التأثير المدهش للقراءة بصوت عالالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2023-01-30 13:38:18

فكر - المحرر الثقافي

يؤثر معظم البالغين الانزواء في عالمهم الهادئ والخاص داخل رؤوسهم أثناء القراءة، ولكننا بذلك قد نكون ضيعنا على أنفسنا بعض الفوائد بالغة الأهمية.

كانت القراءة في معظم العصور الخالية تعد من الأنشطة الصاخبة نسبيًا. وكان يشار عادة للقراءة في الألواح الطينية التي كتبت في بلاد ما بين النهرين وسوريا قبل نحو 4000 سنة، بمفردتين تعنيان حرفيًا "يصيح" أو "ينصت". وقد ورد في أحد الخطابات التي تعود إلى تلك الحقبة: "أرسل لك هذه الرسالة العاجلة. انصت إلى هذا اللوح، أو إن كان لائقًا، اطلب إلى الملك أن ينصت له".

وكانت تستخدم أحيانًا كلمة "يطالع أو يرى" اللوح بمعنى يقرأها سرًا.

ولكن اليوم، أصبحت القراءة الصامتة هي الأكثر شيوعًا، فقد بات معظمنا يحبس الكلمات في رأسه أثناء القراءة كما لو كان جالسًا داخل مكتبة. وأصبحت القراءة الجهرية تقتصر إلى حد كبير على سرد القصص للأطفال قبل النوم أو الأداء المسرحي.

بيد أن أبحاثًا حديثة تشير إلى الفوائد التي نضيعها على أنفسنا بترديد الأصوات في أذهاننا فقط دون التلفظ بها أثناء القراءة. إن فن القراءة الجهرية القديم يعود على البالغين بفوائد عديدة، بدءًا من تقوية الذاكرة وفهم النصوص التي استشكلت علينا وحتى توطيد الروابط العاطفية بين الناس. واللافت أن عادة القراءة جهرًا ليست نادرة ولم تندثر، بل يستعين بها الكثيرون تلقائيً ا لفهم النصوص المكتوبة، ولكن دون أن يدروا.

وتناولت دراسات عديدة ظاهرة "تأثير الإنتاج" على مدى أكثر من عشر سنوات. وفي إحدى الدراسات في أستراليا، عرض الباحثون على مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين سبعة إلى 10 أعوام قائمة من الكلمات، وطلبوا منهم قراءة بعضها قراءة صامتة وبعضها قراءة جهرية. واستطاع الأطفال أن يسترجعوا 87 في المئة من الكلمات التي قرأوها بصوت مرتفع مقارنة بـ70 في المئة فقط من الكلمات التي قرأوها قراءة صامتة.

واكتشف باحثون أن التلفظ بالكلمات حتى لو كان بصوت خافت يحسن القدرة على حفظها. وخلصت دراسة أجرتها جامعة أرييل في إسرائيل إلى أن القراءة الجهرية تحسن القدرة على الحفظ واسترجاع المعلومات حتى لو كان القارئ يعاني من صعوبات النطق ولا يمكنه التلفظ بالكلمات بوضوح.

ومن المعروف أن البشر بوجه عام، أكثر قدرة على تذكر الأحداث غير المألوفة والمميزة، والأحداث التي تتطلب مشاركة فعالة. ويقول ماكليود إن الكلمات التي تتفتق عنها أذهاننا ونولدها استجابة لأسئلة تكون أكثر رسوخا في الذاكرة مقارنة بغيرها، فيما يسمى بظاهرة "تأثير توليد الكلمات".

ولكن لماذا آثر البشر القراءة الصامتة، رغم الفوائد العديدة للقراءة الجهرية؟

تحوي الألواح الطينية من الشرق الأدنى القديم، التي دوّن عليها الكتبة المهرة تفاصيل حياتهم بالكتابة المسمارية، بعض الأدلة التي قد تساعدنا في فهم هذا التحول إلى القراءة الصامتة.

فقد طور الكتبة، مع مرور الوقت، طرقا أسرع وأكثر كفاءة للكتابة بالخط المسماري. وترى كارينلي أوفرمان، الأخصائية في علم الآثار الإدراكي بجامعة برغن النرويجية، وتدرس تأثير الكتابة على أدمغة البشر وسلوكياتهم في الماضي، إن هذه الطرق في الكتابة باتت أكثر قدرة على مواكبة سرعة تدفق الأفكار.

وفي كتابه، "القراءة والكتابة في بابل"، اقتبس دومينيك شاربين خطابا كتبه أحد الكتبة يدعى هولالوم يلمح فيه إلى القراءة الصامتة. ومن الواضح أن هولالوم كان يشير إلى القراءة الصامتة بكلمة "يطالع أو يبصر"، وإلى القراءة الجهرية بكلمة "يقول أو ينصت"، بحسب السياق.

وكتب هولالوم أنه كسر المغلف الطيني- الذي كان يغلف الألواح آنذاك- لقراءة فحوى اللوح الطيني الذي كان يعتقد أنه موجه للملك.

ويقول هولالوم: "اكتشفت أنه لم يكن موجهًا للملك ولذا لم أطلب منه الإنصات للوح".

ربما كان الكتبة قديمًا، يستفيدون من مزايا القراءة الصامتة والجهرية، كشأننا اليوم، فالأولى تتميز بسرعتها وسهولتها وهدوئها وسريتها، والثانية تعد أكثر تمهلاً وصخبًا وأحيانًا تساعد على تثبيت المعلومات في الذاكرة.

وفي وقت أصبحت فيه تفاعلاتنا مع الأخرين عابرة وفاق فيه سيل المعلومات التي نتلقاها قدرتنا على الاستيعاب والحفظ، ربما يجدر بنا تخصيص بعض الوقت للقراءة الجهرية. ولعلك جربت أن تقرأ هذه المقالة بصوت عال واستمتعت بالاستماع إلى صوتك.

 

المصدر: BBC


عدد القراء: 1244

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-