الكلمات المتقاطعة... صاحبت الجنود في الحروب وأدمنها المشاهير الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2019-02-05 13:21:16

فكر - المحرر الثقافي

الكلمات المتقاطعة هي لغز يحتاج إلى الكثير من المهارة اللغوية لحلها. وهي تأتي في شكل مربع مقسم لمربعات صغيرة تنتشر فيها الحروف الرأسية والأفقية لتكوّن فيما بينها كلمات أو عبارات، ويكون مفتاح الحل في وصف هذه الكلمات خارج المربع. وتفصل بين الكلمات داخل مربع الكلمات المتقاطعة مربعات سوداء اللون.

مبتكرها في شكلها الحديث صحافي أمريكي أصله إنجليزي من ليفربول اسمه آرثر وين، نشر أول ألغاز الكلمات المتقاطعة في صحيفة «نيويورك وورلد» في 21 ديسمبر/كانون الأول عام 1913، لكنه كان أول من يعترف بأنه لم يخترع الكلمات المتقاطعة التي تعود جذورها إلى العصور القديمة. وهناك أمثلة بدائية للكلمات المتقاطعة ظهرت في كتب الأطفال البريطانية في القرن التاسع عشر.

يعد البعض أن جذور الكلمات المتقاطعة تعود إلى صحيفة مغمورة اسمها «ستوكتون بي» ونشرت في عام 1793، كما ظهرت أول الكلمات المتقاطعة على شكل ماسٍ مزدوج في مجلة «سان نيكولاس» في عام 1873، وفي عام 1890 ظهرت كلمات متقاطعة بسيطة مكونة من أربعة حروف أفقية ومثلها رأسيًا في مجلة إيطالية اسمها «إل سيكولو إيلاستراتو».

وفي عشرينيات القرن الماضي انتشرت الكلمات المتقاطعة في الكثير من الصحف والمجلات، كما انتقلت من الصحف الأمريكية إلى صحف أوروبا. وفي بريطانيا وصلت الكلمات المتقاطعة إلى صحيفة «التلغراف» في عام 1925 ثم «التايمز» في عام 1930، وكانت أكثر تعقيدًا من النسخ الأمريكية. وظهر أول كتاب لها في منتصف العشرينيات في 1924 وطبعته مطبعة «سايمون آند شوستر» الأمريكية، ويحتوي على مجموعة كبيرة من ألغاز الكلمات المتقاطعة، وقد أهدى مع كل كتاب قلم مجاني للدعاية التسويقية، فكان أكثر الكتب مبيعًا في العالم آنذاك.

خلال الحرب العالمية الثانية، وزّع الجيش الأمريكي على ملايين الجنود الذين حاربوا في أوروبا كتيبات الكلمات المتقاطعة لحلها أثناء فترات الهدنة. وكان الاعتقاد السائد أنها ترفع من الروح المعنوية للجنود.

وشكت مكتبة نيويورك العامة من أن «الصرعة» الجديدة التي تسمى الكلمات المتقاطعة دفعت بالمئات إلى المكتبة من أجل الاستعانة بالقواميس والموسوعات لحل ألغاز الكلمات؛ مما عرقل جهود طلاب العلم من الاستفادة من خدمات المكتبة.

تطورت الكلمات المتقاطعة بطرق مختلفة في أوروبا وخارجها ووضع لها البعض قوانين صارمة، أحد أمثلتها نشر في كتاب في عام 1966 اسمه «فن الكلمات المتقاطعة». وكان تحدي الكلمات المتقاطعة في بريطانيا هو في اكتشاف الكلمات من الشرح الغامض لها الذي يحمل أكثر من معنى، وقد يكون الكلمة نفسها، لكن بحروف مبعثرة.

ونشر المحرر المسؤول عن الكلمات المتقاطعة في صحيفة «الغارديان»، هيو ستيفنسون، ثلاث صفحات في الصحيفة حول أساليب شرح الكلمات المتقاطعة التي يستخدمها مؤلفو هذه الكلمات لمساعدة القراء على حل اللغز الذي تنشره الصحيفة يوميًا.

