العروبة الرقمية ربيع الانترنت العربيالباب: مراجعات

نشر بتاريخ: 2017-08-04 23:06:04

فكر - المحرر الثقافي

الكتاب: "العروبة الرقمية، ربيع الانترنت العربي"

المؤلف: إيف غونزاليس كيخانو

تاريخ النشر: 6 أكتوبر 2012

الناشر: SINDBAD ، ACTES SUD

المعيار الدولي للكتاب ISNB : 13: 978- 2330013172

 

شهد العام 2011 ما شهد من مظاهرات وثورات اجتاحت العالم العربي. ومن نافلة القول إن تلك الأحداث قد وجدت في تقنيات الاتصال والتواصل الحديثة حاملاً رائعًا لرياحها التي فاجأت العالم بأسره. فما مدى ارتباط "الربيع العربي" بفورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العالم العربي؟ وما هي العلاقة الحقيقية بين الثورات العربية والإنترنت والشبكات الاجتماعية؟

وهل ساهمت هذه الأخيرة في رسم حدود جديدة للسياسة وللمجتمع على ساحة الوطن العربي الشاسعة؟ وهل ما حدث كان ثورة فعلاً؟ وما هو دور المؤسسات غير الحكومية "الأجنبية" في تعبئة دور تلك التقنيات؟ ولماذا فشل الشباب الثائر فيما بعد مرحلة صناديق الاقتراع (ممن تمكن من الوصول إلى تلك المرحلة)؟ كل هذه الأسئلة وغيرها الكثير يجيب عنها بعمق وبتحليل إحصائي مؤلف كتاب "العروبة الرقمية، ربيع الانترنت العربي" إيف غونزاليس كيخانو. مؤلف الكتاب من الفرنسيين المستعربين الذين عشقوا العالم العربي، فعلاقته معه تعود لأكثر من 30 سنة قضاها في التدريس والبحث والترجمة والتفاعل مع الشارع الثقافي العربي أخذًا ومنحًا.

قبل سنة 2011، لم يكن الغرب يرى في الإنترنت العربي سوى وكرًا للإسلام المتشدد وللإرهاب الدولي؛ وندرة من المراقبين من استشف مستقبل المنطقة العربية بما امتلكه شبابها من تكنولوجيا رقمية، ومنهم Jimmy Wales من موقع الويكيبيديا إذ أعلن في أحد المؤتمرات سنة 2008 أننا سنرى قريبًا "المنطقة تحت منظور مختلف كلية، ليس كعقدة متشابكة من المشاكل، بل مكانًا مثل أي مكان آخر، بنقاط قوته ونقاط ضعفه ومئات الملايين من الناس الباحثين عن حياة أفضل لا أكثر ولا أقل (...) سنسمع قريبًا الناس العاديين في البلدان النامية يتكلمون". وقد حدث.

تحدث الكاتب كيف تحولت نظرة العالم إلى الربيع العربي وكيف تطورت رد فعله من الاندهاش من تلك الثورات بدون قائد، ومن أصالة الشعارات وغياب الإيديولوجيات عنها، ومن الحِراك العفوي للناس بعيدًا عن أي تكتل أو تحزب، ومن تهميش النخب التقليدية لا سيما الثقافوية، ومن قدرتها على تجاوز الحدود... إلخ، إلى نظرة إعجاب إذ كان العالم الغربي يتساءل: "منذ متى أصبح العالم العربي متصلاً بالإنترنت؟ وهل بإمكان المستخدم العربي فعلاً تصفح الإنترنت واستخدام الفيسبوك وتويتر باللغة العربية؟ وهل هناك شبكات اجتماعية في العالم العربي؟". لقد قفزت اللغة العربية لتحتل المركز السابع في عدد المستخدمين على شبكة الإنترنت بأعلى معدل نمو (2500% بين 2000 و2011).

هل دخل العالم العربي بعد أحداث سنة 2011 مرحلة جديدة من تاريخه؟ نعم. فالواقع أن تلك الأحداث لم تهز فقط القوى السياسية، بل هزت وشككت وثارت على كل ما هو سلطوي وكل "القوالب التي شكلت حتى الآن الهوية المحلية". لقد غيرت تلك الثورات من واقع "الحوار في مجتمعنا" العربي اليوم، فبعد أن كان حوارًا "عاموديًّا" بين الحيّز السياسيّ والمواطن وفق قوالب قومية في الماضي، أصبح حوارًا "أفقيًّا" بين الشباب العربي أنفسهم يعرّفون فيه عن أنفسهم ويتفاعلون فيه: "لقد جعل هؤلاء الشباب الصحراء الرقمية تُزهر".

