مراجعة كتاب: (أول المسلمين) للكاتبة ليزلي هازلتونالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2016-11-25 09:09:12

د. عمر عثمان جبق

سلطنة عمان- جامعة التقنية والعلوم التطبيقية، كلية التربية بالرستاق (قسم اللغة الإنجليزية وآدابها)

الكتاب: أول المسلمين: قصة محمد (صلى الله عليه وسلم)

المؤلف: ليزلي هازلتون   Lesley Hazleton

تاريخ النشر: 2013

الناشر: Riverhead

عدد الصفحات: 320 صفحة

الرقم المعياري الدولي للكتاب: 9781594487286

 

الكاتب: ليزلي هازلتون   Lesley Hazleton

مراجعة: جوناثان بي.بيركي Jonathan P. Berkey S

ترجمة: عمر عثمان جبق

من هو أول مسيحي؟ قد يجيب العديد من المسيحيين على هذا السؤال قائلين بأن أول مسيحي هو "السيد المسيح" (عليه  السلام). إلا أن الإنجيل يوضح بأن المسيح عاش ومات يهوديًّا. والتخمين الأفضل قد يكون أن أول مسيحي كان بول وهو أحد أتباع السيد المسيح (عليه السلام) الذي تفصح رسائله عن مجتمع كان قد بدأ في تمييز نفسه عن عقيدته الأم. ومع ذلك قد تكون تسميته بأول المسيحيين مجرّد تخمين ليس إلا!

إذا كانت روايات أصل الإسلام صحيحة فليس هناك أدنى شك حول أول المسلمين. حوالي السنة 610 بدأ محمد (صلى الله عليه وسلّم) يسمع صوتًا. واستجابة للوحي المنزل من خلال ذلك الصوت أخذ محمد (صلى الله عليه وسلم) يدعو جيرانه من العرب الوثنيين إلى رسالة الخضوع لله الذي يعبده اليهود والمسيحيون على حدّ سواء. واستغرق في دعوته عقدين من الزمن تميزًا بصراع سياسي طويل استطاع محمد (صلى الله عليه و سلم) في نهاية هذا الصراع أن يقنع العرب لاعتناق عقيدته الجديدة.

اعتمدت ليزلي هازلتون على هذه الروايات في تأليف سيرة غنية لأول المسلمين حيث تتوفر معظم هذه الروايات في الترجمات الإنجليزية. هناك سير أخرى لمحمد (صلى الله عليه وسلم) كأمثال الكتب الأكاديمية من تأليف مونتجوميري وات Montgomery Watt وماكسيم رودينسون Maxime Rodinson وغيرهما. إلا أن جمهور القراء الذي تستهدفه الكاتبة هازلتون هو أكبر وأوسع.

ويكمن شخص محمد (صلى الله عليه وسلم) وراء سوء الفهم والصراع بين العالم المسلم والغرب المسيحي. إذ يقارن المسيحيون محمد (صلى الله عليه وسلم) بالسيد المسيح، ويجدون المسيح أفضل منه. ويظهر كتاب هازلتون أن مثل هذا المنهج غير مفيد على الإطلاق لأن محمدًا (صلى الله عليه وسلم) كان يرى نفسه نبيًّا ينحدر روحيًّا من نفس سلالة السيد المسيح، إلا أنهما لعبا دورين مختلفين جذريًّا.

وقبل كل شيء كان محمد (صلى الله عليه وسلم) قائدًا سياسيًّا بقدر ما كان قائدًا روحيًّا، فكان أقرب إلى موسى (عليه السلام) من السيد المسيح (عليه السلام)، وتبيّن الكاتبة هازلتون مهنته النبوية كصراع للتغلب على أعدائه وتوحيد سكان شبه الجزيرة العربية لأول مرة في دولة واحدة. ويعد هذا السياق بالنسبة للإنسان الغربي العادي سياقًا مفصليًّا لكنه مجهول كليًّا يستحيل بدونه فهم النبي المسلم (صلى الله عليه وسلّم)  أو المبادئ التي كان يعلمها وينشرها.

فعلى سبيل المثال، ليس الجهاد دليلاً على أن الإسلام دين عنف بالأساس. لكنه، أي الجهاد، مبدأ تطوّر تلبيةً للظروف السياسية التي واجهها محمد (صلى الله عليه وسلم) والخلفاء من بعده. وتعرض الكاتبة هازلتون هذه الظروف بطريقة دقيقة للغاية ومن بين تلك الأحداث غزوة قام بها أتباع محمد (صلى الله عليه وسلّم) على أعدائهم بعد مغادرته مكة بمدة قصيرة، وتأسيسه دولة مسلمة في المدينة المنورة القريبة من مكة.

كانت الغزوة مسألة ثانوية، ولكن بسبب وقوعها في أحد الأشهر الحرام التي كان العنف خلالها محرمًا، فقد قدّمت مناسبة لنزول آية ستشكل فيما بعد اعتقاد المسلمين عن الحرب (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (سورة  البقرة، الآية 217). 

