بد من مقارنة تكاليف الإنتاج بمعدلات الاستخدام في تلك القطاعات ليتم على ضوئه مواءمة التكاليف ومن ثم الخلوص لتصميم التعرفة المناسبة لسعر الوحدة المستهلكة. كما أن صناعة الكهرباء تتأثر أيضًا بحجم ونوعية التسهيلات والإعفاءات والإعانات التي تقدمها الدول لقطاعات الإنتاج الأخرى (المكملة أو البديلة) التي تشترك مع قطاع الكهرباء في إتمام عمليات التنمية، إذ أن انخفاض تكاليف تلك القطاعات يؤدي بالطبع إلى زيادة حجم الطلب عليها ومن ثم إلى زيادة الطلب على الطاقة الكهربائية وذلك على افتراض أنها عنصر إنتاج مكمل للكهرباء كما ذكر آنفًا. وتشير الدراسات السابقة إلى أن نمو الدخل الوطني (أو نمو متوسط الفرد) خلال مراحل التنمية المتعاقبة عادة ما يصاحبه ازدياد في حجم استهلاك الطاقة الكهربائية، إذ من المعروف أنه في المراحل الأولية لهذه التنمية يكون استهلاك الطاقة الكهربائية مقتصرًا على حاجات أساسية ومحددة مثل الإنارة مثلاً، أما في المراحل المتقدمة لهذه التنمية فإن استهلاك الطاقة الكهربائية يتعدى ذلك إلى تلبية حاجات أخرى أكثر تقدمًا وتعقيدًا مثل التدفئة والتكييف والتسخين والطهي والترفيه وكثير من المجالات من الطب إلى الاتصالات والطاقة بجميع أنوعها.

في الختام، يمكننا القول إن العلاقة بين النظريات الفيزيائية والكهربائية مكَّنت التقنيات الكهرمغناطيسية لأن تكون أساسًا محوريًّا وعمودًا فقريًّا لتقدمنا الحضاري وتطورنا التقني، وأن تؤدي كذلك دورًا مهمًّا في حياتنا وأن تتيح لنا فرصًا للابتكار والتطوير وتحقيق تقدم مستدام لرفاهية وخير الإنسانية جمعاء.


عدد القراء: 2811

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-