عمر أبو ريشة .. الشاعر الدبلوماسيالباب: وجوه

نشر بتاريخ: 2015-05-10 10:27:16

فكر - المحرر الثقافي

يعد عمر أبو ريشة من كبار شعراء وأدباء العصر الحديث، وله مكانة مرموقة في ديوان الشعر العربي، وهو الإنسان الشاعر الأديب الدبلوماسي، الذي حمل في عقله وقلبه الحب والعاطفة للوطن وللإنسان وللتاريخ السوري والعربي وعبر في أعماله وشعره بأرقى وأبدع الصور والكلمات والمعاني.

ولد عمر أبو ريشة في  10 نيسان/أبريل  1910  في عكا بفلسطين أثناء زيارة أمه لأهلها الذين كانوا يقيمون هناك. وكان والده شافع أبو ريشة يعمل قائم مقامًا للسلطات العثمانية في مدينة منبج السورية.

وعندما اكتشف الأتراك أن للوالد شافع اتصالات سرية مع الثوار السوريين مثل شفيق مؤيد العظم وشكري القوتلي    وعبد الوهاب الإنكليزي اعتقلته وأرسلته إلى أستنبول ليواجه محاكمة كانت ستؤدي حتمًا إلى إعدامه. إلا أن مفتي الجيش التركي الشيخ أسعد الشقيري والد أحمد الشقيري والمقيم في عكا تدخل لحماية شافع أبو ريشة بضغط من جد الشاعر الشيخ إبراهيم اليشرطي.

عاد والد عمر بعد الحرب العالمية الأولى إلى حلب وأقام فيها. وكانت عائلته قد سكنت في عكا طيلة سنوات اعتقاله. وفي عكا أتم عمر أبو ريشة تحصيله الإبتدائي ثم انتقل إلى حلب ثم انتقل إلى المدرسة النموذجية الإبتدائية .

يتحدث عن جانب مهم منها، هو جانب الصوفية، فيقول: "عالم من الأنوثة زاخر بالحب مضيء بالرقة والحنان. غلبت عليها النزعة الصوفية، تشعر بالألم فتغني بصوتها الرخيم لتبدد الألم. أحبت من الشعراء المتصوفين علي وفا وبحر الصفا وعبد القادر الحمصي وحسن الحكيم". ويضيف: "لقد اتسع حديثها دائمًا للحب المحدود والحب المطلق للذات الكبرى، وعلاقة الإنسان بها".

ومما هو جدير بالذكر أن أم عمر كانت تروي الشعر وبخاصة الشعر الصوفي.

وقد عرف عمر أبو ريشة التصوف منها، وكذلك أخذ عنها نظرته إلى الدين والحياة والحب، وكذلك مفهومه للتصوف، وكلفه بالجمال، وصداقته للموت.

يذكر عمر أن والده ألحقه بعد عودته من المنفى بمدرسة النموذج الإبتدائية في حلب. كما يذكر سامي الدهان أن عمر التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت سنة 1924، وكان عمر التلميذ يُعْرَفُ بالخطيب والشاعر والمؤلف المسرحي قبل أن يبلغ الثامنة عشرة من عمره.

وكان من بين أساتذته الجامعيين بعض فحول اللغة العربية آنذاك مثل أنيس المقدسي وجبرائيل جبور، فاستفاد منهم كثيرًا، حتى إنه بدأ يكتب الشعر مقلدًا شعراء الجاهلية والعصر العباسي، وبخاصة في شعر المديح والاستجداء والتقليد. وفي هذه المدة الزمنية من حياته كان يقرأ التراث الأدبي القديم بنهم واستيعاب فاستقامت لغته وبدأت أدواته التعبيرية تتجه نحو الإبداع والخروج عن إطار الموروث عبر التجديد والتحديث.

كما أدرك أبو ريشة الشعراء الثلاثة الذين أنجبتهم الجامعة الأمريكية، وهم "إبراهيم طوقان"، و"حافظ جميل"، و"وجيه البارودي" عن طريق الندوات التي كان يجتمع فيها إليهم أو عن طريق إدراكه لآثارهم أو بقايا شعرهم الغزلي المشترك.