ومن خلال التشديد والتأكيد على سياق الأحداث فإن بإمكان الكاتب أن يشرح هذه المظاهر من حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) التي تصدم مشاعر الغرب دون الحاجة للاعتذار عنها. وتعد حادثة قتل محمد (صلى الله عليه وسلم) لرجال إحدى القبائل اليهودية في المدينة التي يقال إنها تآمرت مع أعدائه من مكة إحدى الأحداث الأكثر إقلاقًا. وكما تلاحظ الكاتبة هازلتون فإن تلك الحادثة يثيرها بعض المسلمين لإظهار خيانة  اليهود، ويثيرها منتقدو الإسلام لاتهام الإسلام بمعاداة السامية.

ولا يدرك كلا الطرفين المغزى. لقد كانت الحادثة صادمة جدًا، بحيث أقلقت العديد ممن شهدوها حتى من مؤيدي محمد (صلى الله عليه وسلّم). إلا أنه يُعتقد أن تلك الحادثة كانت لإظهار قوته، والدفع بأعدائه الآخرين للخضوع سريعًا، خاصة أولئك في مكة؛ وقد نجح في ذلك نجاحًا كبيرًا. يُعد القرآن (الكريم) – الركيزة الرئيسية للإسلام- أحد أكثر مظاهره غموضًا. فهو ليس سردًا روائيًّا لحياة محمد (صلى الله عليه وسلّم) أو أي  شيء آخر. لكنه مجموعة من الآيات مرتبة ترتيبًا عشوائيًّا نزلت عليه لأكثر من عشرين عامًا. وكانت كل آية تعالج ظروفًا معينة واجهها النبي أو أتباعه، إلا أن تلك الظروف لا يتم ذكرها في النص (القرآني). وما لم يكن المرء مطلعًا على سياق تلك الآيات، فمن الممكن أن تكون قراءة القرآن محيرة و صعبة التفسير. وتقوم الكاتبة هازلتون بوضع الآيات المبعثرة في الظروف التي تعالجها بطريقة مناسبة.    ونتيجة لذلك، قد يرى العديد من القراء كتابها مقدمة شاملة للقرآن (الكريم).

  لا تريد هازلتون سرد ما حدث في حياة محمد (صلى الله عليه وسلم) وحسب، بل تسعى لسرد شعوره (عليه الصلاة والسلام) حيالها أيضًا آخذة في الحسبان جمهورها الكبير والواسع. وهذا ينسجم مع هدف كُتَّاب السير الأكثر حداثة المهتمين ليس فقط بما فعل أصحاب سيرهم وحسب، بل بما كانوا يفكرون و يشعرون به أيضًا.

ولسوء الحظ فإن الغياب النسبي للدليل المباشر من حياة الناس الداخلية في المصادر ما قبل الحديثة - باستثناء القديس أوغسطينوس St. Augustine – يجعل ذلك المشروع صعبًا. و بالرغم من كل التفاصيل عن حياة محمد (صلى الله عليه وسلّم) التي تقدمها روايات المسلمين الموجودة إلا أن اليسير اليسير منها ما يقدم نظرة ثاقبة مباشرة في حالته العقلية.

وللتغلب على تلك الصعوبة، تسمح هازلتون لنفسها بدرجة معقولة من الرخصة التخيلية وأحيانًا تسمح لنفسها بدرجة مقلقة من هذه الرخصة. ولكن وإن كانت تبتعد كثيرًا عما تفضله الدقة البحثية الأكاديمية في ذلك إلا أن معظم القرّاء سيقدّرون صورة النبي المسلم التي يقدمها كتابها، وسيستفيدون منها.

ليس هدف الكتاب حضّ القرّاء على حب أو كره ذلك الإنسان (محمد صلى الله عليه وسلّم) ولكن الهدف ببساطة فهم القوى التي أنتجته وشكلته. من يقرأ الكتاب سيصبح مستعدًا جدًا لفهم النبي (محمد صلى الله عليه وسلم) ورسالته التي تشكّل عقيدة أكثر من مليار ونصف شخص في العالم بعد أربعة عشر قرنًا.

 

* جوناثون بي. بيركي هو أستاذ مشارك تخصص تاريخ في دافيدسون كوليج Davidson College ومؤلف كتاب "تشكيل الإسلام: الدين والمجتمع في الشرق القريب، "600 – 1800".

The Formation of Islam: Religion and Society in the Near East, "600- 1800" (Cambridge University Press).

رابط المراجعة


عدد القراء: 13146

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

التعليقات 2

  • بواسطة عمر عثمان جبق من المملكة العربية السعودية
    بتاريخ 2017-04-22 19:41:24

    يمكن الحصول على نسخة من الكتاب من موقع أمازون Amazon أو إيباي Ebay، و لا أعلم إن كانت تمت ترجمته إلى اللغة العربية أم لا. أنا اشتريته من موقع إيباي بمبلغ حوالي 17 دولاراً. بالتوفيق إن شاء الله

  • بواسطة اسماء اليافعي من عمان
    بتاريخ 2017-04-13 16:15:00

    كيف أستطيع الحصول على هذا الكتاب وهل فيه نسخة مترجمة ؟!

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-