ماذا تـعرف عن الويب السوداء Dark Web ؟الباب: دبل كليك

نشر بتاريخ: 2016-05-19 09:17:43

فكر - المحرر الثقافي

عند بحثك في محركات البحث المعروفة مثل غوغل أو بينغ هل تعتقد بأنك توصلت إلى كل شيء على الإنترنت؟ الإجابة إن محركات البحث هذه لن تستطيع الوصول سوى 16% من محتوى شبكة الإنترنت، وتشير بعض الدراسات إلى أن النسبة لا تتجاوز 4%، فيما تقول دراسة أخرى إنها 1% فقط. بينما أوضحت دراسة أخرى أن أي عملية بحث لا تكشف سوى عمّا نسبته 0.03% فقط من المعلومات على شبكة الإنترنت، والباقي يقبع في الأعماق التي لا تستطيع محركات البحث، بما فيها غوغل، الوصول إلى بياناتها، ومن ثمّ أرشفتها وفهرستها، لتقدم إليك حين تبحث عنها. وبالنسبة لمساحة الشبكة العميقة، فبعض التقديرات تقول إنها أكبر بنحو 550 مرّة من شبكة الإنترنت التي نتعامل معها!

تنقسم الويب إلى طبقات متباينة من حيث إمكانية الوصول إليها: هناك السطح، وهو ما نعرفه عنها، الذي تستطيع محركات البحث "التقليدية" الوصول إليه. الطبقة الثانية وهي الطبقة البينية بين سطح الشبكة وعميقها. هذه الطبقة غالبًا لا تحتوي على ما يثير الارتياب، كل ما في الأمر أن الموقع في هذه الطبقة من شبكة الإنترنت يستخدم الآي بي (IP) بدون اسم نطاق له، ما يُصعب الوصول إليه، فإما أن تجرب عددًا لا نهائيًّا من عناوين الآي بي، أو أن تستطيع الوصول إلى عنوان الآي بي المحدد.

أمّا الطبقة الثالثة، هي الطبقة الأكثر عمقًا التي تعرف بالإنترنت المُظلمة (Dark Web).

أطلق مصطلح الويب السوداء/المظلمة (dark web) على الشبكة الخاصة التي تعمل ضمن الإنترنت، التي عندما تتصل بها فإنك تملك وصولاً إلى محتوى ومواقع متعددة لم يكن من الممكن الوصول إليها عبر وسائل البحث التقليدية مثل غوغل أو بينغ، وهي بذلك مثل نوادي الأعضاء شبه السرية ضمن ناد أكبر.

وهناك أكثر من ويب سوداء وليس مجرد واحدة، بعضها مجاني وبعضها يتطلب رسومًا للانضمام إليها، وهي تُستعمل عادة لغرض تشارك الملفات نظير إلى نظير (peer-to-peer) وأكثر أنواع الويب السوداء - أو الإنترنت المظلم، كما يطلق عليها أحيانًا-  شهرة هي شبكة "تور"، وهي برنامج تَخَفِّ يسمح بحجب هوية المستخدم وموقعه على الإنترنت، تم تطويره ضمن مشروع تور سنة 2002 قام بإطلاقه عدد من الباحثين في مختبر بحوث البحرية الأمريكية بإطلاق برنامج يدعى The Onion Router – TOR.

فعلى خلاف الإنترنت التقليدية حيث تتصل بالإنترنت من خلال الراوتر أو الموزع المنزلي، فإن شبكات مثل تور توفر درجات أعلى من المجهولية، لأنها توظف شبكة تعتمد على خادم بروكسي (proxy)، الذي يعمل كحلقة وصل بين الطلبات الواردة من حواسيب المستخدمين، وهناك عشرات إلى مئات الآلاف من المستخدمين يساهمون باتصالات الإنترنت خاصتهم في هذا المشروع.

فعندما تبحث عن شيء على سبيل المثال، فإنه يتم تحويل مسار عملية البحث من خلال كافة هؤلاء المستخدمين، بدلاً من مجرد مرورها من حاسوبك عبر جهاز الموزع، وهذا يجعل من الصعب على السلطات أو مزود الخدمة خاصتك تحديد من بدأ عملية البحث.

وهذا النوع من الخصوصية أو المجهولية هو على الأرجح ما يجعل شبكات الويب السوداء - مثل شبكة تور- المكان المثالي للمحتوى غير القانوني مثل بيع المخدرات أو أي شيء آخر يمكن تصوره في السوق السوداء، وهذا الأمر في الحقيقية أكثر ما تعرف به الويب السوداء.

بعيدًا عن عين الرقيب

يتم اللجوء إلى شبكة الإنترنت العميقة، لتداول البيانات بعيدًا عن عين الرقيب، حيث يحتوي هذا الجانب على كم مهول من المعرفة "السرية"، التي يلجأ الذين نشروها، إلى هذا العمق من الشبكة هربًا من رقابة السلطات. من بين من اعتمد على شبكة الإنترنت العميقة موقع ويكيليكس لتسريب المعلومات، الذي استطاعت عبر نفس الشبكة اختراق أنظمة شبكية والاستيلاء على بيانات، من ثمّ تسريبها.

ومن ضمن الذين يستخدمون الويب السوداء تجار البشر، والمخدرات، والأسلحة، والإرهابيين، والقتلة المأجورين، وتجار العملات المزيفة. كذلك الحصول على جنسيات، جوازات سفر، هويات مواطنة، رخص قيادة.