وفي أمريكا تعد الكلمات المتقاطعة في صحيفة «نيويورك تايمز» هي المقياس لمن يدعي الذكاء في هذا المجال، وتقدم الصحيفة كلماتها المتقاطعة يوميًا في 15 حرفًا أفقيًا ومثلها رأسيًا، تزداد في نهاية الأسبوع إلى 25 حرفًا رأسيًا ومثلها أفقيًا. وتكون الكلمات المتقاطعة يوم الاثنين هي أسهل ما تقدمه الصحيفة، ثم تزداد صعوبة حل الكلمات مع تقدم أيام الأسبوع حتى يوم السبت التي يعد أصعب أيام الأسبوع. وفي العدد الأسبوعي للصحيفة يوم الأحد تكون صعوبة الكلمات المتقاطعة مماثلة لدرجة صعوبة كلمات يوم الخميس من كل أسبوع.

وفي عام 2007، قامت الصحيفة بتجربة فريدة، حيث طلبت من الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون أن يقوم بإعداد الكلمات المتقاطعة ضمن عدد خاص في الصحيفة عن جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي يسمى «بيبي بومرز». وأقبل القراء على حل الكلمات المتقاطعة التي قدمها كلينتون سواء بشراء الصحيفة أو الإقبال على موقعها الإلكتروني. واعترف كلينتون بعد ذلك بأنه من هواة الكلمات المتقاطعة، وأنه كان يمارسها في البيت الأبيض أثناء فترة رئاسته.

من المشاهير الآخرين الذين أدمنوا على حل الكلمات المتقاطعة كل من هنري كيسنغر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق وتوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق. كما كانت الممثلة الإيطالية صوفيا لورين تسعد بوجود اسمها ضمن ألغاز كلمات المسابقات في الصحف الإيطالية. ولاعب كرة القدم الشهير بيليه الذي قال في أحد اللقاءات التلفزيونية أنه يحب ممارسة هذه اللعبة بشكل كبير وذلك لما بها من معلومات تغزي العقل بصورة جيدة، وعربيًا، كان المطرب الراحل عبدالحليم حافظ يداوم على حل الكلمات المتقاطعة، خصوصًا أثناء فترات مرضه. كما كان الفنان الراحل حسن فايق من عشاق حل الكلمات المتقاطعة.

والمعهود في الكلمات المتقاطعة الحديثة أن تأتي في شكل مربعات وتحتوي على فواصل من المربعات السوداء، لكنها ليست دومًا على هذا النموذج؛ فالكلمات المتقاطعة قد تأتي على شكل ماسٍ، وقد لا تحتوي على مربعات سوداء. كما أن الصحف والمجلات تشتري الكلمات المتقاطعة من متعاونين متفرغين لهذا النشاط، وتدفع الصحف الأمريكية ما بين 50 و300 دولار لكل مسابقة مع حلولها للنشر الفوري. كما تمنح بعض المطبوعات مكافآت للقراء الذين يستطيعون حل الكلمات المتقاطعة وتقديم الحلول في يوم الصدور نفسه.

ويعود سر شهرة الكلمات المتقاطعة إلى أنها متاحة بكل لغات العالم، ولا يلزم لممارستها سوى قلم ونسخة اللعبة، حتى ولو كان تاريخ نشرها قديمًا، كما يمكن ممارستها في أي مكان. وهي مسلية ومنشطة ذهنيًا وتزيد من القدرة اللغوية لدى الأفراد.

مع زيادة الإقبال على المواقع الإلكترونية والاعتماد على التواصل الاجتماعي عبر الهواتف الجوالة الذكية هناك مخاوف من تراجع شعبية الكلمات المتقاطعة. ويقول الأستاذ الجامعي مايكل شارب، إن الكلمات المتقاطعة لن تموت في المستقبل، لكنه يتوقع أن تواجه الكلمات المتقاطعة المزيد من العقبات والموانع مع مرور الزمن. وهو يرى أن الكلمات المتقاطعة توجهت لأجيال تعودت على شراء الصحف اليومية وحل الكلمات المتقاطعة في أوقات فراغها، لكن الجيل الجديد لا يبدو أن لديه الشغف بالقراءة أو بالكلمات المتقاطعة.

