الانطباعية .. ثورة فن التصويرالباب: فنون

نشر بتاريخ: 2019-02-05 19:22:00

فكر - المحرر الثقافي

الانطباعيّة (impressionne)، هي ثورة في التصوير دون أدنى شك، وهي (كما يتصورها الجميع) عبارة عن مواضيع قبل أن تكون تقنية جديدة في التصوير، أو اقترابًا أكبر من الضوء، أو رؤيا سيزان المنشودة في الانقسام الهندسي للأشكال. إنها مواضيع عالم يُعاد تركيبه بأكمله، مُقتنص في لحظته الآنيّة بكل تفاصيله. عالم بلا تضخيم ولا توقف ولا تاريخ التُقط بدقائقه البسيطة، ومعالج كذلك ببساطة.

وقد أعطى رواد الانطباعية ومبدعوها في أوقات لاحقة، التصوير في الهواء الطلق، سمة النبل، مصممين على بذل كل ما في وسعهم لإرساء دعائمه والإعلاء من قيمته، وإظهار مدى هذا التجديد في قلب عادات التصوير كلها، وإيجاد جمالية عصرهم.

تعمد الانطباعية إلى إعادة إحياء الأحاسيس والانطباعات التي يثيرها شيء ما في ذهن الفنان أو الكاتب. وباختصار، يمكن القول: إن الانطباعيّة تُعبّر عن اللحظة على الدوام والاتصال، والشعور بأن كل ظاهرة هي حادث عابر لن يتكرر أبدًا، وموجه يجرفها تيار الزمان، ذلك النهر الذي لا يستطيع المرء أن ينزل فيه مرتين (بحسب هيراقليط).

ولا يمكن اعتبار الانطباعية، أولى الحركات الحديثة في فن الرسم التي بدأت بالنمو في باريس عام 1860م، ثم انتشر تأثيرها في جميع أنحاء أوروبا، وصولًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. كان مُبدعوها هم أولئك الفنانون الذين رفضوا المعارض والصالونات الرسمية التي أقرتها الحكومة وقتئذٍ؛ لذلك كان يتم تجنب هؤلاء الفنانون من قبل المؤسسات الفنية الأكاديمية الكبيرة. بعيدًا عن الزخرفة الفاخرة والتفاصيل التي كان يتطلع إليها فنانو عصرهم، سعى الانطباعيون إلى التقاط التأثير الشعوري الخاطف للمنظر، هذا الذي تراه أمام عينيك في لحظات سريعة عابرة. ولتحقيق هذا التأثير؛ انتقل العديد من الفنانين الانطباعيين من المرسم إلى الشوارع والريف؛ ليرسموا في الهواء الطلق.

في الفن التشكيلي

بدأت مغامرة الانطباعيين في الفنون التشكيليّة في عالم أخذ يقطع صلاته بعالم التحولات البطيئة. إذ سئم هؤلاء منظر الأشجار الكثيفة والمعارك والملامح الشيطانيّة في المعابد اليونانيّة والآلات الموسيقيّة الوتريّة، إضافة إلى الأغاني والألحان الرومانسيّة والخناجر وقوافل الجمال تحت ضوء القمر.

سئم هؤلاء كل هذا، لكنهم لم يتجرؤوا على المجاهرة، لأن مواقع اجتماعيّة نفعيّة ودفاع البعض عن نهج رومانسي في طريقه إلى الزوال، كانا يحولان دون ذلك. لهذا شهدت الانطباعيّة في بداياتها لحظات صعبة جدًا، في مواجهتها الذوق المحافظ.

في عام 1863 وفي الصالون الرسمي، حيث كل أحداث الفن ذات الأهمية حول العالم، كان عدد ضخم من الفنانين غير مسموح لهم بالمشاركة، مما أدى إلى غضب شعبي عارم. في نفس العام -وردًا على هذا الأمر- تم تشكيل ما عُرف باسم صالون المرفوضات (وهو عبارة عن معرض للأعمال المرفوضة)؛ كي يتم عرض أعمال الفنانين الذين تم منعهم من دخول الصالون الرسمي. بعضٌ من هؤلاء كان (بول سيزان)، و(كاميل بيسارو)، والثائر القديم (إدوار مانيه). وعلى الرغم من سماح السلطات وموافقة الامبراطور نابوليون الثالث في عام 1863م، تسبب المعرض في جلب فضيحة؛ يعدُ ذلك إلى أفكار وأنماط الأعمال والتي كانتا غير تقليديتين، مثل لوحة مانيه الشهيرة: طعام الغداء في الحقل التي رسمها في العام نفسه، حيث ظهر فيها رجال بملابسهم مع نساء عرايا يستمتعون بالتنزه في فترة بعد الظهيرة.