حاول الأب أن يثني عمر عن الشعر والأدب فأرسله إلى إنكلترا سنة 1929، ليدرس كيمياء الأصباغ والنسيج في مانشستر، لكنه على ما يبدو انصرف إلى الشعر يقرأ عيون الشعر الإنكليزي، وعلى الخصوص شعر شكسبير، شلي، كيتس، ميلتون، تنيسون، براونينغ، بو، غراي. كما أنه درس بودلير بوصفه شاعره المفضل، بالإضافة إلى بو.

عاد عمر إلى حلب في سنة 1932 واستقر فيها ودخل معترك السياسة فانتمى إلى (الشباب الوطني) الذي كان فرعًا من الكتلة الوطنية التي ضمت عددًا من كبار السياسيين السوريين المطالبين بإنهاء الانتداب الفرنسي. غير أن انضمامه إلى الشباب الوطني لم يطل، إذ خرج من هذا التنظيم سنة 1936 بعد رفضه للمعاهدة المنقوصة التي وقعها رجال الكتلة الوطنية مع الفرنسيين. ولم ينتم إلى أي حزب بعد ذلك. لكنه تحول إلى الشعر الوطني والقومي مهاجمًا الاستعمار، محرضًا الجماهير.

وعن بدايته الشعرية وتأثره بوالديه في طفولته فيما كانا يتلوانه من الشعر الصوفي. وهو يقول في ذلك: "في البيئة المتصوفة، حيث نشأت، أُتيحَ لي الإصغاء، وأنا بعد طفل إلى أناشيد لم أكن أسمع مثلها في غير تلك البيئة، فأرددها برفقة أهلي، وأصدقاء أهلي، دون أن أدرك أبعاد معانيها".

كان الشاعر قد بدأ بعيون الشعر العربي ينهل منها ويتمثلها، إلا أن مصدرًا جديدًا أغنى ثقافته أثناء إقامته في بريطانيا، وفي هذا نسمعه يصرِّح: "خلال إقامتي في بريطانيا، أُتِيحَ لي مجال التعمق في دراسة الشعر الإنكليزي بصورة خاصة والشعر العالمي بصورة عامة".

والمصدر الأخير الذي يشير إليه د.جميل علوش، فهو تجربته الدبلوماسية التي جعلته على احتكاك بعدد من الأمم والشعوب، مما هيأ له مناخًا ليطّلع على لغات جديدة، ويذكر البعض أنه كان يتقن ست لغات أو أكثر، وأنه كان يرفض قراءة الشعر مترجَمًا، فيصرّ على قراءته بلغته، ومن ثم مكَّنَته هذه اللغات الكثيرة التي أتقنها أن يطَّلِع على إنتاج أدبي وافر ومتنوع.

انتخب عمر أبو ريشة في المجمع العلمي في دمشق سنة 1940، وعين في السنة نفسها محافظًا لدار الكتب الوطنية في حلب. وفي سنة 1942 حكمت عليه السلطة الفرنسية بالإعدام بسبب قصيدة عنيفة هاجم فيها المستعمر. وكانت القصيدة في رثاء صديق أعدمه الفرنسيون.

التحق عمر أبو ريشة بالسلك الخارجي السوري سنة 1949 وعيّن سنة 1949 مفوضًا في البرازيل، ثم نقل بعد ثلاث سنوات إلى الأرجنتين، ومنها إلى الهند سفيرًا، ومنها نقل إلى فيينا فواشنطن، وأعيد مرة ثانية إلى الهند سنة 1964.

وعن تجربته في احتكاكه بالأمم والشعوب وأثرها في ثقافة الشاعر من جهة وشعره من جهة أخرى، ما يذكره أ. عبد الإله الملاح: "كيف كانت الحكومات البريطانية في الهند تقفل معابد كاجوراو في وجه العامة، بدعوى فحش منحوتاتها وانحطاط تماثيلها، إلى أن استطاع سفيرنا أبو ريشة في الهند إقناع السيد جواهر لال نهرو، رئيس مجلس الوزراء هناك، بفتحها أمام جماهير الفنانين والمتفرجين، وكيف تمت بعد ذلك تسمية إحدى القاعات فيها باسم عمر أبي ريشة اعترافاً بفضله".