وهل يمكن أن نقارن بين عصر الثورة العربية الرقمية وعصر النهضة العربية في نهاية القرن التاسع عشر التي لعبت فيها المطبعة دورًا جوهريًّا في تطوير المجتمعات العربية، مع الفارق طبعًا في الشريحة الاجتماعية واتساعها التي طالتها كلا النهضتين؟ فهل هذه "نهضة" جاءت تتمة لحركة القرن 19 أو لتجديدها؟ وماذا عن لورنس العرب "الإنكليزي" الذي قاد "الثورة العربية" منذ حوالي قرن من الزمان، هل هو أمريكا اليوم التي تقود العالم "الحر" بتشجيعها لحرية الإنترنت وتغنيها "بمعجزة الربيع العربي"؟ وبما أن الثورات العربية تدين بنجاحاتها لتلك التقنيات التي اخترعها ونشرها العقل الأمريكي!

لا يعتقد غونزاليس- كيخانو، المطّلع جيدًا على تاريخ المنطقة، أن الثورة الرقمية وليدة اليوم أو أنها وحيدة، بل سبقتها ثلاث أو أربع مراحل متتالية ومترابطة. فعلاوة على دخول المطبعة وتطوير المجتمع نهاية القرن 19، هناك الصحافة العربية العابرة للقارات التي انتشرت في نهاية القرن 20 (مثل جريدة الحياة والشرق الأوسط) وكانت من أول من استفاد من تطور التقنية الرقمية، ثم يأتي انطلاق القنوات الإخبارية الفضائية التي افتتحت في الوقت نفسه تقريبًا مواقعًا لها على الإنترنت، ثم جاء زمن المدونات، ثم تلتها الشبكات الاجتماعية (انطلاق فيسبوك رسميًّا كان سنة 2004). وكانت تونس أول بلد عربي تدخله الإنترنت (1991) وأول بلد عربي تنشأ فيه معارضة رقمية (مجموعة Takriz ، 1998) وفيه سقط أول "شهيد سيبراني" (زهير يحياوي الذي اعتقلته سلطات بن علي في ظروف مهينة لأكثر من عام ثم خرج ليموت بسكتة قلبية سنة 2005).

وينظر المؤلف إلى أحداث قرن كامل نظرة ثاقبة، يتابع التجديد الذي طرأ على اللغة العربية حيث نلمسه فيما نقرأه من مقالات ثورية وشعارات كتبها ونشرها عبر العالم شباب يافع وجعلوها سائغةً مقبولةً (مثل كلمة "بكسلها") في حين كان يتم الأمر "من فوق" سابقًا عبر مَجامع اللغة العربية مثلاً؛ علمًا أن أول مَجمع لغة عربية قد أسسه الأمير فيصل في دمشق سنة 1918 والذي كان يقود في الوقت نفسه الثورة العربية الكبرى!

ويلقي المؤلف نظرة تحليلية محايدة على اختلاط مشهد الثورات بتكنولوجيا الاتصالات. أين الواقع وأين الصورة؟ من الثائر ومن المصور؟: "عندما يتحول المتظاهرون إلى كتلة من العدسات التي تخلّد اللحظة الثورية (...) حتى في أكثر الحالات مأساوية". كما تشكل تلك الأحداث، بلغة الأرقام، مصدرًا هائلاً للمعلومات لمؤسسات مثل DARPA (وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية) التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية ومهمتها منذ تأسيسها في ستينيات القرن الماضي استشفاف كل ما قد يمنح الولايات المتحدة وقتًا متقدمًا على الأحداث العالمية لفرض استراتيجيتها. وقد ضُخت بالفعل ملايين الدولارات لتطوير أجهزة إنذار مبكر بل تكهن تكون بمثابة "رادارات للشبكات الاجتماعية" من شأنها التنبؤ بدرجة عالية بالتطورات السياسية، استفادت منها MITRE وهي مؤسسة "غير ربحية" متصلة جدًا بالأجهزة الأمنية الأمريكية.

والهمُّ واحد بطبيعة الحال لدى الأنظمة العربية من قبل هبوب رياح الربيع. فتناول الكتاب بالتحليل كيف تعاملت تلك الأنظمة مع تقنية الإنترنت في بداياتها، وتحدث عن مبادرات حقيقية قامت بها حكومات تلك الأنظمة لسد الثغرة الرقمية مع باقي دول العالم إما مع وصول الجيل الشاب من الحكام أو بضخ الكثير من الأموال في دول الخليج؛ لكنها كانت تفعِّل وتعزِّز في الوقت نفسه آليات الرقابة وكثيرًا ما كانت تُمرَّره تحت غطاء المحافظة على الأخلاق ومحاربة المواقع الإباحية (مُنع الفيسبوك واليوتوب والتويتر في كل الدول تقريبًا وما سُمح بها عشية الحِراك الشعبي إلا لتشجيع المعارضين على استخدامها لتسهل مراقبتهم ومن ثم القبض عليهم).

كما تحدث الكتاب عن قناة الجزيرة ودورها في كل ما حدث، وعن قناة الدنيا السورية و"كذبها" المفضوح وكيف "سرقت" أغاني الثوار وألحانهم في محاولة لتجيير سلاحهم الثقافي التقني الثوري نفسه ضدهم.

كتاب العروبة الرقمية كتاب غني ومثقِّف بما يحمل من معلومات وتواريخ وتحليلات.


عدد القراء: 5712

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-