وقد تم اكتشاف العديد من مواقع الإنترنت التي يتم إدارتها لحساب منظمات إرهابية في عام 1990، وفي عام 2005 وصل عدد تلك المواقع إلى ما يقدر بحوالي 4000 موقع، إلا أن الشبكة المظلمة قد أدت إلى تسهيل الاتصال بين عناصر الجماعات الإرهابية، حيث تحتوي الشبكة المظلمة على ما يزيد عن 50 ألف موقع و300 منتدى لمنظمات إرهابية وذلك حسب أحد التقارير الصادرة في عام 2011.

ومن أكثر المواقع التي تعمل في التجارة في الويب السوداء وأكثرها تحقيقًا للأرباح المليارية، موقع "طريق الحرير" (Silk Road) الذي استطاع تحقيق أرباح، تُقدر ببليون دولار، وهو يشبه موقع أمازون في طبيعته وطريقة استخدامه، إلا أنه يقوم ببيع أحد السلع الممنوعة قانونيًّا وهي المخدرات، بالإضافة إلى تقديم عدد من الخدمات الممنوعة قانونيًّا: وثائق مزورة، محتويات مسروقة، وفي أقل من عام واحد وصلت معدلات الشراء من ذلك الموقع إلى ما يعادل 1,9 مليون دولار شهريًّا، وذلك حسب ما ورد في بحث تم إجراؤه بواسطة "نيكولا كريستين" الباحث بمركز كارنيجي في 2012. وتوصلت إليه السلطات الأمريكية وأغلقته في 2013.

يتم التعامل بين مرتادي الويب السوداء بواسطة عملة بتكوين، وهي عملة إلكترونية مُعترف بها بين مستخدميها، الذين يزيد عددهم بشكل مضطرد بمرور الوقت، بحيث يُمكن استبدالها بأي عملة نقدية عالمية!

ويرى بعض المحللين أن الويب السوداء تعد وسيلة تكنولوجية لتوفير أكبر قدر ممكن من الخصوصية، خاصةً في ظل تزايد عمليات الرقابة على شبكة الإنترنت العادية، حتى في أكثر دول العالم ديمقراطية، حيث كشف "إدوارد سنودن" العميل السابق لدى وكالة الأمن القومي في حزيران/يونيو 2013 عن قيام وكالة الأمن الوطنية في الولايات المتحدة بمراقبة استخدامات الإنترنت في 193 بلدًا في العالم، كما كشفت تلك القضية عن عمليات تجسس على 42 مليار سجل عبر الإنترنت شهريًّا، وتطويرها لبرنامج لجمع البيانات الشخصية عبر الإنترنت يطلق عليه PRISM في المقابل تمثل تلك الشبكة أحد التهديدات المتصاعدة لأمن الدول والأفراد.

استخدامات أخرى لتور

وتجدر الإشارة إلى أن تور لم تبن أساسًا لتستخدم بطرق غير قانونية، وإنما صُممت لأن البنية التحتية للإنترنت تتيح تتبع المستخدمين بشكل كبير، حيث يمكن معرفة من يتصل بمن، ولأن عملية البحث في بعض الدول لها توابعها، فإن الويب السوداء تمنح مثل هؤلاء الأشخاص الذين يريدون استخدام الشبكة العنكبوتية حرية التجول فيها دون رقابة.

فخدمات "تور" الخفية تتيح للصحفيين، على سبيل المثال، التواصل بأمان أكبر مع كاشفي الفساد والمعارضين، كما تستخدم المنظمات غير الحكومية تور للسماح لعمالها بالاتصال بعائلاتهم في دول أخرى دون أن يعلم الجميع أنهم يعملون معها.

وقد كشفت شركة فيسبوك أن أكثر من مليون من مستخدميها يدخلون إلى شبكتها الاجتماعية من خلال شبكة "تور" والكثير منهم من مناطق تفرض قيودًا كبيرة على تصفح الإنترنت كإيران.

يُذكر أنه بإمكان المستخدمين أصحاب الفضول تحميل برنامج "تور" مجانًا من موقع المشروع "تور بروجيكت دوت أورغ".

سعت بعض الدول إلى تتبع الأخطاء التي يقع بها أفراد الويب السوداء، أو قيام بعض الدول باستغلال نقاط الضعف الموجودة في المتصفح Tor واختراقه عن طريقها، أو حتى قيام بعض الدول مثل الصين بحجب المواقع التي تسمح بتحميل Tor.

لكن تلك المحاولات أدت إلى نتيجة عكسية على عكس المتوقع، فبعد قيام الحكومات بإغلاق تلك المواقع والقبض على الأفراد الذين يقومون بإدارتها تعود للظهور من جديد مستخدمة آليات تسمح بقدر أكبر من السرية، وصعوبة الاختراق وكشف الهوية، بل ويؤدي إغلاق تلك المواقع أيضًا إلى ظهور مواقع جديدة تقدم محتوى مشابهًا للموقع الذي تم إغلاقه، كما كشف تقرير مسرب من وكالة الأمن القومي الأمريكي عام 2007 أن الثغرات الموجودة في Tor تسمح بالكشف عن هوية عدد قليل للغاية من الأفراد، ولا يمكن بأي حال من الأحوال الكشف عن هويات بقية الأفراد، وأدى قرار الصين بمنع تحميل Tor إلى تطوير مدخل جديد لذلك البرنامج Bridges يصعب اختراقه، ومن ثم يمكن القول: إن الشبكة المظلمة تمثل أحد أبعاد الصراع المفتوح بين الحكومات والفاعلين من غير الدول العابرين للحدود والناشطين في المجال الافتراضي، وهو ما يرجح استمرار الشبكة المظلمة واتساع نطاقها، وتشعب محاورها وتطبيقاتها.


عدد القراء: 8876

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-