أحيل سنة 1971 على التقاعد، وجعل بيروت مقرًّا له، ولكن تفاقم الأحداث فيها حال دون ذلك، فسكن مدة في دمشق، ثم انتقل إلى الرياض في المملكة العربية السعودية.

حصل الشاعر الكبير عمر أبو ريشة على أوسمة من البرازيل، الأرجنتين، النمسا، لبنان وسوريا، وآخر وسام ناله وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى وقد منحه إياه الرئيس اللبناني إلياس الهراوي .وكرم في العديد من المؤتمرات العربية والدولية والعالمية.

توفي الشاعر عمر أبو ريشة في الرياض يوم السبت الثاني والعشرين من ذي الحجة عام 1410هـ، الموافق 14/7/1990م بعد إصابته بجلطة دماغية، لزم الفراش على أثرها لمدة سبعة أشهر في مستشفى الملك فيصل في الرياض. وتم نقل جثمانه ودفن في مدينة حلب في سوريا.

ترك عمر أبو ريشة شعرًا مبعثرًا في أكثر من وجهة إلى أن جُمعت قصائده في مجموعة كاملة في بيروت.

 

عودي

قـالـتْ  مللتُكَ . إذهبْ .  لـستُ  نادِمةً

على  فِــراقــِكَ .. إن  الـحــبَّ  لـيـس  لــنــا

سقيتُكَ  المرَّ  من  كأسي . شـفيتُ بـها

حـقدي عليك .. وما لي عن شقاكَ غنى !

لن  أشـتـهـي  بعد  هـذا  اليوم  أمـنـيـةً

لـقـد  حـمـلـتُ  إلـيـهـا  الـنـعــش  والكـفـنـــا

قالتْ .. قالتْ .. ولم أهمسْ بمسمعها

ما ثار  من  غُصصي  الحرى  وما  سَكنا

تركْتُ  حجرتها ..  والدفءَ  منسرحًا

والـعـطـرَ  مـنـسـكـبـًا ..  والـعـمـر  مُـرتـهـنا

وسرتُ  في  وحشتي ..  والليل ملتحفٌ

بالزمهرير .  وما  في  الأفـق  ومـضُ  ســنا

ولـم  أكـد  أجـتـلي  دربي  على  حـدسِ

وأســتـلــينُ  عـلـيـه  المــركـــبَ  الـخــشـــِنـــــا

حتى  .. سمعتُ .. ورائي رجعَ زفرتها

حتى  لمــسـتُ  حــيـالـي  قـــدَّهــا  اللــــدنـــــا

نـسـيـتُ  مــابي ...  هـزتـني  فـجـاءتُها

وفـــجَّـــرَتْ مـن حــنـانــي كلَّ مـــا كَـــمُــــنـــا

وصِحتُ ..يا فتنتي ! ما تفعلين هنا ؟؟

البردُ  يؤذيك  عــودي ... لـن  أعود  أنا !

 

وداع

قفي ، لا تخـجـلي مني فما أشـقـاك أشــقــاني

 كلانا مــرَّ بالـنـعـمى مــرور المـُـتـعَـــبِ الـــوانـي

وغـادرها .. كومض الشوق في أحداق سكرانِ

قفي ، لن تسـمـعـي مني عـتـاب المُدْنَفِ العاني

فـبـعـد اليوم ، لـن أســأل عن كأسـي وندمـاني

خـذي ما سـطـرتْ كـفـاكِ من وجـدٍ وأشــجـانِ

صحـائفُ ... طـالمـا هزتْ بوحيٍ منك ألحاني

خـلـعـتُ بها على قـدميك حُـلم الـعـالم الفاني!

لـنـطــوٍ الأمـسَ ، ولـنـسـدلْ علـيـه ذيـل نــسـيانِ

فـإن أبـصـرتـني ابـتـسـمـي وحـيـيـنـي بتـحـنـانِ

وسيري ، سير حالمـةٍ وقـولي .... كان يهواني!


عدد القراء: 14612

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-