ويعتقد البعض أن مستقبل الكلمات المتقاطعة يكمن في التطبيقات الإلكترونية على الـ«آيباد» والأجهزة المحمولة التي تستخدمها أجيال عمرية متعددة. وقد وجدت الصحف المشهورة فرصة في تسويق كلماتها المتقاطعة عبر بيع تطبيقاتها على الإنترنت. ويمكن تنزيل تطبيق كلمات متقاطعة من «نيويورك تايمز» بسعر 9.99 دولار، أو الاشتراك بسعر 40 دولارًا سنويًا للحصول على الكلمات المتقاطعة من صحيفة «التايمز» اللندنية. كما يوجد الكثير من الشركات المستقلة التي تقدم ألغاز الكلمات المتقاطعة على الإنترنت، تعتمد على الجديد من الكلمات والتعبيرات التي قد تجذب إليها الجيل الجديد.

بدأت للأطفال في العالم العربي ثم نشرتها «الشبكة»

بدأت الكلمات المتقاطعة العربية أولاً في مجلات الأطفال مثل «السندباد» و«بلبل» و«كتكوت»، وكانت في شكل بسيط بكلمات سهلة تناسب الأطفال. والتقطت مجلة «الشبكة» اللبنانية الفكرة وطورتها للكبار. ولما كان توزيعها كبيرًا خارج حدود لبنان، انتشرت أيضًا الكلمات المتقاطعة عربيًا وزادت شهرتها.

وفي عام 1965 بدأت مجلة «الكواكب» المصرية في عرض مسابقات الكلمات المتقاطعة التي تلقتها من مصممها إبراهيم عطية. وفوجئت المطبوعة بحجم الإقبال على قراءتها، إلى درجة أن بعض القراء أرسلوا خطابات إلى المجلة بحلول الكلمات المتقاطعة. ولتشجيع القراء على المراسلة قدمت المجلة جوائز للفائزين في حل الكلمات المتقاطعة عبارة عن اشتراكات دورية فيها لمن يقدم الإجابات الصحيحة. ثم انضمت الصحف اليومية إلى نشاط نشر الكلمات المتقاطعة يوميًا وتقديم جوائز للفائزين بحلها.

ويعد البعض أن الكلمات المتقاطعة تثري الذخيرة اللغوية لدى الأفراد وتنشط خلايا المخ، وكان البعض من الموظفين يبدأ يومه على المكتب بالقهوة والصحيفة لحل الكلمات المتقاطعة.

ويضيف الصحافي المصري حسن خاطر، المتخصص في تصميم الكلمات المتقاطعة ويعمل في الكويت: إن هناك الكثير من الأرقام القياسية العربية في موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية من عرب قدّموا شبكات كلمات متقاطعة قياسية في الحجم، كان من بينهم صحافي تونسي اسمه ناجي بن جنات أنجز شبكة طولها 20 مترًا وعرضها ثلاثة أمتار وتحتوي على 1845 مربعًا، وهي تضم ضمن كلماتها أسماء مشاهير عرب وأجانب في الثقافة والفنون. وعرض بن جنات عمله في عام 2006 بمناسبة احتفال تونس بمرور 50 عامًا على استقلالها.

وكانت آخر المحاولات من شاب مغربي اسمه العربي وزبير، بشبكة طولها 60 مترًا تضم 74348 لغزاً وتضم 200282 مربعًا. كما يعمل عدد من الشباب العرب على كسر الأرقام القياسية في مجال الكلمات المتقاطعة، منها محاولات سجلت في اليمن وسوريا. ويبدو مستقبل الكلمات المتقاطعة العربية أكثر استقرارًا منها على المستوى العالمي.

وحتى اليوم، لا يزال للكلمات المتقاطعة هواتها.. وتفنن معدوها في ابتكار أشكال مختلفة منها، مثل وضع صورة شخصية في مربع، وسهم للإشارة إلى الاتجاه الذي يكتب به اسمه في حال معرفته، كما عمد البعض إلى إعداد هذه الألغاز حول محور محدد فتكون كل الحلول من مجال محدد كالجغرافيا، أو الفن، أو التاريخ، وما إلى ذلك.


عدد القراء: 10539

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-