في عام 1884م تم بدء معرض مؤثِر آخر بواسطة ما عُرف بجمعية الفنانين المستقلين (Société des Artistes Indépendants) وقد ضم العديد من الفنانين الانطباعيين. أعلنت الجمعية التمرد على محلفي باريس المحافظين، في وقتٍ لاحق، ستكون هذه الجمعية أمر محوري في حركة المجددون، وأحد أسباب الحداثة في باريس.

1937

مضى ما ينوف على نصف قرن من ظهور الانطباعيّة في باريس قبل أن تدخل الحكومة الفرنسيّة عام 1937 أعمال الانطباعيين إلى متحف اللوفر، وأبرزهم: إدوار مانيه، كلود مونيه، أوغست رونوار، كامي بيسارو، جورج سوراه، ألفريد سيسلي، إدغار دوغا، هنري تولوز لوترك، ماري كاسات، برت موريسو، أرمان، غيومان، بول سيزان، فان كوخ، بودان، جونكند، دوبيني، وكايبوت.

أسس ومبادئ

اتبعت الانطباعيّة طريقة جديدة في التصوير مبنيّة على نمط جديد من الرؤية، إذ كان همها الرئيسي تسجيل الانطباع البصري، كما تحسه العين ماديًا وآنيًا. وكانت غير مكترثة بالنظم المتعارف عليها في الوقت الذي ظهرت فيه، وهي لا ترى في الطبيعة سوى تبدلاتها بحسب الضوء والمناخ والفصل والساعة، وتقوم على رفض القانون الوضعي الذي جاء نتيجة ممارسة الأعمال الفنيّة التقليديّة.

لذلك لم يعد الفنان الانطباعي يصوّر الأشياء استنادًا إلى ما لديه من معرفة بها، أو ما اكتسبه من خبرة عنها، وإنما يصوّر ما يراه، وبسرعة كي يتمكن من تسجيل معالم الطبيعة الأكثر دقة وشفافية، والأسرع زوالاً، أي اللحظة العابرة لحاضر عابر، كما يحسها الفنان الانطباعي الذي كان يرى أن الفن ليس حالة ذهنيّة، وإنما يكمن في العفويّة والإحساسات المباشرة التي تنتابه أثناء قيامه بفعل الفن، ويقوم بنقلها إلى اللوحة بأمانة.

ولم يقتصر أثر الانطباعيّة على التصوير، بل تعداه إلى النحت الذي انتقل من الأسلوب الإبداعي إلى الانطباعي، ومارس النحت الانطباعي عدد من المصورين، أمثال: رنوار، غوغان، ديغا، إضافة للنحات رودان.

عربيًا

انطلقت الانطباعيّة من فرنسا لتصل إلى ليبرمان في ألمانيا، وبولديني وسياديني في إيطاليا، وفبرنسكيولد وتادلوف في النرويج وماليفين وغرابا في روسيا وبرايتنر في هولندا، وموريه ورغويوس في إسبانيا، وأيضا: ويسلر في أمريكا وهل في السويد.

أما في الوطن العربي فظهرت الانطباعيّة لدى ميشيل كرشة ونصير شورى في سوريا، ويوسف كامل ومحمود سعيد ومحمد ناجي وأحمد صبري وراغب عيّاد في مصر، وقيصر الجميل ومصطفى فروخ في لبنان، وعطا صبري في العراق، ويحيى التركي في تونس، ونصر الدين دينه في الجزائر، وحسن جلاوي في المغرب.

1874

شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر تحولات هامة في المجالات الاجتماعية والفكرية والعلمية، تمثل هذا التحول على الصعيد الفني بأنساق الحركة الانطباعية، التي اتبعت طريقة جديدة في بنية الرؤية وتعاملها مع النص بالتالي جعل كل النصوص فضاءًا تصويريًا.

وجاء مصطلح الانطباعيّة من فن التصوير، إثر لوحة عرضها الرسام الفرنسي كلود مونيه عام 1874 تحت عنوان (انطباع شروق الشمس) في الصالون الأول في المجموعة من الشباب هذه اللوحة أثارت استغراب واستهجان الجمهور وسخريته لكنها أعطت لهذه المدرسة اسمها الفني المميز منها (الانطباعية impressionism)؛ حيث كان الاتجاه الانطباعي بمثابة ثورة فكرية أو حادثة هامة كأحد الأحداث المصيرية التي قادت الإنسان لأنه يعي طبيعته الزمنية ويحدد مكانه في الزمان ويتلمس هذا الواقع، ثم أُطلق المصطلح على كل نهج فني أو أدبي يعتمد نظرة جمالية في وصف المجتمع المعاصر.


عدد القراء: 7022

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-